< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

33/04/05

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم اللٰه الرحمن الرحيم

بحث أصول

 

{مُقَدَِّمَةُ الْوَاجِبِ\تنبيهات الواجب الْمُعَلَّق\التنبيه الأول: وجوب الواجب الْمُعَلَّق}

الجلسة الـ251، الثلاثاء 05-04-1433 (الموافق لـ28-02-2012)

بحث ثبوتي في الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة

انتهينا من بحث الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة الثبوتي، وذكرنا وجوهاً تُذكر عادةً لإثبات وجوب المقدمة الْمُفَوِّتَة الَّتِي تُتصور قبل وقت الواجب، فكان أحدها الوجوب المشروط بالشرط الْمُتَأَخِّر والآخر الواجب الْمُعَلَّق، وكان الوجوب في هذين الوجهين فِعْلِيّاً قبل زمان الواجب عَلَىٰ أن تكون المقدمة الْمُفَوِّتَة واجباً غَيْرِيّاً (كسائر الْمُقَدَِّمَات)، وذكرنا أربعة أوجه أخرى جعلت مجموعها ستة أوجهٍ ثبوتية تُذكر لتصوير وجوب الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَةِ قبل وقت الواجب.

بحث إثباتي في الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة

أَمَّا البحث الإثباتي فهو يحظى بأهمية أكبر، فإذا كان لدينا واجب في المستقبل وكان هذا الواجب بحاجة إلى توفير بعض الْمُقَدَِّمَات له قبل الوقت بحيث لو لم يهيئها الْمُكَلَّفُ تُسلب منه القدرةُ عَلَىٰ الإتيان بها داخل الوقت. فهل يجب الإتيان بتلك الْمُقَدَِّمَات قبل الوقت دائماً وفي جميع الموارد (أي: هل أن أساس وجوب الْمُقَدَِّمَات مُفَوِّتَة أم لا)؟

فهذا المطلب بحاجة إلى بحث إثباتي، فيجب إثبات إحدى تلك الوجوه الستة وَالَّتِي كانت ترجع إلى أربعة أوجه:

الوجه الأول: الواجب الْمُعَلَّق بأن يقال بالواجب الْمُعَلَّق مستدلاً بالدليل.

الوجه الثَّانِي: الواجب المشروط بالشرط الْمُتَأَخِّر الَّذِي يؤخذ في ذاك الوقت عَلَىٰ نَحْوِ الشَّرْط الْمُتَأَخِّر، ويكون الوجوب متوفراً مِنْ قَبلُ، فإن ساعدنا ظاهرُ الدليل فيتم به البحث الإثباتي وكذلك البحث الثبوتي ولا نواجه مشكلة (كآية الحج أو وجوب صيام شهر رمضان المبارك)، حيث قالوا بِأَنَّهُ يستظهر من الدليل أن الوجوب يأتي قبل وقت الواجب، أي: يقال في الحج بأن الدليل ظاهر في أن الوجوب يصبح فِعْلِيّاً منذ وقت الاستطاعة، وكذلك ظاهر دليل وجوب الصيام في شهر رمضان حيث يدل عَلَىٰ أَنَّهُ صيام كل شهر رمضان يصبح وَاجِباً بمجرد رؤية الهلال، سواء عَلَىٰ نَحْوِ الواجب الْمُعَلَّق أم عَلَىٰ نَحْوِ الواجب المشروط بالشرط الْمُتَأَخِّر.

إذن، كُلَّمَا كان الدليل ظاهراً في تقدم الوجوب وكنا نقول بإمكان الواجب الْمُعَلَّق أو باشتراط الشَّرْط الْمُتَأَخِّر، أضحت الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة واجبةً. أَمَّا إذا كان الدليلُ ظاهراً في أنَّ زمان الوجوب هو زمان الواجب نفسه (كأكثر الأوامر المؤقتة بالوقت) كأوقات الصلوات الظاهرة في أن الصلاة الفريضة واجبة في أي آن من الآنات الموجودة بعد دخول الوقت {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}، فَحِينَئِذٍ لا يأتي شيء من الوجهين الأولين.

تصوير الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة في الوجهين الخامس والسادس

أَمَّا الوجهان الخامس والسادس فكان أحدهما عبارة عن فعلية الملاك قبل الوقت عَلَىٰ ان يكون الزمانُ قَيْداً لاستيفائه، أو إذا كان الزمان قَيْداً لاتصاف الملاك أننا نعلم بِأَنَّهُ سوف يصبح فِعْلِيّاً.

وقلنا: إن الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة إِنَّمَا تصبح فعليةً (وَفْقاً لهذين الوجهين) فيما إذا لم تكن القدرة عَلَىٰ الواجب داخل الوقت شَرْطاً للاتصاف، وإلا فإن ترك الْمُقَدَِّمَةِ الْمُفَوِّتَة في الوقت يرفع موضوع الملاك مِمَّا ليس تفويتاً للملاك.

مبنى جريان الوجهين ومقتضى الأصل العملي

أَمَّا جريان هذين الوجهين وسريانهما فمبتنٍ عَلَىٰ أن يُحرز الْمُكَلَّفُ فعليةَ الملاك في الحال أو في المستقبل، وإحراز ذلك متوقفٌ عَلَىٰ إحراز عدم أخذ القدرة في زمان الوجوب في الملاك، وهذا المطلب لا يمكن إحرازه إِلاَّ بالدليل الخاص؛ ذلك لأَنَّ دليل الخطاب مُقَيَّد بقيد القدرة، أي: أن الوجوب إِنَّمَا يصبح فِعْلِيّاً فيما إذا كان الواجب مَقْدُوراً في ذاك الوقت، ومعنى ذلك أن القدرة عَلَىٰ صلاة الظهر وقت الزوال مثلاً شرطٌ لوجوبها، وإذا لم يقدر الْمُكَلَّف عَلَىٰ الصلاة عن وضوء داخل الوقت فلا يصبح التكليف بها فِعْلِيّاً في حقه، ومع فقدان الدليل عَلَىٰ فعلية الوجوب لا يوجد دليل عَلَىٰ فعلية الملاك؛ لأَنَّهُ لا يوجد دليل مستقل عَلَىٰ ملاكات الأحكام، ودليل الملاك هو نفس دليل الأمر والوجوب، بِأَنَّ من كان عاجزاً عن الوضوء داخل الوقت لا يشمله دليل الأمر، وَحِينَئِذٍ يتعذر إثبات فعلية الملاك أَيْضاً، وَبِالتَّالِي نشك فيها، والشك في فعلية الملاك كالشك في فعلية الوجوب مجرى لأصالة البراءة.

ومن هذا المنطلق يبين أن مقتضى الأصل العملي هو عدم وجوب الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَةِ، إِلاَّ ما خرج بالدليل الخاص.

والحاصل أن القدرة كما هي دخيلة في فعلية الوجوب، فلربما تكون دخيلة في ملاكها أَيْضاً، ولا علم لنا بأغراض المولى لا سيما في العبادات، وإذا أصبحت فعلية الملاك مشكوكة تُجرى البراءة عنها.

إذن، إن وجوب الْمُقَدَِّمَة الْمُفَوِّتَة إِثْبَاتاً إِنَّمَا يحدث في الواجبات الَّتِي وجوبها مشروط بالوقت ووجوبها مقرون بزمان الواجب (وهذا شأن أكثر الواجبات المؤقتة) فيما إذا أحرزنا أن القدرة عَلَىٰ الواجب داخل الوقت ليس شَرْطاً للاتصاف، وأنه مع تقيّد الخطابات الشرعية بقيد القدرة وعدم فعلية التكليف في موارد العجز لا يوجد عليل عَلَىٰ فعلية الملاك داخل الوقت، وَبِالتَّالِي يُشك في تفويت الملاك وهو مجرى أصالة البراءة.

هذا تقريب فني وصحيح، ولكن في مقابله قد يُتمسَّك بتقريبات أخرى لإثبات وجوب الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة نشير إليها فيما يلي:

تقريبات لإثبات وجوب الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة

التقريب الأول:

أن يقال بأن القدرة شرط لتنجُّز التكليف، وليست شَرْطاً لفعليتها، إذن يصبح الملاك وكذلك الوجوب فِعْلِيّاً عَلَىٰ الْمُكَلَّف بمجرد دخول الوقت، وحيث أن الْمُكَلَّف يعلم قبل الوقت بأن وجوبه وملاكه سوف يكون فِعْلِيّاً داخل الوقت وسوف يكون قادراً عَلَىٰ تحصيله وعدم تفويته بالإتيان بِالْمُقَدِّمَةِ الْمُفَوِّتَة، فلذلك يتنجّز مثل هذا التكليف عَلَىٰ الْمُكَلَّف قبل الوقت، وَيُعَدُّ تفويته معصية؛ لأَنَّهُ قادر عَلَىٰ عدم التفويت.

نقد التقريب الأول:

ويرد عليه بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَتُِمّ فيما إذا آمنّا بمبناه، ولكن مبناه باطل؛ لأَنَّ القدرةَ (كما أثبت في محله) شرط لفعلية الوجوب.

التقريب الثَّانِي:

التمسك بالمدلول الالتزامي للخطاب؛ لأَنَّ دليل الخطاب له مدلولان:

المدلول الأول: مدلوله المطابقي الَّذِي هو الوجوب والتكليف.

المدلول الثَّانِي: مدلوله الالتزامي الَّذِي هو ملاك المولى وغرضه من التكليف.

ودليل شرطية القدرة في التكاليف إِنَّمَا يقيِّدُ المدلول المطابقي للخطاب ويُخرج منه مواردَ العجز، ولكن المدلول الالتزامي الَّذِي هو وجوب الملاك يبقى حَتَّىٰ في موارد العجز؛ لأَنَّهُ لا يتنافى مع موارد العجز، وقد يكون الملاك أوسع من الوجوب، ولا يلزم من سقوط المدلول المطابقي لدليل الخطاب عن الحجية سقوطَ مدلوله الالتزامي.

والحاصل أننا حَتَّىٰ لو اعتبرنا القدرة شَرْطاً للتكليف لا تتبع الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية في الحجية، ويبقى المدلول الالتزامي لدليل الخطاب عَلَىٰ إطلاقه، ويمكن إحراز الملاك به، وَبِالتَّالِي تصبح الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة واجبة قبل الوقت.

تفنيد التقريب الثَّانِي:

ولكن لا يمكن المساعدة عَلَىٰ هذا التقريب، وذلك:

أَوَّلاً: لأَنَّهُ مبتنٍ عَلَىٰ عدم تبعية الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية في الحجية، وهذا ما يرفضه الكثيرون حيث يقولون بأن الدلالة الالتزامية تابعة للدلالة المطابقية في الحجية، كما سوف نثبت ذلك في تعارض الأدلة.

وَثَانِياً: أَنَّ من يقول باستقلال الدلالة الالتزامية في الحجية لا يمكنه الاستفادة منه في هذه الإجابة؛ لأَنَّ قيد القدرة وعدم العجز في الخطابات إِنَّمَا هو بمثابة الْمُقَيَّد المتصل، لا المنفصل؛ أي: إذا كان الْمُقَيَّد منحصراً في الأدلة الشرعية كحديث الرفع ورفع الاضطرار وأمثالهما كان الْمُقَيَّد منفصلا، ولكنَّ دليل اشتراط القدرة ليس منحصراً في الأدلة الشرعية، بل ثبت في محله أَنَّهُ ليس لدليل الخطاب إطلاق يشمل مورد العجز؛ لأَنَّ الحكم العقلي بقبح التكليف بغير المقدور وأمثاله، حكمٌ بديهي ومتصل بالخطاب، ولا يُعقل البعث والتحريك أَسَاساً في موارد العجز.

ومن هنا لا ينعقد المدلول المطابقي لدليل الخطاب في أكثر من موارد القدرة، وليس لذاته إطلاق يشمل موارد العجز، ولا شك في أن الدلالة الالتزامية تتبع الدلالة المطابقية في الانعقاد والتكوّن. أي: الشيء الَّذِي لا يشمله المدلول المطابقي ذاتاً لا يمكن للمدلول الالتزامي أن يشمله، لكي يصل الدور إلى الحجية.

وبعبارة أخرى: إن عدم تبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية إِنَّمَا هي في الحجية وليس ذاتاً وفي الانعقاد والتكوّن. ويمكن استفادة عدم التبعية هذا، في الْمُقَيِّدات والمخصص المنفصلة، لا في الْمُقَيِّدات المتصلة الَّتِي ترفع أصل ظهور الدلالة وانعقادها. إذن، لا يمكن قبول التقريب الثَّانِي أَيْضاً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo