< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

44/10/29

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المفطر السابع: الارتماس في الماء

تتمة المسألة 35: ذي الرأسين

كان الكلام حول انسان له رأسان حيث قالوا بانه لايجوز له رمس رأسه الاصلي في الماء في حال الصوم، و اذا لم‌يتميز الرأس الاصلي من غير الاصلي فيحصل علم اجمالي بحرمة رمس احدهما فيجب الاحتياط. و لكن قالوا بانه لاتجب عليه الكفارة الا اذا رمس كليهما و لو في يومين. بل صاحب العروة يقول لايجب عليه القضاء الا اذا رمس كليهما.

فهنا وُجّه اشكال فقيل يوجد علم اجمالي بانه إما يجب عليه القضاء و الكفارة حينما رمس رأسه الاول في الماء أو يجب عليه الاجتناب عن رمس رأسه الثاني في الماء في هذا اليوم أو في يوم آخر. فهذا العلم الاجمالي يقال بانه منجز.

ذكرنا ثلاثة وجوه لسلامة الاصل النافي لوجوب القضاء و الكفارة عن المعارضة. طبعا اضافة الاصل النافي لوجوب القضاء الی الاصل النافي لوجوب الكفارة مبني علی غير مسلك السيد الخوئي الذي قال بانه لو ارتكب احدهما علم ببطلان صومه و وجب عليه القضاء جزما و لكن لاتجب عليه الكفارة. نحن نمشي علی وفق مسلك صاحب العروة كما اخترناه من انه لايعلم ببطلان صومه اذا رمس احد رأسين في الماء بناءا علی ان رمس احد الرأسين و هو الرأس الاصلي مبطل للصوم.

الوجه الاول ما يقال كما عليه السيد الخوئي من ان العلم الاجمالي بوجوب الكفارة مثلا لاجل رمس رأسه الاول أو وجوب الاجتناب عن رمس رأسه الثاني ليس منجزا لان احد طرفيه و هو وجوب الاجتناب عن رمس الرأس الثاني قد تنجز بعلم اجمالي سابق و كل علم اجمالي تنجز احد طرفيه بمنجز تفصيلي أو منجز اجمالي سابق فهذا العلم الاجمالي الجديد لايكون منجزا، كما نقّحوه في الاصول.

نحن اشكلنا عليه قلنا بان هذا المبنی غير تام عندنا فاننا نری ان العلم الاجمالي المتاخر منجز في عرض منجزية العلم الاجمالي بقاءا، كما ذكر في البحوث و شيّدنا اركانه في ابحاثنا الاصولية. و اشكلنا عليه باشكال بنائي فقلنا بانه بالنسبة الی الايام اللاحقة حينما علم بحياته فحينئذ يحصل له علم اجمالي منجز بوجوب الاجتناب عن رمس احد الرأسين فحينئذ يكون العلم الاجمالي بوجوب القضاء لانه رمس رأسه الاول قبل ايام في الماء، و وجوب الاجتناب عن رمس رأسه الثاني في اليوم المتاخر يكون صالحا للتنجيز و لم‌يتنجز احد طرفيه بعلم اجمالي سابق.

الوجه الثاني لدعوی سلامة الاصل النافي لوجوب القضاء و الكفارة‌ عن المعارضة ما ذكره السيد الزنجاني. قال: نحن نؤسّس قاعدة اصولية و هي انه في كل مورد تشكل فيه علم اجمالي بعدم شمول الدليل لكلی الطرفين فاذا لم‌نحتمل ايّة مزية لجريان الاصل أو لثبوت الحكم الذي دل عليه الدليل بالنسبة الی احد الطرفين و لكن احتملنا وجود مزية لجعل الحكم أو الاصل في الطرف الآخر فيكون شمول الدليل لذلك الطرف الآخر بلامعارض لانحلال العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي بعدم جعل الاصل أو جعل الحكم في الطرف الاول.

و مثّل لذلك بما اذا باع الاصيل داره من زيد و باع وكيله في نفس الوقت داره من عمرو، يقول لايحتمل ان الشارع يجيء و يقول بيع الوكيل نافذ لكن بيع الموكل مو نافذ، يا ابه! ذاك اصيل هذا فرع، لايحتمل زيادة الفرع علی الاصل، و لكن يحتمل عرفا ان الشارع يقول بيع الموكل نافذ دون الوكيل،‌ فنحن نتمسك باحل الله البيع لتنفيذ بيع الموكل.

و هكذا في ملاقي بعض الاطراف قال اذا لم‌يكن هناك مزية‌ محتملة في عدل الملاقی، علمنا بان احد المائين نجس ثم وضعنا يدنا في احدهما، لانحتمل مزية للماء الآخر بان الشارع يركّز عليه يقول جعلت فيه اصالة الطهارة غصبا علی هذا الماء الملاقی ليديك و غصبا علی يدك، هذا مو محتمل، و لكن يحتمل الشارع يجعل اصل الطهارة لهذا الملاقي فنتمسك باصل الطهارة‌ فيه بلامعارض.

هذا الكلام قد يتجه علی بعض المباني و لكن اشكلنا عليه فقلنا بان المهم انصراف دليل الاصل عن اطراف العلم الاجمالي، كما ان دليل نفوذ البيع منصرف عن بيعين متضادين في آن واحد. اصلا دليل نفوذ البيع لاينعقد ظهوره لتصحيح هذين البيعين المتضادين. لو كان هناك مخصص منفصل مجمل امكن ان نقبل ما يدعيه السيد الزنجاني، فاما في المقيد اللبي المتصل كارتكاز المناقضة و نحوه اصلا لاينعقد ظهور في دليل الاصل أو دليل نفوذ البيع مثلا بالنسبة الی هذا المورد.

و نحن حينما وجّهنا هذا الاشكال علی السيد الزنجاني قال انا انما قلت ذلك علی مبنی القوم. مو مهم، هذا صار جدلا، فانتم علی مبناكم اشلون؟ علی مبناكم ينصرف كما هو الصحيح. دليل نفوذ البيع منصرف عن اطراف العلم الاجمالي، فاذا كان منصرفا فمشكلته عدم انعقاد الظهور لا التعارض بين الظهورين حتی نقول باننا لانحتمل بالنسبة‌ الی الطرف الآخر وجود مزية لجعل اصل الطهارة فيه أو لتنفيذ البيع فيه كما في مثال بيع الوكيل.

الوجه الثالث ما يقال اصلا بالنسبة الی مفطرية رمس اي من هذين الرأسين لايوجد اصل شرعي نافي. لماذا؟ لانه يقال الاصل ان كان هو البراءة فيستشكل في جريان البراءة في الشبهة المصداقية للنهي عن صرف الوجود. فاذا قال المولی اشرب ماءا ليس بمالح، فالنهي الضمني تعلق بكون الماء مالحا فانت حينما تشك في انه هذا الماء مالحا لاتشك في الامتثال. طبعا هذا الاشكال مبني علی مبنی السيد البروجردي و السيد الخميني من ان النهي عن صرف الوجود لاينحل الی النهي عن افراده.

و نحن حاولنا ان نجيب عن هذا الاشكال بقبول الانحلال حتی في النهي عن صرف الوجود. يعني حينما في حال الصوم يقول الشارع لاترتمس في الماء فصرف وجود الارتماس في الماء مبطل للصوم لكن يتعلق نهي ضمني بالارتماس في هذا الماء و الارتماس في ذلك الماء و الارتماس في ذلك الماء و هكذا. فنجري البراءة عن النهي الضمني في حال الصوم بالارتماس في هذا المايع المشكوك ماءا كما في النهي عن رمس الرأس في الماء تعلق النهي بالنسبة الی رمس اي الرأسين الاصلين في الماء. فاذا كان هذا هو رأسه الاصلي فنُهي عن رمسه و اذا كان الثاني رأسه الاصلي فنهي عن رمسه.

هذا اولا و ثانيا: في هذا المثال قد تجري البراءة و ان لم‌تجري البراءة في مثل الشبهة المصداقية للماء، لاننا فرضنا ان لكل انسان رأس واحد و الا لو قبلتم اشكالنا في بداية‌ البحث من ان هذا الانسان الذي له رأسان، فرضا، فرضا غير معقول، كما بيناه، فقلنا بان اطلاق لاترتمس رأسك في الماء يشمل كلي الرأسين، انتم لم‌تقبلوا منا ذلك قلتم لا، لكل انسان رأس اصلي، فهذا الذي له رأسان احد الرأسين اصلي و الآخر ليس اصليا اي ليس رأسه فهنا تعلق النهي بنحو الانحلال بالنسبة‌ الی كل مكلف، هذا المكلف نهي عن رمس رأسه في الماء و لو رأس واحد. فلايدری ان النهي عن رمس رأسه تعلق بهذا الرأس أو بذاك الرأس.

فهذا شبهة مصداقية‌ انا ما اقول ليس شبهة مصداقية لكن ليس بنحو الشبهة المصداقية في موارد الحكم الانحلالي. مثلا لو علمنا بان ذاك الموجود في الحوض ماءا فنُهينا عن رمس الرأس في ذلك الماء، و شككنا في كون هذا المايع الموجود في حوض ثان ماء ام لا فقد يقال بانه لاينحل النهي عن رمس الماء الی هذين المائين، مي خالف، و تدعون انه يجب الاحتياط، اما هنا ليس لكل انسان الا رأس واحد و وجد له شبهة مصداقية ان هذا رأسه أو ذاك، فلاندري هل تعلق النهي عن رمس الرأس بهذا الرأس أو بذاك الرأس فهنا لا مانع في حد ذاته من جريان البراءة. نعم شبهة مصداقية و لكن لايرد عليه اشكال وجّه الی سائر موارد النهي عن صرف الوجود كما في لباس المشكوك أو في النهي عن الارتماس في الماء و شك في ان هذا ماء ام لا، لان هناك خطاب واحد وجّه الی هذا المكلف لاترمس في الماء، و يشك في امتثاله اما هنا لاندري هل وجّه اليه خطاب لاترمس هذا الرأس في الماء‌ لانه رأسك الاصلي أو لاترمس ذاك الرأس في الماء لانه هو رأسك الاصلي ففي حد ذاته لامانع من جريان البراءة‌ لولا المعارضة.

فاذن هذا البيان الوجه الثالث كان موقوفا علی عدم جريان البراءة في حد ذاتها بالنسبة الی رمس الرأس في الماء لكن قلنا بان هذه البراءة جارية.

و لو فرضنا ان البراءة‌ لاتجري كما قد يظهر من بعض كلمات السيد البروجردي في بحث اللباس المشكوك، مي خالف،‌ نقول ما هو المانع من التمسك بالاستصحاب؟ و لانقصد استصحاب عدم كون هذا رأسه حتی يقال بانه استصحاب في العدم الازلي، بل استصحاب انه لم‌يرمس رأسه في الماء، فان المنهي‌عنه رمس الرأس في الماء و هذا ليس من العدم الازلي، نستصحب انه لم‌يرمس رأسه في الماء قبل ان يرمس هذا الرأس في الماء و الان كما كان.

فلم يتم هذا الوجه الثالث و بذلك نقول البراءة عن وجوب القضاء و الكفارة تتعارض مع البراءة عن مفطرية رمس الرأس الثاني في الماء في هذا اليوم أو في يوم آخر فيجب الاحتياط بدفع الكفارة و القضاء حتی لو رمس احد رأسيه في الماء.

المسألة 36: اذا كان مايعان يعلم بكون احدهما ماءا

المسألة 36: اذا كان مايعان يعلم بكون احدهما ماءا يجب الاجتناب عنهما.

للعلم الاجمالي. طبعا هذا مبني علی عدم مفطرية الارتماس في مطلق المايع و الا لو قلنا بمفطرية الارتماس في كل مايع لايأتي هذا البحث. اذا قلنا بان الممنوع هو الارتماس في الماء و نعلم ان احد المايعين ماء يجب الاجتناب عنهما.

لماذا يجب الاجتناب عنهما؟ للعلم الاجمالي بان احدهما ماء فإما الرمس في هذا الماء مفطر أو الرمس في المايع الثاني مفطر فيجب الاحتياط. لو كانت الحالة السابقة لكليهما عدم الاطلاق [و كونهما ماءا مضافا] فيتعارض الاستصحابان استصحاب ان هذا ليس بماء فيجوز الرمس فيه استصحاب ان الثاني ليس بماء فيجوز الرمس فيه، يتعارضان. اذا كانت الحالة السابقة لاحدهما عدم كونه ماءا، و الحالة السابقة للآخر كونهما عنه فينحل العلم الاجمالي؛ لايجوز رمس الرأس في الثاني لاستصحاب كونه ماءا و يجوز رمس الرأس في الاول لكونه يستصحب عدم كونه ماءا. و اذا لم‌يعلم الحالة السابقة لاي منهما فالسيد الخوئي يقول يتعارض الاستصحاب عدم كونه ماءا مع استصحاب عدم كون المايع الآخر ماءا بنحو عدم الازلي، و من لايری الاستصحاب في العدم الازلي فيتمسك بالبراءة و تتعارض البراءة عن مفطرية الارتماس في هذا المايع الاول مع البراءة عن مفطرية لرمس الرأس في المايع الثاني و بعد تعارض البرائتين يجب الاحتياط.

فهنا يقول السيد الخوئي لو رمس رأسه في احدهما بطل صومه جزما لانه لم‌يجتنب عن رمس الرأس في الماء. و لايقاس بالشبهة البدوية لانه في الشبهة البدوية لو اتفق ان رمس رأسه في الماء كان معذورا فلم‌يكن رمس رأسه في الماء بلاعذر لكن هنا بعد العلم الاجمالي لو كان هذا المايع الاول ماءا كان رمس رأسه فيه بلاعذر فلو رمس رأسه فيه و لم‌يكن ماءا بطل صومه لانه لم‌يجتنب عن رمس الرأس في الماء بلاعذر بل حظه ذلك، اتفق انه لم‌يرتمس في الماء بلاعذر و لكنه لم‌يجتنب عنه لانه لو صادف كونه ماءا فقد رمس رأسه في الماء بلاعذر. و لاجل ذلك يقول السيد الخوئي صومه باطل جزما و لكن لايجب عليه الكفارة لعدم علمه بانه رمس رأسه في الماء. و يأتي فيه ما تكلمنا عنه حول مسألة ذي الرأسين من تشكل علم اجمالي و ما كان مرتبطا بذلك.

المسألة 36: لايبطل الصوم بالارتماس السهوي و غير الاختياري

المسألة 36: لايبطل الصوم بالارتماس سهوا أو قهرا أو السقوط في الماء من غير اختيار.

واضح لانه لايصدق انه رمس رأسه في الماء، بل وقع في الماء و الوقوع في الماء ليس مفطرا، المفطر هو رمس انسان الصائم رأسه في الماء. و اما لو كان سهوا و ان كان يقال انه رمس رأسه في الماء و لكنه ورد في الروايات ان من ارتكبه الصائم عن سهو من اكل أو شرب فهو رزق رزقه الله و لا شيء عليه.

المسألة 38: اذا القی‌ نفسه من شاهق في الماء بتخيل عدم الرمس

المسألة 37: اذا القی‌ نفسه من شاهق في الماء بتخيل عدم الرمس،‌ تخيل ان رأسه لايدخل في الماء، ما يحتاج [الی هذا المثال]، الانسان يدخل في المسبح بتخيل ان رأسه لايرتمس في الماء و لكن حصل، صاحب العروة يقول لم‌يبطل صومه.

السيد البروجردي يقول لايخلو من اشكال لانه لم‌يجتنب عن رمس الرأس في الماء، لماذا فعلت ما تخاف من حصول الرمس في الماء؟ غير انه كان يجب عليك ان تجتنب عن الارتماس في الماء؟ انت لم‌تجتنب. اذا كنت واثقا بانه لايحصل الرمس في الماء مي خالف اما ما دمت تخاف و تحتمل ان رأسك يدخل في الماء فانت لم‌تجتنب عن الارتماس في الماء،‌ ارتمست في الماء بلاعلم.

جواب سؤال: صاحب العروة يقول بتخيل عدم الرمس، قد يكون التخيل صادقا،‌ يعني يقول ان‌شاءالله لايدخل رأسي في الماء، في هذا الفرض السيد الخوئي يقول صومه صحيح لان دخول رمسه في الماء كان عن عذر بمقتضی الاستصحاب الاستقبالي لايتحقق منه الرمس في الماء.

اما السيد البروجردي يقول اذا لم‌يكن واثقا احتمل ان رأسه سوف يدخل في الماء فهو رمس رأسه في الماء، و ليس ناسيا، الناسي لايبطل صومه اما هذا الشخص ليس ناسيا.

و لعل السيد البروجردي يقول لو ان الام وضعت لقمة الطعام في فمها بين اسنانها حتی تعطيها للطفل الصغير مالته و لكن اتفاقا دخلت لقمة الطعام في حلقها، فعلی هذا المسلك يبطل صومها لانها لم‌تكن واثقة من عدم دخول هذه اللقمة في حلقها.

ما هو منشأ كلام السيد البروجردي؟ هل منشأه الاشكال في الاستصحاب الاستقبالي، لان جماعة من الاعلام كصاحب الجواهر و من المعاصرين الشيخ الفياض و السيد الزنجاني ما يقبلون الاستصحاب الاستقبالي، ما يقبلون ان يقول الشخص انا الان اعلم بعدم رمس رأسي في الماء و استصحاب ان سوف لايتحقق مني رمس الرأس في الماء بعد ذلك، هذا هو الاستصحاب الاستقبالي، بعضهم لايقبل ذلك.

فهل منشأ اشكال السيد البروجردي انكاره للاستصحاب الاستقبالي أو ان له منشأ آخر، فنتكلم عن ذلك في الليلة القادمة ان‌شاءالله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo