< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

33/03/27

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم اللٰه الرحمن الرحيم

بحث أصول

 

{مُقَدَِّمَةُ الْوَاجِبِ\الواجب المشروط\تفاسير الواجب المشروط}

الجلسة الـ246، الاثنين 27-03-1433 (الموافق لـ20-02-2012)

تصويران عن الواجب المعلق

انتهينا من أصل البحث في الواجب الْمُعَلَّق وقد تمخض عنه أنَّ الواجب الْمُعَلَّق (أن يكون الوجوب سابقاً على زمان الواجب) معقول وصحيح، وهو ما عبر عنه صاحب الفصول بالواجب الْمُعَلَّق، وعرفنا أن الواجب الْمُعَلَّق يمكن تصويره بصورتين:

الصورة الأولى: أن يقع الزمان الاستقبالي الذي هو زمان الواجب (كالفجر في صوم شهر رمضان أو الزمان في الحج حيث أن الفعل الواجب يأتي في ذاك الوقت) شَرْطاً للوجوب أَيْضاً على نحو الشرط المتأخر، وهذا ما تصوره بعض الأصوليين عن الواجب الْمُعَلَّق. أي: أن من يؤمن بالشرط المتأخر في الوجوب بإمكانه أن يؤمن بالواجب الْمُعَلَّق من باب الواجب المشروط بالشرط المتأخر، ومن هنا أفاد الخراساني رداً على كلام صاحب الفصول أن كلام الأخير معقول ولكن لا يجب أن يكون الواجب مطلقاً، بل يمكنه أن يكون قيداً للزمان الاستقبالي لشرط الوجوب على نحو الشرط المتأخر، وهذا ما آمن به السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِيُّ & أَيْضاً، فيكون الواجب الْمُعَلَّق في هذه الصورة من أقسام الواجبات المشروطة (على نحو الشرط المتأخر).

الصورة الثانية: ما ذكرها صاحب الفصول من أن الوجوب المتقدم مطلق بالنسبة إلى قيد الزمان الاستقبالي، وكان يرى الزمانَ قَيْداً للواجب فحسب، وقد ذكرنا أن هذه الصورة معقولة أَيْضاً فيما إذا كان ذاك القيد الاستقبالي محقق الحصول كالزمان أو كالقبلة حيث أخذ محقق الوجود ولا يجب أخذ الاستقبال نحو القبلة قَيْداً في وجوب الصلاة، ومن هنا يمكن للوجوب أن لا يكون مقيَّداً بهذا القيد، ولكن يجب أن يكون مَشْرُوطاً ببقاء حياة الْمُكَلَّف وقدرته وبلوغه وعقله إلى ذاك الزمان؛ لأن ذلك من شروط التكليف وليست محققة الحصول، وبالتالي يجب أخذها في جعل الوجوب.

والجدير بالذكر أن هذه القيود ليست قَيْداً وَاحِداً كما ذكر في تقريرات السَّيِّد الأُسْتَاذِ الْخُوئِيِّ & خلطاً، أي: أن زمان الاستقبال قيدٌ وحياة الْمُكَلَّف وقدرته وعقله في الزمان الاستقبالي قيدٌ وشرطٌ آخر، وحيث أن تلك القيود ليست محققة الحصول للجميع يجب اشتراطها في الوجوب، ولكن بإمكان الوجوب نفسه أن يكون مُطْلَقاً بالنسبة للزمان الاستقبالي نفسه، وهذه الصورة صحيحة أَيْضاً.

شروط هاتين الصورتين

ثم إن لهاتين الصورتين ثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن يكون ذاك القيد الاستقبالي للواجب (كالزمان) محقق الوجود للجميع بالشرح المتقدم.

الشرط الثَّانِي: أن لا يكون قيد الزمان مأخوذاً في الاتصاف وإنما يكون دخيلاً في تحقق الملاك. أي: أن لا يكون من الشروط التي لو لم تكن موجودة أصبح الفعل الآخر فاقداً للملاك ويستغني المولى عن ذاك الفعل، كالعطش الذي هو شرط للاتصاف وللحاجة إلى شرب الماء؛ لأن كون >الزمان الاستقبالي شَرْطاً للاتصاف< يعني أنَّ في فرض عدم تحقق القيد (أي: الزمان الاستقبالي) لا يكون ملاك الحكم (الذي هو روح الحكم) موجوداً ومحفوظاً، وَبِالتَّالِي لا يجب إطاعة مثل هذا الحكم في هذا الفرض وإن كان الجعل مُطْلَقاً بلحاظ كون القيد محقق الوجود.

وبعبارة أخرى: إن روح الحكم مشروط بالشرط المتأخر ولا يكون مُطْلَقاً، حتى لو جُعل الجعل مُطْلَقاً.

الشرط الثالث: أن نقول بإمكان الواجب المشروط بالشرط المتأخر أَيْضاً، أو أن نعتقد بأن التعقب به من الشرط المقارن والذي هو تأويل من الشرط المتأخر، أي: أنَّ من يقول بالواجب الْمُعَلَّق (ويتخذ الوجوب بالنسبة للزمان الاستقبالي واجباً مُطْلَقاً، فحيث أن الحياة والعقل والقدرة وأمثالها يؤخذ في زمان الواجب شَرْطاً للتكليف ويكون زمان الواجب مُتَأَخِّراً) يجب أن يقول باشتراط الوجوب المتقدم بتلك الشروط الأخرى التي ليست محققة الوجود، بل يجب أخذها في ظرف الوجوب. وهذا هو الشرط المتأخر للوجوب حقيقةً أو تأويلاً (بأخذ التعقب وأمثاله).

حصيلة البحث في الواجب الْمُعَلَّق

وهكذا يتم تصوير الواجب الْمُعَلَّق وَفْقاً لكلتا الصورتين المتصورتين عن الواجب المشروط بالنسبة للزمان الاستقبالي على نحو الشرط المتأخر، أو الواجب المطلق بالنسبة له، فيكون ظرف الوجوب الفعلي وظرف الواجب الاستقبالي موجوداً في كليهما.

وأما تعيين إحدى هاتين الصورتين في مقابل الأخرى فمنوط بكيفية استظهار دليل الوجوب عن الواجب الاستقبالي، فإذا كان قيد الزمان الاستقبالي قد أخذ واشترط في الوجوب من قبلُ، يكون من الصورة الأولى، وإن كان مُطْلَقاً من هذه الجهة يكون من الصورة الثانية.

ومثاله ظاهر الآية الكريمة {وَلِلَهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} حيث تُثبت وجوب الحج فورَ تحقق الاستطاعة، فقد جعلت الزمانَ والاستطاعة قَيْداً للواجب (والذي هو أفعال الحج ومناسكه)، ولذلك في جانب الوجوب نقول بالوجوب المطلق عن قيد الزمان (وهو الصورة الثانية التي أفادها صاحب الفصول في الواجب الْمُعَلَّق).

وهكذا انتهينا عن الواجب الْمُعَلَّق إلى البحث عن ثمراته وآثاره ضمن تنبيهات عدة نذكرها تباعاً.

تنبيهات الواجب المعلق

 

التنبيه الأول: وجوب المقدمات الْمُفَوَّتَة

 

إن الْمُقَدَِّمَاتِ الْمُفَوَّتَةَ هي الَّتِي إن لم يتم الإتيان بها قبل زمان الواجب يفوت الواجب داخل الوقت، وقد جعلها صاحب الفصول من الآثار المترتبة عَلَىٰ القول بإمكان الواجب الْمُعَلَّق كالطهارة عن الحدث الأكبر بالنسبة للصيام حيث يجب عَلَىٰ الْمُكَلَّف أن يكون طاهراً منذ الآن الأول من آنات الفجر، فإذا لم تتوفر لديه الطهارة قبل الوقت فمن الطبيعي أن يصادف بعض أزمنة إمساكه مع الحدث الأكبر بحلول الفجر عليه، وهذا مما يبطل صيامه، ومن هنا يجب تحصيلها قبل دخول الوقت. وهذا ما سموه بِالْمُقَدَِّمَاتِ الْمُفَوِّتَةِ وَالَّتِي لا يمكن الإتيان بها داخل الوقت، بل يجب الإتيان بها من قبل.

ومثاله الآخر طي المسافة للإتيان بالحج حيث يجب أن يتم من قبل لكي يكون موجوداً في مكة في موسم الحج. ويطلق عَلَىٰ مثل هذه المقدمات عنوان >الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة<، وفي هذا التنبيه يُبحث عن كلي وجوب الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة قبلَ زمان الواجب ويُذكر بعض الوجوه لوجوبها العقلي أو الشرعي.

 

الوجوه المذكورة في وجوب الْمُقَدَِّمَاتِ الْمُفَوِّتَة

 

الوجهان الأول والثاني: وقد تقدم ذكرهما في الواجب الْمُعَلَّق من أَنَّ وجوب ذاك الواجب الاستقبالي إن كان فعلياً من قبلُ، عَلَىٰ نحو الوجوب المطلق أو المشروط بذاك الزمان الاستقبالي عَلَىٰ نحو الشرط المتأخر، وبما أن الوجوب أصبح فعلياً في كلتا الصورتين فلا يجوز - لا عقلاً ولا شرعاً - ترك مقدمة ذاك الواجب الاستقبالي المؤدي إلى تفويته. أما عَقْلاً فلأن وجوب ذاك الواجب بات فِعْلِيّاً ومستقراً، وترك مثل هذا الواجب الْفِعْلِيِّ عصيانٌ. وَأَمَّا شَرْعاً فلأن مقدمات الواجب غيريةٌ (بِنَاءً عَلَىٰ أن يكون وجوب الْمُقَدَِّمَاتِ غَيْرِيّاً) والوجوبات الغيرية تابعة للوجوب النفسي في الإطلاق والتقييد، بمعنى أن وجوب المقدمات الغيري يصبح فِعْلِيّاً بفعليةِ الوجوب النفسي؛ ذلك للملازمة الموجودة بين الوجوب النفسي والوجوب الْغَيْرِيّ.

وقد قلنا إن صاحب الفصول وآخرين ذكروا تلكما الصورتين لإمكان الواجب الْمُعَلَّق من أجل تبرير وإثبات وجوب الْمُقَدَِّمَات الْمُفَوِّتَة، واعتبروا ذلك من الثَّمَرَاتِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَىٰ الواجب الْمُعَلَّق.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo