< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

45/06/24

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المسئلة الخامسه

 

كان الكلام فيما اذا غلب علی الصائم العطش بحيث خاف من الهلاك. لااشكال في انه يجوز له ان يشرب الماء انما الكلام في انه هل يفسد صومه بذلك ام لا؟

صاحب العروة قال يفسد صومه بذلك و ان كان يجب عليه الاقتصار علی مقدار الضرورة. لكن جمع من الاعلام قالوا بصحة صومه منهم السيد سعيد الحكيم رحمة الله عليه في مصباح المنهاج كتاب الصوم صفحة 161 يقول: يظهر من كتاب الوسائل انه ايضا يلتزم بصحة هذا الصوم بل الشهيد في الدروس قال فيها دلالة اي في موثقة عمار التي قرأناها البارحة، في الرجل يصيبه العطش حتی يخاف علی نفسه قال يشرب بقدر ما يمسك رمقه و لايشرب حتی يروی، يعني لايشرب بمقدار ما يروی بل يشرب بمقدار ما يمسك رمقه،‌ يقول السيد الحكيم نقلا عن الدروس ان الشهيد في الدروس في هذه الرواية دلالة‌ علی بقاء الصوم و عدم وجوب القضاء كما اختاره الفاضل اي العلامة الحلي، ثم ايّد السيد الحكيم هذه الفتوی فقال و الوجه فيه ظهور الحديث في حل مشكلة الصائم و التخفيف عنه بترخيصه برفع عطشه لحفظ نفسه لا التضييق عليه يعني مقتضی القاعدة ان هذا الذي يخاف علی نفسه يخاف يموت من العطش يجوز له الافطار بايّ نحو كان يحتاج الی قطرة ماء لو ما يشرب قطرة ماء يموت من العطش، رفع عن امتي ما اضطروا اليه، خلاص بعد، يشرب بقدر ما يروی و ازيد ثم يطلب غداة، فواكه، من الله كان يريد انه يحتاج الی شب قطرة من ماء لحفظ نفسه فجاز له الافطار بشكل مطلق،‌ هذا هو مقتضی القاعدة، فيا تری موثقة عمار جاءت لاجل التضييق عليه يقول ديربالك! لاتشرب الا بمقدار ما تمسك رمقك و اقض صوم هذا اليوم،‌ يقول هذا الصائم: يا موثقة عمار! لو انت ما كنت انا افطر براحتي و اقضي، انت جئت مكان تسهّلين عليّ و تقول: كن امسك عن شرب الماء الا بمقدار الضرورة و ايضا صم هذا اليوم. يقول السيد الحكيم ظاهر هذه الموثقة حل مشكلة الصائم و التخفيف عنه بترخيصه برفع عطشه لحفظ نفسه لا التضييق عليه بمنعه عما لايضطر اليه فمقتضی القاعدة انه يجوز له الافطار له بلا تضييق، فظاهر الموثقة تساعد علی ان هذا الصوم منه صحيح، و لم‌يرد فيها الامر بالقضاء فانها ظاهرة في بيان الصوم الاضطراري لا تشريع افطار للعاجز مبنيا علی التضييق عليه. فالمقام نظير ما اذا قال السائل رجل لايستطيع الوضوء من جرح في يده فاجيب يغسل ما عدا موضع الجرح من اليد فهل يتوهم احد انه يأمر بالغسل تعبدا من دون ان يكون مصداق الوضوء الاضطراري، خب هذا خلاف الظاهر، يغسل ما عدا موضع الجرح، يغسل ما حوله ظاهر في ان وضوءه هكذا. فهنا ايضا ظاهر هذه الموثقة ان صوم هذا الذي اصابه العطش و يخاف علی نفسه من ان يموت عطشا صومه هو هكذا ان يشرب بمقدار ما يمسك رمقه و يستمر في صومه.

لكن يقول السيد الحكيم هذا مختص بمن يخاف من ضرر علی نفسه و الا يصل الضرر الی مرتبة الهلاك اما هذا افرض الخباز الذي في ايام الصيف في شهر رمضان هو مجبور انه يشتغل يقول ما اخاف من ضرر علی نفسي لكن حرج شديد عليّ، السيد الحكيم يقول: لا، مورد الموثقة خوف الضرر علی النفس. الظاهر ان خوف الضرر علی النفس لايختص بالهلاك،‌ يخاف علی نفسه لا يعني انه يخاف ان تذهب نفسه الی الملكوت الاعلی!! يخاف علی نفسه يعني يخاف علی روحه من ضرر و مرض. فلايكتفی بالحرج لعدم نهوض قاعدة نفي الحرج بالاجزاء، بل مقتضی قاعدة نفي الحرج عدم وجوب الصوم.

ثم قال: حتی لا حرج ايضا لايرفع وجوب الصوم، يقول مقتضی القاعدة ان قاعدة لاحرج تنفي وجوب الصوم عن هذا الذي يقع في الحرج لولا ما هو المعلوم من كثرة تعرض الصائم خصوصا في البلاد الحارة و مع طول النهار للحرج بسبب الجوع و العطش بحيث يكشف عن قصور قاعدة نفي الحرج في المقام، يعني لاحرج ميفيد، هذا يقع في حرج، اذا يخاف علی نفسه من ضرر و لايتمكن ان لايشتغل في هذا المحل نجوّز له ان يشرب الماء بقدر دفع الضرر و اما اذا ما يخاف من ضرر، بس يقع في حرج لابد ان يتحمل الحرج و يستمر في صومه. هكذا قال السيد الحكيم في مصباح المنهاج.

و من المعاصرين الذين ذهبوا الی ان من يخاف علی نفسه من ضرر لاجل العطش يمكنه ان يشرب الماء بقدر دفع الضرورة و لكن صومه صحيح، هو السيد الزنجاني في كتاب الصوم،‌ فقال بان مقتضی الاطلاق المقامي حيث لم‌يتعرض الامام لوجوب القضاء عليه قال يشرب بقدر ما يمسك رمقه و لايشرب حتی يروی‌ ما قال يجب عليه القضاء،‌ فالاطلاق المقامي لهذه الموثقة ينفي وجوب القضاء عليه.

و اما غير هذين العلمين سائر الاعلام افتوا بوجوب القضاء عليه.

و لكن قبل ان نقرّب كلام القائلين بوجوب القضاء نتكلم عن متن هذه الموثقة. لان هذه الموثقة مروية في كتاب الكافي هكذا: الرجل يصيبه العطاش، بينما انه في التهذيب ورد نقلا عن الكافي: الرجل يصيبه العطش، و هكذا من لايحضره الفقيه: الرجل يصيبه العطش، فيقال: حينئذ لعل متن الرواية هو الرجل يصيبه العطاش يعني يبتلی بداء العطاش، يسمونه بالفارسية مرض استسقاء، هذه الايام ما ادري اك أو ماكو، سابقا كان هناك في روس أو بعض الميكروبات تنتشر في الماء و الناس يبتلون بمرض الاستسقاء.

رحمة الله علی الفاضل الاردكاني الذي كان معاصرا للشيخ الانصاري و كان الشيخ الانصاري يمنع من جريان الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي و الميرزا الشيرازي كان تلميذ للشيخ الانصاري و حينما كان يأتي الی كربلا يحضر بحث الفاضل الاردكاني فهو يناقش حول مبنی الشيخ الانصاري و الميرزا الشيرازي تكلم مع استاذه الشيخ الانصاري الی ان غيّر مبناه بتاثير من الفاضل الاردكاني. هذا الرجل الكبير حينما عرض عليه المرجعية قال: لا، هذا السيد الشيرزاي فقيه عادل ارجعوا اليه، و احيانا كان يتشاق يقول اعطينا مفاتيح جهنم بيده!! الفاضل الاردكاني اصيب بمرض الاستسقاء، نقل انه رجع من الصلاة الی بيته أو كان مريضا جدا، و شرب الماء كثيرا يضر بحال المريض بمرض الاستسقاء، فشرب ماء كثيرا ثم قال: شربنا ماءا هنيئا فنموت موتة هنيئة، فغطّی علی رأسه بعبائته و توفی. رحمه الله.

هذا هو مرض الاستسقاء. الرجل يصيبه العطاش يعني يصيبه مرض الاستسقاء، اين هذا من الذي يصيبه عطش لانه عمل اليوم عملا في مكان حار فتعطّش.

السيد الخوئي يقول: ابد مو صحيح، يصيبه العطش غلط. اولا الشيخ الطوسي الذي هو كان قريبا الی عهد الشيخ الكليني ينقل عنه يصيبه العطش، فنقل صاحب الوسائل يصيبه العطاش مو صحيح. و مضافا الی ذلك اصلا الذي يصاب بمرض الاستسقاء اصلا ما يروی ابد، كل ما يشرب ماء يحس و يشعر بالعطش، فكيف يقول الامام و لايشرب حتی يروی،‌ هذا قطعا ليس مبتلی بمرض العطاش،‌ فهذا اصابه العطش.

انا اقول: هذا البيان الاخير للسيد الخوئي مو صحيح، يقال بان من اصيب بمرض العطاش مرض الاستسقاء اذا شرب ماءا كثيرا يروی، يزول عنه العطش لكن دقائق قليلة، ثم بعد دقائق قليلة يرجع اليه العطش من جديد، و هكذا نقل عن الاطباء. فهذا البيان للسيد الخوئي مو صحيح.

لكن مو بعيد ان نقول بان العطاش مو صحيح لان العطاش لايصيب الرجل، الذي يصيبه هو العطش و الا من هو مبتلی بمرض العطاش فهذا يدخل في المريض، التعبير بانه الرجل يصيبه العطش حتی يخاف علی نفسه، الرجل يصيبه العطاش حتی يخاف علی نفسه منصرف عمن ابتلي بمرض الاستسقاء، الرجل يصيبه العطش حتی يخاف علی نفسه هذا هو الصحيح اما الرجل يصيبه داء العطاش حتی يخاف علی نفسه هذا خلاف الظاهر جدا. و ان لم‌ينقل الان عن نسخ الكافي نسخة تشتمل علی العطش لكن نقل انه توجد نسخ معتبرة يوجد فيها لفظ العطش و ان كان اكثر النسخ حسب الظاهر تشتمل علی لفظ العطاش. و جملة من الاعلام تاثروا من النسخة التي يوجد فيها لفظ العطاش. مثلا: المحقق الحلي في المعتبر و العلامة الحلي في المنتهی‌ و صاحب المدارك و الشهيد الاول ذكروا هذه الرواية في فروع من هو مبتلی بمرض العطاش. الظاهر ان نسخ الموجودة في الكافي هو كان مشتملا علی لفظ العطاش، و المجلسي الاول في روضة المتقين يقول الكافي يشتمل علی لفظ العطاش و لكن في التهذيب و من لايحضره الفقيه الموجود لفظ العطش، فنسخ الكافي قلنا بانها تشتمل احيانا و ان لم‌نر هذه النسخ و لكن ينقل ان بعض هذه النسخ كان تشتمل علی لفظ العطش فلم تثبت نسخة بلامعارض للكافي فنرجع الی نقل التهذيب و يكون نقل التهذيب بلامعارض. و التهذيب بخط الشيخ الطوسي كان موجودا لدی الاعلام كالمجلسي الاول فهم نقلوا عن التهذيب لفظ العطش. فاذن يتم الحجة علی ان الموجود في هذه الرواية لفظ العطش،‌ الرجل يصيبه العطش حتی يخاف علی نفسه. فالرواية من ناحية المتن لااشكال فيها، يصيبه العطش يعني يتفق يصاب بعطش.

فالمهم ان نتكلم حول ان هذا الصوم منه صوم مشروع اضطراري لا امساك تأدبي و يجب عليه القضاء. انصافا يشكل استظهار ان هذا الصوم اضطراري بعد ما رأينا في روايات اخری وجوب الامساك التأدبي، و اين هذا مما مثّل به السيد الحكيم بان من كان في يده جرح فيقال اغسل ما حول الجرح في الوضوء فيقول بان هذا ظاهر في الوضوء الاضطراري، شنو العلاقة بالمقام؟ المقام يوجد في الروايات الامر بالامساك التأدبي و لعل الامر بالامساك و الشرب بمقدار الضروري علی انه يجب عليه الامساك تأدبا.

و اما انه لايشتمل علی الامر بالقضاء فنتمسك باطلاقه المقامي هذا ايضا مو صحيح. من اين كان السكوت عن وجوب القضاء موجبا لخطأ المستمعين؟ فلعل المرتكز في ذهنهم ان شرب الماء و لو بمقدار الضرورة لايجتمع مع عنوان الصائم، هذا مو صائم بعد، و لعله كان في ذهنهم ان من كان صائما فيجب عليه القضاء، يقول السيد الحكيم هذا صار تضييقا عليه فليكن، من اين عرفنا ان موثقة عمار بصدد التسهيل؟ سأل الامام عن حكم فاجابه الامام، هذا عمار جاء و سأل الامام عليه السلام قال الرجل يصيبه العطش حتی يخاف علی نفسه،‌ حتی يعرف انه شتسوي. فالامام قال يشرب بمقدار الضرورة و لايشرب اكثر من ذلك، اما ان هذا بعد صائم و صومه صوم الاضطراري هذا لادليل عليه. و ما ذكره السيد الزنجاني من التمسك بالاطلاق المقامي اذن غير متجه لان الاطلاق المقامي انما يتم فيما اذا كان السكوت ظاهرا في نفي وجوب القضاء، و لكن لعل المرتكز في ذهن السائل و غيره ان شرب الماء و لو بمقدار الضرورة لايجتمع مع عنوان الصائم و من لم‌يكن صائما فلعله يجب عليه القضاء فالسكوت قد لايكون موجبا للاغراء‌ بالاجل بالنسبة الی المستمعين و نتمسك باطلاقات مفطرية الاكل في ان هذا الصوم ليس صحيحا و من لم‌يصم صوما صحيحا فيجب عليه القضاء. فالاحوط ان لم‌يكن اقوی ان من اصابه العطش و خاف علی نفسه من ضرر يجوز له ان يشرب الماء بمقدار الضرورة و الاحوط وجوبا عليه القضاء.

و بقية الكلام في الليلة‌ القادمة ان‌شاءالله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo