< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

33/03/28

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم اللٰه الرحمن الرحيم

بحث أصول

 

{مُقَدَِّمَةُ الْوَاجِبِ\تنبيهات الواجب الْمُعَلَّق\التنبيه الأول: وجوب الواجب الْمُعَلَّق}

الجلسة الـ247، الثلاثاء 28-03-1433 (الموافق لـ21-02-2012)

الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوَّتَة والوجوه المذكورة للزومها ووجوبها

كان الكلام في الْمُقَدَِّمَاتِ الْمُفَوِّتَةِ وهي تلك الْمُقَدَِّمَاتُ الَّتِي إن لم يَتُِمّ الإتيانُ بها قبلَ الوقت (في الواجبات الَّتِي لها هكذا مُقَدَِّمَات) فسوف لا يمكن للمكلف الإتيان بها داخل الوقت (سواء كانت مقدمات شرعية أم عقلية) وبذلك يفوت عليه الواجب، كالغسل من الحدث الأكبر لصيام شهر رمضان المبارك حيث يجب الإتيان به قبل الفجر. فيقال بأنها واجبة التحصيل مع أن زمان الواجب لم يحل بعدُ، ويقع الكلام في تخريج لزومية هذه الْمُقَدَِّمَات.

فكان الوجه الأول والوجه الثَّانِي عبارة عن تلكما الصورتين المتقدمتين.

الإشكال على الصورتين المتقدمتين:

وقد يستشكل في المقام بأن الوجوب (وَفْقاً لهاتين الصورتين) يصبح فِعْلِيّاً من قبلُ، ولكن تبقى القدرة عَلَىٰ الواجب في زمانه شرطاً في التكليف عَلَىٰ نحو الشرط المتأخر؛ لأن القدرة من شروط الوجوب، ولطالما الْمُكَلَّف لم يأت بالغسل مثلاً في زمان الواجب فسوف لا يتأتّى له الإمساك مع الطهور، وفي الواقع يرتفع شرط الوجوب ويُكشف أن الوجوب لم يكن موجوداً من قبل. كما إذا لم نكن أحياء في ذاك الوقت، فيكشف أن الصيام لم يكن منذ البداية وَاجِباً عليه. وكذلك الأمر في المقام، حيث أَنَّهُ إن لم يأت بالمقدمة قبل زمان الواجب فسوف لا يفقد القدرة عَلَىٰ الإتيان بالواجب الْمُقَيَّد بالطهور، وَبِالتَّالِي يكشف عن أن الوجوب لم يكن مَوْجُوداً منذ البداية ولا إشكال في ارتفاع شرط التكليف. وهذا لا يعني تفويت التكليف، ولربما لا يكون تفويتاً للملاك كذلك؛ فلربما يكون شرط القدرة دخيلاً في اتصاف الفعل بالملاك أَيْضاً.

حاصل الإشكال:

والحاصل أن الْمُكَلَّف يرفع شرط الوجوب عن نفسه بترك الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة، كأنه لم يتوجه إليه وجوبٌ من قبل، ولا يرد عَلَىٰ هذا التعامل أي إشكال عقلي ولا شرعي، ومعنى ذلك أن الواجب الْمُعَلَّق لا يكفي لإثبات وجوب الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة بِنَاءً عَلَىٰ الصورة الأولى ولا بِنَاءً عَلَىٰ الصورة الثانية، وأن وجوب الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة ليس من ثمرات إمكان الواجب الْمُعَلَّق.

الجواب:

ويرد عليه أن القدرة المشروطة في التكاليف إنما هي صرف وجود القدرة عَلَىٰ الواجب في زمان فعلية الوجوب، لا أكثر. أي: إذا استطاع أن يأتي بالواجب في بعض حصص زمان فعلية الوجوب، أصبح ذاك الوجوب فِعْلِيّاً عليه وَيُعَدُّ تفويته عُصْيَاناً لأمر المولى، ولا يجب بقاء تلك القدرة في جميع آنات فعلية الوجوب؛ ومن هنا تكفي قدرةُ الْمُكَلَّف عَلَىٰ الواجب في أول الوقت، فإن تركه مُتَعَمِّداً أو أعجز نفسَهُ يُعَدُّ عَاصِياً، وَالْمُكَلَّف هنا (حيث بات الوجوب فِعْلِيّاً في وقت سابق عَلَىٰ الفجر) قادر عَلَىٰ الإمساك مع الطهور منذ الآن الأول من آنات الفجر؛ إذ كان بإمكانه أن يغتسل من قبل، فكان يتوفر لديه صرف وجود القدرة عَلَىٰ القيد والواجب الْمُقَيَّد في زمانه، والمطلوب هو صرف وجود القدرة في زمان فعلية الوجوب، لا أكثر.

إذن، يوجد في المقام صرف وجود القدرة عَلَىٰ الواجب (سواء عَلَىٰ نحو الشَّرْطِ الْمُتَأَخِّرِ أم عَلَىٰ نَحْوِ الشَّرْطِ الْمُقَارِن) ولا يُعَدُّ تركُ الْمُقَدَِّمَةِ المفوتة رافعاً له، بل هو تعجيز عن واجبٍ فعليّ الوجوب الَّذِي يُعَدُّ عُصْيَاناً. ومن هنا يكفي القول بالواجب الْمُعَلَّق بإحدى الصورتين المتقدمتين لإثبات وجوب الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة، وهذا من الثَّمَرَات الْمُتَرَتّبَة عَلَىٰ الواجب الْمُعَلَّق كما أفاده الأصوليون، وَبِالتَّالِي كُلَّمَا استفدنا الوجوبَ الْمُعَلَّق من دليلِ واجبٍ مُقَيَّدٍ بزمان (أي: إذا كان الوجوب فِعْلِيّاً قبل ذاك الوقت، مثل ظاهر الآية الدالة عَلَىٰ وجوب الحج بمجرد الاستطاعة وكالدليل الدال عَلَىٰ وجوب الصوم بمجرد رؤية هلال شهر رمضان المبارك) فسوف تكون مقدماته المفوتة واجبةً بالوجوب الْغَيْرِيّ من أول آنات فعلية الوجوب، ويحرم تفويت الواجب داخل الوقت لعدم الإتيان بها وَيُعَدُّ معصيةً.

الوجه الثالث من وجوب الْمُقَدَِّمَات المفوتة:

الوجه الثالث ما يذكره الخراساني من أننا لو لم نقل بالواجب الْمُعَلَّق وذهبنا إلى استحالة الصورتين المتقدمتين وقلنا بأن وجوب الصوم مثلاً يجب أن يتحقق منذ بزوغ الفجر وأن وجوب الحج يصبح فِعْلِيّاً في زمانه الخاص، وأن الوجوب لا يتقدم عَلَىٰ واجبه، مع ذلك كلِّه يمكن أن نقول بأن المقدمة المفوتة تعود واجبةً بالأمر النَّفْسِيّ التهيئي للمولى. أي: أن المولى يقول: اغتسل قبل الفجر لكي يَتُِمّ صيامك بعد الفجر مع الطهارة، فلا ينحصر طريق وجوب الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة في القول بالواجب الْمُعَلَّق. وهذا ما يسميه الخراساني بالواجب التهيئي، وهو ما يعبر عنه السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِيُّ & بالوجوب للغير، لا بالغير. أي: أَنَّهُ وجوب نفسي مستقل ومترشح عن وجوب الصوم، وليس سبباً له، ولكنه يصب في صالح الغير وهو الحفاظ عَلَىٰ واجب آخر.

دراسة كلام الخراساني والخوئي:

إذا كان مقصودهما من هذا البيان أن طريق الشارع إلى إلزام الْمُكَلَّف بالمقدمات المفوتة قبل الوقت ليس منحصراً في جعل الواجب الْمُعَلَّق، فهو مطلب صحيح، ولكن ليس محل النزاع في أن الشارع هل يمكنه أن يجعل تكليفاً نَفْسِيّاً ومستقلاً آخر عَلَىٰ الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة، وإنما الكلام في إثبات وجوب الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة من ذاك الواجب الْمُقَيَّد بقيد الزمان، وهذا إنّما يثبت بِنَاءً عَلَىٰ أن يكون ذاك الواجب الزماني معلّقاً، لا بِنَاءً عَلَىٰ عدم التعليق؛ فَإِنَّهُ لا يثبت حِينَئِذٍ إِلاَّ ببيان آخر يعود إلى ما سوف يأتي من الميرزا النائيني حيث يستفيد وجوبَ الْمُقَدَِّمَاتِ الْمُفَوِّتَةِ الشرعيَّ من دليل الواجب المقيد بالزمان عَلَىٰ نَحْوِ متمم الجعل، وهو بيان وتقريب آخر يجب أن يُبيَّن منشؤه ونكتته، وهذا ما لم يأت في بيان الخراساني ولا في بيان السَّيِّد الأُسْتَاذِ الْخُوئِيِّ &.

إذن، إن الوجه المذكور إما ليس كافياً أو أَنَّهُ يرجع إلى إجابة الميرزا النائيني وَفْق تفسير يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo