< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

33/04/04

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم اللٰه الرحمن الرحيم

بحث أصول

 

{مُقَدَِّمَةُ الْوَاجِبِ\تنبيهات الواجب الْمُعَلَّق\التنبيه الأول: وجوب الواجب الْمُعَلَّق}

الجلسة الـ250، الاثنين 04-04-1433 (الموافق لـ27-02-2012)

تتمّة الوجه السادس:

كان الكلام في الوجه السادس وقلنا بأنه وَفْقاً لهذا الوجه حَتَّىٰ لو كان الزمان الاِسْتِقْبَالِيّ قَيْداً للاتصاف بالملاك وكان ملاك الواجب فِعْلِيّاً بعد تحقق الزمان الاِسْتِقْبَالِيّ، مع ذلك تجب الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة قبل الوقت عَقْلاً؛ لأَنَّ العقل يقول: إن كان الملاك قطعي الفِعْلِيَّة مُسْتَقْبَلاً وكان الْمُكَلَّف يعلم بِأَنَّهُ لو لم يأت بالمقدمة قبل الوقت فلا يمكنه الإتيان بها داخل الوقت، وإلا فسوف يفوّت عَلَىٰ المولى غرضَه بسوء اختياره، والتفويت بسوء الاختيار لا يمنع عن استحقاق العقاب حَتَّىٰ لو لم يصبح الوجوب فِعْلِيّاً.

وبهذا الصدد أفاد النائيني أن بإمكان المولى التمسك بمتمم الجعل في المقام ويجعل وجوباً شَرْعِيّاً بالإضافة إلى الوجوب العقلي.

ثم ذكرنا إشكال السَّيِّد الأُسْتَاذِ الْخُوئِيِّ & وأجبنا عنه.

إشكال الشهيد الصدر:

أَمَّا سَيِّدُنَا الأُسْتَاذُ الشَّهِيدُ & فقد اعترض عَلَىٰ أصل هذه الوجوه، وهو في واقعه إشكال عَلَىٰ الوجه السادس والوجه الثَّانِي؛ لأَنَّ الوجوه الأخرى كانت تتبنى فكرة فعليةِ الملاك مِنْ قِبْلُ، وأن لا يكون الزمان الاِسْتِقْبَالِيّ شَرْطاً للاتصاف، ولكن الملاك في هذين الوجهين يصبح فِعْلِيّاً بعد الزمان الاِسْتِقْبَالِيّ.

إيضاح الإشكال:

يقول سَيِّدُنَا الأُسْتَاذُ الشَّهِيدُ &: إنهم ذكروا في هذا الوجه بأن الملاك وإن كان يأتي مُسْتَقْبَلاً (لأن الزمان شرط للاتصاف) ولكن حيث نعلم مسبَقاً بأن ذاك الشَّرْط يصبح فِعْلِيّاً، فَحِينَئِذٍ يحكم العقل بالإتيان بالمقدمة. ولكن هذا الكلام لا يحل روح الإشكال؛ لأَنَّ الْمُقَدَِّمَاتِ الْمُفَوِّتَةَ دخيلة في المراد التكويني وليست خاصة بالإرادة التشريعية، ذلك كالذي يقصد الصحراء ولكنه لا يأخذ معه الماء، فهو حين العطش لا قدرة له عَلَىٰ الماء، فبات أمره من المقدمة الْمُفَوِّتَة؛ فَإِنَّ العطش والحاجة إلى شرب الماء ليس فِعْلِيّاً بالنسبة إليه، بل هو مشروط بالعطش مُسْتَقْبَلاً، ولكن المقدمة الْمُفَوِّتَة الَّتِي هي اصطحاب الماء معه، كانت موجودة مِنْ قِبْلُ.

ما ذكره الأصوليون من أن >العقل يحكم بوجوب المقدمة الْمُفَوِّتَة، وَالَّذِي أضفى إليه الميرزا النائيني متممَ الجعل والوجوبَ الشرعي<، لا يسمح لهم بالالتزام به في المقدمة الْمُفَوِّتَة من المراد التكويني؛ لأَنَّ الحديث هناك لا يدور حول المولى والعبد لكي يتمكن العقل من الحكم باستحقاق العقوبة، أو يستطيع الشَّارِع جعلَ المتمم، وَإِنَّمَا نحتاج إلى المقدمة بإرادةٍ تكوينية. وَحِينَئِذٍ نتساءل: هل تتعلق إرادةُ المريد بالمقدمات الْمُفَوِّتَة في الإرادة التكوينية قبل فعلية الملاك والإرادة النفسية؟ إن أجبتم بالإيجاب فكيف يُبرّر ذلك مع أن الإرادة النفسية مفقودة، والإرادة الغيرية تابعة للإرادة النفسية، وإن أجبتم بالنفي فلازمه أن المولى لو حصل لديه مثل هذه الإرادة الاستقبالية المعلقة عَلَىٰ تحقق الشَّرْط، فسوف لا يتحرك بنفسه نحو المقدمة الْمُفَوِّتَة، وَحِينَئِذٍ لو أراد المولى إرادةً تشريعيةً لا يجب عَقْلاً عَلَىٰ العبد أن يمتثله ويطيعه.

والدليل عَلَىٰ ذلك أن التحريك المولوي ليس أكثر من تصدّي المولى نفسه وتحركه التكويني، بمعنى أن المولى واقعاً في الإرادة التشريعية يريد أن يستبدل العبد بنفسه بقانون المولوية، ودائرة التحريك المولوي إِنَّمَا هي بمقدار التصدي المولوي، ودائرة هذا التصدي إِنَّمَا هي بمقدار التصدي في الإرادة التكوينية؛ فإذا كان المولى يتصدى للتحصيل كان بذاك المقدار، لا بأكثر منه، وَبِالتَّالِي لا يوجد لدينا حكم عقلي في المقام.

ومن هنا يجب أن نحلّ مشكلة إرادة الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة في الإرادة التكوينية وذلك قبل فعلية الإرادة النفسية وقبل الوقت، فإن لم يتحرك المولى تكويناً نحو الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة فسوف لا يحكم العقل تشريعاً بوجوب المقدمة الْمُفَوِّتَة، وكذلك حكم الشرع عَلَىٰ نَحْوِ متمم الجعل أو جعل الواجب المشروط عَلَىٰ نَحْوِ الشَّرْطِ الْمُتَأَخِّر؛ لأَنَّ ذلك كله مقدمات تكوينية يَتُِمّ الإتيان بها مِنْ قِبَلِ الجاعل، وكلها متوقفة عَلَىٰ وجود الإرادة الغيرية للمقدمات الْمُفَوِّتَة قبل الوقت، وإن كانت الإرادة الغيريةُ تحصلُ قبل وقت الإرادةِ النفسية فإن ذلك ليس إِلاَّ خلفاً للملازمة بين الإرادتين.

إذن، يجب القضاء عَلَىٰ الإشكال من أساسه في تلك المرحلة، فإن قضينا عليه هناك (وقلنا في باب الإرادة التكوينية بأن الإرادة الغيرية تتعلق بالمقدمة الْمُفَوِّتَة قبل أن تصبح الإرادة النفسية فعليةً، وآمنّا بانفكاك الإرادة الغيرية للمقدمة عن الإرادة النفسية لذي المقدمة في الفِعْلِيَّة) فَحِينَئِذٍ لا حاجة إلى الوجه السادس، وفي الواقع نصبح حِينَئِذٍ من القائلين بإرادة الوجوب الْغَيْرِيّ للمقدمة الْمُفَوِّتَة (كالمقدمات داخلَ الوقت)، فلا نحتاج حِينَئِذٍ لا إلى المتمم في الجعل ولا إلى حكم آخر من العقل غير حكمه بإطاعة الوجوب والإرادة النفسية للمولى، بل إذن ذاك الوجوب النَّفْسِيّ اللاحق يقتضي الوجوب الْغَيْرِيّ لمقدماته الْمُفَوِّتَة من قبلُ خطاباً أو ملاكاً أو إرادةً، والأمر بها كالأمر بالمقدمات داخل الوقت أمرٌ غير شرعي أو شرطي، كالأمر بالوضوء في الآية الكريمة {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} ولا حاجة إلى حمل الأمر بغسل المحدث قبل الفجر عَلَىٰ الإرشاد إلى حكم العقل أو عَلَىٰ متمم الجعل.

والحاصل أن في الإرادة التكوينية إذا ليست الإرادةُ النفسيةُ الاستقباليةُ مستلزمةً لإرادةِ الْمُقَدَِّمَات قبل الوقت، بل يطلب الْمُقَدَِّمَات الإرادةَ بعد الفِعْلِيَّة، فَحِينَئِذٍ نقول بأن العقل لا يرى في الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة الشرعية وجوباً للإطاعة أكثر من هذا؛ فإن إطاعة المولى تجب بمقدار تصدّيه، وإن كانت الإرادة الاستقبالية تستلزم إرادةً غيريةً قبل الوقت، فإن معنى ذلك أن الإرادة التشريعية والأمر بذي المقدمة (مع أنها تصبح فعليةً فيما بعدُ) يُحدث الوجوب الْغَيْرِيّ للمقدمات قبل الوقت أَيْضاً؛ ومعنى ذلك أن الوجوب الْغَيْرِيّ ليس تابعاً للوجوب النَّفْسِيّ في الفِعْلِيَّة، أي: أن لها وجوب وإرادة غيرية ولكن الوجوب والإرادة النفسية يأتي بعد ذلك.

وقد يقال باستحالة هذا المطلب؛ لأَنَّ الإرادة الغيرية تابعة للإرادة النفسية وملازمة لها.

إجابة الشهيد الصدر عن الإشكال:

ثم يجيب سَيِّدُنَا الأُسْتَاذُ الشَّهِيدُ & عن الإشكال بِأَنَّهُ لأجل حل الإشكال يجب الأخذ بأحد المباني السابقة:

إما مبنى الشيخ القائل بأن الشَّرْط في الواجب المشروط قيدٌ للمراد دَائِماً، وليس الشَّرْط إرادةً. وقد رفضنا هذا المبنى فيما سبق للوجدان والبرهان وأنه ليست إرادة فعليةً ويأتي فيما بعدُ بِأَنَّهُ ليس من قبيل الإرادة.

وإما مبنى المحقق العراقي & القائل باشتراط لحاظ الإرادة في فعلية الإرادة، وحيث أن اللحاظ فعليّ فتكون الإرادةُ فعليةً أَيْضاً. وقلنا بأن هذا الكلام غير معقولٍ في عالم الإرادة.

وإما عَلَىٰ المبنى المختار لسَيِّدِنَا الأُسْتَاذِ الشَّهِيدِ & حيث قام بتحليله وقال: إن الجامع بين عدم الشَّرْط (مثل التروي وعدم العطش) والجزاء عَلَىٰ تقدير الشَّرْط (أي: شرب الماء) متعلقٌ للإرادة الفِعْلِيَّة الَّتِي يُعبر عنها في هذا المثال بإرادة جامع الارتواء، وهي إرادة فعلية، وطلب الماء في فرض العطش طلب آخر يشتق منه، وفي الواقع هناك إرادتان غيريتان بِأَنَّهُ إما عليه أن لا يعطش وإما يملك ماء إذا عطش، ذلك حِفَاظاً عَلَىٰ جامع الارتواء الَّذِي هو مراد فعلي نفسي وأصلي، وَحِينَئِذٍ لا يمكن الفصل بين الإرادة النفسية والغيرية في الفِعْلِيَّة، وهكذا يقوم ذاك التحليل بحل المشكل وتصبح الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَةُ كالمقدمات داخل الوقت واجبةً بالوجوب الْغَيْرِيّ الشرعي، ولا تختلف عنها ولا تحتاج إلى حكم عقلي آخر كما لا نحتاج إلى متمم جعل شرعي أَيْضاً.

الرأي المختار:

إننا قلنا في البحث السابق بِأَنَّنَا مستغنون عن هذا المقدار أَيْضاً، أي: أننا بغنى عن وجود الإرادة النفسية المتعلقة بالجامع بين عدم الشَّرْط والجزاء عَلَىٰ تقدير الشَّرْط، فقد قلنا بأن وجداننا لا يحكم بوجود مثل هذه إرادة في جميع الموارد. كما قلنا إن نفس العلم بفعلية الإرادة والملاك مُسْتَقْبَلاً (كالعطش في السفر المقبل) يكفي لإرادة العاقل المقدمةَ. أي: ليس المقصود من تبعية الإرادة الغيرية للإرادة النفسية والملازمة بينهما أنَّهُ يجب أن يتحد زمان فعليتهما، بل يعني أَنَّ الْمُكَلَّف كُلَّمَا أحرز أن الإرادةَ والملاك النَّفْسِيّ يصبح فِعْلِيّاً (سواء في الحال أم في المستقبل) وكان متعلق تلك الإرادةِ متوقفاً عَلَىٰ مقدمةٍ يجب الإتيان بها (سواء بعد الوقت أم قبله) عَلَىٰ نَحْوِ لو لم يأت بها فسوف يتعذر عليه الإتيان بها فيما بعد، فَحِينَئِذٍ تتعلق إرادتُه بتلك المقدمة إرادةً غيريةً ومقدميةً، والتلازم إِنَّمَا هو بهذا المقدار لا أكثر، وهذا أمر وجداني وواضح.

وفذلكة الكلام أن في تعلق الإرادة الغيرية بِالْمُقَدِّمَةِ الْمُفَوِّتَةِ يكفي العلم والاطلاع عَلَىٰ تحقق الإرادة النفسية (ولو مُسْتَقْبَلاً)، والعاقل الَّذِي يعلم بِأَنَّهُ إن لم يأت بتلك المقدمة من الآن فلا يمكنه رفع الحاجة الَّتِي تصبح فعليةً فيما بعد، فمن المقطوع به أن إرادة مثل هذا العاقل من الآن تتعلق بِالْمُقَدِّمَةِ ويهيّئ الماء (في مثال العطش) من الآن، ويلزم من ذلك تعلق الوجوب الْغَيْرِيّ في الإرادة التشريعية بِالْمُقَدِّمَةِ الْمُفَوِّتَةِ مثل الْمُقَدَِّمَات بعد دخول الوقت.

فَتَبَيَّنَ وَفْقاً لما قلناه أَنَّنَا لسنا بحاجة لا إلى متمم الجعل ولا إلى حكمٍ عقلي ثانٍ ولا إلى إرادة ثالثة غير تلك الإرادة التشريعية الَّتِي تصبح فعليةً بعد دخول الوقت.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo