< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

44/05/17

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: العام و الخاص/ شمول خطابات القرآن الكريم للغائبين/

كان الكلام في البحث عن اختصاص خطابات القرآن الكريم في الحاضرين او عمومها للغائبين و المعدومين و قد ذكرت لهذا البحث ثمرتان، الثمرة الاولى ما قيل من انه بناءا على القول باختصاص الخطابات القرآنية للحاضرين فيكون الحاضرون في مجلس تخاطب النبي صلى الله عليه و آله هم المقصودين بالإفهام و بناءا على مسلك المحقق القمي من اختصاص حجية الظواهر بمن قصد افهامه فلا تكون خطابات القرآن حجة في حقنا الا من باب الانسداد.

صاحب الكفاية اجاب عن هذه الثمرة و اورد عليها اولا بعدم تمامية المبنى فان حجية الظواهر لا تختص بمن قصد افهامه و لاجل ذلك لو اقر شخص بشيء عند زيد فسمعه غيره، سمعه القاضي مثلا فيأخذ باقرار هذا الشخص و لا يقبل عذره باني لم اقصد افهامك بل قصدت عدم افهامك فلا يكون ظاهر كلامه حجة في حقك، و ثانيا لو فرض تمامية المبنى و ان الظواهر تختص حجيتها بالمقصودين بالافهام فنحن و ان لم نكن مخاطبين بخطابات القرآن الكريم لكن هذا لا يعني اننا لسنا مقصودين بالافهام فان القرآن بیان للناس حینما یخاطب القرآن الكريم نساء النبي يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساء، المخاطب بهذه الآية نساء النبي لكن المقصود بالافهام عامة الناس فاذن هذه الثمرة ليست تامة عندنا. هذا محصل كلام صاحب الكفاية.

اقول المهم هو الجواب الثاني و هو اننا مقصودين بالافهام و اما الجواب الاول و هو حجية الظواهر حتى بالنسبة الى غير المقصودين بالافهام فهو قابل للنقاش و لاجل ذلك قبل المحقق الايرواني و الشيخ الحائري و السيد الروحاني في منتقى الاصول اختصاص حجية الظواهر بالمقصودين بالافهام فان ما ادعي من حجية اقرار المقر اذا سمعه شخص و لو قصد المقر عدم افهامه فهذا انما يكون لاجل عدم احتمال قرينة صارفة عن الظهور بين المقر و من قصد افهامه و لكن اذا احتملنا احتمالا عقلائيا ان بين هذا المقر و بين المقصود بالافهام قرائن سرية و كان هذا الاحتمال كما ذكرناه احتمالا عقلائيا فلا نحرز من بناء العقلاء الغاء هذا الاحتمال فاذا سمعنا الزوج اتصل عاطفيا بزوجته و جرى بينهما حديث و نحن نحتمل انه يوجد بينهما قرائن فهو يتكلم على زيد و زيد المعروف في المجتمع هو زيد العالم او افرض زيد الرئيس و لكن نحن نحتمل انه توجد قرينة بين زوج و زوجته على ان المراد من زيد هو عديل هذا الزوج فهو يتكلم على عديله كما هو المتعارف فهل نلغي هذا الاحتمال؟! كيف نلغي هذا الاحتمال؟!.

فالمهم في انكار الثمرة الاولى الجواب الثاني و هو اننا مقصودين بالافهام في الخطابات القرآنية و لو لم نكن مخاطبين بها.

الثمرة الثانية ما يقال من انه بناءا على اختصاص خطابات القرآن الكريم بالحاضرين فلا يمكن التمسك بعموماتها بالنسبة الى عصر الغيبة فقوله تعالی ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى‌ ذِكْرِ اللَّه‌﴾ اذا لم نقل بعموم الخطابات القرآنية للمعدومين في زمان الخطاب فلا يمكن ان يستدل به على وجوب الحضور في صلاة الجمعة التي اقيمت بشرائطها لا يمكننا ان نستدل على ذلك بهذه الآية الكريمة لان القدر المتيقن من هذه الآية الكريمة كون المخاطب بها الحاضرين في زمان النبي صلى الله عليه و آله و هكذا قوله تعالى ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدينُونَ دينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُون﴾‌، لا يمكننا الاستدلال بهذه الآية الكريمة على وجوب الجهاد الابتدائي في عصر الغيبة خلافا للسيد الخوئي حين افتى بوجوب الجهاد الابتدائي في عصر الغيبة و هكذا قوله تعالی ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِين﴾‌، هذا خطاب للحاضرين في ذلك الزمان ان لم نقل بعموم خطابات القرآن الكريم لغير الحاضرين فلا يمكن التمسك على وجوب الجهاد الابتدائي بهذه الآية الكريمة ايضا.

و قد يرد هذا البيان و يجاب عن هذا الثمرة الثانية بانه يكفينا التمسك بقاعدة الاشتراك فان الاجماع قائم على عدم خصوصية للحاضرين في ذلك الزمان، نقول في الجواب نحن لا نحتمل خصوصية في هؤلاء الاشخاص كسلمان و ابي ذر و مقداد و عمار، و لكن اشتراكهم في صنف و هو معاصرة النبي صلى الله عليه و آله يمنع من الغاء الخصوصية عنهم الينا و نحن غاب عنا امامنا و صرنا ايتام، قاعدة الاشتراك لا يمكنها ان تلغي الخصوصية عن صنف الى صنف آخر فهل ترى ان وجوب القصر على المسافر يمكن اسرائه الى الحاضر او بالعكس؟! و لا دليل على قاعدة الاشتراك الا الغاء الخصوصية او اطلاق الدليل ان لم يتم اطلاق للدليل و لم يمكن الغاء الخصوصية من مورد الدليل فلا يتم دعوی الاشتراك في الاحكام و قد يكون من الغريب ما ذهب اليه جمع في باب الاحرام من ان المرأة اذا ارادت ان تحرم تلبس ازار و رداء فوق ثيابها حين التلبية، و قد كان السيد الگلپایگانی يحتاط في ذلك احتياطا وجوبيا استدلالهم كان بقاعدة الاشتراك بين النساء و الرجال.

الجواب عنه واضح فان نكتة قاعدة الاشتراك اما اطلاق الدليل و الدليل قام على وجوب لبس ثوب الاحرام للرجال او الغاء الخصوصية و كيف يمكن الغاء الخصوصية عن الرجال الى النساء في لبس ثوب الاحرام. فعليه فهذه الثمرة الثانية تامة.

صاحب الكفاية ذكر ثلاث اوجه لتحریر محل النزاع، الوجه الاول ان يكون النزاع في امكان تكليف المعدومين و الوجه الثاني ان يكون النزاع في امكان مخاطبة المعدومين و الوجه الثالث كون النزاع في وضع اداة الخطاب بنحو تشمل المعدومين فقال النزاعان الاولان نزاع عقلي و النزاع الثالث نزاع لغوي.

السيد الخوئي اشكل عليك فقال لا معنى للنزاع الاول و لا الثاني و انما يختص النزاع بالوجه الثالث و ذلك لان البحث عن امكان التكليف بالمعدومين ان كان المراد منه التكليف الفعلي فمن الواضح انه لا يمكن توجيه تكليف فعلي الى المعدومين في زمان عدمهم و لا الى الغائبين الغافلين لانه لغو محض و اما جعل كبرى شرعية كقضية حقيقية موضوعها مقدر الوجود فاذا وجد كل شخص ففي ظرف وجوده يصير تكليفه فعليا فامكانه من الواضحات فهل يقبل الشيء الواحد للنزاع؟! امكان شمول الجعل للمعدومين واضح، امتناع ثبوت التكليف الفعلي بالنسبة الى المعدومين واضح، فلا يعقل النزاع في هذا المطلب، لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا، هذا جعل كلي يشمل المستطيع في زمان النبي و يشمل المستطيع في المستقبل لكن هذا كبرى جعل و الجعل على نهج القضية الحقيقية مئاله الى قضية شرطية اذا وجد المستطيع وجب عليه الحج فكل ما وجد مستطيع يصير وجوب الحج عليه فعليا بعد وجوده فلا معنى للنزاع هنا في الامكان و الامتناع فما ذکره فی غایة المتانة.

كما ان ما ذكره حول النزاع الثاني ايضا متين جدا حيث قال امكان توجيه الخطاب الى المعدومين بقصد تفهيمه بالفعل واضح انه لا يمكن، انا اوجه خطابا الى المعدوم بقصد تفهيمه بالفعل معلوم انه ممتنع كما ان توجيه الخطاب الى النائم لاجل تفهيمه حين نومه واضح انه مستحيل و اما توجيه الخطاب الى المعدوم بقصد تفهيمه بعد وجوده او توجيه الخطاب الى الغائب بقصد تفهيمه بعد وصول الخطاب اليه، امكانه بمكان من الامكان و واضح جدا، انت حينما تخرج من البيت ولدك نائم و تكتب ورقة ابني اذا قمت من النوم اذهب الى السوق و اشتر الخبز و ارجع الى ابيت بسرعة، ولدك بعد ما يقوم من النوم ساعت تسعة مثلا و يطلع على مفاد تلك الورقة و يذهب الى السوق و يشتري الخبز و يرجع، وجهت اليه خطابا بقصد تفهيمه حين ما يلتفت اليه، هذا ممكن.

فإذن لا معنى للنزاع في هذا الوجه الثاني توجيه الخطاب الى غائب او الى معدوم بقصد تفهيمه بالفعل واضح انه ممتنع، بقصد تفهيمه بعد صدور الخطاب اليه واضح انه ممكن فهل امر واضح يقبل النزاع فاذن النزاع ينحصر في الوجه الثالث و هو نزاع لغوي.

هكذا يقول السيد الخوئي، فاتضح ان من يرى شمول الخطابات القرآنية للغائبين و المعدومين يقول اداة الخطاب وضعت للخطاب الانشائي اي الخطاب الذي يكون صادرا عن قصد التفهيم بالفعل و من يرى ان اداة الخطاب وضعت للخطاب الحقيقي اي الخطاب المقرون بقصد التفهيم للمخاطب بالفعل حين صدور الخطاب هو ذهب الى عدم الشمول الخطابات القرآنية للغائبين و المعدومين. فاتضح منشأ النزاع و منشأ الخلاف، الذي ذهب الى اختصاص خطابات القرآن الكريم بالحاضرين في مجلس التخاطب اختار ان اداة الخطاب وضعت للخطاب الحقيقي اي الخطاب بقصد تفهيم المخاطب حين صدور الخطاب و اما من ذهب الی التعميم فهو يختار ان اداة الخطاب وضعت للخطاب الانشائي اي الخطاب غير المقرون بقصد التفهيم حين صدور الخطاب.

فی البحوث اشکل علیه فقال اولا وضع اداة الخطاب للخطاب الحقيقي يعني ان العلقة الوضعية تصديقية لا تصورية، اشلون؟ اذا سمعنا من موج الهواء او من البغبغاء انه قال يا زيد يا دنيا غري غيري، حينما هو يقول يا دنيا غري غيري هذا خطاب و لكن ليس خطابا حقيقيا لان الخطاب الحقيقي يتضمن امرا وجوديا تكوينيا و هو قصد تفهيم الغير و من الواضح ان الببغاء لا يقصد تفهيم الغير او موج الهواء سمعتم من موج الهواء يا دنيا غري غيري صح. من يقول بان العلقة الوضعية تثبت بين تصور اللفظ و تصور المعنى حتى لو سمع اللفظ من موج الهواء، من الببغاء فلا يمكنه ان يقول بان الموضوع له لاداة الخطاب الخطاب الحقيقي المتقوم بقصد تفهيم المتكلم المخاطب.

انت يا سيدنا الخوئي تدعي ان العلقة الوضعية تصديقية نحن لا نتكلم معك لكن المشهور ذهبوا الى ان العلقة الوضعية تصورية فكيف ذهب جمع منهم الى ان الموضوع له لاداة الخطاب، الخطاب الحقيقي، المشهور لا يمكنهم ان يذهبوا الى ان كون الموضوع له لاداة الخطاب، الخطاب الحقيقي في فرض انهم يقولون بان العلقة الوضعية تصورية فلا يمكن ان يكون منشأ ذهاب جمع من المشهور الى اختصاص خطابات القرآن الكريم بالحاضرين ذهابهم الى ان الموضوع له لاداة الخطاب، الخطاب الحقيقي لان المشهور ينكرون كون العلقة الوضعية تصديقية فبالطبع ينكرون كون الموضوع له لاداة الخطاب، الخطاب الحقيقي المتقوم بأمر تكويني هو قصد المتكلم تفهيم المخاطب و لكن جمع منهم ذهبوا الى اختصاص خطابات القرآن الكريم بالحاضرين و عدم شمولها للغائبين و المعدومين فمن ذلك يظهر ان منشأ النزاع في المقام ليس ان كل من ذهب الى اختصاص خطابات القرآن الكريم بالحاضرين فهو يقول بان اداة الخطاب وضعت للخطاب الحقيقي.

هذا هو الاشكال الاول للبحوث و الاشكال الثاني انه قال مي خالف انا اقبل كما انتم تدعون ان الموضوع له لأداة الخطاب، الخطاب الانشائي لوضوح عدم المجاز في قولنا ألا يا ايها الليل الطويل فانجلي، يا ايها الشباب یعود يوما حتى نخبرك بما فعل المشیب لا مجاز فيه ابدا صحيح كلام السيد الخوئي صحيح يقول في البحوث و لكن ظاهر حال المتكلم انه حينما يتكلم بلفظ يتكلم به بداعي ايجاده في الخطاب الانشائي ألا ترى ان اداة الاستفهام وضعت للاستفهام الانشائي لو سمعنا من الببغاء هل زيد قائم؟ فيخطر ببالنا معناه و من الواضح ان معناه ليس هو وجود الاستفهام في نفس الببغاء و لا يطلب فهم شيء انما يتلفظ بهذه الالفاظ، لكن ظاهر حال المتكلم الملتفت انه حينما يقول هل زيد قائم؟ و ينشأ هذا الاستفهام ينشئه بداعي ايجاده لا بداعي تمرين اللفظ و اخطار معناه بباله، و عليه ظاهر حال المتكلم حينما يقول يا ايها الذين آمنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله انه ينشئ هذا الخطاب بداعي ايجاد الخطاب بداعي ايجاد الخطاب الحقيقي كما ان المستعمل لأداة الاستفهام انما يستعملها بداعي الاستفهام الحقيقي هذا هو ظاهر حال المتكلم و ان لم يكن استعمال اداة الاستفهام لغير استفهام الحقيقي مجاز، "فهل انتم منتهون" هذا ليس استفهاما حقيقا من الله سبحانه و تعالى ليس مجازا و لكن ظاهر حال المتكلم لو لا القرينة انه ينشأ الاستفهام بداعي الاستفهام الحقيقي لولا القرينة و هكذا من ينشأ الخطاب ظاهره لولا القرينة انه ينشأ هذا الخطاب بداعي ايجاد الخطاب الحقيقي و قد قبلتم ان الخطاب الحقيقي هو ان يكون بداعي تفهيم المخاطب بالفعل و لأجل ذلك ذهب في البحوث انه لولا القرينة العامة او الخاصة نلتزم بان ظاهر حال الشارع المنزل للقرآن الكريم انه انشأ خطابات القرآن الكريم بداعي الخطاب الحقيقي و الخطاب الحقيقي هو قصد تفهيم المخاطب حين صدور الخطاب.

تأملوا في هذا المطلب الى الليلة القادمة ان شاء الله.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo