< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

45/08/10

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: کفارة الجماع مکرها

 

تلك المسألة التي قرأناها تعجبني و اريد اعود اليها و هي ان من افطر في نهار شهر رمضان ثم طرأ عليه ما يزيل عنه وجوب الصوم فهل ترتفع عنه الكفارة ام لا؟

صاحب العروة فصّل بين المانع الاختياري كالسفر قبل الزوال فقال بانه لايرفع عنه وجوب الكفارة و بين الرافع القهري كالمرض و الحيض و الموت و نحو ذلك فقال بانه يرفع الكفارة.

هذا البحث من قديم الزمان مطروح،‌ ففي الخلاف يقول: اذا وطئ في اول النهار ثم مرض أو جنّ في آخره لزمته الكفارة و لم‌تسقط عنه، و للشافعي فيه قولان احدهما مثل ما قلناه و الثاني لا كفارة عليه، و به قال ابوحنيفة، دليلنا اجماع الفرقة و ايضا قد اشتغلت ذمته بالكفارة حين الوطئ بلاخلاف و اسقاطها يحتاج الی دليل. و في المبسوط يقول: من فعل ما يوجب عليه الكفارة‌ في اول النهار ثم سافر أو مرض مرضا يبيح له الافطار أو حاضت المرأة فان الكفارة لاتسقط عنه بحال. لكن العلامة الحلي في المختلف فصّل بين الرافع الاختياري لوجوب الصوم كالسفر قبل الزوال فقال بانه لايسقط الكفارة و بين الرافع القهري كالحيض فانه قال بكونه رافعا للكفارة. ثم قال: لنا ان هذا اليوم غير واجب صومه عليه في علم الله، في هذا المانع القهري، و قد انكشف لنا انه ما كان يجب عليه الصوم بتعدد العذر فلايجب فيه الكفارة و الاجماع الذي ادعاه الشيخ، الشيخ الطوسي، لم‌يثبت عندنا.

السيد الحكيم في المستمسك ذكر اولا: انه لابد ان يری ان السفر قبل الزوال عدمه شرط الوجوب أو شرط الواجب؟ يعني ملاك الصوم مختص بما اذا لم‌يسافر قبل الزوال؟ فاذا كان كذلك فصومه قبل السفر بلا ملاك، فلايكون الافطار قبل السفر موجبا للكفارة. نعم ان كان عدم السفر قبل الزوال شرط الواجب، شرط استيفاء الملاك، كما يقتضيه انه اذا سافر قبل الزوال و افطر يقال فات منه الصوم و يجب عليه قضاءه فان الفوت انما يصدق في ظرف وجود الملاك و الا لو لم‌يكن الملاك موجودا لايصدق الفوت. مثلا: حينما يبرد الجو و ليس عندك مدفعة تقول فات مني ملاك استخدام المدفعة لان احس بالبرودة و لكن اذا كان عندك مدفعة تنتظر برودة الجو و الجو ما يبرد لايصدق انه فات مني منفعة استخدام المنفعة، شنو؟ استخدام المدفعة منفعته ماذا؟ تحمي نفسك عند برودة الجو، اذا لم‌يكن الجو باردا لايتصف بالملاك بينما ان وجود المدفعة عند برودة الجو شرط استيفاء الملاك. يقول السيد الحكيم: السفر قبل الزوال مانع عن الاتصاف بالملاك اذا كان هكذا فافطارك قبل السفر لايكون موجبا للكفارة و اذا كان السفر قبل الزوال مانعا عن استيفاء ملاك الصوم كما هو مقتضی صدق عنوان فوت الصوم اذا سافرت قبل الزوال فهنا يجب عليك الكفارة لانك صمت صوما صحيحا واجبا عليك بصحة تأهلية يعني لو لم‌تسافر قبل الزوال اتصف بصحة تأهلية‌ و هذا لاينعدم بسفرك، صومك قبل السفر كان صحيحا واجبا عليك، صحيح بصحة تأهلية. ثم قال نعم لو كان السفر غير اختياري كان مانعا من التكليف بالصوم لانك مضطر الی هذا السفر فلاتقدر علی الصوم التام فلايجب عليك و اذا لم‌يجب عليك فلايكون الافطار قبل الخروج الی السفر موجبا للكفارة. و بذلك يظهر الفرق بين المانع الاختياري و المانع الاضطراري، فتجب الكفارة بالافطار قبل طرو المانع الاختياري كالسفر قبل الزوال و لاتجب الكفارة قبل طرو المانع القهري و الاضطراري كالحيض.

ثم قال: و لكن سيأتي ان السفر قبل الزوال يكون وجوب الصوم مشروطا بعدمه و الا لو كان عدمه شرط الواجب لم‌يكن يجوز لك ان تسافر قبل الزوال فعدم السفر قبل الزوال شرط الوجوب فلابد ان نقول بان الافطار قبل السفر لايكون موجبا للكفارة لانه بالسفر قبل الزوال ينكشف انتفاء وجوب الصوم لان عدم السفر قبل الزوال شرط الوجوب، لو كان شرط الواجب لما جاز الاخلال به.

ثم رجع، لان المسألة مو واضحة عند السيد الحكيم فرجع من كلامه قال: اللهم الا ان يقال ان دعوی كون السفر اذا وقع في اثناء النهار كان مبطلا للصوم من الاول لا شاهد عليها، اذ يحتمل كونه مبطلا للصوم من حين السفر فاذن لايبعد البناء علی وجوب الكفارة مطلقا لان السفر و نحوه اذا وقع في اثناء النهار لايكشف عن بطلان الصوم من الاول بل يحتمل ان يكون مبطلا للصوم من حين السفر. و لعل المقصود من قوله مطلقا يعني سواء كان المانع اختياريا أو غير اختياري. ثم استشهد علی ذلك بان موضوع الكفارة في الروايات الافطار لا افطار الصائم، من افطر في نهار شهر رمضان فعليه الكفارة، هذا يصدق علی هذا الذي افطر ثم سافر قبل الزوال أو افطرت ثم حاضت. فهذه الاطلاقات وافية لاثبات الكفارة في المقام. و هذا يعني انه في نهاية المطاف، ودّانا الی زيارة الدورة، علی قول بعض الاعلام، كان مو واضح يقول هذا ودانا الی زيارة‌ الدورة، زيارة الدورة‌ يعني زيارة مساجد المدينة المنورة، ماكو، قال زيارة الدورة، و لكن في نهاية المطاف اتضح كلامه انه يری وجوب الكفارة.

و هكذا سبطه السيد سعيد الحكيم رحمة الله عليه أكد علی ذلك قال لاينبغي التأمل بعد النظر في الادلة و الرجوع للمرتكزات ان طرو المانع كالسفر قبل الزوال أو الحيض مبطل للصوم من حين طرو المانع و اما قبله فكان الصوم صحيحا. و لاجل ذلك من يريد ان يسافر قبل الزوال ينوي الصوم لا انه ينوي الامساك التأدبي، الامساك التأدبي ليس له موضوع اذا لم‌يجب الصوم، الامساك التأدبي ثابت في حق من وجب عليه الصوم و لكنه افطر يقال يجب عليك الامساك تأدبا الی الليل اما اذا فرض انه لايجب علی هذا الذي يسافر قبل الزوال الصوم من الاول لا وجه لان يمسك تأدبا عن المفطرات، لا، هذا وجب عليه الصوم الی ان يسافر، هذه المرأة يجب عليها الصوم الی ان تحيض. و لاجل ذلك لو نوی شخص الی ان يسافر قبل الزوال و لكنه لم‌يوفق لذلك،‌ طلع من بيته راح لموقف السيارات و لو احد ودّاه يروح الی طهران قبل اذان الظهر وقع في ذاك المكان في داخل المدينة‌ الی ان يؤذن مع انه كان ناويا بل متأكد علی انه يسافر قبل الزوال و لكنه لم‌يوفق لذلك، صومه صحيح لانه نوی الصوم و يستمر في الصوم. ثم قال: هذا المقام نظير من إئتم بامام بطل صلاة الامام في اثناء الصلاة، إئتمامه لهذا الامام صحيح الی ان تبطل صلاة‌ الامام، بعد ذلك حينما بطل صلاة الامام يقدمون احد المأمومين و يستمرون في الصلاة خلفه.

ثم قال: و يؤكد ذلك انه لو كان طرو المانع رافعا لوجوب الكفارة مع الافطار قبل ذلك لكثر السؤال عنه لشيوع الابتلاء به، ماكو امرأة تفطر ثم تحيض؟ ماكو رجال يفطر ثم يتمرض ثم يسافر قبل الزوال؟ و لا رواية وردت في حكم هذا الشخص، فالسكوت عن ذلك في النصوص شاهد بجريان الامر علی مقتضی المرتكزات القاضية بعدم سقوط الكفارة.

هذا يعني ان السيد الحكيم السبط ايضا وافق جده في كلامه الاخير لجده و هما وافقا الشيخ الطوسي الذي ما فصّل بين المانع الاختياري و المانع غير الاختياري، و هكذا السيد الخوئي. بينما السيد السيستاني فصّل قال في المانع الاختياري كالسفر قبل الزوال يبقی وجوب الكفارة، في المانع القهري اذا لم‌يكن بتسبيب منه هذا نلتزم بعدم ثبوت الكفارة، إمرأة حاضت بلاتسبيب منها نكشف من ذلك عدم ثبوت الكفارة عليها اذا افطرت قبل ذلك و اما اذا كان هذا المانع القهري في قبال السفر قبل الزوال كالحيض بتسبيب منه أو منها ضرب الإبرة حاضت لانها افرض اكلت مال المغصوب قالوا يجب عليك الجمع بين الكفارات علی قول المشهور، قالت شنو؟ انا اسوي فعلا تتحيرون، ضربت إبرة، بعد ساعات نزل الدم فحاضت، حيض بعد، يستمر الی ثلاثة ايام، السيد السيستاني يقول لاينبغي ترك هذا الاحتياط فيما اذا كان العارض القهري بتسبيب منه لاسيما اذا كان بقصد سقوط الكفارة.

المهم ان نری في هذا البحث ان اطلاقات الكفارة هل تشمل هذه المرأة التي حاضت بعد افطارها لصومها أو تشمل هذه الاطلاقات الذي افطر ثم سافر قبل الزوال، هذا هو المهم و الا كما ذكره السيد الحكيم السبط انه لو كان طرو المانع موجبا لسقوط الكفارة لكثر السؤال عنه لشيوع الابتلاء بذلك، ما عرفنا شيوع الابتلاء بالافطار ثم طرو المانع ثم افرض لو شاع الابتلاء به السكوت يكشف عن ثبوت الكفارة؟ لماذا لايكشف عن عدم ثبوت الكفارة؟ و ما عرفنا شيوع الابتلاء بهذه المسائل. المهم ان نری هل يثبت اطلاق في قوله من افطر في نهار شهر رمضان فعليه عتق نسمة أو صوم ستين يوما أو اطعام ستين مسكينا، انا في ذهني اشكال: ظاهر من افطر أو محتمل هذه التعبير انه منصرف الی من وجب عليه الصوم و وجوب الصوم علی هذا الشخص اول الكلام، السيد الحكيم في المستمسك يقول نحتمل ثبوت وجوب الصوم عليه، احتمال هذا كافي؟ خب شبهة‌ مصداقية لوجوب الصوم. السيد الخوئي تمسك باطلاق قوله تعالی‌ فمن شهد منكم الشهر فليصمه علی ان هذا الشخص الذي يبتلی بمانع عن استمرار وجوب الصوم قبل الابتلاء بالمانع مكلف بالصوم، ان تم هذا صحيح، هذا كان يجب عليه الصوم و من افطر و قد وجب عليه الصوم فعليه الكفارة، ما عندنا مشكلة وياه، و لكن اذا منعنا عن شمول الخطابات الدالة علی وجوب الصوم بالنسبة الی هذا الذي سيبتلی‌ في اثناء النهار بمانع اختياري يجوز ارتكابه كالسفر قبل الزوال أو بمانع قهري، اذا قلنا بان من شهد منكم الشهر فليصمه لايشمل هذا الشخص، نعم يشمل من يوجد المانع عن امتثال الواجب كما لو افرض اوجب تمرضه في اثناء‌ النهار، هذا لايجوز، الظاهر من قوله و ان كنتم مرضی انصرافه عن هذا الفرض الذي يمرض روحه بسوء اختياره. لااقول ليس شرط الواجب، لعله شرط الواجب فصومه يصير باطلا لكن يعاقب علی تعجيزه نفسه عن امتثال الواجب، اما السفر قبل الزوال لا، جائز، و اما طرو الحيض فليس باختيارها. هنا نقول مو بعيد انصراف دليل وجوب الصوم في قوله تعالی فمن شهد منكم الشهر فليصمه عنه لان الصوم ظاهر في ذاك الصوم المعهود المركب الذي مبدأه من طلوع الفجر الی غروب الليل و لاجل ذلك قال ثم اتموا الصيام الی الليل. فاذا لم‌يدل دليل علی وجوب الصوم عليه فكيف يشمل قوله من افطر في نهار شهر رمضان فعليه عتق رقبة أو صوم ستين يوما أو اطعام ستين مسكينا، أ ليس هذا منصرفا الی من افطر و قد وجب عليه الصوم؟ خب من افطر و لم‌يجب عليه الصوم لماذا يدفع كفارة؟ و لاجل ذلك لايزال اشكالي باق بحاله في ثبوت الكفارة حتی علی من سافر قبل الزوال فكيف بغيره. لكن حيث ادعي الاجماع علی عدم ارتفاع وجوب الكفارة عنه و القدر المتيقن من الاجماع كما اشار العلامة الحلي في المختلف من اوجد المانع الاختياري ففي المانع الاختياري نحتاط وجوبا في دفع الكفارة دون المانع الاضطراري الذي لايكون بتسبيب من هذا المكلف.

هذا تمام الكلام في هذه المسألة، كان عودا الی بدأ و نرجع الی مسألة اكراه الزوج زوجته علی الجماع بدون إلجاء لاننا نتكلم عن مقتضی القاعدة فقلنا بانه لو اكره زوجته علی الجماع و هي كانت مكرهة فمقتضی القاعدة انه لايجب علی هذا الرجل الا كفارة‌ واحدة و تعزير واحد. نعم صوم المرأة لايكون صحيحا لان الاكراه يرفع وجوب الصوم لكن لايرفع مفطرية الجماع. و ان طاوعته المرأة في الاثناء، لا، بعد المطاوعة اذا استمر الجماع يثبت عليها الكفارة.

هذا حسب مقتضی القاعدة و اما حسب الرواية التي سندها ضعيف لاشتمالها علی ابراهيم بن اسحاق الاحمر الذي لم‌يوثق و المفضل بن عمر و ان كان السيد الخوئي وثقه لكن نحن نناقش في وثاقته، هنا قال ان كان استكرهها فعليه كفارتان و ان كانت طاوعته فعليه كفارة و عليها كفارة. مقتضی هذه الرواية شمول الاستكراه لفرض الالجاء، هكذا يقال. السيد الخوئي يقول: لا، مو معلوم،‌ الاستكراه لعله اريد به المعنی الاخص للاكراه و هو الذي يقابل الالجاء الذي يسلب الاختيار من الملجأ، و هذا غير بعيد بمناسبات الحكم و الموضوع لانه فرض في هذه الرواية بطلان صوم المرأة و اذا كانت المرأة ملجأة علی الجماع فمقضی القاعدة التي يساعد عليها الارتكاز العرفي عدم بطلان صومها لانها لايستند اليها هذا الفعل،‌ يكون نظير ما لو جامعها زوجها و هي نائمة، فمو بعيد ان نقبل كلام السيد الخوئي من ان الرواية ايضا لايشمل فرض الالجاء.

هنا دخل صاحب العروة‌ في ابحاث، مثلا: في البداية كانت مستكرة فوجب علی الزوج كفارتها، ثم في الاثناء رضيت و طاوعت، هنا يقول صاحب العروة لايثبت كفارة علی هذه الزوجة، كان عليه كفارتان و ان اكرهها في الابتداء ثم طاوعته في الاثناء فكذلك علی الاقوی يعني لاتثبت الكفارة في حق الزوجة. لماذا لاتثبت؟ ما اقول الرواية تدل علی ثبوت كفارتين علی الزوج لانه حين حدوث الجماع اكرهها علی الجماع و بعد مطاوعة الزوجة بقاءا لااقول الرواية تدل علی ثبوت كفارة ثالثة علی هذه الزوجة، لا، الرواية لاتدل علی كفارة علی الزوجة حتی لو طاوعته في الاثناء، لكن الرواية لاتنفي ذلك، فيثبت الكفارة علی هذه المرأة بمقتضی العمومات اذا قلنا بان جماع من بطل صومها موجبا للكفارة كما عليه صاحب العروة، نحن قلنا بان الجماع الموجب للكفارة هي الجماع الموجب لبطلان الصوم و مطاوعة هذه الزوجة لزوجها في الاثناء لايوجب بطلان صومها لان صومها بطل بحدوث الجماع و لكن صاحب العروة الذي يری ان الجماع و لو اذا بطل الصوم بجماع سابق هذا يوجب الكفارة، هذا الجماع بقاءا مستند الی مطاوعة الزوجة، لماذا لايكون مقتضی القاعدة شمول خطابات الكفارة لهذه الزوجة التي طاوعت في الاثناء زوجها فتثبت عليها الكفارة و يثبت علی الزوج كفارة و اذا عملنا بهذه الرواية‌ يثبت علی الزوج كفارة اخری بمقتضی هذه الرواية.

تقولون اذا صار بالعكس، اذا اكرهت الزوجة زوجها، معقولة؟ اشمدريني معقولة‌ أو غير معقولة، هل يمكن الغاء الخصوصية من الرواية الی هذا الفرض؟ لا، لانه فرض غير متعارف،‌ لعل الشارع اراد ما افتح محالا لهذه الاشياء، لو اكرهت الزوجة زوجها علی الجماع فلايثبت عليها الا كفارة واحدة و لا كفارة علی الزوج لانه مكره.

و بقية الكلام في ليلة الثلثاء ان‌شاءالله.

و الحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo