< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

44/10/10

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المفطر السابع: الارتماس في الماء

 

كان الكلام في مفطرية الارتماس في الماء.

مفطرية الارتماس في الماء‌ في كلام الخاصة و العامة

قلنا بان العامة متفقين علی عدم مفطريته بل علی عدم حرمته و كراهته. نعم نقل عن مالك و الحسن البصري و الشعبي و احمد بن حنبل انهم ذهبوا الی كراهته. و لكن في الخاصة جمع من الاعلام و من جملتهم في المعاصرين السيد السيستاني قالوا بكراهة الارتماس في الماء و لعل اول من قال بكراهته هو ابوالصلاح الحلبي. المشهور بين الفقهاء المتقدمين كونه مفطرا للصوم بل قال صاحب الجواهر انه المشهور شهرة عظيمة. و خالف في ذلك جمع من المتقدمين و كثير من المتاخرين. الشيخ الطوسي في التهذيب افتی بعدم مفطريته. السيد المرتضی افتی بعدم مفطريته. و لكن نسب اليه انه افتی بعدم حرمته ايضا الا ان المنقول عنه في كلام ابن ادريس انه حرام تكليفا، فما نسب اليه من انه أي السيد المرتضی يری كراهة الارتماس في الماء هذه النسبة غير صحيحة. كما انما ينسب الی صاحب السرائر من انه يری كراهة الاتمارس في الماء ايضا غير صحيح فانه صرح بانه يری ان الارتماس في الماء حرام. راجعوا السرائر الجزء 1 صفحة 385. مو مهم، نراجع الروايات.

كان هناك عدة روايات دلت علی ان الصائم لايرتمس في الماء كما دلت صحيحة محمد بن مسلم انه لايضر الصائم ما صنع اذا اجتنب ثلاث خصال الاكل و الشرب و النساء و الارتماس في الماء، ‌و كان هناك رواية لاسحاق بن عمار دلت بصراحة فيمن ارتمس في الماء متعمدا انه ليس عليه قضاء و لايعودنّ. و هذه الرواية أثارت مشكلة التعارض بين الروايات. فبين من يقول بان هذه الرواية ضعيفة سندا و دلالة كصاحب الجواهر و بين من يقول كالسيد الخوئي بانها رواية شاذة لاتصلح ان تعارض الروايات القطعية الصدور اجمالا. فان السيد الخوئي يری انه كلما تعارض خبر ظني الصدور مع خبر قطعي الصدور كان ذلك الخبر الظني خبرا مخالفا للسنة حيث يفسر السنة بالخبر القطعي الصدور، و ما خالف السنة فهو مردود. و لكن توجد جماعة استندوا الی رواية اسحاق بن عمار لاجل اثبات ان الارتماس في الماء لايبطل الصوم و لكنه حرام، و هذا هو المنسوب الی المشهور بين المتاخرين. و منهم من قال الارتماس في الماء ليس الا مكروها كما هو مختار السيد السيستاني و السيد الروحاني.

رواية اسحاق بن عمار (الارتماس في الماء ليس مفطرا) معتبرة سندا و دلالة

اما ما ذكره صاحب الجواهر من ان رواية اسحاق بن عمار ضعيفة سندا فلاوجه له. ما هو منشأ ضعف سند هذه الرواية؟ اقرأ لكم سند هذه الرواية، شوفوا! عمران بن موسی، هذا واقع في سند الرواية و نفس اسحاق بن عمار، فالمشكلة اذا كانت في السند تنحصر في هذين الشخصين إما في عمران بن موسی أو في اسحاق بن عمار الذي قال عنه الشيخ الطوسي بانه فطحي.

اما عمران بن موسی فيقال بانه مردد بين الزيتوني الاشعري الثقة و بين عمران بن موسی الخشّاب الذي لم‌يوثق. المحقق الاردبيلي صاحب جامع الروات، ‌المرحوم الشيخ محمد الاردبيلي حاول ان يقول بان هذين الرجلين شخص واحد، يعني عمران بن موسی الخشاب نفس عمران بن موسی الزيتوني. زيتونة قری من قری قم فهو زيتوني فيقال بانه كان شغله بيع الخشب فعبّر عنه بالخشاب.

هذا الذي يقول المحقق الادبيلي غير ثابت. و لكن المهم ما ذكره السيد الخوئي من انه ما عندنا شخص باسم عمران بن موسی الخشاب، فالمورد ورد في التهذيب عن عمران بن موسی الخشاب و وقع فيه تصحيف، فان الصحيح عمران بن موسی عن الحسن بن موسی الخشاب، فوقع تصحيف في التهذيب فوردت نسخة هكذا: عمران بن موسی‌ الخشاب، و الا ما عندنا عمران بن موسی الخشاب. فان ابن قولويه جاء بنفس الرواية المذكورة في التهذيب و قال: عمران بن موسی عن الحسن بن الخشاب عن محمد بن الحسين. فاذن ما عندنا الا عمران بن موسی الزيتوني، و قد نُص علی وثاقته فاذن ليس فيه اي اشكال.

اما اسحاق بن عمار اولا: الظاهر ان الشيخ الطوسي اشتبه، خلط بين اسحاق بن عمار و عمار الساباطي و الا فيقال بان اسحاق بن عمار لا دليل علی كونه فطحيا، لم‌يرد في ترجمة اخری انه كان فطحيا، اسحاق بن عمار الصيرفي من ثقات الشيعة كما اختاره السيد الزنجاني و هو الصحيح. مضافا الی انه حتی لو كان فطحيا فبنظرنا الخبر الموثق يصلح ان يعارض الخبر الصحيح. نعم السيد الزنجاني يقول الخبر الموثق لايصح ان يعارض الخبر الصحيح و لاجل ذلك لابد ان يجيب عن اشكال كون اسحاق بن عمار فطحيا و الا فاذا ثبت انه فطحي أو احتمل انه فطحي فيكون خبره خبر الموثق و لايصلح بنظر السيد الزنجاني وفاقا للشيخ الطوسي ان يعارض الخبر الصحيح و لكن نحن كالسيد الخوئي نقول الخبر الموثق كفو الخبر الصحيح و يمكن ان يعارض معه.

الفتوا نظركم الی شيء: في بعض النسخ مكتوب: ابي‌جميلة بدل عبدالله بن الجبلة، و لكن هذا خطأ، النسخة الصحيحة هو عبدالله بن الجبلة فان محمد بن الحسين هو الذي يروي عن عبدالله بن الجبلة و لايروي عن ابي‌جميلة فهذه النسخة التي تشتمل علی كلمة ابي‌جميلة مغلوطة قطعا. فاذن السند صحيح و لا كلام فيه.

و انما المهم الاشكال في دلالة‌ الرواية. يا صاحب الجواهر شنو اشكالك في دلالة‌ الرواية؟ مولانا. رجل ارتمس في الماء متعمدا قال ليس عليه قضاء و لايعودنّ. شنو اشكالكم الدلالي عليه؟ ما هو المحتمل ان يقول صاحب الجواهر بان من المحتمل انه مستبطن لاستفهام انكاري كانّه يقول ليس عليه قضاء؟ رجل ارتمس في الماء‌ متعمدا الامام يقول ليس عليه قضاء؟ انكارا لمذهب العامة. فان العامة‌ يقولون ليس عليه قضاء، كان الامام يستنكر ذلك و قال ليس عليه قضاء؟ هذا الاحتمال احتمال ابدا لايخطر ببال الانسان العرفي يعني حتی في مقام الجمع العرفي لايمكن ان نقول به. ليس عليه قضاء و لايعودن، استفهام انكاري هذا مو محتمل. فاذن كلام صاحب الجواهر من ان هذه الرواية ضعيفة سندا و دلالة مو صحيح.

النقاش في كلام السيد الخوئي من كون رواية اسحاق بن عمار شاذة

اما كلام السيد الخوئي، السيد الخوئي قال هذه الرواية‌ شاذة مخالفة للسنة القطعية. نقول: يا سيدنا! اولا: كل خبر قطعي الصدور يكون سنة قطعية؟ من اين؟ السنة اولا و بالذات كلام النبي صلی الله عليه و آله، غاية الامر ان نلغي الخصوصية عن كلامه الی كلام من معصوم آخر لايحتمل فيه التقية.

ممكن تجبيون عن هذا الاشكال من ان المقام من هذا القبيل. تلك الروايات الدالة علی ان الصائم لايرتمس أو انه لايضر بالصائم ما صنع اذا اجتنب ثلاث خصال و منها الارتماس في الماء بعد ما صارت قطعية الصدور اجمالا لايحتمل فيه التقية لانها مخالفة للعامة فلايحتمل فيه التقية. مي خالف،‌ بهذا البيان نقبل ان تلك الروايات سنة قطعية بهذا التعبير: السنة اولا و بالذات كلام النبي و لكن نلغي الخصوصية يعني لاخصوصية لكلام النبي، كلام معصوم، لكن ميزته انه لايحتمل فيه التقية فلو كان كلام امام لايحتمل فيه التقية فيكون بحكم كلام النبي و ما خالف الخطاب القطعي الصادر من معصوم لايحتمل فيه التقية فكل ما خالفه من خبر ظني فهو ملغی و مردود. مي خالف، نقبل.

لكن ننتقل الی الاشكال الثاني نقول يا سيدنا الخوئي! بين رواية اسحاق بن عمار و بين غير صحيحة محمد بن مسلم ماكو تعارض مستقر، قابل للجمع العرفي. الصائم لايرتمس في الماء، رواية اسحاق بن عمار يقول من ارتمس في الماء متعمدا ليس عليه قضاء و لايعودن. لو فرض ظهور تلك الروايات في الارشاد الی المانعية و المبطلية و ان الارتماس في الماء مبطل للصوم لكن هذا مجرد ظهور و قابل للحمل علی بيان الحكم التكليفي، ليس نصا. فليس هناك تعارض مستقر أي غير قابل للجمع العرفي بين رواية‌ اسحاق بن عمار و تلك الروايات، و انما ما يمكن أو يقال بالتعارض المستقر بين رواية اسحاق بن عمار و بينه هو خصوص صحيحة محمد بن مسلم و صحيحة محمد بن مسلم ليست قطعي الصدور. فالتعارض المستقر بين الخبرين: خبر اسحاق بن عمار و خبر محمد بن مسلم فاين القطع بالصدور؟

تطبيق مرجحية الموافقة لاطلاق الكتاب، علی المقام

نعم، ما ذكره السيد الخوئي من انه حتی لو غمضنا العين عن ذلك فنصل الی المرجحات و المرجح يكون مع صحيحة محمد بن مسلم لانها مخالفة للعامة. هذا قابل للقبول لولا ما قد يقال من ان الترجيح بموافقة الكتاب مقدم. لماذا ينكر السيد الخوئي ان ظاهر القرآن الكريم انه لايشترط في الصوم اكثر من الاجتناب عن الاكل و الشرب و الجماع؟ الصوم مفهوم عرفي، كتب عليكم الصيام، كما كتب علی الذين من قبلكم يعني كما وجب علی من قبلكم وجب عليكم، ليس بمعنی ان كيفية‌ الصوم الواجب عليكم نفس كيفية الصوم الواجب علی السابقين، لا، كيفية الصوم الواجب عليكم ككيفية الصوم الواجب علی السابقين عليكم؟ هذا ليس ظاهر الآية. وجب عليكم الصيام، هذا الوجوب عليكم ليس وجوبا حادثا بل قد وجب علی من قبلكم، و لكن متعلق الوجوب هو الصوم و الصوم مفهوم عرفي.

انا انقل لكم كلاما عن بحث الاصول، صاحب الكفاية في الاصول انكر اطلاق آيات العبادات، قال: آيات العبادات ليست في مقام البيان، مهملة. السيد الخوئي (ببالي) انكر عليه فقال: لماذا تقول بان كل تلك الآيات في مقام الاهمال؟ لا، آية كتب عليكم الصيام مطلقة. اقرأ لكم عبارة‌ السيد الخوئي. (هذا اللاب‌توب سوّوا فضيحة للاعلام!! كل ما تشوف كلام لعلم تفحص تجد معارضه في نفس كلماته!!) محاضرات في اصول الفقه الجزء 1 صفحة 214: يقول السيد الخوئي: فلو شككنا في اعتبار شيء قيدا و عدم اعتباره فلامانع من ان نرجع الی اطلاق قوله تعالی كتب عليكم الصيام، و به يثبت عدم اعتباره. يستشكل علی صاحب الكفاية لان صاحب الكفاية يقول: الآيات ليست في مقام البيان. و الجواب عنه مضافا الی انه رجم بالغيب ان الامر ليس كما ذكره فان من الآيات الكريمة ما ورد في الكتاب و هو في مقام البيان كقوله تعالی كتب عليكم الصيام كما كتب علی الذين من قبلكم فالمفهوم من كلمة الصيام عرفا كف النفس عن الاكل و الشرب، اضف اليه و الجماع، مي خالف، اما اطلاقه ينفي لزوم الاجتناب عن الارتماس في الماء.

نعم، كان بامكان السيد الخوئي ان يقول: انا اری مرجحية الموافقة لاطلاق الكتاب. هذا بحث آخر. مي خالف. و لكن المشهور (و هم علی صواب) يقولون المهم الموافقة لظهور الكتاب و هذا الظهور سواء نشأ من بيان أو نشأ من سكوت يكون ظهور الكتاب. فاذن رواية اسحاق بن عمار تكون موافقة لاطلاق الكتاب و الموافقة لاطلاق الكتاب بالنظر الصحيح موافقة لظهور الكتاب و هي المرجح الاول و المرجح الاول قبل المرجح الثاني و هو الترجيح بمخالفة‌ العامة.

انا اذكر مؤيدا لكون المخالف لاطلاق الكتاب مخالفا للكتاب عرفا، المخالف لاطلاق اي دليل مخالف له، اذا ورد في خطاب اكرم العالم، افرض في القرآن الكريم ورد اكرم العالم،‌ في الرواية ورد لاتكرم العالم،‌ العرف يقول هذا مخالف للكتاب ام لا؟ العرف ماذا يقول؟ قطعا يقول هذا مخالف للكتاب، علی رأي السيد الخوئي لا، اطلاق لاتكرم العالم مخالف لاطلاق اكرم العالم،‌ و الا فلو اريد من اكرم العالم العالم العادل و اريد من لاتكرم العالم العالم الفاسق لم‌يكن بينهما تعارض فالتعارض بين الاطلاقين، العرف يقول هذا مخالف للكتاب؟‌ فالمخالف لاطلاق الكتاب عرفا مخالفة‌ لظهور الكتاب.

تاملوا في هذه المطالب الی الليلة‌ القادمة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo