< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

45/07/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: كفارة الافطار العمدي لصوم رمضان

 

كان الكلام في كفارة الافطار العمدي لصوم رمضان فاختلفت الروايات بعض الروايات كانت دالة علی الترتيب ان امكنه عتق رقبة وجب ذلك فان لم‌يمكنه عتق رقبة وجب صوم ستين يوما و ان لم‌يتمكن من ذلك وجب اطعام ستين مسكينا، و بعض الروايات كانت دالة علی التخيير.

السيد الخوئي قال: حيث انما دل علی التخيير دال عليه بالدلالة الوضعية أو وضعت لافادة التخيير، و ما دل علی الترتيب في الكفارات الثلاث دلت علی الترتيب بالدلالة الاطلاقية، يعتق رقبة، هذه الجملة بالدلالة الاطلاقية تدل علی الوجوب التعييني و الا يمكن حملها علی الاستحباب و الافضلية فان لم‌يجد يصوم ستين يوما هذا ايضا بدلالته الاطلاقية يدل علی الوجوب التعييني، و اذا دار الامر بين رفع اليد عن دلالة وضعية و حمل اللفظ علی الاستعمال المجازي و بين تقييد دلالة اطلاقية فيتعين رفع اليد عن الدلالة الاطلاقية، هذه قاعدة اسسوها في الاصول كما لو قال المولی اكرم كل عالم و قال في خطاب آخر لاتكرم الفاسق، فانهما و ان تعارضا في مورد العالم الفاسق لكن قالوا بان عموم اكرم كل عالم بدلالته الوضعية يدل علی وجوب اكرام العالم الفاسق بينما ان قوله لاتكرم الفاسق بدلالته الاطلاقية يدل علی حرمة اكرام العالم الفاسق لعدم استخدام اداة‌ العموم فيه، فهنا يقدم عموم اكرم كل عالم علی اطلاق لاتكرم الفاسق و ذلك باحد البيانين:

البيان الاول ما ورد في كلام الشيخ الانصاري و المحقق النائيني و السيد الخوئي في بعض دوراة اصوله، قالوا بان الاطلاق ينشأ من مقدمات الحكمة و مقدمات الحكمة حكم العقل، بينما ان الدلالة اللفظية تستند الی اللفظ و البيان، فاذا جاء بيان علی خلاف الاطلاق فترتفع مقدمات الحكمة لان من جملة مقدمات الحكمة عدم البيان علی الخلاف.

صاحب الكفاية اورد علی هذا البيان قال من مقدمات الحكمة عدم البيان المتصل لا عدم البيان و لو كان منفصلا.

انا اضيف الی كلام الآخوند صاحب الكفاية انه لم‌يكن من مقدمات الحكمة عدم البيان العام المنفصل علی الخلاف، غايته ان من مقدمات الحكمة عدم البيان علی التقييد لا عدم البيان العام المعارض و لو كان منفصلا. و لاجل ذلك ترون ان العرف لايتوقف في استظهار حرمة اكرام العالم الفاسق من قوله لاتكرم الفاسق، يستظهر ذلك، ظهور اطلاقي، و الا فلو كان المقيد المنفصل أو البيان المنفصل رافعا لمقدمات الحكمة فلايمكنكم ان تقولوا رافع له بوجوده الواقعي، بل لابد ان تقولوا رافع له بوصوله. كيف يؤثر وصول المقيد المنفصل في ظهور الخطاب؟ وصل المقيد اليك فيختلف ظهور هذا الخطاب المطلق عمن لم‌يصل اليه ذلك الخطاب المقيد أو البيان المنفصل، الظهور ليس امرا نسبيا، هذا الكلام له ظهور، لايختلف شخص عن شخص آخر، هذا المتكلم ظاهر كلامه افادة مراده بالبيان المتصل أو ان ظاهر حاله افادة مراده و لو بالبيان المنفصل، اذا كان ظاهر حاله افادة مراده بالبيان المتصل ماكو بيان متصل علی الخلاف و اذا كان ظاهر حاله افادة مراده و لو بالبيان المنفصل فمع الشك في البيان المنفصل نشك في ان مراده المولی ماذا. فهذا الوجه غير تام.

اما الوجه الثاني و هو الذي اختاره السيد الخوئي في بعض كلماته في الحج و لعله في المحاضرات الجزء الخامس من المحاضرات ان ظهور الخطاب المطلق ظهور سكوتي ظهور ناشئ عن عدم البيان بينما ان ظهور العام أو ظهور ايّ دليل لفظي ظهور ناشئ عن البيان، و العرف يقدم الظهور الناشئ عن البيان علی الظهور الناشئ عن عدم البيان، هذا بيان فظهوره اقوی من ظهور سكوتي. و هذا هو الوجه الذي اختاره صاحب البحوث.

و نحن ايضا اجبنا عنه بان مجرد اقوائية الظهور في العالم لايكفي في تقديم العام علی الخطاب المطلق فالمهم هو القرينية العرفية و نحن حينما يصل الينا خطابان من المولی في خطاب قال لاتكرم الفاسق في خطاب آخر قال اكرم كل عالم، فنحن نبقی متحيرين بالنسبة الی العالم الفاسق، مجرد ان العام ادسم فتقديمه ادسم،‌ هذا ميفيد لابد ان لايتحير العرف، يمشون علی وفق العالم و لو كان الخطاب المطلق في قباله و هذا يعني ان الدلالة اللفظية لاتقدم علی الدلالة الاطلاقية المنفصلة عنها، كما اختاره صاحب الكفاية.

فاذن هذا البيان في تقديم دليل التخيير علی دليل الترتيب غير متجه و ان كان دليل التخيير هو ظهور "أو" وضعا في التخيير و دليل الترتيب يكون ظاهرا في ظهور اطلاقي في الترتيب اللزومي.

هذا اولا و ثانيا: لقائل ان يقول أو وضعت لمعنی عام ليست موضوعة لخصوص التخيير، استعمالها في موارد التنويع ليس استعمالا مجازيا، خلاف الظهور الانصرافي نعم اما يكون استعمالا مجازيا؟ لابد ان تكون إما طلبة أو عمال أو تجار، هذا يقول انا شيسوّي؟ اجيء اصير طلبة أو اروح اصير عامل أو اروح اصير تاجر، تقول لا انت ما يفيدك تصير طلبة روح اشتغل في التجارة احسن لك، شخص ثاني يجيء يقول انا شيسوّي؟ تقول له لا انت تعال صر طلبة، و هكذا، يعني هذا استعمال مجازي؟ لا، استعمال أو في التنويع ليس استعمالا مجازيا. فهذا الوجه الذي ذكره السيد الخوئي ليس بمتجه.

الوجه الثاني ان يقال بانه كلما فرض اتصال خطابين متعارضين بدوا و فرض اتصالهما كان يوجب ارتفاع التنافي بينهما، فنجمع بينهما في فرض انفصالهما بما كنا نجمع به في فرض اتصالهما، هذا ضابط ذكره المحقق النائيني، نلحظ خطابين منفصلين نجمع بينهما بجمع لاندري هل هذا جمع عرفي ام لا،‌ نفرض اتصالهما فاذا شفنا انه لا منافاة بينهما يفهم من هذين الخطابين في فرض اتصالهما ذاك الجمع العرفي مثلا اغسل ثوبك من الوزغ مثلا، اذا مشی وزغ علی ثوبك رطبا فاغسل ثوبك، في خطاب آخر يقول لا بأس به، نجمع بينهما في خطاب واحد اذا قال المولی اغسل ثوبك من هذا الوزغ الذي مشی علی ثوبك رطبا لكن لا بأس به لو لم‌تغسله، العرف يستفيد منه الاستحباب.

هنا يقال بان الامام عليه السلام اذا في مجلس واحد قال: من افطر في شهر رمضان يعتق رقبة أو يصوم ستين يوما أو يطعم ستين مسكينا، فواحدسأل المولی قال وضّح لنا، اشكلت، هو يقول من يجد عتق رقبة فليعتق رقبة من لايجد رقبة يصوم ستين يوما و من لايتمكن من الصوم يطعم ستين مسكينا فيقال بان العرف يحمل الخطاب الثاني علی الاستحباب.

الانصاف ان هذا مو معلوم بل يبقی العرف متحيرا بين ان يحمل الخطاب الثاني علی الاستحباب أو يحمل "‌أو" في الخطاب الاول علی التنويع.

الوجه الثالث لتقديم خطاب التخيير علی خطاب الترتيب بحمل الترتيب علی الافضلية هو ان نقول باننا لم‌نقبل الضابط الذي اختاره المحقق النائيني من اننا دائما نفرض خطابين متعارضين كانهما صدرا متصليين فاذا لم‌يوجد تناف بينهما فنجمع بينهما، هذا الضابط غالبي و ليس دائميين، ذكرنا ذلك مرارا،‌ قد يكون خطابان منفصلان يكون بينهما جمع عرفي فاذا فرض اتصالهما لايوجد بينهما جمع عرفي، اذا اصاب الخمر اناءك فاغسله ثلاث مرات اذا اصاب الخمر اناءك فاغسله سبع مرات، اذا فرض صدورهما في مجلس واحد فالعرف يری تنافيا بينهما اذا فرض انفصالهما فيحمل العرف الخطاب الذي يقول اغسله سبع مرات علی الاستحباب الزائد. فيقال هنا بانه اذا ورد في خطاب منفصل من افطر في نهار شهر رمضان يعتق رقبة أو يصوم ستين يوما أو يطعم ستين مسكينا، و ورد في خطاب آخر من افطر في نهار شهر رمضان يعتق رقبة فان لم‌يجد يصوم ستين يوما فان لم‌يقدر يطعم ستين مسكينا، فلايتحير العرف و لايتأمل في الاخ بظهور الخطاب الاول في التخيير لان الحكم الواقعي اذا كان لزوميا يعني الترتيب بين هذه الكفارات كان ترتيبا لزوميا فالعرف يری ان اطلاق الخطاب المقتضي للتخيير ليس عرفيا يعني يوجب القاء الناس في مفسدة مخالفة الواقع بينما انه لو كان الترتيب مستحبا فسكوته عن بيان انه ليس واجبا ليس موجبا للالقاء في مفسدة مخالفة‌ الواقع بل بالعكس سوق الی الكمال.

فالانصاف ان العرف يقدم الخطاب الدال علی التخيير علی الخطاب الدال علی الترتيب بهذا البيان: ذاك خطاب ليس العرف يقبل ان يريد المولی منه التنويع من دون تنبيه عليه لانه يؤدي الی تفويت مصلحة الواقعية و الالقاء في مفسدة المخالفة الواقع لانه يفهم التخيير فيأخذ بالاسهل، يطعم ستين مسكينا.

ان قبلتم منا ذلك فهو و ان لم‌تقبلوا منا ذلك فننتقل الی الوجه الثاني في حل المعارضة‌ بينهما و هو ما يقال من رواية الترتيب موافقة للعامة و رواية التخيير مخالفة للعامة و في مقام الترجيح نقدم ما خالف العامة علی ما وافقهم.

هذا البيان ذكره جمع من الاعلام كالسيد الخوئي و لكن اشكاله ان مالك كما في كتاب الفقه علی المذهب الاربعة ملتزم بالتخيير. الفقه علی المذاهب الاربعة الجزء 1 صفحة 579 و هكذا في تذكرة الفقهاء الجزء 6 صحفة 52، و مالك كان هو الفقيه الصاعد و الفقيه المقبول في المدينة. و اما بقية الفقهاء من العامة‌ كابي‌حنيفة و الاوزاعي و الشافعي هم و ان كانوا فقهاء العامة لكن فقههم لم‌يكن صاعدا و مصيطرا علی الجو العام المتشرعي في ذلك الزمان، و اما احمد بن حنبل فقد روي عنه كل من القول بالتخيير و القول بالترتيب فدعوی ما دل علی الترتيب موافق للعامة مو واضح لان ما دل علی التخيير ايضا موافق لفتوی مالك. يقول في كتاب الفقه علی المذاهب الاربعة المالكي يقول بالتخيير و الثلاثة‌ قالوا بالترتيب يعني الحنفية و الشافعية و الحنابلة، استنادا الی ما رواه ابوهريرة جاء رجل الی النبي فقال هلكت و اهلكت فقال و ما اهلكك قال واقعت امرأتي في رمضان قال هل تجد ما تعتق رقبة قال لا قال هل تستطيع ان تصوم شهرين متتابعين قال لا قال فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا قال لا فأتی النبي بمقدار من التمر قال تصدق بهذا قال اك افقر مني بالمدينة ما بين لابتيها؟ فضحك النبي صلی الله عليه و آله حتی بدت انيابه ثم قال اذهب فاطعمه اهلك، خوش اكستب الشيء و الا كان اهله يموت من الجوع. هذه الرواية منقولة‌ في الصحيح البخاري و الصحيح المسلم. و لكن مالك ايضا استند الی رواية اخری ظاهرة في التخيير موجودة في تذكرة الفقهاء، قال مالك بالتخيير لما رواه ابوهريرة ان رجلا افطر في رمضان فامره رسول الله صلی‌ الله عليه و آله ان يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا. فبلحاظ الروايات ايضا رواياتهم مختلفة كما ان فتاواهم مختلفة. فلم يتم هذا الوجه الذي ذكر في ترجيح ما دل علی التخيير علی ما دل علی الترتيب.

و الوجه الاخير هو انه بعد تعارضهما و تساقطهما نرجع الی الاصل العملي و هو البراءة عن التعيين. نعم، هنا السيد السيستاني يقول: في مورد دوران الامر بين التعيين و التخيير تجرون البراءة عن التعيين؟ ميصير، ليش؟ لان العلم الاجمالي ليس منحلا، انتم تعلمون اجمالا بانه إما يجب عنوان احدها أو يجب علی القادر علی عتق رقبة عنوان عتق رقبة أو يجب علی العاجز عن عتق الرقبة عنوان صوم ستين يوما، بالنسبة الينا حيث لانقدر علی عتق رقبة و نقدر علی صوم ستين يوما لايدری هل الواجب عنوان صوم ستين يوما أو عنوان احدها؟ فالعلم الاجمالي ليس منحلا. هذا مبنی السيد السيستاني بعدُ، موافق للمشهور و لكن نحن خالفنا السيد السيستاني في ذلك و مشينا علی مبنی السيد الخوئي من ان البراءة عن التعيين لا معارض لها لان البراءة عن وجوب احدها لا اثر لها، تجري البراءة عن وجوب احدها ماذا تصنع؟ تترك كل الكفارات الثلاثة؟ هذه مخالفة قطعية، فلا اثر لبراءة عن وجوب الجامع فتجري البراءة عن وجوب صوم ستين يوما علی التعيين بلا معارض.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo