< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/01/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: نقل أقوال الفقهاء في اتفاق المسلمين في وجوب الخمس

* قال صاحب الجواهر(رحمه الله): فالخمسُ في الجُملةِ ممّا لا ينبغي الشكُّ في وجوبهِ بعدَ تطابقِ الكتابِ والسُّنةِ و الإجماع عليه، بل به يخرجُ الشاكُّ عن المسلمين، ويدخلُ في الكافرين، كالشكِّ في غيره من ضروريات الدينِ[1]

ومسألة خروج الشاكِّ في الخُمس عن المسلمين هي من المسائل التي أشرنا إليها في البداية تحت سؤال: هل الخُمسُ من ضروريات الإسلام أو المذهب أو لا؟ فإنْ قلنا بكونه من الضروريات، فهل نقول بخروج الشاكِّ عن المسلمين؟ يعتبِرُ صاحبُ الجواهر(رحمه الله) أن الشاكَّ فيه مُنكِرٌ لضروريٍّ من ضروريات الدين.

وقال السيد الخوئي (رحمه الله): لا إشكال كما لا خلاف في وجوب الخمس في الشريعة الإسلامية، وقد نطق به الكتاب العزيز والسنّة المتواترة، بل قامت عليه الضرورة القطعيّة على حدٍّ يندرجُ مُنكِرُهُ في سِلكِ الكافرين، وقد أصفَقَتْ عليه علماءُ المسلمينَ قاطبةً من الخاصّة والعامّة، وإنْ وقعَ الخلافُ في بعضِ الخصوصيّاتِ مِنْ حيثُ المورِدِ والمَصرِف [2]

المحصل من الأقوال:

أصلُ وجوب الخمس ممّا لا ريبَ فيه عند الإمامية وعند العامة. والخلافُ في تفاصيله. ونكرِّرُ هنا أن الاختلاف في الفروع والتفاصيل كثير جداً، وكذلك فإن الخلاف في التفاصيل واقعٌ بين فقهاء الفريق الواحد، وقد استدل الفريقان بالآيةِ عينِها من كتاب الله العزيز، وهي الآية الوحيدة لإثبات الخمس عندهما: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[3] ووقع الخلاف في كيفية ومقدار الاستنباط من الآية، والفروع المترتبة على ذلك.

فنستطيع القول أنَّ مسألة الخمس ليست جديدةَ، ولا مسألةً طائفيةً؛ بل هي حكمٌ قرآنيٌّ اتفق الفريقان على الاستدلال له بالآية المتقدمة.

سؤال : طالما أن الخمس واجب قطعي وهو موضع اتفاق الفريقين، فلماذا انتشر الخمس في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) وبعض المعصومين (عليهم السلام) ولم يباشر رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحصيلَ الخمس من المسلمين؟ فبحسب الظاهر لا دليل على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة إلى السجاد (عليهم السلام) قد باشروا جمعَ الخمس؟ في حينِ أنَّ النبي اهتمَّ بجمعِ الزكاة وعيّنَ لذلك عُمالاً، والحال أن هذين الواجبين منَ الضرائب المالية الواجبة في الاسلام.

هذه شبهة مطروحةٌ من قِبَلِ التيار الوهابيّ، ولا بد من الالتفات لها والإجابة عنها، ثم إلفات المجتمع إلى ذلك.

 

في مقام الجواب نقول:

أولاً: من خلال البحث في مصادر الخاصة والعامة يمكن للفقيه المتتبّعِ أن يجد بعض الروايات المُشيرةِ إلى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) طلب من الناس الخُمسَ. صحيحٌ أنه لم يُرسِلْ عمّالاً لجمعِهِ، ولكنهُ طلبهُ وَحَثَّ عليه. وهذا مشارٌ إليه في كتب العامة وصحاحهم؛ فقد روى البخاريُّ حديثاً عن حضور وفد بعض القبائل عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد أمرهم بأداء الخمس. وقد روى البخاريُّ هذا الحديث في مواضعَ ثلاثةٍ بروايات متفاوتةٍ، ومنها:

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الجَعْدِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ ، قَالَ : كُنْتُ أَقْعُدُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ يُجْلِسُنِي عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ : أَقِمْ عِنْدِي حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي فَأَقَمْتُ مَعَهُ شَهْرَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ القَيْسِ لَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنِ القَوْمُ ؟ - أَوْ مَنِ الوَفْدُ؟ - قَالُوا: رَبِيعَةُ. قَالَ : مَرْحَبًا بِالقَوْمِ ، أَوْ بِالوَفْدِ ، غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ نَدَامَى ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الحَرَامِ ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ ، نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا ، وَنَدْخُلْ بِهِ الجَنَّةَ ، وَسَأَلُوهُ عَنِ الأَشْرِبَةِ : فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ ، أَمَرَهُمْ : بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ ، قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ المَغْنَمِ الخُمُسَ...[4]

صدَرَ هذا الحديث بحضور النبي (صلى الله عليه وآله) في مكة. فهو يدل على اعتناء النبي بمسألة الخمس، وطلبِهِ من الناسِ خُمسَ المغانم.

ثانياً: إذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد بعث العاملين لجمع الزكاة ولم يُروَ عنه أنه أرسل للقبائل الوفودَ لجمع الخمس، فلعّل الوجهَ في الزكاةِ أنها حقُّ الفقراء والمسلمين عامة، وجمعُها يعود لمَصالحِ المسلمين الواردة في آية الزكاة، وبها كان قوام حياتهم، ولذلك كان للنبي (صلى الله عليه وآله) عمّالٌ لجباية الزكاة، حتى أنّ أحَدَ مصارفِها هم العمّالُ عليها، وقد أشير إليهم في قوله تعالى: ﴿وَالْعَامِلِيْنَ عَلَيْهَا﴾[5]

أما الخُمسُ الذي هو حق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبني هاشم، فلعلَّ الظروف لم تكن تساعدُ في جمعِ مالهِ، فجعل الزكاة مُقدَّمَةً عليه؛ تقديماً لِحقِّ عامة المسلمين على حقه وحق ذريته..

ثالثاً: لقد كان المسلمون حينها حديثي عهد بالإسلام، فربّما لو أراد (صلى الله عليه وآله) أنْ يُحصِّلَ منهم الزكاةَ والخمسَ لأدّى ذلك إلى تَضَجُّرِهِمْ وشُعُورِهِمْ بالعِبءِ الماليّ.

وأمّا بعد رسول الله فقد أُخِذَت الخلافة، وجلس عليٌّ (عليه السلام) في بيته وترك الخلافة رعايةً لمصلحة الأمة، وفيمَا تَلاهُ من عصر الإمامين الحسنين (عليهما السلام) إلى ما قبل عصر الإمام الصادق (عليه السلام)، لم تتهيأ الظروف المناسبة لتنفيذ حكم الخمس فتركوه (عليهم السلام) كذلك رعاية لمصلحة الأمة.

والبعض يقولُ أنّ الخمس صار واجباً بعد غزوة بدرٍ بنزول آية الخمس في ذلك الوقت، وبناء عليه فالخمسُ من الواجبات التي أوجبها الله تعالى في المدينة بعد تأسيس حكومة الإسلام. وربما يُمكن الجمعُ بينهما (بين القول بوجوبه في مكة، أو في المدينة) بأنّ الخمس كان واجباً، ولكن تنفيذهُ كان باختيارِ رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى غزوة بدر، والفرقُ قائمٌ ومعلومٌ بين جعل الخُمسِ وبين إمكانيةِ تنفيذِ الحُكم.

رابعاً: قد نقولُ أنّ الخمسَ الذي طلبه النبيُّ (صلى الله عليه وآله) في مكة هو الخمس المتعارف قبل الإسلام، وأما ما نتحدث عنه في ردِّ الإشكال فهو الخُمسُ المُشرّعُ بتفصيلِهِ، واللائق بالحكومةِ الإسلامية.


[4] صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب أداء الخمس من الإيمان، الحديث رقم 53.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo