< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

45/03/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المفطر الثامن: البقاء علی الجنابة

 

الكلام في معنی التعمد

بقي الكلام في معنی البقاء علی الجنابة متعمدا.

القدرالمتيقن منه ما اذا علم بكونه جنبا و علم بوجوب الغسل عليه في ليلة رمضان لكنه ترك الغسل، هذا هو القدرالمتيقن من المتعمد. و لكن يقع الكلام في انه لو كان جاهلا بالحكم الشرعي، لم‌يكن يعلم بان من جامع من دون انزال يجب عليه الغسل، فهل يبطل صومه و قد يكون جاهلا مقصرا.

الظاهر انه لايصدق عليه انه بقي علی الجنابة متعمدا. لكن لابد من مراجعة الروايات في انه في كل الروايات الدالة علی مفطرية البقاء علی الجنابة أخذ في كل تلك الروايات عنوان المتعمد أو لا، بعض تلك الروايات مطلقة. و سنتكلم عن ذلك.

فاذن الفرض الاول الذي ينبغي ان نتكلم عنه هو ما اذا اجنب و لم‌يكن يعلم بانه يجب عليه الغسل كما لو جامع من دون انزال أو احتلمت المرأة و لم‌تكن تعلم بان احتلام المرأة يوجب الغسل عليها كما في كثير من الفتيات و النسوان، ليس لهن علم بهذا الحكم الشرعي. و كان شيخنا الاستاذ قدس سره يقول لايجب تعليمهن ان المرأة قد تجنب من دون مجامعة زوجها. كان يستفيد من بعض الروايات ذلك و كان يقول مادامت هي جاهلة ليس عليها شيء، و صومها و صلاتها صحيح. لكن السيد السيستاني لايری ذلك، يقول يجب عليها التعلم و الا فصلاتها فاسدة و اما صومها فيأتي فيه هذا البحث.

فالفرض الاول الذي ينبغي الكلام فيه ما اذا تحقق سبب الجنابة و لكن المكلف لم‌يكن يعلم بوجوب الغسل عليه. و الفرض الثاني من كان يعلم بوجوب الغسل عليه لكن لايعلم بوجوب الغسل عليه لاجل الصوم. يعلم، احتلم، علّموه بانه يجب عليك الاغتسال،‌ لكن كان يعتقد انه يجب عليه الاغتسال لاجل الصلاة. و قد يعلم بانه يجب عليه الاغتسال، لكن في فرض ضيق الوقت لايعلم بانه يجب عليه التيمم بناءا علی وجوب التيمم عند ضيق الوقت قبل اذان الفجر.

يوجد بعض الاستفتاءات في موقع السيد السيستاني،‌ مثلا يقول: المجنب في شهر رمضان اذا لم‌يتمم جهلا منه بالحكم، صح صومه اذا كان معتقدا عدم وجوب التيمم عليه أو كان غافلا عن ذلك. و في الاستفتاءات الفارسية الموجودة في الموقع سئل ان من لم‌يكن يعلم بان البقاء علی الجنابة مبطل للصوم فصام بدون ان يغتسل فما هو حكم صومه؟ فأجاب: ان لم‌يكن عالما بان البقاء علی الجنابة يبطل الصوم أو لم‌يكن ملتفتا الی ذلك ابدا فصومه صحيح.

قد يكون المقصود من هذا الجواب تطبيق ان السنة لاتنقض الفريضة. نظير ما لو ان شخصا استمنی في نهار شهر رمضان و هو جاهل قاصر بان الاستمناء مبطل للصوم، يقول السيد السيستاني اذا کان جاهلا قاصرا غير متردد فصومه صحيح، لماذا؟ لانه لم‌يخلّ بفريضة الصوم،‌ فريضة الصوم هو الاجتناب عن الاكل و الشرب و الجماع، اما الاجتناب عن الاستمناء فهو ثابت بالسنة و الاخلال بالسنة عن عذر لايبطل الفريضة. هذا بحث آخر، و بناءا علی انه يحتمل ان البقاء علی الجنابة ليس مبطلا للصوم و انما هو يوجب القضاء العقوبتي فنحتاج الی ضم ضميمة و هو اسراء حكم مبطل الصوم الحقيقي الی مبطل الصوم العقوبتي في ان السنة لاتنقض الفريضة. الان ليس كلامنا في ذلك، الان نريد ان نتكلم حتی علی مبنی من لايطبّق قاعدة ان السنة لاتنقض الفريضة علی ارتكاب مفطرات الصوم أو نتكلم عن الجاهل المقصر الذي لايشمله قاعدة ان السنة لاتنقض الفريضة.

الروايات المقيدة بالتعمد

نقرأ الروايات مع النظر الی هذين الفرضين: الفرض الاول ان يكون جاهلا بكون ما ارتكبه سبب لوجوب الغسل عليه،‌ و الفرض الثاني ان لايكون جاهلا بكونه سبب لوجوب الغسل عليه و انما هو يكون جاهلا بوجوب الغسل أو التيمم عليه في ليلة رمضان. يقال بان بعض الروايات مطلقة و ان كان بعضها اخذ فيه عنوان التعمد. الذي اخذ فيه عنوان التعمد مثل صحيحة البزنطي عن ابي‌الحسن عليه السلام سألته عن رجل اصاب من اهله في شهر رمضان أو اصابته جنابة ثم ينام حتی يصبح متعمدا قال يتم ذلك اليوم و عليه قضاءه. و هكذا صحيحة الحلبي: رجل احتلم اول الليل أو اصاب من اهله ثم نام متعمدا في شهر رمضان حتی اصبح قال يتم صومه ذلك ثم يقضيه. و معتبرة ابي‌بصير: رجل اجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمدا حتی اصبح قال يعتق رقبة ‌او يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا و انه حقيق ان لااراه يدركه ابدا.

اما الرواية الاخيرة فهي تدل علی وجوب الكفارة، ليس كلامنا في وجوب الكفارة لانه قد يكون الصوم باطلا و لايجب الكفارة لان وجوب الكفارة خاص بالجاهل المقصر الذي ابطل صومه و هو عالم متعمد أو جاهل مقصر، بينما ان الكلام في بطلان الصوم لايختص بهما فقد يكون الشخص جاهلا قاصرا و صومه باطل كما لو جامع اهله في نهار شهر رمضان من دون انزال، صومه باطل و ان كان جاهلا قاصرا.

اما صحيحة الحلبي و صحيحة ابن ابي‌نصر فهما واردتان في وجوب القضاء، و وجوب القضاء قلنا بانه ظاهر في الارشاد الی بطلان الصوم. فكانّه قال رجل اصاب من اهله فلم يغتسل متعمدا فنام حتی اصبح متعمدا فهل يشمل الجاهل بالحكم؟ قد يقال بانه يشمل الجاهل بالحكم لان التعمد ظاهر في تعمد ارتكاب شيء في قبال النسيان. قرأت لكم رواية في انه اظلم السماء و ظن الناس انه دخل الليل، قرأنا هذه الرواية في بحث الاصول، ظن الناس ان الليل دخل فافطروا ثم ارتفعت الظلمة و رؤيت الشمس في الافق يقول الامام عليه السلام علی من اكل قضاءه لانه اكل متعمدا. اشلون اكل متعمدا مع انه كان يعتقد انه دخل الليل؟ هو متعمد الی الموضوع، تعمد الاكل، اكل من دون نسيان، اكل في زمان كان واقع نهار شهر رمضان فهو اكل متعمدا. فيقال بان التعمد في قبال النسيان، التعمد هو القصد. من ضرب زيدا متعمدا يعني هو قاصد لضرب زيد و ان كان جاهلا بان ضربه حرام، في قبال من ضرب زيدا و هو غير ملتفت الی انه يضرب زيدا. فيقال بان هذا التعبير يشمل الجاهل بالحكم.

نحن قلنا بان الانصاف ان لفظ التعمد يستعمل في مجالين: مجال يكون في قبال النسيان و مجال آخر يكون في قبال المعذور. يعني قد يكون المراد من المتعمد العالم بالموضوع و قد يكون المراد من المتعمد العالم بالموضوع و الحكم. من قتل مؤمنا متعمدا فجزاءه جهنم خالدا فيها يعني من قتل مؤمنا و هو يعلم بان قتله حرام. في صحيحة زرارة يقول رجل اجهر في موضع الاخفات أو اخفت في موضع الاجهار ان فعل ذلك متعمدا اعاد الصلاة و ان فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لايدري تمت صلاته. هنا جعل المتعمد في قبال الجاهل.

و نحن نحتمل ان المتعمد في هاتين الروايتين بالمعنی الثاني يعني بمعنی العالم العامد، العالم بالحكم العامد الی الموضوع. لم‌نحرز ان المتعمد ظاهر في المعنی الاول و هو ما يكون في قبال الناسي و يشمل الجاهل بالحكم و ان اصرّ صاحب كتاب قراءات‌فقهيةمعاصرة و غيره علی ان المتعين هو المعنی الاول فيشمل الجاهل بالحكم، نقول: لانحرز هذا الظهور.

الروايات المطلقة

و لكن هذا المقدار لايكفي. لماذا؟ لاننا لابد ان نلحظ بقية الروايات، هناك روايات مطلقة لم‌يؤخذ فيها عنوان المتعمد. مثلا: موثقة سماعة: رجل اصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام و قد علم بها و لم‌يستيقظ، ظاهر قوله اصابته جنابة يعني احتلم، لايقال عمن جامع اهله انه اصابته جنابة، و لاجل ذلك يقول فنام و قد علم بها، الذي يجامع اهله لايقال اصابته جنابة فنام و قد علم بها، شنو؟ هذا احتلم. رجل اصابته جنابة أي احتلم في جوف الليل في رمضان و قد علم بها يعني قد علم بانه احتلم، قد علم بانه خرج منه المني، اما انه يوجب الغسل أو لايوجب الغسل، أو انه يجب عليه الغسل قبل اذان الفجر من شهر رمضان أو لايعلم به، الرواية مطلقة، فنام و قد علم بها و لم‌يستيقظ حتی يدركه الفجر قال عليه ان يتم صومه و يقضي يوما آخر. هذه الرواية تشمل من جهل بكون الاحتلام سبب لوجوب الغسل، فضلا عمن علم بانه سبب لوجوب الغسل لكن لايعلم بان وجوب الغسل يكون لاجل الصوم بل يظن ان وجوب الغسل لاجل الصلاة.

الرواية الثانية: صحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام قال سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ثم ينام قبل ان يغتسل قال يتم صومه و يقضي ذلك اليوم الا ان يستيقظ قبل ان يطلع الفجر فان انتظر ماء يسخن أو يستقی فطلع الفجر فلايقضي يومه.

هذه الصحيحة قد لاتشمل فرض الجهل بكون الاحتلام مثلا سببا للجنابة. ليش؟ لانه يقول نام قبل ان يغتسل، نام قبل ان يغتسل يعني اذا لم‌يكن ينام كان يغتسل، فينصرف عمن جهل بكون الاحتلام سببا لوجوب الغسل، هو لايغتسل، ليس هناك مقتض لغسله، هو جاهل بكون الاحتلام يوجب غسل الجنابة. و لكن بالنسبة الی الفرض الثاني و هو ما علم بانه يوجب الغسل لكنه كان جاهلا بوجوب الغسل عليه قبل طلوع الفجر، فنام قبل ان يغتسل يقول اخّر الغسل الی بعد اذان الفجر لاجل صلاة الصبح.

الرواية الثالثة: صحيحة ابن ابي‌يعفور: قلت لابي‌عبدالله عليه السلام الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتی يصبح قال يتم صومه و يقضيه.

هذا ايضا مطلق، يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتی يصبح، ‌لماذا ترك الغسل؟ إما لاجل انه جاهل بوجوب الغسل عليه مطلقا أو جاهل بوجوب الغسل عليه قبل اذان الفجر.

الرواية الرابعة: صحيحة معاوية بن عمار قلت لابي‌عبدالله عليه السلام الرجل يجنب في اول الليل ثم ينام حتی يصبح في شهر رمضان قال ليس عليه شيء (لانه هو النوم الاول) قلت فانه استيقظ ثم نام حتی اصبح (النوم الثاني) قال فليقض ذلك اليوم عقوبة.

هذا لايشمل الجاهل القاصر لان الجاهل القاصر لايعاقب. و لعله ايضا لايشمل من كان جاهلا بوجوب الغسل عليه مطلقا لان الظاهر من ينام حتی يصبح قلت فان استيقظ ثم ينام انه كان ناويا للغسل لكنه نام.

علي اي حال، هذه الروايات إما كلها أو بعضها مطلقة تشمل الجاهل بكون هذا الاحتلام مثلا سببا لوجوب الغسل مطلقا أو كان جاهلا بانه سبب لوجوب الغسل عليه قبل طلوع الفجر أو سبب لوجوب التيمم عليه اذا كان في ضيق الوقت أو كان فاقدا للماء. فاذن ينحصر مستند السيد السيستاني في ان السنة لاتنقض الفريضة و هذا خاص بالجاهل القاصر غير المتردد و الا فمقتضی الاطلاقات ان الجاهل المقصر لو بقي علی الجنابة و لم‌يغتسل بطل صومه.

اذا اخّر الغسل الی ان ضاق الوقت فتيمم في ضيق الوقت

هنا ينبغي ان نبحث عن مطلب و هو انه اذا اخّر الغسل الی ان ضاق الوقت فتيمم في ضيق الوقت هل يصدق انه بقي علی الجنابة متعمدا و لم‌يغتسل فصومه يكون باطلا و ان تيمم.

قد يقال نعم صومه باطل و لو تيمم الف مرة. ليش؟ لوجهين. و لعله لهذين الوجهين، الشيخ الوحيد لايری صحة الصوم اذا اخّر الغسل الی ان ضاق الوقت فتيمم في ضيق الوقت. و السيد الخوئي كان سابقا يستشكل في صحة هذا الصوم الی ان عدل الی القول بصحته. ما هو الوجه الذي يقال لاجل بطلان هذا الصوم؟ يقال في الوجه الاول ان التيمم لايرفع الجنابة؛ المتيمم جنب لكنه مبيح تيممه للدخول في الصلاة و لاجل ذلك ورد في بعض الروايات عن جنب أمّ قوما بتيمم، هذا جنب لكنه أمّ قوما بتيمم. فيقال بان هذا الشخص الذي اخّر الغسل الی ان ضاق الوقت تعمد البقاء علی الجنابة لانه تعمد ان يبقی جنبا و التيمم هو لايرفع الجنابة.

الوجه الثاني ما يقال من ان هذه الروايات واردة فيمن لم‌يغتسل، اصلا ما عندنا دليل علی ان التيمم في هذا الفرض مشروع. انت لست فاقدا للماء، لست مريضا، اخّرت الغسل الی ان ضاق الوقت، ما بقي من الوقت الا دقائق قليلة تقول خب أتيمم، ما هو الدليل علی مشروعية هذا التيمم؟ فيقال بانه يصدق عليه انه بقي علی الجنابة متعمدا بعد عدم دليل علی مشروعية هذا التيمم و قد اخذ في موضوع هذه الروايات ترک الاغتسال و هو صادق في هذا الفرض.

تاملوا في ذلك الی الليلة‌ القادمة ان‌شاءالله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo