< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

45/06/11

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: ارتكاب بعض المفطرات لا عن عمد

 

كان الكلام في ارتكاب بعض المفطرات عن اضطرار أو اكراه أو تقية، ذكرنا اول دليل علی ان ارتكاب احد المفطرات عن اكراه أو اضطرار لايكون مبطلا للصوم و هو قوله عليه السلام ما من محرم الا و قد احله الله لمن اضطر اليه فقال جمع منهم السيد البروجردي و السيد الخميني و السيد السيستاني من ان هذا الحديث يشمل الحرام الوضعي، فالحرام الوضعي المضطر اليه يصير حلالا وضعيا، فالارتماس في الماء في حال الصوم حرام وضعي الاضطرار اليه يجعله حلالا وضعيا اي لايكون مبطلا للصوم.

قلنا ان السيد السيستاني لماذا لم‌يفت بذلك في هذا الصوم علی وجه الاطلاق بل في الاكل و الشرب و الجماع افتی بمفطرية الاكل و الشرب و الجماع و لو عن ضرورة أو اكراه، و في غير ذلك احتاط وجوبا، اوضّح نكتة عدم فتوی السيد في الاكل و الشرب و الجماع عدم بطلان الصوم اذا صدر الاكل أو الشرب أو الجماع عن اضطرار أو اكراه، الوجه في ذلك حسب ما افهم انه يری ان قوله عليه السلام في ذيل حديث لاتعاد السنة لاتنقض الفريضة له مفهوم و هو ان الفريضة الاخلال بها يوجب بطلان الفريضة و الاجتناب عن الجماع أو الاكل و الشرب فريضة في الصوم و الاخلال بهذه الفريضة و لو عن عذر مبطل للصوم.

لكن هذا يؤدي الی المعارضة بالعموم من وجه مع قوله عليه السلام ما من محرم الا و قد احله الله لمن اضطر اليه لان هذا الحديث اعم من الصوم و من غيره، و اعم من المحرم الذي ورد في الكتاب الكريم أو المحرم الذي لم‌يرد في الكتاب الكريم، و قوله السنة لاتنقض الفريضة مفهومه ان الاخلال بالفريضة يوجب انتقاض الفريضة هذا ايضا مطلق سواء كان العذر هو النسيان أو الجهل القصوري أو كان العذر هو الاضطرار، ففي العذر الاضطراري يكون النسبة بينهما عموم و خصوص من وجه و بعد تعارضهما و تساقطهما يكون المرجع القاعدة الاولية المقتضية لبطلان الصوم. هذا مضافا الی ان السيد السيستاني يقول توجد ارتكاز متشرعي علی ان الصوم لايجتمع مع ارتكاب المفطر، خصوصا في الاكل و الشرب و الجماع، هذا اضطر الی الاكل،‌ العرف يقول هذا مو صائم، اصلا عنوان الصائم يرتفع و ينسلب عنه عرفا. و لاجل ذلك يناقش فيما ذكره السيد الحكيم السبط رحمة الله عليه فيمن الجأه العطش الذي خاف علی نفسه الی ان يشرب ماءا حيث قال بان صومه صحيح، يشرب الماء بمقدار الضرورة و يستمر علی صومه و لا قضاء عليه، فيقول السيد السيستاني هذا مضافا الی انه لايستفاد من تلك الروايات انه لا قضاء عليه و انما ورد انه يشرب و لا يروّي يعني يشرب بمقدار يرفع به ضرورة الموت، لم‌يقل و لا قضاء عليه و لاينعقد له اطلاق مقامي في ان الاولی قضاء عليه لان العرف لم‌يفهم من هذا البيان الا انه يجوز له شرب الماء اما انه ليس عليه القضاء العرف لايستفيد منه مضافا الی ان المرتكز المتشرعي عدم اجتماع الصوم مع شرب الماء عمدا.

انا اقول بالنسبة الی اصل الاستدلال بقوله ما من محرم الا و قد احله الله لمن اضطر اليه انه و ان استعمل عنوان الحرام و الحلال في الحرام و الحلال الوضعيين لكن هذا لايستفاد من اطلاق الدليل،‌ لو كان متعلق الحلية و الحرمة معاملة أو عبادة لكان الظاهر من حلية معاملة أو حلية عبادة حليتهما الوضعية، اذا كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه اي صحت الصلاة‌ فيه، احل الله البيع اي حلال وضعي،‌ اما اذا اضيفت الحرمة أو الحلية الی عنوان الشيء، كل شيء لك حلال هذا لايستفاد منه الحلية الوضعية و التكليفية معا، كل شيء لك حلال حتی تعلم انه حرام، لو كان المراد منه الترخيص التكليفي من دون ترتب اثر عليه هل العرف يقول هذا خلاف الاطلاق؟ ما من محرم الا و قد احله الله لمن اضطر اليه، و ليس شيء مما حرم الله الا و قد احله لمن اضطر اليه، شخص اضطر الی ان يطلق زوجته أمام شاهدين فاسقين، هل العرف يستفيد من هذا الاطلاق ان هذا الطلاق نافذ؟ ليس شيء مما حرم الله الا و قد احله لمن اضطر اليه، يقول يا ابه اني انجبرت بدأت باجراء صيغة الطلاق فقلت من كان له ذنب فليستغفر الله شرد الشاهدان العادلان، شردا، يخافان، شفنا بعض الاعلام من يسمع انه يراد اجراء صيغة الطلاق يشرد من ذاك المكان يطلع بسرعة‌، فبقي الشاهدان الفاسقان، اذا تستثني تقول بعدني ما اطلق، الشاهدان الفاسقان اللذان بيدهما مسدّس، سلاح أو هما أو الغبرة التي وياهما تخاف منهما، التقية ديني و دين آبائي بعد، زوجة فلان هي طالق، تقول ما من شيء محرم الا و قد احله الله لمن اضطر اليه،‌ ابد لايفهم العرف من ذلك.

و اما استشهاد السيد السيستاني بموثقتي سماعة فنقرأ هاتين الموثقتين نشوف. سألته عن الرجل يكون في عينيه الماء فينتزع الماء منها فيستلقی علی ظهره الايام الكثيرة فيمتنع من الصلاة الا ايماءا و هو علی حاله فقال لا بأس بذلك و ليس شيء مما حرم الله الا و قد احله لمن اضطر اليه. نقول: يا سيدنا! العرف يطلق علی ترك الواجب انه حرام،‌ حرام ما ترد جواب السلام، حرام عليك، ذاك يقول: لا، انت مشتبه، هذا ترك الواجب مو حرام، العرف يضحك، شنو فرق؟ حرام عليك لاترد سلام فلان، عرفي بعد، ترك الواجب حرام، فهذا المريض كان يترك الصلاة الاختيارية و ترك الصلاة الاختيارية حرام عرفي، و ما من شيء محرم الا و قد احله الله لمن اضطر اليه، هذا مضطر الی ترك الصلاة الاختيارية و ترك الصلاة الاختيارية حرام فصار حلالا لا ان هذه الصلاة الاضطرارية كانت محرمة وضعية فصارت حلالا وضعيا، من اين الامام طبّق هذا الحديث علی فعل الصلاة الاضطرارية؟‌ لعل الامام طبق هذا الحديث اي قوله ليس شيء‌ مما حرم الله الا و قد احله لمن اضطر اليه علی الصلاة الاختيارية.

و هكذا الموثقة الثانية‌ لسماعة عن ابي بصير المريض هل تمسك له المرأة شيئا يسجد عليه قال لا الا ان يكون مضطرا ليس عنده غيرها و ليس شيء مما حرم الله الا و قد احله لمن اضطر اليه، لعله لاجل انه ترك الصلاة الاختيارية عن اضطرار أو كما ذكر في كتاب ملاذ الاخيار، لعله لاجل انه اضطر الی ان تمسك له المرأة شيئا و لم‌يكن عنده غيرها، نحمل ذلك علی الكراهة لانه اذا كانت المرأة اجنبية فلايجوز ان تمسك المرأة الاجنبية شيئا يسجد عليه هذا الرجل و يلتصق جبهته بيد هذه المرأة الاجنبية فلابد ان نحمل هذه الرواية علی كون المرأة محرما له و هذا مكروه ان تمسك المرأة المحرم شيئا حتی يسجد عليه المريض،‌ هكذا قال في كتاب ملاذ الاخيار. إما ان يحمل علی كون المرأة محرما أو اذا كانت المرأة اجنبية فلايوجب امساكها لشيء يسجد عليه هذا المريض اللمس المباشر و الا فلو اوجب اللمس المباشر خب كان حراما و لا اضطرار اليه، مو مضطر الی ذلك.

اما الدليل الثاني الذي استشهد به علی اجزاء الصوم الذي ارتكب بعض المفطرات فيه عن اضطرار أو اكراه فهو قوله عليه السلام رفع عن امتي ما اضطروا اليه و ما استكرهوا عليه، و هذا ما اختاره جمع من الاعلام كالسيد الخميني فقالوا المانعية ترتفع بالاضطرار الی ايجاد المانع. لكن الجواب عنه ان ظاهر الرفع اولا رفع المؤاخذة لايظهر من رفع عن امتي تسعة اكثر من رفع هذه التسعة عن عالم التبعة و المسؤولية و الذي عبّر عنه الشيخ الانصاري برفع المؤاخذة، رفع كتابة‌ السيئات، يعني لاتكتب في جريدة اعماله انه يا ابه يوما هو كذب و هو مكره عليه، كذب و هو مضطر اليه، لاتكتب في صحيفة اعماله، يعني لايؤاخذ علی ذلك اما ما يرتكبه يترتب عليه الاثر؟ لا. طلق أمام الشاهدين الفاسقين و هو مضطر اليه يكون الطلاق نافذا؟ رفع عن امتي ما اضطروا اليه، لايستفاد منه ذلك.

و ثانيا: حتی لو قلنا بان اطلاق الرفع يقتضي رفع جميع الآثار كما يقول به السيد الخوئي لكن ظاهر الرفع رفع الامر الثقيل، ثقيل يرفعه يشيله، يرفع هذا الامر الثقيل عن عهدة الامة الاسلامية، مانعية المفطرات عن صحة الصوم ليست امرا ثقيلا، انت هذا اليوم تدري بانك مضطر الی انه اثناء النهار تبلع حباية، حباية صغيرة تبلعها، مريض الله يعافيك انجبرت تبلع حباية، من الله تريد، اول الصبح توصي اهلك تجيء ريوق، ريوق كامل، فواكة، يا ابه شنو؟ الحمدلله، هذا اليوم تمرضت لو كان حديث رفع ما اضطروا اليه يرفع مانعية بلع الحباية بالظهر و يصح صومي لما قدرت ان اتريق هذا اليوم هذا الريوق المحترم. فاذن المانعية ليس فيها ثقل، وجوب الصوم المعتبر فيه الاجتناب عن هذا المانع هو الثقيل،‌ هذا التكليف، التكليف بصوم تجتنب فيه عن هذا المانع، هذا المفطر، هذا ثقيل عليك، الله يقول لك: تكون تصوم هذا اليوم و تجتنب عن هذا المفطر، هذا ثقيل،‌ و الا لو كان هناك تكليف بالصوم فهو مشروط بان تجتنب عن هذا المفطر هذا ليس ثقيلا،‌ غايته انك مضطر الی ارتكاب هذا المفطر فلا يجب عليك الصوم و من كان مريضا أو علی سفر فعدة من ايام أخر، و اشكر ربك بعد، شتريد، فاذن المانعية و المفطرية ليس فيها اي ثقل، الثقل هو في تكليف المريض بالصوم الكامل، رفع عنه التكليف بالصوم الكامل و لكن هل وجب عليه الصوم الناقص؟ من اين ذلك؟

و من هنا اتضح الجواب عن الوجه الثالث الذي استدل به السيد الخميني من صحيحة الفضلاء: التقية في كل شيء، انا قلت لكم العبارة الكاملة لهذه الرواية موجودة في كتاب المحاسن و البحار، التقية في كل شيء و كل شيء يضطر اليه ابن آدم فقد احله الله، نقول: مي‌خالف،‌ احله الله القدرالمتيقن منه انه احله تكليفا لان متعلق الاضطرار هو الشيء، متعلق الحلية هو الشيء لا عنوان المعاملة أو عبادة حتی تصير الحلية و الحرمة ظاهرة في الحلية و الحرمة الوضعيتين.

هذا كله في الاضطرار أو الاكراه. و اما التقية، هذا بحث مهم. لعل المشهور علی ان التقية تقتضي الاجزاء، الشيخ الانصاري له كتاب في التقية، يصرّ علی ان التقية تقتضي الاجزاء. و يستدل بعدة روايات، ما صنعتم من شيء أو حلفتم عليه من يمين في تقية فانتم منه في سعة، انتم منه في سعة يعني لايضيق عليكم هذا الذي ارتكبتموه و الامر بالقضاء و ايجاب القضاء اذا الجأتك التقية الی ان ترتكب مفطرا من مفطرات الصوم هذا خلاف السعة، هذا يوجب الضيق. فتمسك بصحيحة ابي الصباح التي قرأناها و هكذا تمسك برواية مسعدة‌ بن صدقة: كل شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لايؤدي الی الفساد في الدين فانه جائز، يقول فانه جائز وضعا و تكليفا. كما استدل بروايات اخری مثل هذه الرواية: اياكم ان تعملوا عملا يعيّرونا به فان الولد السوء يعيّر والده بعمله كونوا لمن انقطعتم اليه زينا و لاتكونوا عليه شينا صلوا في عشائرهم عودوا مرضاهم و اشهدوا جنازئكم و لايسبقونكم الی شيء من الخير فانتم اولی به منهم و الله ما عبد بشء احب اليه من الخبء قلت و ما الخبء قال التقية. و الله ما عبد بشيء احب اليه من التقية، يقول هذا يقتضي الاجزاء بعد،‌ هذا محبوب الهي، ما عبد الله بشيء افضل من التقية. و هكذا استدل بموثقة سماعة ان التقية واسعة و ليس شيء‌ من التقية‌ الا و صاحبها مأجور عليها ان‌شاءالله ورد هذا التعبير في الصلاة معهم و قبل هذا التعبير قال يتم صلاته معهم علی ما استطاع فان التقية واسعة، يقول الشيخ الانصاري هذا ظاهر في الاجزاء بعد، يتم صلاته معهم علی ما استطاع فان التقية واسعة و ليس شيء من التقية‌ الا و صاحبها مأجور عليها ان‌شاءالله. هذه روايات استدل بها الشيخ الانصاري علی كون التقية مقتضية للاجزاء و هو يری ان التقية الخوفية و التقية المداراتية الظاهر انها تختص عندهم بالصلاة معهم، و كما ذكرت لكم انه لايحتمل ان تكون التقية المداراتية جائزة مع العامة في غير الصلاة كان يأكل سمكا لا فلس له لاجل التقية المداراتية، يشرب النبيذ معهم لاجل التقية المداراتية، اذا كان هذا ينجر الی ارتكاب بعض الاشياء الذي هم يجوزونه أو بعضهم يجوزه رعاية للتقية المداراتية، لااحتمل ان التقية المداراتية تجوّز غير الصلاة معهم و ما يتعلق بالصلاة كالوضوء عندهم. و المهم هو التقية الخوفية، هل يتم كلام الشيخ الانصاري و الذي قبله كثير من الاعلام من ان التقية الخوفية أو التقية المداراتية في باب الصلاة معهم، مقتضية للاجزاء نتكلم عن ذلك في ليلة الاحد انشاءالله. قلت لكم اللية‌ القادمة اك مجالس لعلكم تحتضرون فيها و نسألكم الدعاء.

و الحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo