< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

44/08/19

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المفطر السادس: ايصال الغبار

 

القول الاول: وجوب القضاء و الكفارة اذا كان عمديا

كان الكلام في المفطر السادس و هو ايصال الغبار الی الحلق ففي المسألة عدة اقوال:

القول الاول كون ايصال الغبار موجبا لبطلان الصوم اذا كان عمديا علی نحو سائر المفطرات فيبطل الصوم و يجب القضاء و الكفارة. و هذا ما ذهب اليه جماعة‌ منهم صاحب الوسائل بل ادعی في الغنية الاجماع علی ذلك، و نسبه في التذكرة‌ الی علماءنا.

النقاش في اعتبار الاجماع المدعی صغرويا و کبرويا

و لكن دعوی الاجماع هنا بعيدة جدا،‌ فان ثبت شيء فانما تثبت الشهرة علی ذلك. و لكن الشهرة لاتكون في الكتب التي كانت تتضمن بيان الفروع الاصلية (التي كان السيد البروجردي يسميها بالكتب المشتملة علی الاصول المتلقاة عن المعصومين عليهم السلام) و انما وجدنا فتوی بمفطرية ايصال الغبار في الكتب التفصيلية المشتملة علی الفروع التفصيلية كالمبسوط للشيخ الطوسي. و لاجل ذلك الشيخ الصدوق لم‌يذكر في الهداية و المقنع و الفقيه مفطرية ايصال الغبار الغليظ الی الحلق. كما ان السيد المرتضی لم‌يذكر في كتاب الناصريات و لا الشيخ الطوسي في كتاب النهاية.

نعم وجدنا في المقنعة‌ ان الشيخ المفيد قال و يجتنب الصائم الرائحة الغليظة و الغبرة التي تصل الی الحلق فان ذلك نقض في الصيام أو نقص في الصيام. و في عبارة اخری له يقول و لو كان في مكان فيه غبرة‌ كثيرة أو رائحة غليظة فدخل حلقه من ذلك شيء لم‌يكن عليه قضاء و ان تعمد الكون في ذلك المكان و له غنی عن الكون فيه فدخل حلقه من ذلك شيء وجب عليه القضاء. انت غني عن الكون في ذلك المكان الذي اثير فيه الغبار فتتعمد البقاء في هذا المكان و انت غني عنه هنا لو دخل في حلقك الغبار يجب عليك القضاء اما اذا كنت في مكان و فيه غبار كثير فدخل في حلقك شيء من ذلك لم‌يكن عليك قضاء. هذا ما ذكره الشيخ المفيد في المقنعة.

نعم الشيخ الطوسي في كتاب المبسوط الذي صنّفه لاجل التفريعات و قال هذا الكتاب يختلف عن كتاب النهاية، هناك يقول: و ايصال الغبار الغليظ الی الحلق متعمدا مثل غبار الدقيق و ما جری مجراه مفطر علی ما تضمنته الروايات و في اصحابنا من قال ان ذلك لايوجب الكفارة و انما يوجب القضاء.

و عليه فدعوی الاجماع غير تامة، دعوی الشهرة تامة لكن لا في الكتب الاصلية بل في الكتب التفصيلية المشتملة علی ذكر التفريعات ككتاب المبسوط و نحوه.

و كيف كان، حتی لو ثبت هناك اجماع فنحتمل استناده الی بعض الوجوه الآتية.

القول الثاني و الثالث

القول الثاني ما ذهب اليه جماعة‌ كالصدوق من عدم مفطرية ايصال الغبار مطلقا.

القول الثالث ما ذهب اليه جمع من التفصيل بين الغبار الغليظ فايصاله يكون مبطلا للصوم و ايصال الغبار غير الغليظ فلايكون مبطلا للصوم.

القول الرابع: التفصيل بين الاستناد الی انسان فيجب القضاء و الکفارة مع العمد أو غیره

القول الرابع ما اختاره السيد الخوئي من ان ايصال الغبار سواء كان غليظا أو غير غليظ اذا استند الی اثارة من نفسه أو من انسان آخر كان كنس البيت فاوجب اثارة الغبار أو كنس شخص آخر البيت فاثار الغبار فتعمد الصائم ايصال الغبار في حلقه بطل صومه و عليه الكفارة. و لكن اذا كان الغبار في الفضاء باثارة من غير انسان متعمد كأن اوجب الجوّ و الريح الشديد اثارة الغبار كما في العجّات التي يشاهدها اهل العراق لم‌يثرها احد الا الله سبحانه و تعالی. الناس ماذا يصنعون؟ السيد الخوئي يقول: ايصال هذا الغبار مهما بلغ من الغلظة لايوجب بطلان الصوم و لو كان عمديا.

السيد الخوئي قال هنا اولا المنسوب الی المشهور ان ايصال الغبار مبطل للصوم و لاتوجب الكفارة. هذا الكلام مو صحيح. استند في هذا الكلام من ان المنسوب الی المشهور ان ايصال الغبار مبطل للصوم و ليس موجبا للكفارة‌ الی كلام الحدائق فانه في الحدائق قال الظاهر ان المشهور وجوب القضاء خاصة دون الكفارة. و لكن هذا خطأ جزما لاننا نقلنا عن الغنية دعوی الاجماع علی البطلان و الكفارة معا كما نقلنا عن التذكرة انه مذهب علماءنا.

المطلب الثاني الذي ذكره السيد الخوئي هو انه قال محل البحث بين الاعلام ما اذا لم‌يبلغ الغبار من الغلظة حدا يصدق عليه أكل التراب اذا كان غبار التراب أو أكل الطحين اذا كان غبار الدقيق و الا فهو مشمول لاطلاقات ادلة الأكل.

هذا الكلام ايضا مو صحيح. نحن لانناقش السيد الخوئي في انه اذا اجتمع بسبب دخول الغبار في فضاء‌ الفم اجزاء‌ التراب ثم بلع المكلف تلك الاجزاء‌ الترابية يصدق انه أكل التراب،‌ نحن لانناقش في ذلك، و لكن ما يدعيه السيد الخوئي من ان محل البحث بين الاعلام هو ما اذا لم‌يكن الغبار من هذا القبيل لم‌يبلغ الغبار من الغلظة حدا يصدق عليه أكل التراب هذا مو صحيح. المحقق القمي في غنائم الايام الجزء 8 صفحة 102 يقول يجب الامساك عن ايصال الغبار الی الحلق عمدا و قيّده الاكثر بالغليظ و المستند اعم. المستند لمفطرية ايصال الغبار اعم من كونه غليظا أو غير غليظ كما سيأتي و هو مفطر للصوم عند اكثر الاصحاب. قال في المنتهی: و علی قول السيد المرتضی ينبغي عدم الافساد بذلك. و الظاهر ان مراده من قوله هو عدم الافساد بأكل غير المعتاد يعني قد يصدق أكل التراب و لكن أكل غير متعارف فهنا ينفتح البحث أمام هذا المطلب و هو انه اذا كان أكلا غير متعارف فهل هذا يبطل الصوم؟ لعل السيد المرتضی يقول هذا لايبطل الصوم. و لكن انا اقبل من السيد الخوئي انه ينبغي ان ينحصر البحث عن مفطرية ايصال الغبار بما اذا لم‌يجتمع اجزاء التراب في فضاء الفم ثم يبلع الصائم تلك الاجزاء بحيث يصدق عليه أكل التراب. و عادة في ايصال الغبار و لو كان الغبار غليظا لايصدق أكل التراب لايقال هذا أكل التراب الا اذا اجتمعت اجزاء التراب و تراكمت في فضاء فمه ثم دخلت في حلقه، و هذا عادة لايتحقق.

المستند في مفطرية ايصال الغبار

المستند في مفطرية ايصال الغبار احد وجهين الوجه الاول ما يستفاد من المعتبر من ان ايصال الغبار مبطل للصوم لكون الصوم مشروطا بعدم ايصال شيء الی الجوف كانّه فهم من عمومات مفطرية الأكل و الشرب ان كل ما يدخل في الجوف عمدا فهو مبطل للصوم.

و لكنكم ترون انه لا دليل عليه ابدا.

الوجه الثاني و هو المهم الاستناد الی رواية سليمان بن حفص المروزي. الشيخ باسناده عن الصفار عن محمد بن عيسی هو محمد بن عيسی بن عبيد اليقطيني و هو ثقة و ان استثناه ابن الوليد عن رجال نوادر الحكمة فقال لا اروي ما رواه محمد بن عيسی باسناد منقطع أي اسناد منحصر به. و لكن مر البحث عنه مرارا بان هذا التضعيف من ابن الوليد حتی لو كان تضعيفا لشخص محمد بن عيسی فلم‌يقبله الاصحاب فقد ذكر النجاشي ان الاصحاب تعجبوا من هذا الاستثناء و قالوا من مثل ابي‌جعفر؟ هذا يورث الوثوق بخطأ ابن الوليد حتی لو كان بصدد القدح في نفس محمد بن عيسی كما لايبعد. و تفصيل الكلام في محله.

عن سليمان بن حفص المروزي قال سمعته يقول، الرواية مضمرة، اذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا أو شم رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في انفه و حلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين فان ذلك مفطر مثل الاكل و الشرب و النكاح.

اورد علی الاستدلال بهذه الرواية عدة ايرادات:

الايراد الاول علی رواية سلیمان المروزي

الاول ما ذكره صاحب المدارك من ان سندها ضعيف لاشتمال سندها علی عدة‌ مجاهيل و لكونها مضمرة.

السيد الحكيم قال: ما هو وجه ضعف سندها غير سليمان؟ من هو الذي يكون مجهولا؟ صفار مجهول؟ محمد بن عيسی بن عبيد مجهول؟ بس يبقی سليمان بن حفص المروزي الذي لم‌يوثق و لكن عمل الاصحاب بهذه الرواية فينجبر ضعفها بعمل الاصحاب. و اما اضمارها فلايقدح لان تدوين الاجلاء لهذه الرواية‌ في كتب الحديث شهادة منهم بكونها رواية عن المعصوم عليه السلام.

انا اقول: يحصل الوثوق بان هذا الاضمار نشأ من تقطيع الروايات و الا ليس من المتعارف ان يأتي شخص فيقول سمعته يقول، ‌الا اذا كان الضمير راجعا الی ما قبل ذلك فلو كان المذكور قبل ذلك غير المعصوم لكان هذا اخلالا في رواية هذا الراوي و مخلا بوثاقة هذا الراوي للحديث الذي بسبب تقطيعه فعل ذلك، كان الضمير راجعا الی غير المعصوم فهو لم‌يذكر ذلك. و يؤيد ذلك ان الصفار اجل شأنا من ان يذكر رواية رواه المروزي عن غير المعصوم.

اما سليمان بن حفص المروزي فضعيف، لم‌يوثق. و السيد الخوئي اعتمد علی انه من رجال كامل‌ الزيارات لاثبات وثاقته ثم عدل عن ذلك. و اما ما يذكره السيد الحكيم من انجبار ضعف سند هذه الرواية بعمل الاصحاب هذا مو صحيح. المحقق في المعتبر اعتمد علی دليل آخر و ذكر هذه الرواية كشاهد و مؤيد لفتوی و الا فهو اعتمد علی كل ما يدخل في الجوف فهو مبطل للصوم و لاجل ذلك حكم بمفطرية ايصال الغبار. مضافا الی ان جبر ضعف السند بعمل الاصحاب كبرويا غير مقبول عندنا كما عليه السيد الخوئي.

الايراد الثاني

الايراد الثاني ما يقال من ان هذه الرواية حتی بناءا علی تمامية سندها مشتملة علی نكات غريبة. لاحظوا! تمضمض الصائم في شهر رمضان استنشق، المضمضمة تبطل الصوم؟! الاستنشاق يبطل الصوم؟! أو شم رائحة غليظة اك احد من الاصحاب يفتي بمفطرية شم العطر؟! شم العطر يبطل الصوم؟! و هكذا من كنس بيتا فدخل في أنفه و حلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين هل احد يفتي بان كفارة الافطار خصوص صوم شهرين متتابعين؟

السيد الخوئي قال: هذا الايراد ايضا غير تام. نحن ندافع عن هذه الرواية سندا و دلالة. فدافعنا عن سندها بما مر و ندافع عن دلالتها بانه هذه الرواية بالنسبة الی المضمضة و الاستنشاق قابلة‌ علی حمل دخول الماء في حلقه عمدا. و بالنسبة الی شم الرائحة الغليظة نلتزم بانه موجب لنقص كمال الصوم. خلاص بعد. كل الاشكالات ارتفعت.

جواب سؤال: الكفارة بلحاظ انه واجب تعييني يقول نرفع اليد عن اطلاق هذا الامر في كون الصوم شهرين واجبا تعيينيا بما دل علی انه يكفي في الكفارة‌ ان يطعم ستين مسكينا. هذا جوابه سهل بعد.

نقول:‌ يا سيدنا الخوئي! اذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا تحمله علی ما اذا دخل الماء في حلقه؟ هذا يخالف الذيل، يقول فان ذلك مفطر مثل الاكل و الشرب و النكاح، يعني هذا ليس شربا و لكن مثل الشرب مبطل للصوم. اذا تمضمض الصائم و دخل الماء في حلقه عمدا يعني شرب الماء، فكيف يقول هذا مبطل مثل ان الشرب مبطل؟

و اما حمل شم الرائحة الغليظة انه ذكر لكونه ناقضا لكمال الصوم هذا لايتلائم مع قوله فعليه صوم شهرين متتابعين، من فعل ما يوجب نقص كمال الصوم عليه صوم شهرين متتابعين؟! السيد الخوئي لعله يقول نحمل هذه الكفارة‌ علی الاستحباب، شنو؟ يعني الكفارة تحمل علی الاستحباب؟ صومه صحيح انما كمال صومه انتقض يستحب ان يصوم شهرين متتابعين،‌ هذا ليس عرفيا.

فالانصاف ان هذه الرواية كجملة‌ من روايات المروزي تشتمل علی نكات غريبة لايمكن الاعتماد عليها.

الايراد الثالث: المعارضة

الايراد الثالث ما يقال من ان هذه الرواية معارضة بموثقة عمرو بن سعيد عن الرضا عليه السلام قال سألته عن الصائم يتدخن بعود أو بغير ذلك فيدخل الدخنة في حلقه (بعض المؤلفين استدلوا أو لعل بعض الاساتذة استدلوا بهذه الرواية الموثقة علی ان التدخين لايبطل الصوم)، سألته عن الصائم يتدخن بعود أو بغير ذلك فيدخل الدخنة في حلقه فقال جائز لا بأس به قال و سألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه قال لا بأس. يقال بان هذه الموثقة تعارض رواية‌ المروزي حتی علی تقدير اعتبارها سندا.

اجيب عن ذلك بعدة اجوبة:

السيد الحكيم قال رواية المروزي منصرفة الی ايصال الغبار الغليظ فنقيد هذه الموثقة بغير الغبار الغليظ. فيتم التفصيل بين الغبار الغليظ و غير الغليظ. اشلون؟ يقول السيد الحكيم: عادة كنس البيت يوجب اثارة‌ الغبار الغليظ.

السيد الخوئي قال: من اين؟ الحالات تختلف، فالبيت اذا لم‌يكنس مدة شهر، نعم، اذا تكنسه يوجب ذلك اثارة‌ الغبار الغليظ اما كل يوم‌ ربة البيت تتعب نفسها تكنس البيت يوجب اثارة الغبار الغليظ؟ لا.

السيد الخوئي بنفسه بعد ما لم‌يقبل هذا الكلام من السيد الحكيم قال: علی ما قلنا رواية المروزي مطلقة من حيث الغبار الغليظ و عدمه كما ان هذه الرواية الموثقة مطلقة‌ لكن نجمع بينهما بجمع آخر ليس تبرعيا مثل الجمع الاول و هو ان نقول موضوع رواية المروزي المتعمد، المتعمد و ان الغبار اثير من خلال فعل اختياري كالكنس.

اقرأ الرواية و ان‌شاء‌الله اكمّل البحث في الليلة القادمة التي هي آخر ليلة للدراسة قبل شهر رمضان، الرواية‌ تقول: اذا كنس الصائم بيتا فدخل في أنفه و حلقه غبار، هذه الجملة‌ وقعت بعد قوله اذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا أو شم رائحة غليظة اي متعمدا، أو كنس بيتا فدخل في انفه و حلقه غبار أي متعمدا. فموضوع هذه الرواية المتعمد. كما ان المأخوذ فيه الغبار نتيجة كنس البيت لا الغبار الذي يكون نتيجة العجّات ريح الشديد اثار غبارا.

هل كلام السيد الخوئي و جمعه هذا صحيح ام لا نتكلم عن ذلك في الليلة القادمة ان‌شاءالله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo