< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

44/08/18

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المفطر الخامس (الكذب علی الله و الرسول و الائمة عليهم السلام)

تتمة الكلام فيما ذكره السيد الخوئي حول العلم الاجمالي في القول بغير علم

قبل ان اتكلم عن المسألة الاخيرة بالنسبة الی الكذب علی الله و رسوله اعود الی ما ذكره السيد الخوئي حول العلم الاجمالي في القول بغير علم.

ذكر السيد الخوئي ان من يشك في كلام صادر من الله أو من الرسول أو من الائمة عليهم السلام فيحصل له علم اجمالي بان الاخبار بصدوره مفطر للصوم أو الاخبار بعدم صدوره، و هذا يقتضي وجوب الاجتناب عن كليهما، فلو ارتكب احدهما كان اخبر ان الله قال هذا الكلام بطل صومه لانه لم‌يمسك عن الكذب المنجز لعله لم‌يصدر منه كذب منجز، لعله في علم الله صدر من الله هذا الكلام فلم‌يصدر من هذا المكلف كذب منجز لكن هذا من باب الصدفة و الاتفاق، حظ صاحبه هكذا و الا هو لم‌يمسك لم‌يجتنب عن الكذب المنجز، الذي يمسك عن الكذب المنجز هو من يبني علی ان يجتنب عنه و هذا هو المقوم للصوم، لا انه يتحقق منه ترك المفطر اتفاقا و صدفة، هذا صومه باطل.

قد يقال بانه استفيد من بعض الروايات ان المفطر الكذب العمدي، في بعض الروايات قرأنا اذا كذب افطر صومه اذا تعمد، ‌فيقال هذا ليس متعمدا، المتعمد هو من يعلم بان اخباره بصدور هذا الكلام من الله كذب هذا لما يعلم بذلك تفصيلا فهو ليس متعمدا.

نقول في الجواب:‌ لايظهر من عنوان التعمد انه قيد احترازي بالنسبة الی ما اذا كان الكذب منجزا بعلم اجمالي. و لو كان مجملا يكفينا الاطلاقات الدالة‌ علی ان الكذب مفطر اذا كان كذبا علی الله و لو لم‌يصدق عليه انه متعمد.

فمن هذه الناحية لايرد اشكال علی السيد الخوئي. لكن يرد عليه اشكالان:

احدهما اشكال مبنائي. نقول:‌ يا سيدنا الخوئي! هنا مو ناسين،‌ انتم ذكرتم في الاصول مرارا ان الاستصحاب يقوم مقام القطع الموضوعي في جواز الاخبار. ‌ذكره في قيام الاصول العملية‌ مقام القطع الموضوعي و في بحث الاستصحاب و ورّط روحه فوقع في عدة مشاكل، لكن مبناه هذا ان الاستصحاب يقوم مقام القطع الموضوعي في جواز الاخبار. فعليه يا سيدنا الخوئي اذا استصحبنا ان الامام لم‌يقل هذا الكلام فيكون بحكم علمنا بان الامام لم‌يقل هذا الكلام فعلي مسلككم يجوز الاخبار بان الامام لم‌يقل هذا الكلام. و قد صرحتم بان المفطر هو الكذب المحرم علی الله و رسوله و الائمة‌ عليهم السلام، هذا و لو كان في علم الله كذبا فليس بمحرم لحكومة الاستصحاب علی دليل حرمة‌ القول بغير علم فيجوّز الاخبار واقعا لا ظاهرا، يجوز الاخبار واقعا بعدم صدور هذا الكلام من الامام. و بذلك ينحل العلم الاجمالي انحلالا حقيقيا. فكيف يجتمع مع كلامكم في المقام بوجود علم اجمالي منجز بان الاخبار بصدور هذا الكلام المشكوك من الامام كذب مفطر أو الاخبار بعدمه، الاخبار بعدمه قطعا ليس كذبا مفطرا بعد حكومة دليل الاستصحاب بنظركم علی دليل حرمة‌ الاخبار،‌ جوّز الاخبار بعدم صدور هذا الكلام من الامام تجويزا واقعيا.

نعم، نحن يمكننا الجواب عن هذا المطلب حتی بناءا علی قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي بان نقول انما يقتضي حكومة دليل الاستصحاب علی دليل الاخبار بغير علم ان يجوز الاخبار هنا من حيث انه اخبار بغير علم لا من حيث انه كذب منجز من باب العلم الاجمالي بكون الاخبار بالوجود كذبا أو الاخبار بالعدم، لكن السيد الخوئي لو كان يری ان هذه حكومة حيثية‌ لما كان يدعي في الاصول انه يجوز الاخبار بالواقع بمقتضی الاستصحاب،‌ كيف يجوز الاخبار بالواقع بمقتضی الاستصحاب اذا لم‌ينحل العلم الاجمالي بكون الاخبار بوجود هذا المشكوك كذبا أو الاخبار بعدمه.

المطلب الثاني: نقول يا سيدنا الخوئي! لنا ان نورد عليكم اشكالا مبنائيا ثانيا، و هو انه: يمكن لهذا الشخص ان يخبر بصدور هذا الكلام من الامام عليه السلام برجاء ان لايكون كذبا، انتم تقولون بانه لم‌يجتنب عن الكذب و لكن نحن نقول في الجواب: الصوم ماهية اعتبارية هو قصد هذه الماهية الاعتبارية فلو اراد ان يرتكب عملا قامت الحجة علی انه مفطر لكن هو ارتكبه برجاء انه لايكون مفطرا، فصادف الواقع، لا دليل علی كونه مبطلا للصوم. مثلا قامت امارة‌ أو جری اصل علی ان هذا المايع المشكوك ماءا، الاستصحاب جری‌ قال هذا المايع كان سابقا ماءا و الان كما كان، ديربالك لاترتمس فيه فيبطل صومك هذا قال: ان‌شاءالله، هذا الاستصحاب كذب، فارتمس في هذا المايع برجاء انه ليس بماء، و بعد ذلك احس انه مو ماء، هذا تحول من الماء الی ماء مضاف، و الماء المضاف الارتماس فيه ليس مفطرا، السيد الخوئي يقول بطل صومه،‌ نحن نقول لماذا بطل صومه؟ هذا نوی ماهية الصوم كماهية اعتبارية و اراد ان يرتكب هذا العمل برجاء انه ليس بمفطر‌ ثم تبين انه ليس مفطرا،‌ ما هو الوجه في بطلان صومه. و اذا كان هناك حجة اجمالية كما في المقام فلاوجه لان نفتي بانه بطل صومه، نعم مقتضی العلم الاجمالي وجوب الاجتناب، اما انا نفتي ببطلان صومه و ان عليه القضاء جزما، لا.

جواب سؤال: الفتوی بوجوب الاحتياط شيء و الفتوی بوجوب القضاء شيء‌ آخر، فلقائل ان يقول يجب الاحتياط لكن تجري البراءة عن وجوب القضاء لانه تكليف مشكوك موضوعه الفوت و الفوت غير محرز. نعم فوت الفريضة الظاهرية محرز لكن موضوع وجوب القضاء فوت الفريضة الواقعية، فندخل في هذه المباحث.

تتمة المسألة 29: اذا اخبر بالكذب هزلا

اما المسألة الاخيرة فقال صاحب العروة ان من تصدی لاخبار كاذب عن الله لكن هزلا بان لم‌يقصد المعنی اصلا لم‌يبطل صومه. و السيد الخوئي قبل ذلك، قال: الخبر يتقوم بقصد الحكاية عن الواقع و حيث انه لم‌يقصد الحكاية عن الواقع فلاوجه لبطلان صومه لعدم تحقق الكذب منه.

هنا عدة مطالب اذكر عمدتها:

المطلب الاول: قد يكون الاخبار هزلا لكن لاينافي ذلك ان يكون قاصدا للاخبار عن الواقع بداعي الهزل. السيد السيستاني اشكل فقال حتی لو قامت قرينة متصلة علی كونه هازلا ففي جوازه اشكال فلعله اخبار كاذب هزلا، و الرواية تقول اتقوا الكذب جده و هزله. لكن مورد فتوی صاحب العروة الاخبار هزلا بان لم‌يقصد يعني لم‌يقصد الحكاية عن الواقع.

و نحن نقول: حتی اذا كان هناك قصد اخبار عن الواقع لكن قامت قرينة متصلة علی ان داعيه هو الهزل، فنحن نقول: هذا عرفا ليس بكاذب مع قيام قرينة متصلة علی انه هازل كما في هذه اللعبة التي انتشرت يسمونه مافيا، قامت قرينة متصلة علی انه ليس جادا بل هازلا فنحن لانستشكل في جوازه. و لكن السيد السيستاني يقول حتی لو قامت قرينة متصلة علی انه هازل لكن اذا قصد الاخبار فعلی الاحوط وجوبا ان يجتنب عنه لانه يوجد فيه شبهة الكذب و لو بداعي الهزل.

كل من تلفظ بكلام كاذب و لم‌يقم قرينة متصلة علی انه ليس بصدد الاخبار عن الواقع فهو كاذب

المطلب الثاني: مقتضی كلام صاحب العروة ان شخصا يقول انا اصعد المنبر اتلفظ بكلمات و لا اقصد الاخبار عن معانيها، بالصراحة يتكلم بكل شيء، كذب صريح، من يعترض عليه يقول انا مو قاصد للاخبار فقط مجرد اتكلم، مثل شريط، انت تخلط الشريط في المسجّل هذا الشريط تُسمع منا الصوت هذا ليس قاصدا للاخبار و لا احد يقول الشريط كذب، الشريط ما يكذب، فانا مثل الشريط، مثل المسجل، العرف يقبل ذلك؟ العرف هل يقول هذا ليس بكاذب؟ تعبير العروة انه اذا اخبر بالكذب هزلا بان لم‌يقصد المعنی اصلا، السيد السيستاني اضاف اليه: حتی لو قصد المعنی اذا لم‌يقصد الحكاية عن الواقع فليس كذبا، يعترض علی صاحب العروة ليش قيّدتَه بما اذا لم‌يقصد المعنی؟ حتی لو قصد المعنی لكنه لايقصد الحكاية عن الواقع، ليس هذا كذبا.

انا اقول:‌ اذا اقام قرينة متصلة علی انه ليس بصدد الاخبار عن الواقع مو مهم، العرف يقول ما يكذب، اما لا، شكله شكل انسان الجاد، يصعد المنبر يصيح يتكلم كل شيء، بس يقول انا ما قاصد للاخبار، اشلون يصير هذا؟ نفس صدور هذا الكلام مع عدم نصب قرينة متصلة علی انه ليس بصدد الحكاية عن الواقع عرفا كذب،‌ العرف يقول هذا يكذب. و الا اكبر الكذابين بالعالم يقدر يقول انا ما قاصد للاخبار عن الواقع، ما قاصد، بس قصدت التلفظ بهذا اللفظ. ذاك يقول انت مثلا فعلت كذا، هو يقول لا، انت رحلت ذاك المكان؟ لا، سويت هكذا؟ لا، صديقك يقول ليش تكذب، انا كنت ويّاك، اهنا ذاك المكان، سوينا ذاك الشيء، كل ما سألوك قلت لا؟! يقول انا مو قاصد للحكاية عن الواقع، بس تلفظت بلفظ لا، حرف النفي،‌ ما قارئ كتاب المغني؟ لا، حرف النفي، انا قاصد للتلفظ بهذا اللفظ حتی تنفتح شفتاي. العرف يقبل منه؟ انا باعتقادي كل من تلفظ بكلام كاذب و لم‌يقم قرينة متصلة علی انه ليس بصدد الاخبار عن الواقع فهو كاذب و يبطل صومه اذا كان قد كذب علی الله و رسوله و الائمة عليهم السلام.

انا عادة في هذه المسألة الاخيرة ما وجدت احدا استشكل علی صاحب العروة و طبعا هذا الاشكال من عندي اشكال علی المشهور فهذا يقتضي ان نحتاط في المسألة.

هذا آخر مسألة في هذا البحث.

المفطر السادس: ايصال الغبار الغليظ الی الحلق

يقع الكلام في مفطرية ايصال الغبار الغليظ الی حلقه.

يقول صاحب العروة المفطر السادس ايصال الغبار الغليظ الی حلقه بل و غير الغليظ علی الاحوط سواء كان من الحلال كغبار الدقيق أو الحرام كغبار التراب و سواء‌ كان باثارته بنفسه بكنس أو نحوه أو باثارة غيره أو باثارة‌ الهواء مع التمكين منه و عدم تحفظه.

المشهور ان ايصال الغبار الغليظ مفطر للصوم و استندوا في ذلك الی احد امرين:

الامر الاول انه أكل للتراب عرفا اذا كان الغبار الغليظ من التراب أو أكل للدقيق الحنطة‌ مثلا عرفا اذا كان الغبار متصاعدا من دقيق الحنطة و نحو ذلك، الذي يكنس الشارع يقول اشگد اكلنا ترابا هذا اليوم. الاكل غير متعارف لكن المأكول هو التراب. هذا هو الوجه الاول و سنتكلم عنه.

الوجه الثاني رواية سليمان بن حفص المروزي قال سمعته يقول اذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا أو شمّ رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في انفه و حلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين فان ذلك له مفطر كالاكل و الشرب و النكاح.

هذه الرواية يقع الكلام تارة في سندها و اخري في دلالتها. اما سندها فمشتمل علی سليمان بن حفص المروزي الذي لم‌يوثق في الرجال عدا انه من رجال كامل الزيارات و كان السيد الخوئي يتبنّی نظرية التوثيق العام لرجال كامل الزيارات ثم عدل في اواخر حياته الشريفة الی اختصاص التوثيق بالمشايخ بلاواسطة لابن قولويه صاحب كامل الزيارات و هذا السليمان ليس من المشايخ بلاواسطة لكامل الزيارات فلاجل ذلك السيد الخوئي يكون يعدل عن توثيق هذا الرجل.

مضافا الی انه ليس له توثيق، له تقريبا ثلاثة‌عشر رواية جملة منها شاذة جدا. مثلا يقول التقصير في الصلاة بريدان أو بريد ذاهبا و بريد جايئا و هو فرسخان فالتقصير في اربعة‌ فراسخ، فرسخين تروح و فرسخين ترجع، تكون تقصر. و لا احد يقول بذلك. المتمتع اذا طاف و سعی لعمرة التمتع فان عليه لتحلة النساء طواف آخر. يعني بعد عمرة‌ التمتع لاتحل لك النساء بل لابد ان تأتي بطواف النساء بعد عمرة التمتع و لم‌يقل به احد في ما نعلم. اذا صار الغلام ثمان سنين وجبت عليه الفرائض و الحدود. و لم‌يقل احد بذلك. فالرواية ضعيفة سندا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo