< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

45/05/26

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: ارتكاب بعض المفطرات لا عن عمد

الدرس 40-147

الأحد - 25 جمادي‌الاولی 45

 

كان الكلام في ارتكاب بعض المفطرات عن جهل قصوري أو تقصيري بمفطريته فذهب الشيخ الطوسي في كتاب التهذيب الی عدم مفطريته تمسكا بموثقة زرارة و ابي بصير قالا سألنا اباجعفر عليه السلام عن رجل اتی اهله في شهر رمضان و هو لايری الا ان ذلك حلال له فقال عليه السلام ليس عليه شيء، و هكذا نقل عن ابن ادريس صاحب السرائر القول بذلك و هذا مما يصر عليه صاحب الحدائق يقول يستفاد من هذه الموثقة و نحوها ان الجاهل بالحكم لو ارتكب مفطرا لايبطل صومه.

و نحن ايّدنا انعقاد الاطلاق في هذه الموثقة و انكرنا ما يقول به السيد الخوئي من ان هذه الموثقة لااطلاق لها لنفي القضاء و انما تدل علی نفي الكفارة لان ظاهر هذه الموثقة ان الجماع في شهر رمضان عن جهل بالحكم لايوجب شيئا و هذا مختص بالكفارة و اما القضاء فليس الجماع موجبا له بل الموجب له عدم الاتيان بالواجب و لو لم‌يستند ترك الواجب الی المكلف. تُرك الواجب قهرا و هكذا في غير هذا المقام لو منع شخص من الاتيان بالصلاة فوجوب قضاء الصلاة ليس مترتبا علی الترك المستند الی هذا المكلف بل لو تركت الصلاة و لو من دون الاستناد الی هذا المكلف يترتب عليه القضاء ففوت الصوم و لو لم‌يستند الی المكلف كاف في وجوب القضاء. فاذن اتيان الاهل في شهر رمضان لايوجب القضاء و انما الموجب للقضاء عدم اتيان صوم الواجب و ما يوجبه الجماع في شهر رمضان هو الكفارة فهذه الموثقة تنفي وجوب الكفارة اذا جامع اهله جهلا بالحكم. و لكن ذكرنا وفاقا لجمع من الاعلام كالسيد الحكيم في المستمسك و سبطه في مصباح المنهاج و السيد الزنجاني ان هذه الموثقة مطلقة، السائل سأل رجل اتی اهله في شهر رمضان و هو لايری الا ان ذلك حلال له و اجابه الامام ليس عليه شيء، ألايستفيد العرف انه ليس عليه لا القضاء و لا الكفارة؟ فلو بدّل السؤال فقيل للامام عليه السلال رجل جامع اهله و هو ناس لصومه فاجابه الامام ليس عليه شيء أما كنتم تقولون بانه مطلق ليس عليه شيء لا القضاء و لا الكفارة. العرف هكذا يفهم. و لا وجه لدعوی الانصراف الی نفي وجوب الكفارة فقط.

نعم، الظاهر ان العامة يرون وجوب القضاء و ان لم‌نر تصريحا منهم بذلك عدا ما في كتاب الفقه علی المذاهب الاربعة صفحة 568 نقل فيه عن الحنابلة انهم قالوا بان الاتيان بالمفطرات و لو عن جهل بالحكم موجب لفساد الصوم. و لكن حتی لو كان فتوی العامة بطلان الصوم هل هذا يوجب انصراف السؤال الی السؤال عن وجوب الكفارة كانّ السائل كان مفروغا عنده انه يبطل صومه و انما حاول ان يسأل هل عليه الكفارة ام لا؟ لو كان واضحا عنده ان صومه بطل بذلك أما كان من المناسب ان يقول رجل اتی اهله في شهر رمضان و هو لايری الا ان ذلك حلال له هل عليه الكفارة؟ هكذا يقول، لا ان يكون سؤاله مطلق و الامام يجيب بانه ليس عليه شيء.

نعم، لو كان هناك ارتكاز واضح متشرعي في الشيعة علی بطلان الصوم و لو ارتكب المفطر عن جهل بالحكم أو احتملنا وجود هذا الارتكاز احتمالا عقلائيا، كنا نمنع عن اطلاق الموثقة لكن يمطئن الانسان بانه لم‌يكن هناك ارتكاز متشرعي واضح علی بطلان الصوم بارتكاب المفطرات عن جهل بالحكم خصوصا اذا كان جهله قصوريا. و عليه فهذه الموثقة مطلقة.

انما الكلام في ان ما دل علی وجوب القضاء عند ارتكاب المفطرات هل يعارض اطلاق هذه الموثقة أو ان هذه الموثقة تقدم علی ذلك الاطلاق مثل اطلاق ما دل علی انه يجب علی من اكل في نهار شهر رمضان القضاء لانه اكل متعمدا، و هكذا قوله عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم: لايضر الصائم ما صنع اذا اجتنب ثلاث خصال الطعام و الشراب و النساء و الارتماس في الماء فان ظاهر هذه الصحيحة انه اذا لم‌يجتنب عن هذه الاشياء يضر بصومه مطلقا و لو كان جاهلا بالحكم. فبالنسبة الی هذا الجاهل بالحكم مقتضی قوله ليس عليه شيء انه لا قضاء عليه و مقتضی اطلاق تلك الروايات الدالة علی وجوب القضاء حتی في فرض الجهل بالحكم ان عليه القضاء، فيتعارضان.

السيد الحكيم الجد في المستمسك قال: ان اطلاق الموثقة في نفي القضاء اقوی من اطلاق ادلة المفطرية كما هو الحال في امثاله مما يظهر لعنوان الموضوع خصوصية تناسب الحكم كالجهل في المقام. فهذه الموثقة اقوی ظهورا في نفي وجوب القضاء فتقدم علی اطلاق ما دل علی وجوب القضاء.

لم نفهم هذا الكلام، مجرد ان عنوان الموضوع يظهر منه خصوصية تناسب عدم وجوب القضاء كالجهل الماخوذ في هذا الموضوع هل يوجب ان تكون هذه الموثقة اقوی ظهورا في نفي وجوب القضاء؟ بل لو فرض كونه اقوی ظهورا الجمع العرفي لايتبع الاقوائية‌ في الظهور، الجمع العرفي له مناشئه، مجرد الاقوائية‌ في الظهور لاتوجب الجمع العرفي و لذا لو تعارض المنطوق و المفهوم بالعموم من وجه يتساقطان و ان كان المنطوق اقوی ظهورا من المفهوم.

نعم هناك بحث آخر و هو ما يقال ان العرف يلحظ الاخصية الموضوع الرئيسي في الخطاب و ان كان اطلاق الخطاب يتعارض مع خطاب آخر لكن حيث ان الموضوع الرئيسي لهذا الخطاب اخص مطقا فيقدم علی الخطاب الآخر. و هذا ما يستفاد احيانا من السيد الخوئي. فانه في اول كتاب الخمس تكلم عن انه في الارض المفتوحة عنوة هل يثبت الخمس ام لا؟ فقال عموم قوله تعالی فاعلموا انما غنمتم من شيء فان لله خمسه افرض يشمل الارض المفتوحة عنوة، لماذا اقول افرض؟ لانهم يقولون الخطاب للاشخاص و الارض المفتوحة عنوة ليست غنيمة للاشخاص، هذا بحث آخر. افرض ان العموم القرآني يشمل الارض المفتوحة عنوة و يدل علی ان الارض المفتوحة عنوة خمسها لله و لرسوله و ذوي القربی، الی آخره. و لكن يقول السيد الخوئي ما دل علی ان الارض المفتوحة عنوة ملك المسلمين موضوعه اخص، الغنيمة خمسها للامام، فالموضوع في خطاب الارض المفتوحة عنوة اخص مطلقا من الموضوع في دليل الخمس. فان موضوعه هو الغنيمة‌ و الارض المفتوحة عنوة اخص من الغنيمة و ان كان التعارض نشأ من اطلاق الخطابين فان اطلاق قوله الارض المفتوحة عنوة‌ ملك المسلمين يدل علی ان خمسها ايضا ملك المسلمين، هذا الاطلاق اوجب التعارض لكن حيث ان الموضوع في هذا الخطاب اخص مطلقا فيقدم علی خطاب الخمس.

و السيد الصدر في الملاحق الفقهية في كتاب اقتصادنا ذكر انه في بعض المجالات يمكن ان ندعي ان اخصية الموضوع الرئيسي في خطاب توجب تقديم هذا الخطاب علی خطاب العام، و ببالي انه يطبق هذا المطلب علی نفس مسألة الارض المفتوحة عنوة.

فيقال في المقام ايضا بان الموضوع الرئيسي في موثقة ابي بصير و زرارة من جامع اهله جهلا بالحكم و هذا اخص من دليل وجوب القضاء و هو ارتكاب المفطر لان الجماع لا خصوصية‌ له كانّه هنا قال من ارتكب مفطرا جهلا بالحكم فليس عليه شيء، هذا الموضوع اخص مطلقا من قوله من ارتكب المفطر فعليه القضاء، من ارتكب المفطر فعليه القضاء،‌ هنا يقول من ارتكب المفطر جهلا بالحكم ليس عليه شيء، الاطلاق نشأ من اطلاق ليس عليه شيء و لكن الموضوع الرئيسي هذا الخطاب اخص مطلقا من ذاك الخطاب.

لكن هذا المبنی لايتم عندنا فان الجمع العرفي يتبع اخصية الخطاب بلحاظ مجموع القيود المأخوذة في الخطاب كما بيناه في محله. فهذا الوجه غير صحيح.

السيد الحكيم في المستمسك قال بعد ذلك: لو فرضنا تكافئ الظهورين يتساقطان و يرجع الی اصل البراءة عن مفطرية الجماع مثلا في حال الجهل بالحكم. نقول يا سيدنا لماذا رجعتم الی اصل البراءة، لماذا لم‌ترجعوا الی اطلاق قوله تعالی فكلوا و اشربوا حتی يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم قال فاتموا الصيام الی الليل يعني امسكوا عن الاكل و الشرب في تمام النهار هذه الآية ترشدنا الی ان الصوم الواجب مشروط بالاجتناب عن الاكل و الشرب و الجماع مطلقا كان المكلف عالما بالحكم أو جاهلا و اذا تعارض اطلاق لخبر ظني مع اطلاق قرآني فيقال بانه يقدم الاطلاق القرآني لان الاطلاق الروائي يكون مخالفا للكتاب و ما خالف الكتاب فذروه، نعم بنائا علی رأي السيد الخوئي اطلاق الكتاب يسقط بالمعارضة مع اطلاق الخبر الظني لكن المبنی المشهور و لعل السيد الحكيم يری ذلك ان اطلاق الكتاب و اطلاق الخبر الظني اذا تعارضا فالتقديم مع اطلاق الكتاب.

جواب سؤال: الكفارة نفيناها عن الجاهل، انما الكلام في وجوب القضاء.

و الحاصل ان ما ذكره السيد الحكيم في المستمسك لايتم.

السيد الحكيم السبط في مصباح المنهاج قال اصلا هذه الموثقة آبية عن حملها علی نفي الكفارة فقط. يقول: حمل هذه الموثقة علی نفي خصوصية الكفارة بعيد عن مساق السؤال لانصراف السؤال المتعلق بالماهيات المركبة الی صحتها و فسادها، بل من البعيد جدا مفروغية السائل عن بطلان الصوم و اختصاص سؤاله بالكفارة و حينئذ يكون صرف الجواب الی نفي الكفارة و عدم التعرض الی صحة الصوم و بطلانه مستلزما لعدم مطابقة الجواب مع السؤال و هذا بعيد جدا. فكانّه يری اباء هذه الموثقة عن حملها علی نفي الكفارة‌ فقط.

لكنه لا وجه له. يعني لو دل دليل خاص علی ان من جامع اهله جهلا بالحكم عليه القضاء هل العرف يراه معارضا مع قوله ليس عليه شيء أو يقيد ليس عليه شيء بانه ليس عليه الكفارة. لا وجه لدعوی اباء الموثقة عن التقييد.

الانصاف ان التعارض بالعموم من وجه مستقر بين هذه الموثقة و بين ما دل علی وجوب القضاء عند ارتكاب المفطرات.

نعم لو تم ما ذكره الشيخ الانصاري من حكومة هذه الموثقة علی الادلة‌ الاخری‌ فالدليل الحاكم يقدم علی الدليل المحكوم و ان كان بينهما نسبة العموم و الخصوص من وجه، الدليل الحاكم ناظر شخصي الی سائر الادلة التي تكون محكومة‌ لهذا الدليل الحاكم و حتی لو كانت النسبة بينهما العموم و الخصوص من وجه يقدم الدليل الحاكم علی الدليل المحكوم كما هو واضح. فيقول الشيخ الانصاري: من جامع اهله و هو لايری الا ان ذلك حلال له قال ليس عليه شيء لوحظ فيه ترتب شيء علی الجماع و يراد نفي ذاك الذي رتب علی الجماع في ادلة اخری و الشيء الذي رتب علی الجماع في ادلة اخری كل من وجوب القضاء و الكفارة.

انا لااجزم و ان كان ببالي نكتة الحكومة قبل ان اری كلمات الشيخ الانصاري رحمة الله عليه، و لكني لااجزم بحكومة هذه الموثقة علی تلك الادلة،‌ ليس عليه شيء، يعني لو لم‌يكن هناك دليل آخر لكان هذا الدليل لغوا؟ من جامع اهله و هو لايری الا ان ذلك حلال له ليس عليه شيء، كل شيء ما عليه، كل شيء مما يحتمل لايترتب،‌ لا ان يكون ناظرا الی خطابات اخری. مثل ما تقول من اكرم فاسقا فليس عليه شيء، هل هذا يحتاج الی ان يكون هناك حكم آخر حتی يصح هذا التعبير؟ لا، الحكومة غير ثابتة.

فالانصاف ان المعارضة بالعموم من وجه تامة و بعد معارضة الخطابين إما ان يكون المرجع أو المرجح اطلاق الآية القرآنية الدالة‌ علی تقوّم الصوم بالاجتناب عن الاكل و الشرب و الجماع أو مفهوم قوله عليه السلام السنة لاتنقض الفريضة. اشلون؟ السنة لاتنقض الفريضة هذا الخطاب له مدلول الايجابي و المدلول السلبي. المدلول الايجابي ان الاخلال بالسنة عن عذر لايوجب بطلان الفريضة، الان ما عندنا شغل به، المدلول السلبي لهذا الخطاب ان الاخلال بالفريضة يوجب انتقاض الفريضة و لو كان عن عذر و الا لم‌يكن هناك فرق بين السنة و الفريضة. و هذ عام فوقاني لانه لو لم‌يكن هذه الموثقة مبتلاة بالمعارض لكانت هذه الموثقة مخصصة‌ لهذا المدلول السلبي لقوله عليه السلام السنة لاتنقض الفريضة فان الاجتناب عن الجماع فريضة مع ذلك الامام باطلاق كلامه قال ليس عليه القضاء، هذه الموثقة لو لم‌تكن مبتلاة بالمعارض لكانت مخصصة للمدلول السلبي لقوله عليه السلام السنة لاتنقض الفريضة يعني الاخلال بالفريضة يوجب انتقاض الفريضة الا الجماع في الصوم عن جهل بالحكم.

لكن بعد معارضة هذه الموثقة مع ما دل علی وجوب القضاء عند ارتكاب المفطرات لو فرضنا تساقطهما و عدم حجية أو مرجحية اطلاق القرآن الكريم بناءا علی قول السيد الخوئي من ان اطلاق الخطاب القرآني يتعارض مع اطلاق الخبر الظني فالمهم الرجوع الی هذا العام الفوقاني و هو المدلول السلبي لقوله عليه السلام السنة‌ لاتنقض الفريضة يعني الاخلال بالفريضة يوجب انتقاض الفريضة. و لا وجه ظاهرا لما ذكره السيد الخميني قدس سره في كتاب الخلل من انه لا ظهور سلبي لهذه الجملة،‌ السنة لاتنقض الفريضة اما ان الاخلال بالفريضة يوجب انتقاض الفريضة مو معلوم، الاخلال بالسنة لايوجب انتقاض الفريضة اما الاخلال بالفريضة اشلون؟ مو معلوم انه ينقض الفريضة دائما أو لاينقض. انصافا هذا خلاف الظاهر. المفهوم العرفي من هذه الجملة‌ انه يوجد فرق بين السنة‌ و الفريضة، فالسنة اذا اخل بها عن عذر فلاينتقض الفريضة بذلك بخلاف الفريضة فانه لو اخل بها و لو عن عذر تنتقض الفريضة بذلك و هذا هو العام الفوقاني الذي نرجع اليه. و لاجل ذلك نلتزم ببطلان الصوم عند ارتكاب بعض المفطرات عن جهل قصوري أو تقصيري بالحكم.

لكن هل يتم كلام السيد السيستاني من انه في غير الاكل و الشرب و الجماع بالنسبة‌ الی سائر المفطرات التي لم‌يرد حكمها في القرآن الكريم هل نطبق عليه ان السنة لاتنقض الفريضة؟ فشخص واحد استمنی في اثناء صومه و هو جاهل قاصر بانه يبطل الصوم، قال السيد السيستاني و ان كان عالما بكونه حراما نفسيا، يقول السيد السيستاني السنة لاتنقض الفريضة فمفطرية الاستمناء لم‌ترد في الكتاب الكريم فمفطريتها ثابتة بالسنة و ما ثبت بالسنة‌ الاخلال به لاينقض الفريضة.

تاملوا في ذلك الی الليلة‌ القادمة ان‌شاءالله.

و الحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo