< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

44/10/17

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المفطر السابع: الارتماس في الماء

 

كان الكلام في حكم الارتماس في الماء في حال الصوم. فالبنسبة الی مفطريته احتطنا وجوبا ككثير من الاعلام المعاصرين و بالنسبة الی حرمته التكليفية فلم‌نستبعد ان يكون حراما تكليفيا في الصوم الواجب المعين كصوم شهر رمضان و يكون في غيره مكروها. و لكن هذا التفصيل لم‌يقل به احد و لاجل ذلك المناسب ان نقول الاحوط وجوبا حرمته التكليفية ايضا.

كلام السيد الحكيم حول كلمة "لايعودن" في معتبرة اسحاق بن عمار

السيد الحكيم في المستمسك التزم بكون الارتماس في الماء مكروها و بالنسبة الی رواية اسحاق بن عمار التي ورد فيها ليس عليه قضاء و لايعودن قال يقرب حمل لايعودن علی الكراهة كما يظهر باقل ملاحظه لنظائر المقام.

ما ادري ماذا قصد السيد الحكيم من هذا الكلام التي ورد فيها كلمة لايعودن بعضها في مورد الحرام كرواية علی بن جعفر: رجل يقرأ في الفريضة بسورة النجم قال يسجد بها ثم يقوم فيقرأ بفاتحةالكتاب (يعني يستأنف صلاته) و ذلك زيادة في الفريضة فلايعودن يقرأ السجدة في فريضة. هذا حرام.

و الرواية الثانية صحيحة عبدالله بن سنان قال سألته عن رجل حلق رأسه قبل ان يضحي (قبل ان يذبح في منی حلق رأسه) قال لابأس و ليس عليه شيء و لايعودن. الظاهر انه كان ناسيا، موجود في بعض الروايات رجل حلق رأسه قبل ان يضحي ظاهر مورده النسيان. قال لابأس و ليس عليه شيء، لابأس أي لايبطل حجه بذلك و ليس عليه كفارة و لايعودن، لانه حرام.

الرواية الثالثة رواية علی بن جعفر سألته عن الرجل يكون في صلاته أيطأ احدی يديه علی الاخری (يعني التكتف) قال لايصلح ذلك فان فعل لايعودن. هذا ايضا حرام،‌ التكتف حرام بعد.

نعم، في رواية محمد بن سهل عن ابيه قال سألت ابالحسن عليه السلام عن الرجل يدع غسل الجمعة قال ان كان متعمدا فالغسل احب الیّ و ان هو فعل فليستغفر الله و لايعود. نعم، غسل الجمعة مستحب، و لكن هنا حملنا لايعود علی الاستحباب المؤكد، هل هذا يعني ان كلمة لايعود ظاهرة في الكراهة؟

و رواية اخری عن علی بن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر قال سألته عن الرجل ذبح فقطع الرأس قبل ان تبرد الذبيحة كان ذلك منه خطأ أو سبقه السكين أيؤكل ذلك قال نعم و لكن لايعود. هل هذا يعني انه مكروه؟ لا، لايعود، حرام، إما حرام وضعي أو حرام تكليفي علی اختلاف في ذلك و لكن هو فعل ذلك نسيانا أو سبقه السكين الامام يقول لايعود الی ذلك، لايتكرر منه ذلك لانه حرام، إما وضعا أو تكليفا.

و آخر رواية رواية رفاعة بن موسی عن رجل لامس جارية في شهر رمضان فامذی قال ان كان حراما (يعني جارية اجنبية) فليستغفر الله استغفار من لايعود ابدا و يصوم يوما مكان يوم و ان كان من حلال فليستغفر الله و لايعود و يصوم يوما مكان يوم. يعني حرام. لامس جارية فامذی حرام و لو لاجل انه ارتكاب لما يخاف منه من الامناء، حرام، ليش تقول مكروه؟

فاذن لم‌نظفر علی ما يقرب من كون لايعودن ظاهرا في الكراهة، بل اغلب هذه الروايات كانت واردة في الحرام.

السيد الحكيم قال نحمل صحيحة محمد بن مسلم علی الكراهة الوضعية بقرينة رواية اسحاق بن عمار و لانحمل تلك الصحيحة علی الحرمة التكليفية لان اطلاقها يشمل الصوم المندوب و من البعيد جدا ان يكون الصوم المندوب محكوما بحرمة الارتماس في الماء تكليفا.

السيد الخوئي قال: اصلا لانتعقل معنی الكراهة الوضعية. الكراهة الوضعية شنو معناها؟ الحكم الوضعي إما البطلان أو الصحة، الكراهة و الحكم الوضعي لايجتمعان.

السيد الحكيم السبط، السيد سعيد الحكيم رحمة الله عليه، في كتاب مصباح المنهاج دافع عن جده فقال: ظاهر رواية اسحاق بن عمار الكراهة أو فقل نحمل اضرار الارتماس في الماء للصائم في صحيحة محمد بن مسلم علی الاضرار التكليفي و حيث انه يشمل الصوم المندوب فيكون اضرارا تكليفيا غير الزامي و هذا معنی الكراهة الوضعية. الكراهة‌ الوضعية بمعنی نقصان كمال الصوم. أما قلتم بالنسبة الی ما ورد من ان الغيبة تفطر الصائم من ان الغيبة تنقص من كمال الصوم؟ هذا هو معنی الكراهة الوضعية.

نحن نقبل كلام السيد الحكيم صاحب مصباح المنهاج في تفسير الكراهة الوضعية لكن قلنا بانه لا موجب لرفع اليد عن ظهور لايعودن في الحرمة التكليفة‌ بالنسبة الی الصوم الواجب غير المعين.

هذا تمام الكلام في هذه المسألة.

يبقی شيء انبّه عليه: السيد الزنجاني لمّا حُمل الارتماس في الماء علی الكراهة اشكل عليه فقال هناك مكروهات كثيرة اخری فلم‌َ لم‌يذكر تلك المكروهات في صحيحة محمد بن مسلم؟ و هذا يعني ان الارتماس في الماء يمتاز عن تلك المكروهات فيكون حراما.

انا موافق للسيد الزنجاني في انه لا وجه لرفع اليد عن ظهور الروايات في حرمة الارتماس في الماء بالنسبة الی الصوم الواجب المعين و ان كان هو يری انه حرام مطلقا و لو في الصوم المندوب، لكن اشكاله علی هؤلاء الاعلام غير صحيح لعل الارتماس في الماء مكروه كراهة شديدة و لايلتفت الی ذلك معظم العامة فاراد ان ينبّه عليه و هذا يكفي في امتياز الارتماس في الماء عن بقية المكروهات.

رمس الرأس

ثم ان صاحب العروة قال: و يكفي فيه رمس الرأس.

المشهور علی ان الحرام أو المفطر رمس الصائم رأسه في الماء. و لكن الشهيد في الدروس احتمل ان يكون الحرام أو المفطر رمس تمام الجسد في الماء. و المحقق النراقي في المستند يميل الی ذلك فانه قال في المستند: ان الرمس الممنوع في الروايات هو الغمس لا غمس الرأس نعم في بعض الاخبار ورد النهي عن رمس الرأس و لكن تلك الاخبار ليست ظاهرة في الحرمة.

نقرأ هذه الروايات، ما هو وجه منع المحقق النراقي عن ظهور الروايات الناهية عن رمس الرأس في حال الصوم علی الحرمة. الروايات التي ورد حول رمس الرأس في حال الصوم بلسان الفعل المضارع بخلاف ما نهی عن الارتماس في الماء ظاهر في ارتماس جميع البدن في الماء فان بعضها بلسان النهي و هو يستشكل في دلالة الفعل المضارع علی الحرمة، يقول لعله من باب كراهة الفعل. مثلا في صحيحة حريز: لايرتمس الصائم (هذا فعل نهي) و لا المحرم رأسه في الماء. صحيحة الحلبي: الصائم يستنقع في الماء و لايرمس رأسه.

و لكن جوابه واضح؛ ظاهر النفي في هذه التعابير ارادة النهي منه. الصائم يستنقع في الماء و لايرمس رأسه ظاهر في انه لايجوز له ان يرمس رأسه، هذا هو الظاهر.

فاذن هناك طائفتان من الروايات: طائفة نهت عن الارتماس في الماء و طائفة اخری نهت عن رمس الرأس في الماء. فقد يقال بان اطلاق الطائفة الثانية لابد ان يقيد بالطائفة الاولی لان الطائفة الاولی اخص من الطائفة الثانية. الصائم لايرمس رأسه في الماء مطلقا سواء رمس سائر جسده في الماء ام لا، الطائفة الاولی تقول الصائم لايرمس جسده أي تمام جسده في الماء.

و لكن انتم تدرون هذا من اوضح انحاء المغالطة. لماذا؟ لان حمل المطلق علی المقيد إما في موارد اختلاف الخطابين من حيث النفي و الاثبات أو في موارد وحدة الحكم. اذا كان الحكم واحدا ان افطرت فاعتق رقبة و ان افطرت فاعتق رقبة مؤمنة، هنا وجوب واحد فلابد ان نحمل وجوب عتق الرقبة علی وجوب عتق الرقبة المؤمنة، أو اذا كان الحكم انحلاليا و لكن كان لسان المطلق و المقيد مختلفين في النفي و الاثبات، اكرم العلماء‌ لاتكرم العالم الفاسق. هنا الحكم انحلالي، الصائم لايرمس رأسه في الماء، حكم انحلالي، الصائم لايرتمس في الماء،‌ هذا ايضا حكم انحلالي، الذي يرتمس في الماء يرمس‌ رأسه لانه اذا وجد الكل وجد الجزء معه و لكن من يرمس رأسه في الماء هذا منهي‌عنه و مطلق و حكم انحلالي، سواء رمس سائر بدنه في الماء ام لا، مثل من قال لاتكرم الفساق لاتكرم شارب الخمر.

بل العرف قد يری خصوصية في اخذ عنوان الرأس، لماذا قال لايرتمس الصائم و لا المحرم رأسه في الماء اذا لم‌يكن للرأس خصوصية لماذا لم‌يقل لايرتمس الصائم و لا المحرم في الماء؟ لماذا اخذ عنوان الرأس؟ هذا يقال بانه يكشف عن خصوصية.

لكن انا في حين اقبل ان هنا خطابين انحلاليين متوافقين و لا موجب لحمل الخطاب المطلق و هو قوله لايرمس الصائم رأسه في الماء علی الخطاب المقيد و هو الرأس مع جميع البدن و لكن ما اقبل هذا البيان الاخير و هو ان اخذ العنوان الرأس يكشف عن خصوصية في الرأس، لا، لعله لاجل ان المتعارف انهم كانوا يدخلون في الماء بارجلهم حتی يصلون الی مكان عميق فيدخل رأسهم في الماء فاذا دخل رأسه في الماء غطّی الماء جميع جسدهم. فلعل النهي عن رمس الصائم رأسه في الماء ناظر الی هذا المتعارف و اخذ عنوان الرأس بلحاظ انه به يكمل رمس جميع الجسد في الماء اما من يبقی خارج الماء و يدخل رأسه في الماء هذا امر غير متعارف، انا اقبل الاطلاق لكن اقول لعل نكتة اخذ عنوان الرأس هذا المطلب.

و ان كان السيد الزنجاني استشكل قال: حيث ان المتعارف ان الرأس يدخل في الماء بعد دخول سائر الجسد فالعرف قد يناقش في ظهور قوله عليه السلام لايرمس الصائم رأسه في الماء في شموله لمن رمس رأسه في الماء علی وجه غير متعارف بان ابقی جسده خارج الماء. فالعرف قد يحتمل ان الموضوع للحكم هو ما ورد في الخطاب الاول الصائم لايرتمس في الماء، فلعله هو الموضوع و ما دل علی ان الصائم لايرمس رأسه في الماء لعله لنكتة ان رمس الرأس في الماء في المتعارف هو ما يكمل به رمس الجسد في الماء فان المتعارف انهم يدخلون في الماء بارجلهم و آخر جزء يدخل في الماء هو رؤوس الناس و لاجل ذلك هو يستشكل في حرمة رمس الرأس فقط في الماء.

لكن هذا الاشكال لا وجه له بعد اطلاق قوله المحرم و الصائم لايرمس رأسه في الماء فانه يشمل كما لو كان الماء لم‌يكن له عمق، غير متعمق، فهو يريد ان يغسل رأسه و وجهه فيدخل رأسه في الماء، و بعض جسده خارج عن الماء، هذا متعارف، في الغسل الترتيبي ترون انسان حينما يدخل الحوض و لم‌يكن متعمقا بحيث يغطي تمام جسده، فقد يدخل رأسه في الماء كي يغسل رأسه في الغسل الترتيبي، هذا ليس بنحو ينصرف عنه الخطاب فاذن لااشكال في ان رمس الرأس في الماء إما مفطر أو حرام و ان لم‌يرتمس سائر الجسد.

و المهم ان يكون هناك آن واحد يغطي الماء جميع الرأس اما من يرمس رأسه في الماء تدريجا بحيث لايكون هناك لحظة يغطي الماء جميع الرأس فان هذا لا اشكال فيه. كما ذكره صاحب العروة من انه لا فرق في حرمة رمس الرأس في الماء بين ان يكون دفعة أو تدريجا. بعد ذلك فسّره قال أو تدريجا علی وجه يكون تمامه تحت الماء زمانا يعني آن واحد يدخل جميع الرأس في الماء‌ و لو كان احداث الرمس تدريجا و اما لو غمسه علی التعاقب لا علی هذا الوجه يعني لايكون هناك لحظة يكون تمام الرأس تحت الماء فلابأس به و ان استغرق الماء‌ تدريجا تمام الرأس. هذا صحيح و لا اشكال فيه.

و المراد بالرأس ما فوق الرقبة. الرأس لايشمل الرقبة فلو انه ادخل رأسه في الماء و لكن رقبته خارجة عن الماء هذا إما مفطر لصومه أو حرام.

بعضهم قال: المهم ان يغمس منافذ الرأس في الماء و لو بقي ما فوق المنافذ خارج الماء لان نكتة النهي عن رمس الرأس في الماء هو ان الماء‌ يدخل من منافذ الرأس في الجوف.

نقول هذا استحسان، الحرام هو رمس الرأس في الماء، من اين تقول ان نكتة النهي عن رمس الرأس في الماء ان تمام المنافذ اذا ادخل في الماء فقد يدخل الماء في جوف الانسان، من اين ذلك؟ فلايكفي غمس خصوص المنافذ في البطلان و ان كان هو الاحوط يعني استحبابا.

و خروج الشعر لاينافي صدق الغمس. نعم لو بقي جزء من شعر الرأس فوق الماء هذا لاينافي انه رمس رأسه في الماء لان الشعر خارج عن مسمی الرأس.

و لاجل ذلك في غسل الجنابة المشهور قالوا بانه لايجب غسل شعر الرأس في غسل الجنابة بل يجب غسل الرأس و هو لايشمل الشعر و ان كان بعض الفقهاء‌ كالسيد الخميني ناقش في ذلك لكن المهم انه يصدق انه رمس رأسه في الماء و ان كان شعره فوق الماء.

بقية الكلام في الليلة‌ القادمة ان‌شاءالله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo