< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

45/03/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المفطر الثامن/البقاء علی الجنابة/

 

كان الكلام في مفطرية البقاء علی الجنابة في شهر رمضان متعمدا. فقلنا بان المشهور علی مفطريته. و لكن خالف في ذلك جماعة كما نسب الی الصدوق في المقنع فقالوا بان البقاء علی الجنابة متعمدا ليس بمفطر.

في كتاب الشرائع المحقق يقول علی الاشهر، البقاء علی الجنابة متعمدا مبطل للصوم علی الاشهر. هذا التعبير مو مناسب، لان معنی الاشهر ان خلافه مشهور و لكنه اشهر، بينما ان القول بجواز البقاء علی الجنابة متعمدا قول نادر ليس بقول مشهور.

جمهور فقهاء العامة ذهبوا الی جواز البقاء علی الجنابة. يقول ابن رشد في كتاب بداية المجتهد: و جمهور الفقهاء علی انه ليست الطهارة من الجنابة شرطا في صحة الصوم لما ثبت من حديث عائشة و ام‌سلمة زوجتي النبي صلی الله عليه و آله انهما قالتا كانتا رسول الله صلی الله عليه و آله يصبح جنبا من غير احتلام في رمضان. نقل عن عائشة انها كانت تفصّل بين البقاء علی الجنابة عن احتلام فلايجوز و بين البقاء علی الجنابة من جماع فجائز. و روي عن ابراهيم بن نخعي و عروة بن زبير و طاووس انه ان تعمد ذلك افسد صومه. ابراهيم النخعي هذا غير ابراهيم بن مالك الاشتر، لا، ذاك كان قائد الحرب، قائد القوات البرية للمختار، لا، هذا ابراهيم بن نخعي من فقهائهم، غيره، و عروة بن زبير و طاووس، هؤلاء الثلاثة‌ قالوا ان تعمد علی الجنابة عمدا افسد صومه و سبب اختلافهم ما روي عن ابي‌هريرة انه كان يقول من اصبح جنبا افطر و قال ما انا قلته محمد رسول الله صلی الله عليه و آله و رب الكعبة،‌ كان يحلف بالله ان هذا قول لم‌اقله بنفسه. الجواد قد يكبو، هنا ظاهر صدق ورد في كلامه.

القول الاول حول اختلاف الروايات: استحباب القضاء و الكفارة

قرأنا عدة روايات دلت علی مفطرية البقاء علی الجنابة و قرأنا عدة روايات أخری دلت علی عدم مفطريته. و لاجل ذلك بعض الاعلام كالمحقق السبزواري قال الجمع العرفي بينهما يقتضي الحمل علی استحباب قضاء الصوم و اداء الكفارة اذا بقي علی الجنابة متعمدا. يقضي بقرينة الروايات المجوزة يحمل علی استحباب القضاء، يتصدق علی ستين مسكينا يحمل علی استحباب التصدق علی ستين مسكينا اذا بقي علی الجنابة متعمدا. و لابد ان نتكلم هل هذا الجمع عرفي ام لا؟

القول الثاني (اعراض المشهور عن الطائفة المجوزة) و النقاش فيها

جمع آخرون قالوا ان هذه الطائفة الثانية الدالة علی جواز البقاء علی الجنابة متعمدا قد اعرض عنها الاصحاب، أو فقل مشهور الاصحاب. فيكون مضمون هذه الروايات المجوزه موهونا باعراض المشهور عنه أو يكون داخلا في قوله عليه السلام علی ما في مقبولة بن حنظلة: المجمع عليه بين اصحابك يوخذ به و يترك الشاذ النادر الذي ليس بمشهور عند اصحابك فان المجمع عليه اي المشهور بين الاصحاب لاريب فيه.

و لكنكم ترون ان الاعراض ليس موهونا للدلالة، لو فرض انه موهن فانه موهن للسند علی قول جماعة من الاصوليين. و هنا لايبعد ان يقال بان سند الروايات المجوزة ثابت بالوجدان للوثوق الاجمالي بصدور بعضها. فان هذا الاعراض اعراض مدركي و ليس اعراضا تعبديا حتی يكشف عن رأي المعصوم.

القول الثالث: موافقة العامة للطائفة المجوزة

و كثير من الاعلام قالوا بان الطائفة المجوزة لابد من ان تطرح لمرجحية مخالفة العامة للطائفة الاولی الدالة علی مفطرية البقاء علی الجنابة، الروايات الدالة علی جواز البقاء علی الجنابة متعمدا موافقة للجمهور العامة، و خذ بما خالف العامة، ما خالف العامة ففيه الرشاد.

و لكن يجاب عن ذلك بانه لو وصلت النوبة الی الاخذ بالمرجحات فمرجحية موافقة الكتاب في رتبة سابقة علی مرجحية مخالفة العامة. لو ثبت باطلاق الكتاب ان البقاء علی الجنابة متعمدا ليس بمفطر فتكون موافقة الكتاب الكريم مرجحة للطائفة الثانية المجوزة و ان كانت موافقة للعامة لان الترجيح بموافقة الكتاب سابق رتبة علی الترجيح بمخالفة العامة كما ورد في مقبولة بن حنظلة و رواية الراوندي، فاعرضوهما علی كتاب الله فان لم‌تجدوا في كتاب الله فاعرضوهما علی اخبار العامة.

تطبيق مبنی مرجحية الكتاب علی المقام

و لاجل ذلك اذا اردنا ان نجيب عن هذا الاشكال فلابد ان نقول إما بان الكتاب لايدل علی عدم مفطرية البقاء علی الجنابة متعمدا أو لانتمسك بالترجيح التعبدي بل نقول هنا الطائفة الثانية الدالة علی جواز البقاء علی الجنابة متعمدا ليست حجة في نفسها لان الترجيح التعبدي يكون بين خبرين يتم فيهما الاقتضاء للحجية لكنهما تعارضا فهنا نرجع الی المرجح التعبدي. و لكن يقال بان الطائفة المجوزة لايوجد مقتض لحجيتها في نفسها لانه توجد فيها قرائن علی التقية فلاتجري فيها اصالةالجد بنظر العقلاء.

اما المطلب الاول و هو ان نقول بان القرآن الكريم لاينفي مفطرية البقاء علی الجنابة متعمدا و ان كان لايثبتها، لكن المهم انه لاينفيها. فهذا يحتاج الی توضيح و تبيين. لانه يقال: قوله تعالی احل لكم ليلة الصيام الرفث الی نساءكم علم الله انكم كنتم تختانون انفسكم فتاب عليكم و عفي عنكم فالان باشروهن و ابتغوا ما كتب الله لكم و كلوا و اشربوا حتی يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر، فقد يقال بان هذه الآية تدل علی جواز الجماع الی اذان الصبح يعني في آخر وقت ما بقي الی اذان الصبح (الی طلوع الفجر) الا دقائق، هذا يقضي شغله خلال هذه الدقائق و يجامع اهله و لكنه لايتمكن من الاغتسال و لا من التيمم،‌كل وقت ضيق، انما يدرك ما يريد و بعد ان ينتهي ما يريد يؤذن المؤذن. يقال اولا: احل لكم ليلة الصيام مطلق، الليلة تنطبق علی آخر جزء من الليل، فيقول في هذه الآية الكريمة احل لكم ليلة الصيام الرفث الی نساءكم مطلقا و لو في الدقيقة الاخيرة من الليل. و الثاني الذي يدل عليه في الآية الكريمة ما يقال من انه جعلت الغاية لجواز الجماع و الاكل و الشرب تبين طلوع الفجر. فالآن باشروهن و كلوا و اشربوا حتی يتبين لكم الخيط الابيض يعني الان باشروهن حتی يتبين لكم، الی ذاك الوقت اشتغلوا بالمباشرة النساء كما تشتغلون بالاكل و الشرب، ماكو مانع.

لكن الانصاف عدم تمامية الاستدلال بهذه الآية الكريمة علی جواز الجماع في ايّ آن من آنات الليل و حيث يجوز الجماع و لو في آخر وقت من الليل بنحو لايسعه بعد ذلك ان يغتسل من الجنابة أو يتيمم. فان قوله تعالی احل لكم ليلة الصيام الرفت الی نساءكم هذا يدل علی جواز الجماع في ليلة شهر رمضان من حيث هو هو و هذا لاينفي انه لو ادّی الی البقاء علی الجنابة بعد ذلك فمن جهة البقاء علی الجنابة يصير اشكال في الصوم، و هذا في قبال انه كان سابقا يحرم علی الصائمين مباشرة النساء في شهر رمضان ليلا و نهارا. علم الله انكم كنتم تختانون انفسكم فتاب عليكم و عفی عنكم فالآن باشروهن، احل لكم ليلة الصيام الرفث الی نساءكم هذا في قبال انه كان سابقا يحرم الجماع في شهر رمضان حتی في ليالي شهر رمضان، فالمسلمون خصوصا الشباب منهم ما كانوا يتحملون، علم الله انكم كنتم تختانون انفسكم فتاب عليكم و عفی عنكم فالان باشروهن. و هذا لايدل علی ان الجماع المؤدي ال البقاء علی الجنابة متعمدا جائز بهذا العنوان الثانوني،‌ لا، الجماع في ليالي رمضان جائز في قبال المنع السابق.

و اما بيان انه جعلت الغاية لجواز الجماع تبين طلوع الفجر هذا لايظهر من الآية، فالآن باشروهن و ابتغوا ما كتب الله لكم، خلاص، و كلوا و اشربوا حتی يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود، الغاية ذكرت لجواز الاكل و الشرب، بعد ان صار فاصلا بين قوله فالان باشروهن مع قوله و كلوا و اشربوا حيث قال فالان باشروهن و ابتغوا ما كتب الله لكم، ثم قال و كلوا و اشربوا حتی يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر.

و لايخفي ان السيد الخوئي مرتاح من هذه البيانات لانه حتی لو دلت الآية الكريمة باطلاقها علی جواز الجماع في آخر الليل بحيث لايمكنه الاغتسال من الجنابة بعده فتكون الطائفة الثانية موافقة لاطلاق الكتاب، و السيدالخوئي يقول: اطلاق الكتاب ليس من الكتاب في شيء، الاطلاق عدم البيان، عدم البيان ليس من القرآن، القرآن بيان، هذا بيان للناس، مو هذا عدم بيان للناس، فالاطلاق عدم بيان و القرآن بيان، فليس اطلاق الكتاب من الكتاب في شيء، فلاتكون موافقة اطلاق الكتاب لا مرجحة و لا ان الخبر المتعارض مع اطلاق الكتاب بالعموم من وجه يكون ساقطا عن الحجية بل يسقط اطلاق الكتاب و اطلاق الخبر كلاهما لان هذا الخبر ليس مخالفا للكتاب و انما هو مخالف لاطلاق الكتاب. لكن من يقول بان اطلاق الكتاب من الكتاب كما هو الصحيح، الاطلاق و ان كان ناشئا عن عدم البيان لكنه يخلق ظهورا للكتاب، ألاتری انه لو ورد في القرآن الكريم أو ورد في خبر اكرم العالم و ورد في خبر آخر لاتكرم العالم، العرف يراهما مختلفين، هذا مخالف للآخر، مع ان المخالفة بينهما نشأت من الاطلاق و الا اكرم العالم لو اريد به العالم العادل و لاتكرم العالم اريد به العالم الفاسق فليسا مختلفين، الاختلاف بينهما نشأ من اطلاقهما و لكن العرف يقول هذا مخالف لذاك. فمخالفة الخبر لاطلاق الكتاب مخالفة للكتاب عرفا لان الاطلاق يخلق ظهورا للكتاب و ان كان هذا الظهور ظهورا ناشئا عن السكوت و عدم البيان عن القيد الزائد. كما هو رأي جمع من الاعلام و منهم السيد السيستاني.

كلام السيدالسيستاني في المقام، و النقاش فيها

السيد السيستاني اصلا لايحتاج لا الی التمسك باطلاق احل لكم ليلة الصيام و لا لجعل الغاية لقوله فالان باشروهن بل له ان يقول بان قوله تعالی كتب عليكم الصيام، هذا مطلق، الصيام له مفهوم عرفي، الصيام هو الاجتناب عن الاكل و الشرب و ألحق به الاجتناب عن الجماع، خلاص بعد، فكل شيء شك في مفطريته فيمكن باطلاق قوله تعالی كتب عليكم الصيام نفي مفطرية ذلك الشيء، و عليه تكون الطائفة الثانية المجوزة بناءا علی رأي السيد السيستاني موافقة لاطلاق قوله تعالی كتب عليكم الصيام.

و هذا يحتاج الی ان يكون ظاهرا في بيان الشرائط و الاجزاء للصوم و هذا غير واضح لان الظاهر منه تشريع اصل الصيام، كتب عليكم الصيام كما كتب علی الذين من قبلكم أو فمن شهد منكم الشهر فليصمه هذا قد لايكون ظاهرا عرفا في بيان تفاصيل التشريع و انما ظاهر في اصل التشريع.

عدم جريان اصالة الجد العقلائية في الطائفة المجوزة

فاول الشيء ان ننكر دلالة اطلاق الكتاب علی نفي مفطرية البقاء علی الجنابة كي لايقال بان الطائفة الثانية موافقة للكتاب و الترجيح بموافقة الكتاب مقدم رتبة علی الترجيح بمخالفة‌ العامة. و المطلب الثاني ان نقول بانه هنا لانحتاج الی التمسك بالمرجحات التعبدية، اصلا لاتجري اصالة الجد العقلائية في هذه الطائفة الثانية لوجود قرائن فيها علی التقية.

منها تمسك الامام عليه السلام بقول عائشة. يقول في رواية اسماعيل بن عيسی فان ابي عليه السلام قال قالت عائشة ان رسول الله صلی الله عليه و آله اصبح جنبا من جماع غير احتلام.

ان قلت هذه الرواية ضعيفة سندا، هذا اشكال الاول. و ثانيا: غايته ان هذه الرواية لاتجري فيها اصالة الجد فلايمنع ذلك من اجراء اصالة الجد في روايات اخری، و اهمها صحيحة حبيب الخثعمي عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال كان رسول الله صلی الله عليه و آله يصلی صلاة الليل في شهر رمضان ثم يجنب ثم يؤخر الغسل متعمدا حتی يطلع الفجر. هذه الرواية تجري فيها اصالة الجد، عدم جريان اصالة الجد في رواية اسماعيل بن عيسی لايمنع من جريان اصالة الجد في هذه الرواية.

فقد يقال في الجواب عن ذلك بان هذه الصحيحة ايضا مبتلاة بقرينة تمنع من جريان اصالة الجد فيها. ما هي تلك القرينة؟ في هذه الرواية يقول كان رسول الله يعني عمل مستمر من النبي، هذا كذب قطعا، النبي كان يرتكب المكروه؟! لااقل من ان البقاء علی الجنابة مكروه، النبي كان يستمر علی ارتكاب المكروه؟! ميصير.

جواب سؤال: شنو علاقة آية التطهير بان النبي كان يجنب؟ تطهير نفس النبي من الخبائث من الرجس يعني ان النبي ما كان ينجس جسده؟! ما كان يجنب؟! ما كان يحتاج الی غسل الجنابة؟! النبي ما كان يغتسل بعد الجنابة؟!

فيقال باننا لاننظر الی رواية اسماعيل لاجل الاشكال علی صحيحة حبيب، لا، ننظر الی نفس صحيحة حبيب، هي مبتلاة بقرينة تمنعنا من تصديقها، كيف نقول كان رسول الله يصلي، "كان" عمل مستمر. و لاجل ذلك الشيخ الطوسي قال يحتمل أو علی اي حال ورد في كلمات، في الوسائل موجود، يحتمل ان يكون المراد من حتی يطلع الفجر الفجر الكاذب لا الفجر الصادق، كان رسول الله يصلي صلاة الليل في شهر رمضان ثم يجنب ثم يؤخر الغسل متعمدا حتی يطلع الفجر يعني الفجر الكاذب، الفجر الكاذب قبل الفجر الصادق تقريبا بعشرين دقيقة تقريبا، يؤخر الغسل الی هذا الوقت خلال عشرين دقيقة، النبي يغتسل من الجنابة، و غسل النبي ما كان مثل غسل المبتلين بالوسوسة، يغتسل بسرعة.

هذا انصافا احتماله موهوم جدا. هل كان هناك بحث في جواز تأخير الغسل الی طلوع الفجر الكاذب حتی يقول الامام كان رسول الله يصلي صلاة الليل في شهر رمضان ثم يجنب ثم يؤخر الغسل متعمدا حتی يطلع الفجر الكاذب و قبل الفجر الصادق كان يغتسل؟! هذا محتمل في معنی الرواية؟

يمكن ان يقال بانه لايظهر من التعبير ب"كان رسول الله" الاستمرار، من اين هذا الامر الذي اشتهر ان كان يدل علی الاستمرار؟ كان رسول الله و لو في الجملة، كان رسول الله يعني و لو لعذر عرفي و ارتكاب المكروه قد يصير راجحا لعذر عرفي، عذر في عرف المتشرعة، كما لو كان الجو باردا فليتحمل الانسان مشقة في الغسل لكن لاتصل الی حد الحرج، الاعذار العرفية في العرف المتشرعي قد ترفع كراهة المكروه. نعم النبي يدام علی هذا المكروه؟ ميصير، مو صحيح، اما ان هل يدل لفظ "كان" علی ان النبي كان يستمر علی هذا الشيء؟ هذا مو معلوم. و بقية الكلام في الليلة القادمة ان‌شاءالله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo