< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/03/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حكم منكر ضروري المذهب

بعد أن تحدثنا حول ضروري الدين وبيّنا حكم منكره، وذكرنا الشرائط المؤثرة فيه، ينبغي أن نتحدث حول ضروري المذهب، ومن الواضح أنه يأتي في ضروري المذهب كل ما تقدّم في ضروري الدين من التعريف وتحديد الملاك والمعيار .

و كما قلنا بأن معنى الضروري هو وضوح الحكم في محيط الشرع والإسلام فهكذا نقول هنا في محيط المذهب.

ولا يخفى عليك أن أقوال الفقهاء في ضروري المذهب ليست بأقل مما قالوه في ضروري الدين، ولكن بما أننا قد ذكرنا البحث هناك بشكل مفصلٍ فلا نعيدُ هنا لعدم الحاجة إلى التكرار.

وأمَّا النقطة المهمة هنا فهي الإجابة عن هذا السؤال: هل يُعتبر منكر ضروري من ضروريّات المذهب كمنكر ضروريّات الدين أم لا؟ والجواب واضح على المبنى المختار؛ إذ اخترنا مبنى الأمارية، وعليه فلا إشكال ولا خلاف في عدم الفرق بين إنكار ضروري الدين وإنكار ضروري المذهب، فلا فرق بينهما من حيث ترتّب الكفر على هذا الإنكار، في فرض العلم بضروريته، وفرض الالتفات لوجود الملازمة بين الإنكار والخروج عن الاسلام، وذلك أن الإنكار مع العلم يؤدي إلى إنكار الرسالة وتكذيب الرسولصلی‌الله علیه و آله

و أما الفرق بينهما في فرض عدم رجوع إنكار ضروري المذهب إلى إنكار الرسالة وتكذيب النبي صلی‌الله علیه و آله فهل يحكم حينها بكفره أو لا؟

من الواضح أن إنكار الضروري في هذه الفرض لا يوجب الكفر؛ لأن الكفر عبارةٌ عن خروج المسلم عن إسلامه، ولا ريب في أن دائرة المذهب أضيق من دائرة الدين، ومن خرج من الدائرة الضيقة لا يخرج من الدائرة الواسعة. فمن خرج عن المذهب بقي في الدين، إلا إذا أدى إنكاره إلى إنكار الرسالة وتكذيب النبي صلی‌الله علیه و آلهو هذا ما يستفاد من الروايات الدالة على أن الايمان أضيق من الإسلام، ولا شك في أن المراد من الإيمان في هذه الروايات هو الالتزام بمذهب أهل البيت فبذلك يكون من خرج عن الايمان قد خرج من المذهب وبقي في الدين، فلا يعد كافراً، بل يُعدُّ مسلماً منحرفاً عن طريق الحق، وأما كفرهُ فغيرُ ثابتٍ.

وأما خروج منكر ضروري المذهب عن المذهب فلا خلاف فيه، بشرط أن يكون الإنكار مع العلم والالتفات؛ كما شرحناه في منكر ضروري الدين. وفي فرض عدم العلم وعدم الالتفات فلا يحكم بخروجه عن المذهب.

و يمكن الاستدلال على عدم كفر منكر ضروري المذهب بالروايات الآتية:

1- محمد بن يعقوب عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيىٰ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ السِّمْطِ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا عَبْدِ اللّٰهِ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ الْتَقَيَا فِي الطَّرِيقِ وَقَدْ أَزِفَ مِنَ الرَّجُلِ الرَّحِيلُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّٰهِ كَأَنَّهُ قَدْ أَزِفَ مِنْكَ رَحِيلٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: فَالْقَنِي فِي الْبَيْتِ فَلَقِيَهُ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ فَقَالَ: الْإِسْلَامُ هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي عَلَيْهِ النَّاسُ، شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللّٰهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللّٰهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَحِجُّ الْبَيْتِ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَهٰذَا الْإِسْلَامُ. وَقَالَ: الْإِيمَانُ مَعْرِفَةُ هٰذَا الْأَمْرِ مَعَ هٰذَا، فَإِنْ أَقَرَّ بِهَا وَلَمْ يَعْرِفْ هٰذَا الْأَمْرَ، كَانَ مُسْلِماً وَكَانَ ضَالًّا [1]

2- محمد بن يعقوب عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ وَ الْإِيمَانِ أَ هُمَا مُخْتَلِفَانِ؟ فَقَالَ إِنَّ الْإِيمَانَ يُشَارِكُ الْإِسْلَامَ وَالْإِسْلَامَ لَا يُشَارِكُ الْإِيمَانَ. فَقُلْتُ: فَصِفْهُمَا لِي؟ فَقَالَ: الْإِسْلَامُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالتَّصْدِيقُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلی‌الله علیه و آله بِهِ حُقِنَتِ الدِّمَاءُ وَعَلَيْهِ جَرَتِ الْمَنَاكِحُ وَالْمَوَارِيثُ، وَعَلَى ظَاهِرِهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ، وَالْإِيمَانُ الْهُدَى وَمَا يَثْبُتُ فِي الْقُلُوبِ مِنْ صِفَةِ الْإِسْلَامِ وَمَا ظَهَرَ مِنَ الْعَمَلِ بِهِ، وَالْإِيمَانُ أَرْفَعُ مِنَ الْإِسْلَامِ بِدَرَجَةٍ، إِنَّ الْإِيمَانَ يُشَارِكُ الْإِسْلَامَ فِي الظَّاهِرِ، وَالْإِسْلَامَ لَا يُشَارِكُ الْإِيمَانَ فِي الْبَاطِنِ، وَإنِ اجْتَمَعَا فِي الْقَوْلِ وَالصِّفَةِ ([2] ).

3- عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ جَمِيعاً عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: الْإِيمَانُ مَا اسْتَقَرَّ فِي الْقَلْبِ وَأَفْضَى بِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ بِالطَّاعَةِ لِلَّهِ وَالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِهِ، وَالْإِسْلَامُ مَا ظَهَرَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ مِنَ الْفِرَقِ كُلِّهَا، وَبِهِ حُقِنَتِ الدِّمَاءُ وَعَلَيْهِ جَرَتِ الْمَوَارِيثُ وَجَازَ النِّكَاحُ وَاجْتَمَعُوا عَلَى الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، فَخَرَجُوا بِذَلِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَأُضِيفُوا إِلَى الْإِيمَانِ، وَالْإِسْلَامُ لَا يَشْرَكُ الْإِيمَانَ وَالْإِيمَانُ يَشْرَكُ الْإِسْلَامَ، وَهُمَا فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ يَجْتَمِعَانِ كَمَا صَارَتِ الْكَعْبَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَسْجِدُ لَيْسَ فِي الْكَعْبَةِ، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ يَشْرَكُ الْإِسْلَامَ وَالْإِسْلَامُ لَا يَشْرَكُ الْإِيمَانَ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿قٰالَتِ الْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا وَلَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾([3] ) فَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَصْدَقُ الْقَوْلِ. قُلْتُ: ؤ فِي شَيْ‌ءٍ مِنَ الْفَضَائِلِ وَالْأَحْكَامِ وَالْحُدُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا؛ هُمَا يَجْرِيَانِ فِي ذَلِكَ مَجْرَى وَاحِدٍ وَلَكِنْ لِلْمُؤْمِنِ فَضْلٌ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي أَعْمَالِهِمَا وَمَا يَتَقَرَّبَانِ بِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ([4] ).

فيستفاد من هذه الروايات، وغيرها من الروايات الدالة على تعامل الأئمة مع المخالفين ومنكري ضروريات المذهب، أن منكر ضروري المذهب لا يُحكَمُ بكفره وليس خارجاً عن الإسلام، ما لم يؤدِّ إنكارهُ إلى إنكار الرسالة وتكذيب النبيصلی‌الله علیه و آله

نعم؛ يحكم بخروجه عن المذهب وعن الإيمان بتحقق شرائط هي العلم بأنَّ ما يُنكره من ضروري المذهب، والالتفات إلى الملازمة بين الإنكار وبين الحكم بالخروج عن المذهب، وبعد أن يظهر أن إنكاره مخالفٌ للتصديق الإجمالي بالمذهب. وهذا هو الحق.


[3] سوره. حجرات، آیه 14

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo