< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

45/05/25

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: ارتكاب بعض المفطرات لا عن عمد

 

الدرس 39-146

السبت – 25 جمادي‌الاولی 45

 

كان الكلام في ارتكاب بعض المفطرات للصوم عن جهل قصوري أو تقصيري بمفطريته فذهب المشهور الی انه يوجب بطلان الصوم فيجب القضاء بل ذهب المشهور الی وجوب الكفارة في الجاهل المقصر. بينما انه ذهب جماعة الی عدم مفطرية ما ارتكبه عن جهل بالحكم إما مطلقا أو في خصوص الجهل القصوري. و استدل علی ذلك بعدة وجوه:

الوجه الاول: التمسك بحديث رفع ما لايعلمون حيث قالوا بانه يقتضي صحة العمل الذي اخل فيه بجزء أو شرط أو اوجد فيه مانع عن جهل بالحكم.

و جوابه ما تكرر منا من ان حديث رفع ما لايعلمون لايستفاد منه اكثر من نفي التبعة و المسؤولية لما ارتكبه جهلا أو فقل نفي التبعة و المسؤولية بالنسبة الی حكم مجهول و وجوب القضاء ليس من تبعات الجهل، و انما هو من تبعات ترك الواجب. من لم‌يصم صوما صحيحا فعليه القضاء و لو كان تركه للصوم الواجب غير مستند الی اختياره. و ان شئت قلت: حديث الرفع يثبت براءة يوجد مماثلها في مرتكز العقلاء، البراءة التي توجد في مرتكز العقلاء تقول الفعل الصادر عن جهل قصوري ملحق بالفعل غير العمدي، كلما كان للعمد تاثير في تحققه فالعمد الناشئ عن الجهل القصوري ملحق بعدم العمد. مثلا شخص تعمد في ارتكاب الحرام فيعاقب عليه، و اذا كان له حد يجری عليه الحد، فاذا ارتكب شخص هذا الحرام عن جهل قصوري فيری ان الارادة الناشئة عن جهل ملحقة بعدم الارادة و العمد، و الا فلو ان شخصا كان جاهلا بان اصابة يده من نجس عن رطوبة مسرية توجب تنجس يده أو كان جاهلا بان جماعه من غير انزال يوجب وجوب الغسل عليه، فهل تلتزمون بانه بعد ذلك يقول يرتفع اثر هذه الملاقاة للنجس أو اثر الجماع بحديث رفع ما لايعلمون؟ هل احد يقول بذلك؟ رفع ما لايعلمون، انا كنت جاهلا بان هذه الملاقاة للنجس توجب نجاسة يدي فاثرها نجاسة اليد هذه النجاسة مرفوعة عن هذا الموضوع الذي تحقق عن جهل بالحكم، و لا احد يقول بذلك، لماذا؟ لان المستفاد عرفا من قوله عليه السلام فع عن امتي تسعة ما لايعلمون الی آخره انه بصددد ابداء العذر للمكلف و الحاق ما يصدر منه عن جهل أو اكراه أو اضطرار أو نسيان بفرض عدم العمد فيما كان في الآثار التي يكون للارادة و العمد دخل فيها. فلو ان شخصا اتلف مال الغير عن نسيان لايرفع عنه الضمان، لو اتلفه عن اكراه أو اضطرار لايرفع عنه الضمان. ليش؟ لان سببية الاتلاف للضمان ليست مختصة بصدور الاتلاف عن عمد، و لاجل ذلك لو كان الاتلاف صدر عن جهل أو عن نسيان أو عن اكراه أو عن اضطرار فيبقی اثره و هو كونه موجبا للضمان، و لاحاجة الی ان نقول كما قال السيد الخوئي بان جريان حديث الرفع لنفي الضمان في اتلاف مال الغير خلاف الامتنان علی ذلك الغير، افرض ذلك الغير ذمي، حديث رفع عن امتي ما لايعلمون لم‌يلحظ فيه الامتنان علی الذمي، و انما لوحظ فيه الامتنان علی الامة‌ الاسلامية.

و هكذا في حديث رفع القلم عن الصبي ظاهر هذا الحديث بعد كونه موافقا لمرتكز العقلاء في الجملة ان كل فعل يكون للتعمد في ترتب الاثر عليه دخل فهذا الفعل الصادر عن الصبي لضعف ارادته ملحق بفرض عدم التعمد، فلو ان الصبي ارتكب حراما لايعاقب و لايجری عليه الحد لالحاقه بعدم العمد، كما انه لو اجری معاملة‌ فحيث ان للعمد دخل في ترتب الاثر علی المعاملات فلايترتب اثر علی ما صدر من الصبي من معاملة و نحوها. و اما لو اتلف الصبي مال الغير اصلا لايستفاد من حديث رفع القلم عن الصبي رفع الضمان عنه كي نحتاج الی ان نقول رفع الضمان عن الصبي اذا اتلف مال الغير خلاف الامتنان علی الغير. يا سيدنا الخوئي! رحمة الله عليك، حديث رفع القم عن الصبي لوحظ فيه الامتنان علی غير الصبي؟ حتی تقول بان رفع الضمان عن الصبي اذا اتلف مال الغير خلاف الامتنان علی مالك هذا المال،‌ فليكن خلاف الامتنان عليه، حديث رفع القلم عن الصبي لم‌يلحظ فيه الامتنان علی غير الصبي. النكتة التي تمنعنا من التمسك بحديث الرفع سواء حديث رفع القلم عن الصبي أو حديث الرفع هو ما ذكرنا من ان رفع القلم عن الصبي أو حديث الرفع ليس تعبديا محضا بل موافق لمرتكز العقلاء و لو في الجملة و مرتكز العقلاء هو انه يرفع في حال الجهل أو الصباوة و نحوهما الاثر الذي يكون للعمد دخل في ترتبه. فهنا نقول: وجوب القضاء مترتب علی فوت الصوم و لو لم‌يستند فوت الصوم الی المكلف فضلا عما اذا لم‌يستند الی تعمده، و لاجل ذلك لايرفع حديث الرفع وجوب القضاء علی من لم‌يصم صوما صحيحا.

اما الدليل الآخر و هو المهم معتبرة ابي‌بصير و زرارة قالا سألنا اباجعفر عليه السلام عن رجل اتی اهله في شهر رمضان أو اتی اهله و هو محرم و هو لايری الا ان ذلك حلال له قال ليس عليه شيء.

جمع من الاعلام كالسيد الحكيم في مستمسكه و سبطه في مصباح المنهاج و غيرهما و هكذا السيد الزنجاني تمسكوا بهذه الرواية المعتبره علی نفي وجوب القضاء علی من ارتكب مفطرا من المفطرات عن جهل بالحكم، رجل اتی اهله في شهر رمضان أو اتی اهله و هو محرم و هو لايری الا ان ذلك حلال له قال ليس عليه شيء، و الرواية و ان كانت واردة في خصوص الجماع لكن قد يقال بانه عرفا لايری له خصوصية يتعدی منه الی غير الجماع من سائر المفطرات.

صاحب الجواهر ذكر هذه الرواية و اشكل عليه قال: ظاهر هذه الرواية من حيث انه قال فيها ليس عليه شيء انه ليس عليه كفارة لا انه ليس عليه قضاء. لم‌يذكر صاحب الجواهر منشأ الظهور.

المحقق الهمداني ذكر شيئا و يری هذا المطلب في كلمات السيد الخوئي و يتكرر منه و هو ان ظاهر هذه المعتبرة انه ليس عليه شيء لاجل انه اتی اهله في شهر رمضان يعني جماعه في شهر رمضان عن جهل بالحكم لايوجب عليه شيئا. هذا مختص بالكفارة، الكفارة تترتب علی ارتكاب هذا الشخص للجماع و اما القضاء فهو مترتب لا علی ارتكابه المفطر بل علی فوت الصوم عنه و تركه للصوم الواجب، موضوع القضاء عدم اتيانه بالصوم الواجب في وقته و لايستند الی ما ارتكبه من جماع.

و الانصاف ان هذا البيان غير تام كما ذكر السيد الحكيم في مصباح المنهاج لا وجه لدعوی ظهور قوله ليس عليه شيء في انه ناظر الی الاثر المترتب علی ارتكاب المفطر. سأل السائل قال: رجل اتی اهله في شهر رمضان و هو لايری الا ان ذلك حلال له فهل ترون انه كان واضحا عنده انه يجب عليه القضاء و انما سأل عن الكفارة؟ هذا مو محتمل، هذا خلاف الظاهر لااقل، و الامام حينما يقول ليس عليه شيء العرف يفهم منه انه ليس عليه شيء يترتب علی ارتكاب المفطر؟ لا، ليس عليه شيء بقول مطلق، و الانصاف ان العرف يفهم منه نفي وجوب القضاء.

هذا اولا. و ثانيا: نحن ذكرنا في اول كتاب الصوم انه اذا نوی شخص ارتكاب مفطر و هو جاهل بمفطريته كما هو المفروض في هذه الرواية فلايتم ما ذكره السيد الخوئي من انه حتی و لو لم‌يرتكب هذا المفطر بطل صومه لاخلاله بنية الصوم، و لاجل ذلك يقول السيد الخوئي شخص من اول شهر رمضان قال اذا تجيء عليّ فانا ما عندي مانع و ايضا تعطيني بطاقة للدخول في المسبح بلاش انا اجيء وياك. يقال له: هذا شهر رمضان، قال مي‌خالف ما عندي مشكلة. لان الارتماس في الماء جاهل بانه مفطر، هذا الذي قال مي‌خالف الی آخر شهر رمضان ما وفی بوعده، كل يوم يقول باچر، هذا ايضا ما يريد يروح للمسبح يصرف فلوس، يريد يروح للمسبح بلاش كما هو دأب جملة‌ من المؤمنين!! فما راح للمسبح الی ان تم شهر رمضان، السيد الخوئي يقول يكون يقضي كل صيام هذا الشهر، ثلاثين يوم من شهر رمضان هذه السنة يكون يقضي كلها. ليش؟ هذا خب ما سوي شيء؟ صام مثل بقية الناس، كان مترددا أو ناويا روح للمسبح و ما راح، السيد الخوئي يقول:‌ لا،‌ الصوم نية الامساك عن المفطرات و هذا لم‌ينو الامساك عن ارتماس في الماء و هو مفطر بنظري.

نحن قلنا: لا، كما يقول السيد الحكيم في المستمسك و السيد السيستاني العرف المتشرعي يری‌ انه صائم، هو نوی الصوم، اذا كان عالما بان الارتماس في الماء مفطر مع ذلك لاينوي الامساك عنه مو بعيد ان العرف يقول هذا لم‌ينو الصوم، لانه يعلم بان الصوم متقوم بالارتماس في الماء‌ و هو لاينو الاجتناب عنه. و لعل السيد الخميني حتی في هذا المثال ايضا يناقش في بطلان الصوم. لكن السيد الحكيم و السيد السيستاني رأيهما انه لا، في فرض علمه بكون الارتماس في الماء مفطرا لايتمشی منه قصد الصوم و يكون نية ارتكاب المفطر موجبا لبطلان الصوم. و اما الجاهل بمفطرية‌ الارتماس في الماء العرف المتشرعي يری انه صائم و يسند بطلان صومه الی ارتكابه للمفطر. و عليه في هذا المثال الذي يری ان الجماع حلال له في شهر رمضان جاهل بمفطرية هذا الجماع فالصحيح ان بطلان الصوم و وجوب القضاء عليه بالدقة ايضا من آثار ارتكابه للمفطر و ليس من آثار عدم تحقق الصوم منه.

فاذن لاينبغي الاشكال في تمامية دلالة‌ هذه الرواية المعتبرة علی عدم وجوب القضاء لمن ارتكب مفطرا من المفطرات عن جهل بالحكم لكنه لايشمل المتردد،‌ يختص بالجاهل غير المتردد و هو لايری الا ان ذلك حلال له. و قد يكون مقصرا، مو قاصر، نتيجة تقصيره في تعلم الاحكام صار هكذا: لايری الا ان ذلك حلال له،‌ يعني ان اعتقاده ان الجماع حلال له ناشئ من تقصيره لا من قصوره و هذا مو صحيح ان نقول بان كل من اعتقد حلية شيء فهو جاهل قاصر، لا، قد يكون جاهلا مقصرا لان اعتقاده بحليته ناشئ عن تقصيره و تركه للتعلم سابقا. و هذه المعتبرة تشمل الجاهل القاصر و المقصر و لكن في خصوص ما اذا كان هذا الجاهل غير متردد.

صاحب الجواهر قال: مي‌خالف، افرض هذه المعتبرة تامة الدلالة علی عدم وجوب القضاء لمن ارتكب المفطر جهلا بالحكم لكن النسبة بينها و بين ما دل علی وجوب القضاء عند ارتكاب المفطرات عموم و خصوص من وجه،‌ ليس عليه شيء‌ باطلاقه ينفي وجوب القضاء و يمكن حمله علی نفي الكفارة، دليل وجوب القضاء علی من ارتكب المفطرات ايضا يشمل هذا الجاهل غير المتردد كما يشمل العامد و الجاهل المتردد، ففي مورد وجوب القضاء لمن ارتكب مفطرا من المفطرات عن جهل غير ترديدي بالمفطرية يتعارضان بالعموم من وجه. اذا قلت: خله يتعارضان و بعد تساقطهما نرجع الی البراءة كما ذكره السيد الحكيم في المستمسك. يقول صاحب الجواهر: لا، دليل وجوب القضاء يقدم لاجل مرجحات ترجح هذا الدليل لوجوب القضاء، منها كون وجوب القضاء هو المشهور بين الاصحاب، و منها ظهور جملة من ادلة القضاء في الجاهل، لابد من الفحص انه هل يوجد دليل في وجوب القضاء يكون ظاهرا في خصوص الجاهل؟ انا لحد الان ما وجدت دليلا من هذا القبيل.

السيد الحكيم في المستمسك ذكر هذا الاشكال قال بعد ان قوله ليس عليه شيء مطلق ينفي وجوب القضاء قال و دعوی ان بينه يعني بين هذا الحديث المعتبر و بين ادلة المفطرية الشاملة لفرض ارتكاب عن جهل، عموما من وجه و الترجيح لها من وجوه منها الشهرة و منها ظهور جملة‌ من ادلة‌ القضاء في الجاهل غير ظاهرة اذ الشهرة الفتوائية لاتصلح للترجيح يعني يا صاحب الجواهر انت تجعل الشهرة الفتوائية من المرجحات؟ المرجح هو الشهرة الروائية لا الشهر‌ة الفتوائية مع ان اعمال الترجيح في التعارضين العامين من وجه خلاف التحقيق يعني ادلة‌ المرجحات لا اطلاق لها لتعارض العامين من وجه كما ذكرناه في الاصول مفصلا. و اما ما ادعاه صاحب الجواهر من ظهور جملة‌ من ادلة القضاء في الجاهل اول الكلام.

ثم قال السيد الحكيم في المستمسك: فالتحقيق ان اطلاق الموثق يعني موثقة ابي بصير و زرارة رجل اتی اهله و هو في شهر رمضان و هو لايری الا ان ذلك حلال له قال ليس عليه شيء اطلاقه في نفي القضاء اقوی من اطلاق ادلة‌ مفطرية المفطرات، كما هو الحال في امثاله مما يظهر لعنوان الموضوع خصوصية تناسب الحكم كالجهل في المقام و لو سلم عدم الترجيح في الظهور فاللازم الرجوع الی الاصل المقتضي لنفي المفطرية،‌ نرجع الی اصل البراءة عن مفطرية هذا المفطر في حال الجهل بالحكم. و اما التقييد بغير المقصر فخالٍ عن الوجه يعني لاوجه لتقييد هذا الحكم بالجاهل القاصر فالبناء علی الصحة في الجاهل و ان كان مقصرا اقوی نعم لاتشمل الجاهل المتردد الذي لايحكم عقله بالحل. فالرجوع فيه الی عموم المفطرية و وجوب القضاء اولی و نحوه الجاهل بالموضوع و ان كان عقله حاكما بالحل. يقول السيد الحكيم هذه الرواية تختص بالجاهل بالحكم و لاتشمل الجاهل بالموضوع، من كان جاهلا بان هذا اليوم شهر رمضان، لكنه صام بنية القربة المطلقة ثم جامع اهله أو كان جاهلا بالموضوع بنحو آخر، فهنا لاتشمله هذه الرواية لان الرواية ظاهرة في الشبهة‌ الحكمية، ‌اتی اهله و هو لايری الا ان ذلك حلال له يعني اعتقاده ان الجماع حلال بنحو الشبهة الحكمية. اما الجاهل المتردد الذي قال السيد الحكيم الذي لايحكم عقله بالحل فكانه يقول اذا كان عقل جاهل متردد حاكما بالحلية الظاهرية العقلية فتشمله الرواية و هو لايری الا ان ذلك حلال له عقلا، هذا واضح عنده کأنّه قاعدة قبح العقاب بلابيان، واضح عنده ان العقل يحكم في الشك في الاقفل و الاكثر بالبراءة فارتكب هذا المفطر و هو يزعم انه حلال عقلي، فهو ايضا يشمله الرواية.

لكن الانصاف ان الظاهر من الرواية حينما قال و هو لايزعم الا انه حلال له أي حلال له شرعا كحلية واقعية لا انه جاهل متردد من باب الاقل و الاكثر يری انه حلال عقلي، هذا خلاف الظاهر.

نعم من يری في الاقل و الاكثر انه مجری للبراءة الشرعية فهو يری ان هذا حلال شرعي، ذاك صحيح، اما من لم‌يصل الی البراءة الشرعية و انما وصل الی البراءة العقلية نقول هذا يزعم ان هذا حلال عقلي؟ خلاف الظاهر، ظاهره انه يكون يزعم ان هذا حلال شرعي. و لكن هذا مو مهم،‌ المهم ان نری هل تمسك السيد الحكيم الجد و السيد الحكيم السبط بهذه الرواية و نفي المعارض لها صحيح ام لا، نحن قوّينا تمامية دلالة هذه الرواية لكن هل تتخلص هذه الرواية عن مشكلة المعارض لها ام لا، نتكلم عن ذلك في الليلة‌ القادمة ان‌شاءالله.

و الحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo