< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

45/07/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: ما يكره للصائم

 

كان الكلام في مكروهات الصائم فوصلنا الی المكروه الثاني و هو الاكتحال بما فيه صبر أو مسك أو نحوهما فقلنا بان الروايات مختلفة طائفة منعت عن الاكتحال في حال الصوم مطلقا و طائفة ثانية رخّصت فيه مطلقا و طائفة ثالثة فصّلت بين ما كان في الكحل مسك و بين ما لم‌يكن فيه مسك كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي‌جعفر عليه السلام، مضمون الرواية انه ان كان فيه مسك فلا و ان لم‌يكن فيه مسك فلا بأس. فقد يقال بان مقتضی هذه الطائفة الثالثة التي تكون شاهدة للجمع ان نجمع بين الطائفتين الاوليين بحمل الطائفة الناهية علی فرض اشتمال الكحل علی المسك و نحمل الطائفة الثانية المرخصة في الاكتحال بما اذا لم‌يكن فيه مسك.

و لكن الظاهر عدم تمامية هذا الجمع لمخالفته لمعتبرة الحسين بن ابي‌غندر، قلت لابي عبدالله عليه السلام اكتحل بكحل فيه مسك و انا صائم فقال لا بأس به، فما ورد في صحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام عن المرأة تكتحل و هي صائمة قال اذا لم‌يكن تجد له طعما في حلقها فلا بأس، و في موثقة سماعة اذا كان كحل ليس فيه مسك و ليس له طعم في الحلق فليس به بأس، لايمكن ان تكون شاهدة للجمع لانه في نفس الكحل الذي فيه مسك ورد الترخيص و رواية حسين بن ابي‌غندر معتبرة بنظرنا لرواية صفوان بن يحيی‌ كتاب الحسين بن ابي‌غندر فضلا ان يكون راويا له في رواية. و ما غمض العين عن ذلك نقول بان الاجماع علی عدم حرمة الاكتحال مطلقا فلايحرز انعقاد الظهور التصديقي لما دل علی النهي عن الاكتحال في الحرمة بعد اقتران هذا النهي في زمان الامام عليه السلام بمرتكز متشرعي علی عدم الحرمة و احتمال الارتكاز المتشرعي علی عدم الحرمة ذكرنا مرارا يكفي هذا الاحتمال في ان لانحرز انعقاد الظهور التصديقي للنهي في الحرمة مثل ما الان لو سمعنا من مرجع ينهی عن ترك صلاة الليل أو يأمر بصلاة الليل، لانفهم من ذلك الحكم الالزامي لاقتران هذا النهي عن ترك صلاة الليل أو الامر باتيان صلاة‌ الليل بمرتكز متشرعي في اذهاننا فلانستظهر من الخطاب الحكم الالزامي لان المتكلم يمكن ان يعتمد علی القرائن الحالية النوعية أو الشخصية لكن بالنسبة الی القرائن الحالية الشخصية الراوي اذا سكت عن بيانها فيمكن نفي تلك القرينة الحالية الشخصية بسكوت الراوي كما ننفي وجود القرينة اللفظية بسكوت الراوي و اما القرائن الحالية النوعية كمرتكز المتشرعة لايمكن نفيها بسكوت الراوي لان ارتكاز المتشرعي الذي يعيشه هذا الراوي يحس الراوي بان من روی له هو ايضا يعيش هذا المرتكز فلايحتاج الی ان ينبه علی ذلك.

المكروه الثالث دخول الحمام اذا خشي منه الضعف. في صحيحة محمد بن مسلم عن ابي‌جعفر عليه السلام سئل عن الرجل يدخل الحمام و هو صائم فقال عليه السلام لا بأس ما لم‌يخش ضعفا،‌ مفهومه: اذا خشي ضعفا ففيه بأس.

صاحب الجواهر يقول نحمل مفهوم هذه الجملة علی الكراهة للاجماع علی عدم الحرمة لدخول الحمام و لو خشي الضعف بل و لو علم بالضعف. و نحن لانحتاج الی الاجماع بل لايبعد ان يقال بان نفس هذا العنوان ظاهر في عدم الحرمة لان الضعف لايوجب بطلان الصوم فضلا عن خوف الضعف. فهذا يناسب ان يكون حكما غير الزامي، مضافا الی ما ذكرناه من ان المرتكز المتشرعي المعاصر لصدور الحديث يمنع من انعقاد الظهور التصديقي له و لا فرق بين ان نحرز هذا المرتكز المتشرعي علی عدم حرمة الدخول في الحمام و لو كان موجبا للضعف في حال الصوم أو نحتمل ذلك احتمالا عقلائيا.

المكروه الرابع اخراج الدم الموجب للضعف. في صحيحة الحلبي سألته عن الصائم أيحتجم قال انني اتخوف عليه ما يتخوف به علی نفسه قلت ماذا يتخوف عليه قال الغشيان يعني الاغماء أو ان تثور به مرة يعني السوء المزاج قلت أرأيت ان قوي علی ذلك و لم‌يخش شيئا قال نعم ان شاء. و في موثقة عمار: الصائم ينزع ضرسه قال لا و لايدمي فاه و لايستاك بعود الرطب. هذا النهي يحمل علی الكراهة فيما اذا خشي من الضعف لما ذكرناه من مناسبة الحكم و الموضوع و لما ورد في صحيحة القداح ثلاثة لايفطر الصائم القيء و الاحتلام و الحجامة، و الحجامة عادة تؤدي الی الضعف، فالترخيص في الحجامة لايمكن ان يقيد بما اذا لم‌يخف من الوقوع في الضعف.

و هناك رواية تنهی عن عمل الحجام، تهذيب الجزء 4 صفحة 325 عمار الساباطي تعتبر هذه الرواية موثقة، قال سألت اباعبدالله عليه السلام عن الحجام يحجم و هو صائم قال لاينبغي و عن الصائم يحتجم قال لا بأس. الصائم يحتجم، يكن حجامة، لا بأس، حجام يحجم و هو صائم قال لاينبغي. يحتمل ان يكون لاجل الخوف من الوقوع الدم في حلقه. علی اي حال هذه الرواية لم‌يذكرها الاصحاب في ضمن مكروهات الصوم، يعني عمل الحجام.

المكروه الخامس السعوط. (يسمون الانفية؟) ما يصل الی الدماغ من الانف. يقول مع عدم العلم بوصوله الی الحلق و الا فلايجوز علی الاقوی. في صحيحة ليث المرادي قال سألت اباعبدالله عليه السلام عن الصائم يحتجم و يصب في اذنه الدهن قال لا بأس الا السعوط فانه يكره. و في معتبرة غياث بن ابراهيم عن ابي‌جعفر عليه السلام عن جعفر عن ابيه عن علی عليهم افضل السلام و التحية: انه كره السعوط للصائم. نقل عن الشيخ المفيد و سلار صاحب كتاب المراسم القول بالحرمة مطلقا حتی و لو لم‌يعلم بوصوله الی الحلق و لكن المشهور الكراهة.

من يقول بان لفظ الكراهة ليس ظاهرا في الحرمة مثل ما نقول به فامره سهل لانه لم‌يدل دليل علی اكثر من كراهة السعوط و اما من يقول مثل السيد السيستاني بان لفظ الكراهة ظاهر في الحرمة و لااقل لاجل التقارن في صحيحة ليث المرادي الصائم يحتجم قال لا بأس الا السعوط فانه يكره فقد يقال لاجل التقابل يفهم انه يكره اي فيه بأس. و ان كان هذا ايضا قابل للنقاش؛ لماذا لايعكس؟ لايقال بان لابأس بقرينة التقابل مع يكره يصير ظاهرا في الاباحة بالمعنی‌الاخص اي لا بأس به حتی في حد الكراهة،‌ لا حرام و لا مكروه. مو مهم. من يقول بان لفظ الكراهة ظاهر في الحرمة كالسيد السيستاني لابد ان يقيم دليلا علی حمل هذه الكراهة علی الكراهة الاصطلاحية. و لا قرينة علی حمل الكراهة علی الكراهة الاصطلاحية عدا ما يقال بان المشهور لم‌يلتزموا بحرمة السعوط نعم بناءا علی ما ذكرنا من ان احتمال الارتكاز المتشرعي علی عدم الحرمة يكفي في الشك في انعقاد الظهور التصديقي للنهي في الحرمة فيمكن ان نقول هنا ايضا بان لفظ الكراهة‌ حتی لو خلي و نفسه يكون ظاهرا في الحرمة هنا لاجل احتمال اقترانه بارتكاز المتشرعي علی عدم الحرمة لايحرز ظهوره في الحرمة.

اذا علم بوصول السعوط الی الحلق هنا لماذا افتی صاحب العروة بحرمة السعوط؟ السعوط اذا وصل الی الحلق مثل اذا فرضنا انه وصل اجزاءه الی الحلق خب واضح انه مبطل للصوم، اما اذا وصل اثره مادام لايصدق عليه الدخان و لا الغبار فلماذا يحرم؟ لايصدق عليه الاكل. نعم لو وصل جزء من اجزاء السعوط الی الحلق هذا يعد اكلا و لا اشكال في كونه مبطلا و لعل ظاهر كلماتهم هو هذا الفرض ان يعلم بدخول جزء من السعوط الی الحلق فيصدق عليه انه أكله. و اما مع الشك فيستصحب عدم تحقق الاكل فلا بأس به.

المكروه الثالث شم الرياحين. الريحان كل نبت طيب الريح. و قد ورد في الروايات النهي عن شم الريحان. الروايات مختلفة اقرأ الروايات الناهية اولا ثم الروايات المرخصة. رواية الحسن بن راشد التي هي معتبرة بنظرنا لان الراوي عنه هو ابن ابي عمير قلت لابي‌عبدالله عليه السلام الصائم يشم الريحان قال لا لانه لذة و يكره له ان يتلذذ. و لكن توجد روايات تدل علی انه لا بأس به كصحيحة محمد بن مسلم قلت لابي عبدالله عليه السلام الصائم يشم الريحان و الطيب قال لا بأس به.

هذا بالنسبة الی شم الرياحين اما استعمال الطيب يعني استعمال العطر هذا لا نهي عنه ابدا بل يستحب في حال الصوم استعمال العطور، و قد ورد في رواية حسن بن راشد كان ابوعبدالله عليه السلام اذا كان صائما يتطيب بالطيب و يقول الطيب تحفة الصائم. النهي الكراهتي يختص بشم الرياحين. و هكذا شم النرجس، ورد يسميی بالنرجس، الدليل عليه بالخصوص رواية محمد بن فيض في الكافي أو محمد بن العيص ظاهر انه محمد بن العيص قال سمعت اباعبدالله عليه السلام ينهی عن النرجس قلت جعلت فداك لمَ ‌ذلك قال لانه ريحان الاعاجم.

المكروه السابع بل الثوب علی الجسد و قد ذكرنا ذلك سابقا.

المكروه الثامن جلوس المرأة في الماء.

المكروه التاسع الحقنة بالجامد.

المكروه العاشر قلع الضرس بل مطلق ادماء الدم بل مطلق ادماء الفم، نقلنا موثقة عمار.

الحادي‌عشر السواك بالعود الرطب، نقلنا رواية في ذلك.

الثاني‌عشر المضمضة عبثا و سيأتي توضيح ذلك. ورد في بعض الروايات التفصيل في المضمضمة سيأتي ان‌شاءالله.

الثالث‌عشر انشاد الشعر، تكلمنا عنه.

الرابع‌عشر المراء و أذی الخادم و المسارعة الی الحلف و نحو ذلك من المحرمات و المكروهات في غير حال الصوم فانه تشتد حرمتها أو كراهتها حال الصوم.

ورد في الروايات غير المعتبرة اذا صمت فليصم سمعك و بصرك من الحرام و القبيح و دع المراء و اذی الخادم و في رواية فضيل بن يسار اذا صام احدكم ثلاثة الايام في الشهر فلايجادلن احدا و لايسرع الی الأيمان و الحلف بالله و ان جهل عليه احد فليحتمله، تروح للاعتكاف فشخص يجيء يريد يتعارك وياك، تحملْ، لكن كل ذلك ظاهر في آداب الصائم اما انه تشتد حرمة المحرمات في حال الصوم و تشتد كراهة المكروهات في حال الصوم ما هو الدليل عليه؟ يعني افرض شخص اكره علی ارتكاب حرام إما في حال الصوم أو في غير حال الصوم، نقول ارتكب الحرام في غير حال الصوم،‌ افرض ان شخصا في حال الصوم المستحب اكره علی ارتكاب حرام نقول بطّل صومك حتی لاتقع في حرام اشد، لا دليل عليه. نعم من آداب الصوم ان يراع الانسان اكثر مما كان في حال غير الصوم.

نرجع الی البحث عن الكفارة في الافطار العمدي. المشهور علی ان الكفارة في الافطار العمدي تخييرية بين عتق الرقبة و صوم شهرين متتابعين و اطعام ستين مسكينا و لكن نسب الی السيد المرتضی و ابن ابي عقيل انه ان تمكن يعتق رقبة ان لم‌يتمكن يصوم ستين يوما ان لم‌يتمكن يطعم ستين مسكينا. ما هو مستند هذين العلمين؟ لعل مستندهما صحيحة علی بن جعفر عن رجل نكح امرأته و هو صائم في رمضان ما عليه؟ قال عليه القضاء و عتق رقبة‌ فان لم‌يجد فصيام شهرين متتابعين فان لم‌يستطع فاطعام ستين مسكينا فان لم‌يجد فليستغفر الله. و الرواية الثانية ايضا بنظرنا صحيحة، صحيحة عبدالمؤمن بن قاسم الانصاري، رجل جاء الی النبي فقال يا رسول الله هلكت و اهلكت، يعني هلكت بنفسي و اهلكت زوجتي، قال جامعت اهلي في نهار شهر رمضان فقال له النبي اعتق رقبة قال لااجد قال فصم شهرين متتابعين قال لااطيق قال عليه السلام تصدق علی ستين مسكينا. هذه الرواية منقولة في الوسائل بعنوان عبدالمؤمن بن هيثم، و في ذيل الوسائل كتب عبدالمؤمن بن قاسم حيث انهم كانوا يحذفون الالف في الكتابة القديمة فكان يشبه القاسم للهيثم، يحذفون الالف يصير القسم، و يشبه الهيثم، فان كان عبدالمؤمن بن هيثم فلا توثيق له، لكن ما عندنا عبدالمؤمن بن هيثم الانصاري، الذي وثقه النجاشي هو عبدالمؤمن بن قاسم بن قيس بن قيس بن فهد الانصاري ثقة هو و اخوه، و هو اخو ابي‌مريم عبدالغفار بن قاسم. و قد ذكر السيد الخوئي في رجاله ان الظاهر اشتباه ما في الوسائل من عبدالمؤمن بن هيثم و الصحيح عبدالمؤمن بن قاسم. فالرواية الثانية ايضا معتبرة.

جواب سؤال: صحيحة. المعتبرة كلمة عامة، اذا ما نريد نورط ارواحنا في المصطلحات الرجالية: صحيحة موثقة حسنة، نقول معتبرة و لكن هذه الرواية صحيحة.

يجاب عن ذلك يقال بانكم لماذا لم‌تلحظوا ما يدل علی التخيير كصحيحة عبدالله بن سنان في رجل افطر من شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر قال يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا فان لم‌يقدر تصدق بما يطيق و هكذا موثقة سماعة فيقال بان صراحة هاتين الروايتين في التخيير صراحة عرفية توجب حمل تلك الروايتين المعتبرتين الظاهرتين في الترتيب علی الافضلية، الافضل ان يعتق رقبة.

جواب سؤال: المفروض ان موثقة سماعة ايضا واردة في اتيان الاهل، رجل اتی اهله في شهر رمضان متعمدا قال عليه عتق رقبة أو اطعام ستين مسكينا أو صوم شهرين متتابعين هذه واردة في الجماع و دلت علی التخيير، صحيحة علی بن جعفر و صحيحة عبدالمؤمن بن قاسم ايضا واردتان في الجماع و ظاهرتان في الترتيب. فنحمل هاتين الصحيحتين الاخيرتين علی ان الترتيب افضل.

ان قلت لمَ ‌لايعكس احملوا "أو" علی التنويع لا علی التخيير. يعني ناظر الی اصناف مختلفة، رجل اتی اهله في شهر رمضان متعمدا قال عليه عتق رقبة أو اطعام ستين مسكينا أو صوم شهرين متتابعين يعني صنف من الناس عليهم عتق رقبة و هم الاغنياء،‌ صنف آخر عليهم اطعام ستين مسكينا و هم المتوسطون، و صنف ثالث الذي كل شيء ما عندهم بس يقدر يصوم صومين شهرين متتابعين، يقال بانه ما هو المرجح في تقديم الطائفة الدالة علی التخيير علی تلك الطائفة الدالة علی الترتيب، لمَ ‌لايعكس قدموا الطائفة الدالة علی الترتيب علی هذه الرواية بان تحمل هذه الرواية علی التنويع، و حمل "أو" علی التنويع عرفي و قد يوجد له امثال في الاستعمالات و نتكلم عن ذلك في الليلة القادمة ان‌شاءالله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo