< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

45/03/09

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المفطر الثامن: البقاء علی الجنابة

الدرس 108

الإثنين – 9 ربيع‌الاوّل 45
فهرس المطالب:

بيان المبنی الخاص للسيدالسيستاني من كون الاعادة في بعض الأحیان اعادة عقوبتية1

بيان المصاديق الاربعة للبقاء علی الجنابة2

الروايات الدالة علی عدم المفطرية للبقاء علی الجنابة3

 

كان الكلام في كتاب الصوم، وصلنا الی المفطر الثامن و هو البقاء علی الجنابة عمدا الی الفجر الصادق. يقول صاحب العروة المفطر الثامن البقاء علی الجنابة عمدا الی الفجر الصادق في صوم شهر رمضان أو قضاءه.

هذا هو المشهور و قد ادعي عليه الاجماع في كلمات جمع من الفقهاء. لكن نقل عن الصدوق و والد الصدوق و كذا المحقق الاردبيلي انهم انكروا مفطرية البقاء علی الجنابة عمدا. و منشأ انكارهم وجود روايات تدل علی ان البقاء علی الجنابة عمدا ليس مفطرا للصوم حتی في صوم شهر رمضان، و سنقرأ هذه الروايات.

بيان المبنی الخاص للسيدالسيستاني من كون الاعادة في بعض الأحیان اعادة عقوبتية

و لكن قبل ان نقرأ هذه الروايات اذكر رأيا خاصا بالسيد السيستاني و ان لم‌يفت به، حيث قال: لعل البقاء علی الجنابة عمدا يكون موجبا للكفارة و لوجوب القضاء العقوبتي من غير ان يبطل الصوم. الصوم لعله صحيح و لكن عقوبةً علی هذا المكلف الذي بقي علی الجنابة متعمدا الی ان طلع الفجر فرض عليه كفارة و قضاء للصوم.

اصل هذا المطلب موجود في الروايات، ففي الحج ورد في رواية صحيحة ان من جامع قبل الوقوف بالمشعر اعاد الحج فيسأل زرارة الامام عليه السلام ايتهما حجته؟ فيقول الامام عليه السلام الاولي حجته و الثانية عقوبة. يعني ان من صار نائبا، انت اخترت فالواحد يصير نائبا في الحج عن بعض قرائبكم، اعطيته فلوسا زينا، هذا راح و قبل الوقوف بالمشعر ابتلي بالجماع مع زوجته و لكنه كمّل الحج، كما هو وظيفته، فهذا الحج مجزئ عن ذلك المرحوم، علی اي حال هذا حج صحيح، و ان كان يجب علی هذا النائب كفارة بدنة و الحج من قابل، هو يحج عن نفسه، لعله هو كذلك يحج عن نفسه لانه كفارة عليه.

هذا لا اشكال فيه.

المورد الثاني الذي يفتي به السيد السيستاني خلافا للمشهور الصلاة في الثوب النجس نسيانا. يقول السيد السيستاني نحن استفدنا من موثقة سماعة انه يعيد صلاته اذا صلاها في النجس عقوبة لنسيانه كي يهتم بالشيء أو يهتم بالنجس. يقول السيد السيستاني هذه الموثقة تقيد اطلاقات وجوب اعادة الصلاة اذا صلاها في النجس نسيانا، تقيدها بفرض التقصير لان فرض القصور ينصرف عنه العقوبة. التقصير ما هو معناه؟ هو ان لايهتم. بعض الناس يهتمون، ثوبهم نجس لكن ما يجدون ماء و يجعلون علامة كي لاينسون، لكن الانسان محل النسيان بعدُ، ينسی، هو ابد ما قصّر. لكن بعض الناس يقولون ان‌شاءالله بعد ساعة اروح اغسل ثوبي اروح اغسل يدي، هذا مقصر. ما يقول مرتكب للحرام، لا، مقصر، متسامح و لو لاجل انه يقول انا مطمئن باني ما انسی. هذا نحو من التسامح. لم‌يهتم، حسب هذه الموثقة كي يهتم بالشيء، هو ما اهتم بالشيء. انت اذا خليت فلوسك في مكان و تخاف تنسی هل انت تقول ان‌شاءالله انام و بعد ان اقعد من النوم اشيل فلوسي من ذاك المكان، لا ابد، تطير نحو الفلوس و تشيل و تخليه في مكان آمن تهتم به. اما اذا ما اهتميت بشيء تؤخره الی وقت آخر، تتسامح فيه. هنا تقول موثقة سماعة و انما امرته بالاعادة عقوبة لنسيانه.

السيد السيستاني يقول اولا نقيد الروايات المطلقة الآمرة باعادة‌ الصلاة لمن صلي في الثوب النجس نسيانا بما اذا كان نسيانه لاجل قلة الاهتمام. و من ناحية اخری نستفيد من هذه الموثقة انه وجبت عليه اعادة الصلاة عقوبة لا لاجل ان الصلاة الاولی فاسدة و تجب عليه اعادة الصلاة امتثالا للامر بصرف وجود الصلاة، هذا ليس عقوبة، العقوبة ان نأمره باتيان امر زائد علی مقدار الواجب. هكذا يستظهر السيد السيستاني و يفتي به.

و لاجل ذلك يقول تشوف الامام يصلي و هو ناس لنجاسة ثوبه، عادل، ما اقول مو عادل، قلة الاهتمام ليست بمعنی عدم العدالة، لا، هو في اموره العادية ايضا متسامح، كل يوم ينسی شيئا، هو يصلي المغرب و يراح، صلاة باطلة؟ لا، السيد السيستاني يقول مو صلاته باطلة لكن اذا تذكر تجب صلاة المغرب عقوبة.

المورد الثالث الذي لايفتي به السيد السيستاني و انما يحتاط هو هذا الموضع، كون البقاء علی الجنابة متعمدا مو موجبا لوجوب قضاء الصوم وجوبا عقوبتيا و كذا وجوب الكفارة عليه لا من باب انه ابطل صومه.

مناسب نتامل في الروايات هل هناك نكتة لاجل هذه النكتة استفاد السيد السيستاني هذا المطلب من الروايات ام لا.

بيان المصاديق الاربعة للبقاء علی الجنابة

المطلب الثاني الذي ينبغي ان نلحظه هو ان المراد من البقاء علی الجنابة ماذا؟ التعمد بالموضوع أو التعمد بالموضوع و الحكم؟ لان هناك صور: الصورة الواضحة ان يعلم بانه جنب شرعا و يعلم بان البقاء علی الجنابة لايجوز في الليل و لكن يتسامح و يبقی علی الجنابة مع علمه بالجنابة و بعدم جواز البقاء علی الجنابة في شهر رمضان الی طلوع الفجر. هذا ابرز مصاديق البقاء علی الجنابة.

المصداق الثاني الذي لابد ان يبحث فيه ما اذا كان عالما بذات الموضوع لا بانه جنابة. يعلم بانه جامع اهله من دون انزال لكنه لايعلم انه سبب للجنابة. هل المراد من البقاء علی الجنابة عمدا ما يشمل هذا الفرض؟ أي جامع اهله و لم‌يغتسل، أو لا لابد ان يعلم بكونه جنبا. هذا مما ينبغي البحث عنه.

المورد الثالث ان يعلم بانه جنب و لكنه جاهل بالحكم إما مطلقا أو في الجملة كمن لم‌يجد الماء و كان جاهلا بان من لم‌يجد الماء أو كان الوقت ضيقا يجب عليه التيمم، كان جاهلا بانه يجب عليه التيمم، هذا هل هو مصداق للبقاء علی الجنابة عمدا؟ لانه متعمد الی الموضوع و انما هو ليس متعمدا بلحاظ الحكم، هل البقاء علی الجنابة عمدا يشمل هذا الفرض؟

المورد الرابع هو ان يغتسل غسلا فاسدا و اعتقاده ان هذا الغسل صحيح و لو لاجل جهله التقصيري، هل يصدق عليه البقاء علی الجنابة عمدا؟

هذا المورد الاخير لعله من الواضح و هو المفتی‌به هو انه ليس من البقاء علی الجنابة عمدا و لاجل ذلك كثير من الناس غسلهم مو صحيح يقولون لهم اعيدوا صلاتكم اما صومكم لايحتاج الی الاعادة، لانكم كنتم تعتقدون و لو لاجل الجهل التقصيري ان غسلكم صحيح.

و تفصيل الكلام في هذه الموارد ان‌شاءالله يأتي في آخر هذا البحث. فهنا ينبغي التعرض لهذه الروايات التي صارت منشئا للنزاع.

الروايات الدالة علی عدم المفطرية للبقاء علی الجنابة

انا اقرأ خلافا للاعلام الروايات الدالة علی عدم بطلان الصوم بالبقاء علی الجنابة و اما الروايات التي دلت علی مفطريته فهي روايات كثيرة و نتعرض اليها لكن المهم ملاحظة هذه الروايات المعارضة.

الرواية الاولی: صحيحة حبيب الخثعمي، وثّقه النجاشي، عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال كان رسول الله صلي الله عليه و آله يصلي صلاة الليل في شهر رمضان ثم يجنب ثم يؤخر الغسل متعمدا حتی يطلع الفجر. "كان" ظاهره انه مو فالواحد أو موردين.

الرواية الثانية: رواية اسماعيل بن عيسی، وسائل‌الشيعة الجزء 10 صفحة 59، سعد بن اسماعيل عن ابيه اسماعيل بن عيسی قال سألت الرضا عليه السلام عن رجل اصابته جنابة في شهر رمضان فنام حتی يصبح أيّ شيء عليه قال لايضره فان ابي عليه السلام قال قالت عائشة ان رسول الله صلي الله عليه و آله اصبح جنبا من جماع غير احتلام لايفطر، يعني ليس هذا مبطلا لصومه، و لايبالي.

هذه الرواية ضعيفة سندا.

الرواية الثالثة: رواية حماد بن عثمان في المقنع، هذه الرواية ليست مروية في الكتب الاربعة و انما رويت في كتاب المقنع و لاجل ذلك يقولون الشيخ الصدوق يفتي بمضمون هذه الرواية و ينكر مفطرية البقاء علی الجنابة عن حماد بن عثمان انه سأل اباعبدالله عليه السلام عن رجل اجنب في شهر رمضان من اول الليل و أخر الغسل حتی يطلع الفجر فقال عليه السلام كان رسول الله صلي الله عليه و آله يجامع نساءه من اول الليل ثم يؤخر الغسل حتی يطلع الفجر و لااقول كما تقول هؤلاء الاقشاب (الاقشاب جمع قشِب اي من لا خير فيه من الرجال) يقضي يوما مكانه. يعني يقولون يقضي يوما مكانه هم جماعة ما كل شيء يفتهمون، الرواية هكذا.

هذه الرواية مرسلة و ان كان مرسلة الصدوق لكن لا عبرة بها. و المشكل الثاني ان النبي ما كان يصلي صلاة الليل؟ صلاة‌ الليل واجبة علی النبي، من مختصات النبي، يقول كان رسول الله يجامع نساءه من اول الليل ثم يؤخر الغسل حتی يطلع الفجر. الا ان يجاب عن هذا الاشكال بانه يجوز خصوصا للشيخ الكبير ان يصلي صلاة الليل في اول الليل، لانه كان يصلي صلاة العشاء، ما كان يعوف صلاة العشاء، يصلي صلاة العشاء ثم يصلي صلاة‌ الليل و لو في بعض الاحيان، هذا ما ينافي انه يصلي صلاة الليل. هكذا يجاب عن الشبهة.

و لكن يقال مع غمض العين عن ذلك: هل كان النبي يستمر علی هذا الفعل المرجوح؟ البقاء علی الجنابة مو مرجوح؟ مرجوح،‌ مكروه، فكيف يستمر النبي علی هذا العمل المكروه. هذا ايضا يجاب عنه بانه لماذا كان مكروها؟ العامة يقولون اصلا البقاء علی الجنابة متعمدا ابدا مو مهم، مثل البقاء علی الحدث الاصغر. هكذا يجاب عن هذه الشبهات و يستدل بهذه الرواية مع غمض العين عن سندها علی ان البقاء علی الجنابة ليس مفطرا للصوم حتی في شهر رمضان.

الاعلام لم‌يستطيعوا ان يجيبوا بشيء من جهة الدلالة أو السند في صحيحة حبيب الخثعمي، لكن هنا ناقشوا في السند بانه مرسل، و ناقشوا في المتن قالوا لعل الاستفهام استنكاري. اقرأ الرواية حسب هذه الرؤية الجديدة علی قول بعضهم!! رجل اجنب في شهر رمضان من اول الليل و اخّر الغسل حتی يطلع الفجر،‌ هكذا يسأل الحماد الصادق عليه السلام، فيقول الامام استنكارا للعامة: كان رسول الله يجامع نساءه من اول الليل ثم يؤخر الغسل حتی يطلع الفجر؟! لااقول كما يقول هؤلاء الاقشاب، أي لااقول كذلك كما يقول هؤلاء الاقشاب. ثم ذكر جوابه فقال يقضي يوما مكانه يعني كل ما سبق علی قوله يقضي يوما مكانه، استفهام استنكاري لانه كان من قول العامة و رواياتهم عن عائشة ان النبي كان يبقی علی الجنابة متعمدا في شهر رمضان،‌ هذه رواية عائشة و العامة افتوا بها، مِن سأل حماد الامام عليه السلام عن رجل اجنب في شهر رمضان من اول الليل و اخّر الغسل حتی يطلع الفجر كان الامام ابدء غضبه و تأذيه من فتوی العامة فقال كان رسول الله يجامع نساءه من اول الليل ثم يؤخر الغسل حتی يطلع الفجر؟! و لااقول كما يقول هؤلاء الاقشاب يعني لااقول كما يقول هؤلاء الاقشاب. ثم قال يقضي يوما يعني الصحيح انه يقضي هذا الصوم.

انصافا هذا التأويل خلاف الظاهر جدا. لماذا يقول و لااقول؟ اذا كان مقصوده لااقول هذا الكلام الذي ذكرته لابد ان يكون هكذا: كان رسول الله يجامع نساءه من اول الليل ثم يؤخر الغسل حتی يطلع الفجر لااقول بذلك، هكذا يناسب لا ان يقول و لااقول كما تقول هؤلاء الاقشاب يقضي يوما مكانه.

الرواية الاخيرة التي اقرأها هذه الليلة: صحيحة العيص، الوسائل الجزء 10 صفحة 58، قال سألت اباعبدالله عليه السلام عن رجل اجنب في شهر رمضان في اول الليل فأخّر الغسل حتی طلع الفجر فقال يتم صومه و لا قضاء عليه.

يقال بانه مطلق، فأخّر الغسل حتی طلع الفجر و لو كان متعمدا يقول الامام يتم صومه و لا قضاء عليه.

تاملوا في هذه الروايات هل هناك جواب خاص عنها أو اننا نرجع الی الضابط المهم و هو انه اذا كان هناك روايات قطعية الصدور اجمالا و قطعية الدلالة‌ و قطعية الجهة لانها مخالفة للعامة،‌ فلايبقی شك فيها. الروايات الدالة‌ علی مفطرية البقاء علی الجنابة‌ و التي لم‌نقرأها في هذه الليلة و سنتعرض اليها في الليالي القادمة ان‌شاءالله روايات كثيرة جدا و واضحة الدلالة‌ علی بطلان الصوم، علی لزوم الكفارة و وجوب القضاء، و لو بالتوجيه الذي ذكره السيد السيستاني من انه قضاء عقوبة،‌ فالروايات تامة سندا بل قطعية الصدور اجمالا كما انه قطعية الدلالة‌ و في نفس الوقت مخالفة للعامة،‌ فهل يبقی مجال للتشكيك فيها؟ و لو لم‌نستطع ان نحل مشكلة هذه الروايات المخالفة‌ لها.

تاملوا فيها الی الليلة‌القادمة ان‌شاءالله تعالی.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo