< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

33/03/25

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم اللٰه الرحمن الرحيم

بحث أصول

 

{مُقَدَِّمَةُ الْوَاجِبِ\الواجب المشروط\تفاسير الواجب المشروط}

الجلسة الـ244، السبت 25-03-1433 (الموافق لـ18-02-2012)

الواجب الْمُعَلَّق والمناقشات الموجهة إليه

كان الكلام في الواجب الْمُعَلَّق وقد قلنا إن بعضهم أشكلوا علىٰ الواجب الْمُعَلَّق بأنه لا يمكن للوجوب أن يكون فِعْلِيّاً قبل وقت الواجب. وزمان الواجب الاستقبالي مثل أن يقول بأن وجوب الحج يصبح فِعْلِيّاً بعد الاستطاعة، ولكن الواجب واجب فِي زمانه ومكانه، أو مثل وجوب صوم شهر رمضان الَّذِي يتعلق بذمة الْمُكَلَّف منذ خروج القمر ورؤية الهلال، ولكن الواجب هو الإمساك من الفجر وهو وقت استقبالي، وهذا ما يسمونه بالواجب الْمُعَلَّق.

فكان الإشكال حول إمكان تَقَدُّمِ زمان الوجوب عَلَىٰ الواجب. وقد أجبنا عن التقريب المنسوب إلى النهاوندي &، كما رفضنا تقريب المحقق الإِصْفِهَانِيّ & وذلك ضمن إجابتين حلّيتين. وقد وجّه إلى ذلك إشكالان نقضيان، وتصدّىٰ المحقق الإِصْفِهَانِيّ وآخرون كالميرزا النَّائِينِيّ (لامتناع الشَّرْط المتأخر عنده) للإجابة عن ذلك وذلك لأنهما يعتقدان بامتناع الواجب الْمُعَلَّق.

النقض الأَوَّل

النقض بالواجبات الَّتِي لها مقدمات تحتاج إلى فترة زمنية بحيث لا يمكن الإتيان بذاك الواجب قبل تلك الفترة، كالصلاة الْمُقَيَّدة بالطهور؛ فَإِنَّ الغسل أو الوضوء يستغرق وقتاً، فنقض عليه بأن الوجوب النَّفْسِيّ فِي هذه الموارد يصبح فِعْلِيّاً قبل إتيان الْمُكَلَّف بِالْمٌقًدَّمَةِ مع أن الواجب النَّفْسِيّ (الصَّلاَة) مُقَيَّدٌ بأن يكون بعد الغسل، فيمكن الإتيان بِالْمُقَيَّدِ بعد تَحَقُّق قيده، وَبِالتَّالِي يتحقق وجوب نفسي فِي البداية مِنْ دُونِ أَنْ يَكُونَ الواجب النَّفْسِيّ مقدوراً فِي زمان فِعْلِيَّة الوجوب وَإِنَّمَا يصبح مقدوراً بعد تَحَقُّق الْمُقَدَِّمَة فِي الْمُسْتَقْبَل، وهذا نظير الواجب الْمُعَلَّق، أي: الوجوب أصبح فِعْلِيّاً مِنْ قِبَلُ، ولكن زمان الواجب يأتي بعد ذلك بعشرة دقائق أو أكثر مثلاً؛ لأَنَّهُ تقيَّد بفعلٍ يستغرق وقتاً وَمِنَ الطَّبِيعِيِّ أن يصبح الواجب مقدوراً فيما بعدُ، وهذا حال أكثر الواجبات المنجزة. فإن آمنتم بإمكانه عليكم الرضوخ له فِي الواجبات المعلقة أَيْضاً؛ لأَنَّ طول الفترة الزمنية الفاصلة بين الوجوب والواجب وقصرها لا يُؤَثِّر فِي الامتنا

الإجابة عن النقض الأَوَّل:

وقد أجيب عن هذا النقض بأن ما كان دَخِيلاً فِي فِعْلِيَّة الوجوب والبعث هو إمكان الانبعاث. أَيْ: أَن النكتة فِي ما قيل من أَنَّهُ يجب أن يتحد ظرف الواجب مع ظرف الوجوب هي أن الوجوب بعث وتحريك بالحمل الشائع، وإذا تعذَّر الانبعاث فِي موردٍ تعذَّر البعث والتحريك بالحمل الشائع أَيْضاً. إذن، إِنَّنَا لم نشترط أكثر من إمكان الانبعاث، وهو موجود فِعْلاً فِي هذه الموارد؛ فَإِنَّهُ قد تحصل الصَّلاَة مع الطهور فِي أول زمان الوجوب وذلك بأن يتوضأ الْمُكَلَّف قبل دخول الوقت، خلافاً للزمان الاستقبالي فِي الواجب الْمُعَلَّق؛ فَإِنَّ الزمان نفسه قد أخذ قَيْداً فِي الواجب ولذلك لا يمكن الإتيان بالواجب فِي زمان الوجوب.

والخلاصة عدم تَمَامِيَّة الواجب الْمُعَلَّق فِي الحصة الأولى من زمان فِعْلِيَّة الوجوب، بينما يَتُِمّ هذا الإمكان فِي الواجبات المنجزة المذكورة.

إشكال:

وقد أورد المحقق الإِصْفِهَانِيّ & نفسه إِشْكَالاً عَلَىٰ هذا الجواب فِي حاشيته بأنَّهُ إن أريد به الإمكان الذاتي فكل هذه الموارد ممكنة بالذات وليست ممتنعة بالذات، وإن قصد به الإمكان الوقوعي فكما لا يوجد إمكان وقوعي فِي الواجب الْمُعَلَّق كذلك لا يكون فِي المنتقض به. أي: لا يمكن أن يتحقق الْمُقَيَّد قبل زمان تَحَقُّق قيده مع أن وجوبه فعلي. ولٰكِنَّهُ & يوضّح أَنَّهُ لَيْسَ مقصودنا من >إمكان الانبعاث< الإمكان الوقوعي وَإِنَّمَا نقصد به الإمكان الاستعدادي. أي: يوجد مقتضي للإتيان بالواجب فِي ظرف فِعْلِيَّة الوجوب.

دراسة هذا الجواب:

ويرد عليه بأنه إن أريد بالإمكان الاستعدادي ما اصطلح عليه الحكماء من القابلية أو استعداد الفاعل أو القابل فهو متوفر فِي الواجب الْمُعَلَّق أَيْضاً؛ لأَنَّ الْمُكَلَّف هناك مستعد أَيْضاً وفاعليته للإتيان بالواجب فِي زمان الوجوب كاملة، ولكن الواجب مُقَيَّد بقيدٍ لا يمكن أن يتحقق، بمعنى أن الْمُكَلَّف لو كان قادراً عَلَىٰ سحب الْمُسْتَقْبَل إلى الحال لسحبه. وإن أريد بالاستعداد قابلية القابل فكما لا يمكن الإتيان بالزمان المستقبلي إلى الحال قبل تَحَقُّق الْمُقَدَِّمَة، كذلك لا يكون لذي الْمُقَدَِّمَة أية قابلية ولا يمكن أن تَتَحَقَّقَ، ومرجع هذا إلى الإمكان الوقوعي.

ما هو المقصود من الإمكان الاستعدادي؟

الظَّاهِر أن مقصود المحقق الإِصْفِهَانِيّ & لَيْسَ هذا المعنى من الإمكان الاستعدادي، فكأَنَّهُ يقصد به أن قيود الواجب الَّتِي تستغرق فترةً زمنيةً تختلف عن قيد الزمان الاستقبالي فِي الواجب الْمُعَلَّق من جهة أن وجوب تلك القيود (الَّتِي تستغرق الوقتَ) حينما يصبح فِعْلِيّاً يصبح الْمُكَلَّف قادراً عَلَىٰ الانبعاث نحو الواجب والإتيان بمقدماته، ونفس الانبعاث باتجاه المقدمات انبعاثٌ تجاه ذي الْمُقَدَِّمَة والواجب النَّفْسِيّ، وهذا بنفسه تحرّك باتجاه الواجب النَّفْسِيّ؛ لأَنَّ تَحَقُّق الواجب النَّفْسِيّ إِنَّمَا هو بواسطة تَحَقُّق مقدماته، والانطلاق نحو القيد انطلاقٌ وتحرك نحو الْمُقَيَّد، بينما لَيْسَ الأمر هكذا فِي الواجب الْمُعَلَّق؛ لأَنَّ الواجب فيه مُعَلَّق عَلَىٰ الزمان الْمُسْتَقْبَل ويجب عَلَىٰ الْمُكَلَّف أن يصبر إلى أن يحين ذاك الوقت ثُمَّ بعد ذلك يباشر فِي الانطلاق نحو الواجب النَّفْسِيّ وَمُقَدَِّمَاته. إذن، إن الانبعاث والسير نحو الواجب النَّفْسِيّ (ولو كان بالحركة التسبيبية الَّتِي تَتُِمّ بواسطة السير باتجاه المقدمات) غير معقول فِي الواجب الْمُعَلَّق، ولٰكِنَّهُ ممكن فِي الواجبات الَّتِي لها قيود تحتاج إلى فترة زمنية، وهذا المقدار من إمكان الانبعاث كافي فِي تَحَقُّق البعث بالحمل الشائع الَّذِي هو الوجوب.

وهذا المقدار من الْفَرْق بين الواجب الْمُعَلَّق والواجبات المنجزة الَّتِي لها قيود زمنية وإن كان قابلاً للتصوير ولكن اشتراط هذا المعنى من >إمكان الانبعاث< لَيْسَ له أي تأثير فِي حكم العقل بفعلية الوجوب ووجوب إطاعته فِي الواجب الْمُعَلَّق - كما تَقَدَّمَ فِي الأجوبة الحلية - مُضَافاً إلى أن إمكانية تحصيل بعض مقدمات الواجبات المعلقة مِنْ قِبَلِ، كالمقدمات المفوتة الَّتِي إن لم يأت بها قبل الوقت فَسَوْفَ تفوت داخل الوقت. ومن هنا طرح صاحب الفصول هذا البحث لتبرير المقدمات المفوتة، وهذا بنفسه مقدار من إمكان الانبعاث نحو ذاك الواجب النَّفْسِيّ الَّذِي هو ممكن فِي زمان فِعْلِيَّة الوجوب فِي الواجب الْمُعَلَّق، وَبِالتَّالِي لا جواب للنقض الأَوَّل.

النقض الثَّانِي:

النقض بالواجبات التدريجية وَالَّتِي أنيطت بمجموع زمانٍ مستمر كالصيام من دلوك الشَّمْس إلى غسق الليل والَّذِي أصبح وجوبه فِعْلِيّاً من دلوك الشَّمْس؛ لأَنَّهُ لا يوجد أكثر من وجوب واحد فيصبح فِعْلِيّاً مع أن قسماً من الواجب يَتُِمّ الإتيان به فِي الْمُسْتَقْبَل (بأن يكون وقته بعد عشر ساعات مثلاً). وإن شئت قلت: إن وجوب جميع أجزاء الصيام والفعل الواجب أصبح فِعْلِيّاً من أول أزمنة الفجر ولكن زمانها يأتي فِي الْمُسْتَقْبَل. وهذا التفكيك بين زمان الوجوب وزمان الواجب إِنَّمَا هو بلحاظ >الواجب الضمني< (أو قل: بلحاظ قسمٍ من مُتَعَلَّق الواجب الاِسْتِقْلاَلِيّ)، بحيث إن لم يمكن التفكيك بين زمان الوجوب والواجب فَسَوْفَ لا يكون ممكناً هنا أَيْضاً. وإن أمكن هذا التفريق فِي الواجب الضمني فيجب أن لا يواجه مشكلة فِي الواجب الاِسْتِقْلاَلِيّ وكل متعلقه، ولا تأتي تلك الإجابة عن النقض السابق فِي المقام؛ لأَنَّ الزمان الاستقبالي بات قَيْداً للواجب فِي المقام ولا يصح الإمكان الاستعدادي بالمعنى المتقدم فِي المقام أَيْضاً؛ لأَنَّهُ لا يمكن أن يأتي بالزمان الاستقبالي إلى زمان الحال.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إن أمكن قيد الزمان الاستقبالي فِي قسمٍ من مُتَعَلَّق الوجوب (أو قل: فِي الواجب الضمني لزمان الحال) لأمكن فِي الواجب الاِسْتِقْلاَلِيّ الْحَالِيّ أَيْضاً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo