< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

45/06/25

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المسئلة الخامسه

 

كان الكلام فيمن غلب عليه العطش بحيث خاف علی نفسه من الهلاك و نحوه فلااشكال في انه يجوز له شرب الماء بمقدار الضرورة و لكن وقع الكلام في ان صومه يبطل بذلك ام لا،‌ فنقلنا عن السيد الحكيم في مصباح المنهاج انه قال بصحة صومه كما نقلنا عن السيد الزنجاني في بحثه الاستدلالي انه ذهب الی صحة صومه تمسكا بالاطلاق المقامي لموثقة عمار في الرجل يصيبه العطش حتی يخاف علی نفسه قال يشرب بقدر ما يمسك رمقه و لايشرب حتی يروی‌ و هكذا رواية مفضل بن عمر قلت لابي‌عبدالله عليه السلام ان لنا فتيات و شبانا يعني اطفال صغار استوا بالغين لايقدرون علی الصيام من شدة ما يصيبهم من العطش قال فليشربوا بمقدار تروی به نفوسهم و ما يحذرون. و لكن السيد الزنجاني بعد ما تمسك في بحثه الاستدلالي بالاطلاق المقامي بهاتين الروايتين حيث لم‌يرد فيهما الامر بالقضاء تمسك بهما لعدم وجوب القضاء و لكنه بعد ذلك احتاط وجوبا في ذلك لكن السيد الحكيم بقی علی رأيه في عدم وجوب القضاء.

بالنسبة الی موثقة عمار قلنا بان الموجود في اغلب نسخ الكافي الرجل يصيبه العطاش، و لاجل ذلك جمع من الفقهاء ادرجوا هذه الموثقة في من به مرض العطاش مرض الاستسقاء، و طبعا تخرج الموثقة عن محل البحث، لكن ذكرنا ان المنقول عن نسخة للشيخ فتح الله القاساني ان المذكور فيها كل من العطاش و العطش علی نحو اختلاف النسخة،‌ و اما نسخة التهذيب ففيها يصيبه العطش. و الظاهر ان نسخة‌التهذيب هي الصحيحة فان قوله الرجل يصيبه العطاش خلاف الظاهر جدا. اذا قال الرجل ابتلي بالعطاش يعني ابتلاي بمرض العطاش اما حينما يقول الرجل يصيبه العطاش ظاهره انه حينما يكون صائما فجأة يصيبه العطاش، خب فجأة لايصيب الصائم مرض العطاش و انما يصيبه العطش حتی يخاف علی نفسه، فيحصل لنا الوثوق بصحة نسخة التهذيب مضافا الی انه يطمئن و يوثق بان الشيخ الطوسي نقل عن الكليني بلفظة العطش و لم‌يثبت لدينا نسخة الكافي لان نسخ الكافي كانت مختلفة كما ان نسخة الفقيه فيها لفظ العطش الا اننا قلنا بان الاطلاق المقامي لهذه الموثقة لنفي وجوب القضاء يبتني علی ان يفهم مخاطب من هذا الاطلاق عدم وجوب القضاء و هذا مو معلوم فان من المحتمل انه كان مركوزا في ذهن المخاطب عدم اجتماع شرب الماء مع صحة الصوم، احتمال هذا المعنی كافي بل احتمال المخاطب لهذا المعنی، المخاطب يحتمل ان شرب الماء بمقدار الضرورة و لو كان، لايجتمع مع صحة الصوم كافي في ان لايفهم من كلام الامام عدم وجوب القضاء بل يحتمل ان الامام عالج الحكم التكليفي بالنسبة الی انه هذا اليوم ماذا يصنع، ثم بعد ذلك يقضي هذا الصوم أو لايقضي يحتاج الی دليل آخر و مقتضی مفطرية الاكل و الشرب للصوم و انه لايضر الصائم ما صنع اذا اجتنب الطعام و الشراب و النساء و الارتماس في الماء ان هذا الصوم باطل و من بطل صومه فعليه القضاء.

الكلام في انه بعد ما حكم بوجوب القضاء عليه هل يجب عليه الامساك بعد ذلك؟ هذا هو الظاهر من الموثقة، لولا هذه الموثقة لكنا نحكم بانه لايجب عليه الامساك و لاجل ذلك لانقول بوجوب الامساك علی من اضطر الی اكل طعام، هذا خاص بمن شرب ماءا للضرورة و لا علم لنا بالغاء الخصوصية عن الاضطرار الی شرب الماء الی الاضطرار الی اكل الطعام. فمن اضطر الی شرب الماء يشرب الماء بمقدار الضرورة و يمسك عن كل مفطر بعد ذلك الی الليل لاجل هذه الموثقة. الامساك التأدبي مستفاد من بقية الروايات فيمن وجب عليه الصوم و لم‌يصم، هذا المورد مقتضی القواعد انه لايجب عليه الصوم لان وجوب الصوم ارتفع بقاعدة لاحرج و قاعدة الاضطرار، فلولا هذه الموثقة لم‌نكن نقول بوجوب الامساك عليه تأدبا و انما مقتضی هذه الموثقة وجوب الامساك لانه قال و لايشرب حتی يروی. اذا يمنع من شرب الماء اكثر من مقدار الضرورة فمفاده العرفي انه لايجوز له ارتكاب بقية المفطرات ايضا. و لكن كما ذكرنا هذا خاص بمورده و هو من اضطر الی شرب الماء لا من اضطر الی اكل شيء.

و الحاصل: ان هذه الموثقة كما ذكرنا واردة فيمن اصابه العطش اتفاقا و من اصابه العطش اتفاقا يجوز له تكليفا ان يشرب الماء بمقدار دفع الضرورة و يجب عليه الامساك عن بقية المفطرات الی الليل لكنه لو لم‌يمسك عن بقية المفطرات و ارتكبها لاتجب عليه الكفارة، انما هو حرام تكليفي، لان صومه مو صحيح، هذا امساك تأدبي استفيد من هذه الموثقة. و هذا بخلاف من به مرض العطاش، فان من به مرض العطاش لايجب عليه الصوم ابدا لانه مصداق لقوله تعالی و من كان مريضا أو علی سفر فعدة من ايام أخر و ورد في صحيحة محمد بن مسلم قال سمعت اباجعفر عليه السلام يقول الشيخ الكبير و الذي به عطاش لا حرج عليهما ان يفطرا في شهر رمضان و يتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمد من طعام و لا قضاء عليهما. الذي به العطاش يعني الذي به مرض العطاش هذا مريض لايجب عليه الصوم و انما تجب عليه الفدية. و هكذا ورد في مرسلة ابن بكير عن بعض اصحابنا عن ابي‌عبدالله عليه السلام في قول الله عز و جل و علی الذين يطيقونه فدية طعام مسكين، قال الذين كانوا يطيقون الصوم فاصابهم كبر أو عطاش اي مرض العطاش أو شبه ذلك فعليهم لكل يوم مد، و هاتان الروايتان مؤيدتان لكون المراد من موثقة عمار من اصابه العطش و الا من اصيب بمرض العطاش يفطر و لاتجب عليه الا الفدية.

هذه الرواية الثانية يستفاد منها نكتة تفسيرية: هذه الآية الكريمة و علی الذين يطيقونه فدية طعام مسكين، الظاهر ان من يطيق هو من يتمكن و من لايتمكن يقال لايطيق، رفع عن امتي ما لايطيقون، اذا شخص يتمكن من شيء يقول انا اطيق ذلك، اذا لايتمكن يقول انا اطيق ذلك،‌ فهنا هذه الآية الكريمة حينما تقول علی الذين يطيقونه اي يطيقون الصوم، و علی الذين يطيقونه فدية يعني علی الذين يتمكنون من الصوم فدية؟ اذا كان المعنی هكذا يعني من يتمكن من الصوم لايجب عليه الصوم بل يتمكن من الفدية و الكفارة بدل الصوم. هذا ما قال به جمع من العامة و الخاصة و قالوا نسخت هذه الآية بالآية التي بعدها و التي تدل علی وجوب الصوم تعيينا. و لكن المستفاد من هذه الرواية ان المراد من قوله و علی الذين يطيقونه يعني علی الذين كانوا يطيقونه فكبروا أو صار بهم مرض العطاش، الذين كانوا يطيقون الصوم اي سابقا، فاصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك فعليهم لكل يوم مد.

و هناك رأي ثالث في تفسير هذه الآية و هو ما اختاره السيد الخوئي و بعض المفسرين من ان المعنی لهذه الآية و علی الذين يطيقونه اي يذهب الصوم بطاقتهم، يعني انا حينما اصوم لااصرف تمام طاقتي في الصوم،‌ لا، عادي، علی الذين يطيقونه يعني علی الذين اذا صاموا يصرفون طاقتهم في الصوم يعني اذا صاموا ما تبقی لهم طاقة، و علی الذين يطيقونه يعني علی الذين يصرفون طاقتهم في الصوم بحيث اذا صاموا لايبقی لهم طاقة عرفية، هم بدل ان يصوموا يعطون فدية. و ان كان هذا الاستعمال صحيحا فهو خاص بهذا المورد لم‌ير ظاهرا مورد آخر استعمل فيه كلمة يطيقون في هذا المعنی اي يصرفون تمام طاقتهم في هذا الشيء،‌ عادتا يطل لايطيقون.

و علی كل حال هذه نكتة تفسيرية و الا فالمراد الجدي من الآية واضح و في الرواية الصحيحة كما رأيتم فسرت هذه الآية بالشيخ الكبير و الذي به العطاش.

اما الرواية الثانية لمن اصابه العطش اقرأها، رواية مفضل بن عمر، السيد الخوئي سابقا كان يناقش في وثاقة مفضل بن عمر و بعد ذلك اختار وثاقته، و لكن نحن لم‌نوافقه في ذلك، هنا يقول ضعيفة السند، قلت لابي‌عبدالله عليه السلام ان لنا فتيات و شبانا في بعض النسخ لم‌يكتب شبانا، بل كتب شيابا، هذا مو صحيح، فتياب و شبانا، اي صغار السن، في بداية البلوغ لايقدرون علی الصيام من شدة ما يصيبهم من العطش قال فليشربوا بقدر ما تروی به نفوسهم و ما يحذرون. قد يقال بان هذه الرواية دلالتها علی وجوب القضاء اوضح لانه قال و ما يحذرون، يعني يحذرون بنحو مطلق، ما يحذرون لا من ناحية التكليف و لا من ناحية الوضع اي بطلان الصوم.

لكن الجواب عن ذلك مضافا الی ضعف سند الرواية انه من المحتمل ان قوله و ما يحذرون ناظر الی انه ما يحذرون من الوقوع في المعصية.

جواب سؤال: فليشربوا بقدر ما تروی به نفوسهم و ما يحذرون يعني شنو؟ ... اذا كان المعنی كما يقول الشيخ يعني فليشربوا بقدر ما تروی به نفوسهم و بقدر ما يحذرون يعني بقدر ما اضطروا اليه فاصلا لا دلالة لهذا الذيل علی نفي وجوب القضاء، اما بناءا علی ارادة انه ما يحذرون كناية انه ما يخافون من شيء يعني لايخافون من شيء فايضا نقول لا دلالة لها لنفي وجوب القضاء.

آخر هذا البحث: هل هذا الحكم مختص بصوم شهر رمضان؟ اذا قلنا بان الحكم هو عدم وجوب القضاء و صحة الصوم كصوم اضطراري كما قال به السيد الحكيم في مصباح المنهاج فمن الواضح ان مورد هاتين الروايتين صوم رمضان و ان لم‌يصرح فيهما بذلك لكن المنصرف اليه هو صوم رمضان، الرجل يصيبه العطش حتی يخاف علی نفسه قال يشرب بقدر ما يمسك رمقه و لايشرب حتی يروی‌،‌ اصلا ما ذكر فيه انه كان صائما بايّ صوم‌ فالعرف يری نقص هذا السؤال،‌ يعني ما قال في صوم رمضان أو في صوم غير رمضان،‌ و العرف لايستظهر الاطلاق هنا. مضافا الی انه لو كان الواجب موسعا كصوم القضاء مع كونه موسعا، لايصح ان يقال و لايشرب حتی يروی، ليش لايشرب حتی يروی؟ ما كان واجبا عليه يصوم صوم القضاء هذا اليوم، اصابه العطش يرفع يده عن صوم هذا اليوم، و اذا كان الواجب معينا و قلنا بان مفاد هاتين الروايتين عدم وجوب الاعادة و كونه هذا الصوم صوم اضطراري،‌ هنا نقول بان القدرالمتيقن من هاتين الروايتين صوم شهر رمضان لانه لم‌يذكر فيه لفظ مطلق حتی نستفيد منه الاطلاق، اذا كان السؤال ناقصا ما ذكر فيه تمام السؤال بل اكتفي بهذا المقدار: الرجل يصيبه العطش حتی يخاف علی نفسه، وين؟ في ايّ يوم؟ في ايّ حال؟ مو مذكور، فالعرف لايستظهر الاطلاق بل يأخذ بالقدر المتيقن و هو صوم رمضان. مضافا الی ما ذكرنا من انه في غير صوم رمضان عادتا يكون الصوم موسعا و اذا كان موسعا لايقال لايشرب حتی يروی.

و اما من يقول مثل السيد الخوئي و لعله المشهور و وافقناه من ان هاتين الروايتين لاتدلان الا علی الحكم التكليفي فالامر اوضح يعني هاتان الروايتان تدلان علی وجوب الاكتفاء بمقدار الضرورة في شرب الماء و الا فالصوم باطل، خب من الواضح انه لايمكن التعدي الی الصوم الذي يكون واجبا موسعا كما هو الواضح بل و لا يمكن التعدي الی الصوم الواجب المعين لانه كما ذكرنا لايمكن استفادة الاطلاق من هذا السؤال، و لذا عبّر السيد الخوئي عنه بان المستفاد من هذه الموثقة بمناسبة الحكم و الموضوع اختصاصها بصوم رمضان، و نحن هكذا وجّهنا قلنا بان السؤال ناقص و يعتبر في جريان مقدمات الحكمة في خطاب ان لايكون ناقصا في مرحلة المدلول التصوري، اذا كان المدلول التصوري للخطاب ناقصا هنا لاتجري مقدمات الحكمة، مثل ما يقول انهاكم عن آنية‌ الذهب و الفضة، خب انهاكم عن ايّ شيء من آنية الذهب و الفضة؟ الكلام ناقص، يحتاج الی تقدير متعلق، اذا كان الكلام ناقصا من ناحية المدلول التصوري فلاينعقد له اطلاق، هنا السؤال ناقص، الرجل يصيبه العطش حتی يخاف علی نفسه، تسأل عن ايّ شيء؟ تسأل عن حكم صوم رمضان؟ تسأل عن حكم مطلق الصوم؟ ما ذاكر،‌ فنأخذ بالقدر المتيقن.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo