< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

45/08/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مقتضی الاصل عند الشک فی حجیة الامارة

 

کان الکلام فی جریان استصحاب عدم الحجیة عند الشک فی حجیة امارة أو اصل. فمنع منه الشیخ الانصاری و وافقه فی ذلک المحقق النائینی. و لکن جمع من الاعلام قالوا بجریان استصحاب عدم الحجیة کصاحب الکفایة و هکذا السید الخوئی.

و لکن الظاهر تمامیة ما ذهب الیه الشیخ الانصاری من عدم جریان استصحاب عدم الحجیة. فإنه یختلف عن استصحاب الحجیة. استصحاب الحجیة یرتب اثر الحجیة من المنجزیة أو المعذریة. بینما أن استصحاب عدم الحجیة لا اثر له، فإن اثر الاستصحاب لعدم حجیة الشهرة مثلا إما اثبات حرمة الإخبار و یعبر عنها بحرمة الإسناد، أو اثبات حرمة الإستناد أی الاعتماد العملی علی الشهرة مع الشک فی حجیتها.

اما بالنسبة الی حرمة الإسناد والإخبار؛ فقلنا بأن موضوع حرمة الإخبار عدم العلم أو الکذب. استصحاب عدم الحجیة للشهرة لا یثبت أن الإخبار بمؤدی الشهرة کذب بل و لا یثبت أن الإخبار بحجیة الشهرة کذب، لأن الکذب عنوان بسیط ینتزع عن الإخبار بشیء و عدم کونه مطابقا للواق فاستصحاب عدم حجیة الشهرة لا یمکنه أن یثبت هذا العنوان البسیط. نظیر ما یقال من أن العمی عنوان بسیط منتزع عن قابلیة المحل للبصر و عدم بصره. فإذا مضی علی الجنین فترة احرزنا أنه صار قابلا للبصر فأردنا أن نضم الیه عدم البصر، فقلنا بأنه قابل للبصر بالوجدان و لیس له بصر بالاستصحاب فهو اعمی. فیکون هذا من الاصل المثبت. و هکذا فی المقام. حتی لو اردنا أن نثبت کون الإخبار بحجیة الشهرة إخبارا کاذبا باستصحاب عدم حجیة الشهرة فیکون هذا من الاصل المثبت. فکیف بما إذا اردنا أن نثبت أن الاخبار بمؤدی الشهرة کذب، فإن من الواضح أن استصحاب عدم حجیة الشهرة لا یثبت ذلک.

و أما حرمة الإسناد و الإخبار التی ترتب علی القول بغیر علم، فقلنا بأن المراد بالقول بغیر علم القول مع عدم العلم بکون ما یقول به مطابقا للواقع سواء کان شاکا فی ذلک أو عالما بالعدم. فمن یعلم بعدم شیء فیخبر بوجوده حتی لو لم یکن إخباره مخالفا للواقع فهو قد ارتکب محرما، لأن القول مع الشک لیس اسوء حالا من القول مع العلم بالعدم. و علیه فلا اثر لاستصحاب عدم الحجیة بلحاظ اثبات حرمة الإسناد.

و اما بلحاظ حرمة الإستناد أی نفی المنجزیة و المعذریة للشهرة المشکوک حجیتها، فنقول: إذا کانت الشهرة قائمة علی تکلیف کحرمة حلق اللحیة و شککنا فی حجیتها، فیمکننا التمسک بدلیل البراءة عن حرمة حلق اللحیة. و لا تکون هذه الشهرة التی نشک فی حجیتها منجزة بالوجدان، لأن منجزیة الحجة دائرة مدار وصولها. و المفروض عدم وصول حجیة الشهرة.

فإذن لا دور لاستصحاب عدم حجیة الشهرة بالنسبة الی نفی تنجز حرمة حلق اللحیة. و قد مر منا مرارا ان استصحاب عدم الحجیة أو البراءة عن الحجیة لا دور له فی التأمین بالنسبة الی ارتکاب الواقع المشکوک. أنت حینما تجری استصحاب عدم حجیة الشهرة القائمة علی حرمة حلق اللحیة، فهذا لایزید عن علمک بعدم حجیة الشهرة. فهل علمک بعدم حجیة الشهرة مؤمّن و معذّر بالنسبة الی ارتکاب حلق اللحیة المشکوک حرمته؟ أو لا، لابد أن تجری البراءة عن نفس الحرمة المشکوکة لحلق اللحیة. و أما البراءة عن حجیة الشهرة أو استصحاب عدم حجیة الشهرة القائمة علی حرمة حلق اللحیة ابدا لا یکون مؤمّنا و مرخصا فی ارتکاب هذا الفعل المشکوک.

فإذن لا اثر لاستصحاب عدم الحجیة بالنسبة الی أیّ من حرمة الإسناد أی الإخبار بمؤدی الشهرة مثلا أو بحجیة الشهرة، کما لا اثر له بالنسبة الی حرمة الإستناد أی نفی المعذریة و المنجزیة. الشهرة القائمة علی حرمة حلق اللحیة إذا شککنا فی حجیتها، لا تکون منجزة بالوجدان، و استصحاب عدم حجیتها لا یؤکّد عدم المنجزیة بالنسبة الی التکلیف المشکوک الواقعی.

کما أنه لو قامت شهرة علی حلیة فعل علی خلاف العمومات المقتضیة لحرمته، فهذه الشهرة التی نشک فی حجیتها إذا قامت علی حلیة شیئ، یکون مقتضی العموم أو الاصل العملی حرمته. استصحاب عدم حجیة هذه الشهرة لا یکون له أی دور فی نفی معذریة هذه الشهرة. قطعا هذه الشهرة لیست معذرة امام العام أو امام الاصل العملی المنجز لحرمة هذا الفعل. و استصحاب عدم حجیة الشهرة لا یؤکد عدم معذریة هذه الشهرة.

والحاصل أن استصحاب عدم الحجیة للامارة المشکوک اعتبارها، لیس له اثر عملی و لا ینطبق علیه عنوان النهی عن نقض الیقین بالشک. لأنه لا یمکن نقض الیقین بعدم اعتبار الشهرة سابقا مثلا بالشک فی اعتبارها. کیف انقض ذلک الیقین السابق بالشک اللاحق؟ کیف انقضه بذلک حتی یتعلق به النهی عن هذا النقض؟

هذا تمام الکلام فی مقتضی القاعدة فی الشک فی حجیة امارة أو اصل.

هنا ندخل فی البحث حول الامارات التی ادعی اعتبارها و حجیتها بالخصوص کالشهرة أو الاجماع المنقول أو خبر الثقة أو الظهورات. و لکن لما کان مستند حجیة کثیر من الامارات بناء و سیرة العقلاء، فکان من المناسب أن یبحث عن مدی حجیة سیرة العقلاء. و هکذا سیرة المتشرعة.

و قبل أن نتکلم عن حجیة سیرة العقلاء ینبغی أن اشیر الی نکتة، و هی: أن سیرة العقلاء التی نبحث عن حجیتها تعنی السیرة التشریعیة العقلائیة، یعنی سیرة العقلاء فی مجال القانون، سواء کان القانون قانونا واقعیا، کسببیة الحیازة للملکیة و سببیة اتلاف مال الغیر للضمان و نحو ذلک. أو کان القانون قانونا ظاهریا و حکما ظاهریا، کحجیة الظهور.

و هذا الذی اقول، لأجل أنه قد تکون هناک سیرة تحقق موضوع حکم شرعی، مثلا: یقال: بأنه یجب الانفاق بالمعروف علی الزوجة، و المراد من المعروف المتعارف لدی العرف. فسیرة العرف فی أی بلد تحقق موضوع الانفاق بالمعروف. و یترتب علیه حکم شرعی و هو وجوب الانفاق بالمعروف. و هذا لا علاقة ببحث حجیة السیرة. هنا السیرة العملیة فی کل عرف و فی أی بلد تحقق موضوع هذا الحکم الشرعی.

و هکذا البناء و التعارف الخارجی بالنسبة الی اللعب بشیء مع الرهان، یحقق موضوع حرمة اللعب بآلات القمار. و لأجل ذلک یقول السید السیستانی قد یکون شیء فی عرف بلد من آلات القمار حتی یتعارف اللعب به مع الرهان أی مع شرط جائزة للفائ و هذا الشیء فی عرف آخر ل ایکون من آلات القمار لعدم تعارف اللعب به فی ذلک البلد الآخر مع الرهان.

نعم ذکر بالنسبة الی الشطرنج و النرد ؟ انه حیث ورد النهی عن اللعب بهما بالخصوص، فمادام لم یخرج الشطرنج مثلا عن آلیة القمار فی جمیع البلدان بل مادام لم یحرز خروج الشطرنج عن آلیة القمار فی جمیع البلدان فلابد أن نحکم بحرمة اللعب بالشطرنج ولو بدون رهان. لأن الشطرنج ورد النهی عن اللعب به بالخصوص. و هکذا النرد ؟.

فترون أن التعارف الخارجی حقق موضوعا لحرمة اللعب بآلات القمار ولو من دون رهان.

و هکذا التعارف الخارجی فی البلد بالنسبة الی أن یکون شراء شیء بالوزن مثلا. الجوز قد یباع و یشتری فی بلد بالوزن و فی بلد آخر بالعد. فیقولون بأنه فی ذلک البلد الذی یباع و یشتری الجوز بالوزن، فیدخل فیما یکال أو یوزن، و لا یجوز مبادلة الجوز الجید بالجوز الردیء مع زیادة فی الجوز الردیء، لأنه یصیر من قبیل بیع الشیء بجنسه مع زیادة. فإذا کان هذا الشیء مما یکال أو یوزن فیکون من الربا المعاوضی. إنما الربا فیما یکال أو یوزن. و لکن فی ذلک البلد الآخر الذی تعارف بیع الجوز و شراءه بالعد، لا، هنا لا یصدق علیه أنه مما یکال أو یوزن، فیجوز أن نبیع کیل من جوز جید بکیلوئین من جوز ردیء من دون أن یسبب ذلک الربا المعاوضی. و إن کان السید الخوئی قال: إذا تعارف فی اکثر البلدان أن یباع و یشتری الجوز بالوزن و فی بلد بنحو نادر علی خلاف اکثر البلدان تعارف بیعه بالعد هنا الاحوط وجوبا الاجتناب عن بیع الجوز حتی فی هذا البلد الذی تعارف فیه بیعه بالعدّ. الاحوط وجوبا الاجتناب عن بیع جوز بجوز آخر مع زیادة.

و علی أی حال هذا قد یعبر عنه بالسیرة و بناء العرف، لکنه لا علاقة له ببحث حجیة السیرة. بحث حجیة السیرة یختص بالسیرة التشریعیة العقلائیة أو المتشرعیة، یعنی السیرة فی مجال التشریع و فی مجال القانون، سواء کان القانون حکما واقعیا أو حکما ظاهریا.

و بقیة الکلام فی اللیلة القادمة إن شاء الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo