< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/04/11

بسم الله الرحمن الرحيم

حديث أخلاقي

((محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن داود الرقي عن أبي عبد اللَّه في قول اللَّه تعالى ‌{وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ} قال: مَنْ عَلِمَ انَّ اللَّهَ يَراهُ وَيَسْمَعُ ما يَقُوْلُ وَيَعْلَمُ ما يَعْمَلُ مِنْ خَيْرٍ أوْ شَرٍّ، فَيَحْجُزُهُ ذلِكَ عَنِ الْقَبيحِ مِنَ الْاعمالِ، فَذلِكَ الَّذى‌ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى‌))([1] ).

إن مقام الخائف من الله تعالى هو من المقامات الجليلة، فإذا استطلع الإنسان بلوغ هذا المقام فلا شكّ أن الله يحبه ويفيض عليه الخيرات، ولا بد للعلماء أن يبلغوا درجة أكبر من سواهم في مقام الخوف من الله وقد قال سبحانه {إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عبادِهِ العُلَمَاءُ} فأسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم أن ننهل من هذه المعارف الحقيقية.

الأدلة على القول باشتراط إذن الإمام في القتال في وجوب خمس الغنيمة:

بعد أن التفتنا إلى القولين في المسألة من الاشتراط وعدم الاشتراط، نتعرض إلى الأدلة فيهما.

الأدلة على القول الأول:

في المسألة دليلان كما قال الشيخ الطوسي في الخلاف: دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم. فيمكن أن يُستدل عليه بالإجماع وبالأخبار، ولكنْ مع وجود الأخبار لن تصل النوبة إلى الإجماع (على فرض تحصيله)؛ لأن الاجماع دليلٌ لُبّيٌ والأخبار دليل لفظي، ومع وجود الأخبار يصير الإجماع مدركيّاً لا يعتنى به.

فالمهم في مقام الاستدلال إذاً هو الاستدلال بالأخبار والنصوص، والاستدلال بها كذلك لا يخلو من بعض الاضطراب من حيث السند والدلالة.

وقد اشار إلى ذلك الشيخ الفاضل اللنكراني (رحمه الله) في شرحه المفصل على تحرير الوسيلة حيث قال:

((الروايات الواردة في هذه الجهة ....بين ما هي ضعيفة من حيث السند و إن كانت ظاهرة من حيث الدلالة، و بين ما هي صحيحة من حيث السند غير ظاهرة من حيث الدلالة، مضافاً إلى الابتلاء بالمعارض الصحيح أيضاً))([2] ).

الرواية الأولى: وهي الدليل المهم بين الروايات، وهي مرسلة العباس الوراق.

الشيخ الطوسي ((بإسناده عن مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَسَار(في نسخة: الحسن بن أحمد بن بشار) عَنْ يَعْقُوبَ عَنِ الْعَبَّاسِ الْوَرَّاقِ عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِذَا غَزَا قَوْمٌ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ فَغَنِمُوا كَانَتِ الْغَنِيمَةُ كُلُّهَا لِلْإِمَامِ، وَإِذَا غَزَوْا بِأَمْرِ الْإِمَامِ فَغَنِمُوا كَانَ لِلْإِمَامِ الْخُمُسُ)).([3] )

إن هذه الرواية من حيث الدلالة صريحة في المدّعى، لأنها تصرح بأنه لو غزا قوم بغير إذن الامام كانت الغنيمة التي أخذها المسلمون كلها للإمام خارجةً عن تعلق الخمس، بل تعتبر من الأنفال. هذا بالنسبة إلى دلالتها، صريحة ولا غبار عليها.

وأما من جهة السند فهي ضعيفة ولا يمكن الاعتماد عليها إلا بقرينة خارجية بعنوان مؤيدٍ جابرٍ لضعف السند، وضعفها من جهات عديدة:

أولاً: من جهة اشتمالها على إرسال واشتمالها على عبارة (عن رجلٍ سمّاهُ عن أبي عبد اللّه)، فهي رواية مرسلة ومقطوعة، وقد صرح الفقهاء بذلك.

ثانياً: من جهة اشتمالها على الحسن بن أحمد بن يسار( أو ابن بشار)؛ فهذا الراوي مجهولٌ لم يعنونهُ علماء الرجال في كتبهم، وأما مَنْ عنونه كالسيد الخوئي في معجم رجال الحديث في رقم 2716، فلم يذكر بشأنه شيئاً، سوى أنْ أشار إلى حديثه في التهذيب فقط، ولا شك في أنّ هذا المقدار لا يفيد شيئاً، فالنتيجة أنه مجهول من هذا الجانب.

ثالثاً: من جهة اشتمالها على "يعقوب" المشترك بين تسعة عشر شخصاً بين الضعف والقوة.

نعم؛ إنّ العباس بن الوراق هو العباس بن موسى وهو ثقة، ولكن الوثوق به مع وجود الجهات المذكورة من الضعف لا يفيد شيئاً.

ولو قطعنا النظر عن ضعف الرواية فإن الرواية مضافاً إلى ما تقدم مُعارَضَةٌ بالرواية الصحيحة، ومعارضة بعموم آية الخمس المباركة.

فبالنتيجة: ظهر لنا أن رواية الورّاق بذاتها - ومن دون احتفافها بالقرائن - لا تغنينا في مقام الاستدلال، وإذا كان كذلك فلا بد من الرجوع إلى عموم الآية والأصل في عدم اشتراط إذن الإمام في ملكية الأشخاص للأموال التي يأخذونها من الحرب مع الكفار.

و لكن يوجد في المقام بعض الوجوه والقرائن التي تدل على إمكان اعتمادنا على هذه الرواية في القول باشتراط إذن الامام في القتال في وجوب خمس الغنيمة، و بعبارة أخرى إنّ كل هذه الإشكالات على رواية الوراق قابلة للمنع،

لذا اهتم الفقهاء بالدفاع عن الرواية والاستفادة منها، فبالنسبة لضعف السند يمكن جبره بالشهرة الفتوائية وعمل الأصحاب جلّهم، ما عدا قليل منهم، إذ القائلون بعدم الاشتراط قليلون جداً.

فصاحب الرياض في مقام الدفاع عن هذه الرواية ذكر الشهرة الفتوائية وعمل الأصحاب فقال: ((وهذه الرواية وإن كانت مقطوعة أي مرسلة ضعيفة، إلا أنها منجبرة بالشهرة العظيمة المقطوع بها المحكية في التنقيح([4] ) والمسالك([5] ) والروضة ([6] ) وغيرها من كتب الجماعة، بل في الأول أن عليها عمل الأصحاب، وفي الأخير أنه لا قائل بخلافها، وعن الخلاف ، والحلي دعوى الإجماع([7] )، وهو حجة أخرى،

مضافاً إلى التأييد برواية صحيحة مروية في الكافي([8] )، في كتاب الجهاد، في أول باب قسمة الغنيمة))([9] ).

فالشهرة الفتوائية وعمل الأصحاب بها متحقق لدى جلّهم كما بينّاه، فيمكن أن نعتمد عليها بناء على ذلك، وسنتحدث في الجسلة القادمة - إن شاء الله - كيف تكون الشهرة جابرة لضعف السند.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo