< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

44/10/09

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المفطر السابع: الارتماس في الماء

 

يقع الكلام في المفطر السابع.

يقول صاحب العروة السابع الارتماس في الماء و يكفي فيه رمس الرأس فيه و ان كان سائر البدن خارجا عنه.

بيان الاقوال في المسألة

وقع الكلام في ان هل الارتماس في الماء مبطل للصوم ام لا؟ نسب الی المشهور شهرة عظيمة انهم كانوا يقولون بمفطرية الارتماس في الماء و كونه موجبا للكفارة. و قد ادعي في كتاب الغنية الاجماع علی ذلك.

لكن انصافا لم‌يثبت كون هذا المطلب مشهورا بشهرة عظيمة، نعم مشهور و لكنه احد الاقوال في المسألة و هناك اقوال اخری. فاذن صار القول الاول قول المشهور و هو كون الارتماس في الماء مفطرا للصوم و موجبا للكفارة.

القول الثاني ما ذهب اليه بعضهم من انه و ان كان مفطرا للصوم لكنه لايوجب الكفارة.

القول الثالث ما ذهب اليه جمع آخرون من ان الارتماس في الماء حرام تكليفي علی الصائم و ليس مفطرا للصوم.

القول الرابع هو ان الارتماس في الماء ليس مفطرا للصوم و لا محرما و انما هو مكروه. و قد ذهب الی القول الاخير من المعاصرين السيد السيستاني دام ظله كما ذهب السيد الزنجاني الی القول الثالث و هو كونه محرما تكليفيا وفاقا للشيخ الطوسي في الاستبصار و جماعة آخرون سنتعرض الی اقوالهم.

منشأ الاقوال اختلاف الروايات

ما هو منشأ هذه الاقوال؟ منشأ هذه الاقوال اختلاف الروايات؛ جملة من الروايات تدل علی ان الاتمارس في الماء منهي‌عنه كصحيحة حريز عن ابي‌عبدالله عليه السلام لايرتمس الصائم أو لايرمس الصائم و لا المحرم رأسه في الماء، و صحيحة حلبي: الصائم يستنقع في الماء‌و لايرمس رأسه. هذه الروايات و ان كان يدعی ظهورها في الارشاد الی مفطرية الارتماس في الماء لكن يمكن ان تحمل و لو بقرينة منفصلة علی بيان الحكم التكليفي. و لكن هناك رواية اخری صحيحة ركّزت علی بيان الحكم الوضعي و هي صحيحة محمد بن مسلم قال سمعت اباجعفر عليه السلام يقول لايضر الصائم ما صنع اذا اجتنب ثلاث خصال الطعام و الشراب و النساء و الارتماس في الماء. الطعام و الشراب واحد، النساء ثاني، الارتماس في الماء ثالث. يعني اذا لم‌يجتنب عن الارتماس في الماء‌ فيضر بصومه.

قد تقولون ما هو الاشكال؟ افتوا بان الارتماس في الماء مفطر، فلماذا جمع من الاعلام قالوا بانه محرم تكليفا و قال جمع آخرون بكونه مكروها. نقول المشكلة نشأت من معتبرة اسحاق بن عمار قلت لابي‌عبدالله عليه السلام رجل صائم ارتمس في الماء متعمدا عليه قضاء ذلك اليوم؟ قال ليس عليه قضاءه و لايعودنّ. بصراحةٍ هذه الرواية المعتبرة‌ تقول ليس عليه قضاء ذلك الصوم يعني صومه صحيح.

سند الرواية معتبر، عمران بن موسی في هذه الرواية هو عمران بن موسی الزيتوني الاشعري القمي الثقة، و لا اشكال فيه. كيف نجمع بين هذه الرواية و الروايات السابقة؟

بعضهم كالسيد الخوئي قال ابد ما يمكن الجمع العرفي بين هذه الرواية و بين مثل صحيحة محمد بن مسلم، هي تقول لاتضر الصائم ما صنع اذا اجتنب ثلاث خصال الطعام و الشراب و النساء و الارتماس في الماء، هذه الرواية المعتبرة‌ تقول ليس عليه قضاء و لايعودن. تلك الروايات الدالة‌ علی مفطرية الارتماس في الماء سنة قطعية للعلم بصدور بعضها و لو اجمالا، هذه الرواية خبر ظني مخالف للسنة القطعية و كل ما خالف السنة فهو مردود.

هذا اولا و ثانيا: العامة قائلون بعدم مفطرية الارتماس في الماء بل لم‌يقل احد منهم بحرمته و انما قال جمع بكراهته، فهذه الرواية تكون موافقة للعامة، و تلك الروايات الدالة علی مفطرية الارتماس في الماء تكون مخالفة للعامة و ما خالف العامة ففيه الرشاد.

ان قلت: هذه الرواية مع غمض العين عن اشكال انها مخالفة للسنة القطعية، لو اخذنا بمرجحية مخالفة العامة، هذه الرواية و ان كانت موافقة للعامة لكنها في نفس الوقت موافقة لاطلاق الكتاب. كتب عليكم الصيام و نُهينا عن الاكل و الشرب و الجماع، اطلاق الكتاب يقتضي ان لايكون الارتماس في الماء مفطرا. و مرجحية موافقة الكتاب تقدم علی مرجحية مخالفة‌ العامة.

السيد الخوئي اجاب عن هذا الاشكال، قال: اصلا لايوجد في الآية حكم من احكام الصوم الا الشيء اليسير كالاجتناب عن الاكل و الشرب و الجماع،‌ يعني لايوجد ما يوافق الكتاب أو ما يخالفه. الكتاب ساكت، مهمل بالنسبة الی ان الارتماس في الماء مفطر أو ليس بمفطر.

و يا ليت السيد الخوئي كان يبطّق مبناه الاصولي من انه حتی لو كان قوله تعالی كتب عليكم الصيام في مقام البيان فهو مطلق و موافقة اطلاق الكتاب ليست من المرجحات عند السيد الخوئي.

هذا رأي السيد الخوئي. و اما جمع من الاعلام قالوا مقتضی الجمع العرفي ان نحمل الروايات السابقة إما علی بيان حكم تكليفي: الصائم لايرمس رأسه في الماء، أو نحمل مثل صحيحة محمد بن مسلم التي تقول لايضر الصائم ما صنع اذا اجتنب ثلاث خصال علی ان الارتماس في الماء مخل بكمال الصوم،‌ مضر بكمال الصوم. فالارتماس مخل بكمال الصوم و محرم. هذا ما ذهب اليه جمع من الاعلام، ذكرت لكم من المعاصرين السيد الزنجاني و من غير المعاصرين مثلا السيد الاصفهاني و السيد الخوانساري علقا علی العروة قالا مبطلية الارتماس في الماء محل نظر و ان حرم فعله علی الصائم. لماذا استفادوا حرمته؟ لقوله عليه السلام و لايعودنّ. بل قوله عليه السلام ليس عليه قضاء، الجمع العرفي بينه و بين ما دل علی ان المحرم لايرمس رأسه في الماء يقتضي ان نحمل ذلك النهي علی النهي التكليفي لا علی النهي الكراهتي.

اما منشأ القول الاخير الذي اختاره جمع من الاعلام كالسيد السيستاني و السيد الروحاني من ان الارتماس في الماء مكروه، هو ما يقال من ان التعبير بانه ليس عليه قضاء و لا يعودن ظاهر في الكراهة، و لايعودن بيان عرفي للاهتمام بترك المكروه. و هذا ما ذكره السيد الروحاني.

و يذكر وجه آخر للحمل علی الكراهة و هو انه بعد ما كان ظاهر صحيحة محمد بن مسلم ان الارتماس في الماء مضر بالصوم لا انه مجرد حرام تكليفي، و بقرينة معتبرة اسحاق بن عمار قلنا لا ليس مبطلا للصوم فيتعين حمل صحيحة محمد بن مسلم علی انه مضر بكمال الصوم، هذا يعني انه مكروه،‌ ما يضر بكمال الصوم يكون مكروها.

هذا مضافا الی انه قد يقال بان الصوم قد يكون صوما مندوبا لا صوما واجبا. فمن البعيد جدا ان نلتزم بان هذا الصائم الذي يمكنه ان يبطل صومه لكنه يحرم عليه الارتماس في الماء. هذا الرجل هكذا يقول الصوم مندوب ما يحرم علیّ ان امارس بهذه الاشياء من اكل أو شرب أو كذا و لكن يحرم علیّ الارتماس في الماء، تقولون حرام تكليفي علی الصائم يعني هكذا؟ و هذا بعيد. و اما نقول بانه حرام تكليفي في حق الصائم صوما واجبا، هذا تقييد بلاوجه. و لاجل ذلك اختار جمع من الاعلام ان الارتماس في الماء علی الصائم مكروه.

جواب سؤال: نحن ذكرنا ملخصا لوجه القول بكراهة الارتماس في الماء و سنتكلم حول ذلك في الليالي القادمة ان‌شاءالله فقلنا بان منشأ القول بالكراهة إما انه يقال التعبير بلايعودن متناسب مع الحكم الكراهتي، هكذا ادعي في كلام السيد الروحاني أو يقال بان صحيحة محمد بن مسلم بيّنت الحكم الوضعي و هو ان الارتماس في الماء مضر بالصوم بقرينة‌ معتبرة‌ اسحاق بن عمار قلنا بانه لايضر بالصوم اضرارا تاما بان يبطله، فنحمل ذلك علی انه يضر بالصوم اضرارا ناقصا فيرفع كمال الصوم و ما يرفع كمال الصوم يكون مكروها لا حراما. مضافا الی ما يقال من انه لو قبل بحرمة الارتماس في الماء تكليفا فهل يلتزم بهذه الحرمة التكليفية في الصوم المندوب؟ بعيد جدا. صوم مندوب، يا ابه! قبل الغروب بدقائق انا يمكنني ان ابطل صومي باكل أو شرب أو مس نساء و لكن تقولون الارتماس في الماء حرام تكليفا؟! هذا بعيد جدا. و دعوی اختصاص حرمة الارتماس في الماء‌ تكليفيا بالصوم الواجب لا قرينة‌ و لا شاهد عليه. فيقال بان هذه الامور توجب ان نحمل النهي عن الارتماس في الماء علی النهي الكراهتي.

هذا مختصر ما يقال في المقام. تاملوا في هذه المطالب الی الليلة القادمة ان‌شاءالله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo