< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

44/06/18

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: الأكل و الشرب/ المفطرات/ کتاب الصوم

 

تتمة الكلام في مفطرية القليل من المأكول و المشروب

كان الكلام في ما ذكره صاحب العروة من انه لا فرق في مفطرية المأكول و المشروب بين القليل و الكثير و مثّل له بما لو بل الخياط الخيط بريقه ثم ادخله في فمه فلايجوز بلعه ما لم‌يستهلك في بصاقه.

فرض غير المستهلك

تارة‌ يقع الكلام في غير المستهلك و اخری يقع الكلام في المستهلك. اما غير المستهلك فقد استدل الاعلام علی مفطريته بالعمومات، عمومات عدم جواز الاكل و الشرب في حال الصوم فلاوجه لانصرافه عن الطعام القليل كما لا وجه لانصرافه عن البلة الموجودة في الخيط.

السيد الزنجاني ادعی الانصراف و استشهد عليه بنفس كلام للسيد الخوئي في انصراف عمومات النهي عن الاكل و الشرب عن بلع البصاق. السيد الخوئي في بلع البصاق ذكر انه عموم النهي عن الاكل و الشرب ينصرف عنه فقال و لاجل ذلك لو نهی الطبيب مريضه عن الاكل و الشرب فلايفهم العرف منه النهي عن بلع البصاق. يقول السيد الزنجاني هذا الانصراف يأتي في بلع البلة الموجودة‌ في الخيط حتی لو لم‌تكن مستهلكة.

الانصاف ان دعوی الانصراف ممنوعة و لاعلاقة للمقام بقضية نهي الطبيب. نهي الطبيب بمناسبة الحكم و الموضوع منصرفة الی الاكل المعتدبه و الشرب المعتدبه لكن لو فرضنا ان هذا المريض مبتلا بمرض في حلقه أو في لسانه بحيث يحتمل ان تكون ايّة‌ بلة و لو يسيرة تصل الی لسانه من الخارج توجب عفونة في لسانه، فالعرف يتمسك بالاطلاق.

و اما اشكال السيد الزنجاني علی السيد الخوئي فجوابه ان دعوی الانصراف عن بلع البصاق واضح جدا و ايّ علاقة‌ له بدعوی الانصراف عن البلة الخارجية القليلة. النهي عن الاكل و الشرب ينصرف عن بلع البصاق لكن شنو علاقة‌ بالانصراف عن اكل الشيء اليسير أو شرب البلة‌ القليلة جدا فانا لانحس باي انصراف فيه.

استدلال المحقق الخوئي بالروايات علی المفطرية، و المناقشة فيه

السيد الخوئي استدل بروايات متفرقة علی عدم جواز اكل شيء اليسير أو شرب الماء اليسير. فذكر عدة روايات:

الرواية الاولی ما ورد في المضمضة اذا تمضمض الصائم فدخل الماء حلقه يقول عليه القضاء. صحيحة حماد عن ابي‌عبدالله عليه السلام في الصائم يتوضأ لصلاته فيدخل الماء حلقه فقال ان كان الوضوء لصلاة‌ فريضة فليس عليه شيء و ان كان وضوءه لصلاة نافلة فعليه القضاء. فدلت هذه الصحيحة علی ان الماء الذي دخل في حلق الانسان حين وضوءه لصلاة النافلة يوجب بطلان الصوم.

هذه الرواية تحمل علی الاستحباب فالانصاف ان السيد الخوئي ان كان يستدل بهذه الصحيحة فليس تاما.

لكن المهم موثقة سماعة، الرواية الثانية موثقة سماعة رجل عبث بالماء يتمضض به من عطش فدخل حلقه قال عليه قضاءه و ان كان في وضوء فلابأس به. هذه الرواية تامة سندا و دلالة. و ما ادري ليش السيد الزنجاني قال لابد ان نحمل هذه الروايات كلها علی الاستحباب. ليش؟. رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل حلقه قال عليه قضاءه يعنی بطل صومه، و الماء الذي يدخل في جوفه في هذا الحال قليل جدا.

جواب سؤال: الماء الذي يدخل في الحلق عقيب المضمضة من دون تعمد عادتا يكون قليلا جدا. ... بلة الخيط قد تكون كثيرة حتی تدخل في الحلق و الا البلة اليسيرة‌ للخيط تبقی في ابتداء شفتيه ما تدخل في الحلق.

الرواية الثالثة التي استدل به السيد الخوئي ما دل علی النهي عن مص الخاتم. ان اتعجب ما عندنا رواية تدل علی النهي عن مص الخاتم. صحيحة‌ ابن سنان الرجل يعطش في شهر رمضان قال لابأس بان يمص الخاتم. و صحيحة‌ منصور بن حازم في الصائم يجعل الخاتم في فمه؟ قال نعم.

نعم، كان ينبغي ان يحدث عبارة النهي عن مص الخاتم و يقول يدل علی النهي عن اكل الطعام اليسير و شرب الماء اليسير ما دل علی النهي عن مص النواة لان الرواية منعت من مص النواة في نفس صحيحة منصور بن حازم يقول الرجل يجعل النواة في فمه و هو صائم قال لا. هنا يتم كلام السيد الزنجاني من ان وضع النواة في الفم من دون بلعها قطعا مو حرام لابد ان يحمل النهي علی الكراهة لانه ما يأكل النواة، النواة يخليها في فمه و يمصها، اي اشكال فيه؟ لانه لايدخل اجزاء النواة في حلقه.

الرواية الاخری التي استدل بها السيد الخوئي ما دل علی ذوق الطعام و النهي عن ذوق الطعام. عبارة السيد الخوئي هكذا: و كذا ذوق الطعام لمعرفة طعمه.

اقرأ هذه الروايات: صحيحة الحلبي سئل عن المرأة الصائمة تطبع القدر فتذوق المرق تنظر اليه فقال لابأس به. سألت اباعبدالله عليه السلام عن الصائم في صحيحة سعيد الاعرج، الصائم أيذوق الشيء و لايبلعه قال لا، يعني لايذوقه. هذا النهي عن ذوق الشيء لابد ان يحمل علی الكراهة لورود ما دل علی جواز ذوق الشيء من دون بلعه. ففي صحيحة حماد سأل ابن ابي‌يعفور اباعبدالله عليه السلام و انا اسمع: عن الصائم يصب الدواء في اذنه قال نعم و يذوق المرق و يزق الفرخ. و في موثقة ابن‌بكير عن محمد بن مسلم قال لابأس بان يذوق الرجل الصائم القدر. فالنهي عن ذوق الطعام من دون بلعه لابد ان يحمل علی الكراهة كما ذكر السيد الزنجاني.

فاذاً لم‌يبق لدينا الا ما دل علی النهي عن المضمضة لرفع العطش، ‌النهي ليس بمعنی النهي التكليفي بل بمعنی انه لو دخل الماء في جوفه قهرا اذا تمضمض لرفع عطشه بطل صومه، هذا صحيح ان يستدل به، اما بقية الروايات فلم افهم وجه الاستدلال السيد الخوئي بها.

ثم استدل السيد الخوئي بارتكاز المتشرعة، ارتكاز المتشرعة بين الطعام القليل و الكثير، بين الماء القليل و الكثير،‌ صحيح، هذا الارتكاز موجود اما بحيث هل يشمل مثل بلع بلة الخيط و امثالها؟ مو معلوم. نعم الطعام اليسير يأكل فحبة مثلا من الارض أو من الحنطة، نعم، الارتكاز موجود و يشمله الاطلاقات. اما مثل بلة الخيط فلم نحرز الارتكاز علی مفطريته. مضافا الی ما ذكره السيد الزنجاني من ان هذا الارتكاز لو تم فقد ينشأ من فتاوی الفقهاء و لايعلم اتصاله الی زمان المعصوم عليه السلام.

هذا كله و لكن كان ينبغي للسيد الخوئي ان يذكر ما يعارض هذه الادلة. لااقل خصوص بلع ريق الغير دل الدليل علی جوازه و لايختص ببلع ريق الزوجة عند ما تمص لسان زوجته بل ورد ذلك في مص لسان بنت الصغير له ففي صحيحة ابي‌ولاد الحناط قلت لابي‌عبدالله عليه السلام اني اقبّل بنتي الصغيرة و انا صائم فيدخل في جوفي من ريقها شيء فقال لي لابأس ليس عليك شيء. و في موثقة ابي‌بصير قلت لابي‌عبدالله عليه السلام الصائم يقبّل؟ قال نعم و يعطيها لسانه تمصه. يخلي اللسان في فم زوجته و هي تمص لسان الزوج، حينما تمص لسان الزوج يصل بصاق زوجة الی لسان الزوج. و في صحيحة علی بن جعفر سألته عن الرجل الصائم يمص لسان المرأة أو تفعل المرأة ذلك قال لابأس.

انا اقول: يمكن للسيد الخوئي أو لغيره ممن منع من بلع الرطوبة الخارجية‌ و لو كانت قليلة جدا يقول في هذه الروايات لم‌يرد جواز البلع انما ورد جواز المص، يمص لسان زوجته أو زوجته تمص لسانه و هو صائم و لكن هل يعني هذا انه يدخل ريقها يبلع ريقها و لو لم‌يكن مستهلكا؟

جواب سؤال: يدخل ريق ابنته في جوفه غير مستهلك؟ ليس هكذا دائما.

لاتقولوا نتمسك بالاطلاق المقامي. نقول:‌ لا،‌ لعل السائل كان يعرف بانه لايجوز بلع الرطوبة الخارجية و لو كانت ريق زوجته أو ريق ابنته. لعله كان يعرف ذلك. انما كان لديه شبهة هل يجوز ان يمص لسان ابنته الصغيرة أو لسان زوجته و هو صائم يقول مي خالف ما عليه شيء، اما انه يبلع ريق زوجته أو ريق ابنته غير مستهلك، مو معلوم.

فاذاً لاتكون هذه الروايات الواردة في جواز مص لسان الزوجة في حال الصوم أو مص لسان البنت الصغيرة له في حال الصوم علی جواز ريقهما اذا لم‌يكن مستهلكا.

فرض الاستهلاك

اما بالنسبة الی الريق غير المستهلك يقول السيد الحكيم اذا استهلك ريق غيره أو ريق نفسه بعد ما بل الخيط به فصار رطوبة خارجية، اذا ارجع ريقه أو ريق غيره الی فضاء فمه فامتزج هذا الريق الخارجي ببصاقه. صاحب العروة يقول اذا صار مستهلكا في بصاقه جعل بلع البصاق بما فيه هذا الريق المستهلك، يقول السيد الحكيم لايعقل الاستهلاك في المتناجسين. نعم، اذا كان بحد صار عرفا جزءا من بصاقه لا منعدما فيه، هنا نقبل، كما قالوا في ان البق اذا مص دم الانسان فمادام لم‌يصر مصداقا للدم البق يبقی نجسا، هنا يقول هذا الريق و لو استهلك لايكفي في جواز بلعه لانه لايعقل الاستهلاك في المتناجسين، انت تصب ماء قليلا في ماء كثيل لايستهلك فيه بخلاف ما اذا صببت فيه قطرة بول فانها تستهلك في الماء اما قطرة الماء متناجسة للماء الكثير فلاتستهلك فيه.

كلام المحقق الخوئي

يقول السيد الخوئي للسيد الحكيم: لا،‌ كلامكم مو صحيح. الاستهلاك علی نحوين. اول نعلم ان الاستهلاك في المايعات لا الجوامد فلو ان فضلة فأرة طحنت في ضمن مجموع كبيرة من الحنطة ثم سوّوها خبزا، هل يجوز اكل هذا الخبز؟ ابدا، لان الجامد لايستهلك في الجامد و الا لزم القول باستهلاك فضلة فأرة في مجموع كبيرة من الحنطة بعد طحنها.

المدعی هو استهلاك المايع في المايع. السيد الخوئي يقول الاستهلاك في المايعات علی نحوين: استهلاك يوجب انعدام الذات عرفا كما لو وقعت قطرة بول في ماء كثير فالعرف يری انعدام الذات. و الاستهلاك الثاني انعدام الوصف. و هنا الريق الخارجي و ان لم‌يستهلك ذاتا، يبقی كريق و لكن ينتفي وصف كونه ريقا خارجيا عنه و ينطبق عليه عنوان البصاق الداخلي. هذا انعدام للوصف و اكتساب عنوان المستهلك فيه و هو البصاق. كما لو القيت قطرة ماء مغصوب في ماء كر مباح، العرف يقول الماء المغصوب بوصف كونه ملكا للغير انعدم أو منع الشارع من الوضوء بماء البئر فالقيت قطرة ماء بئر في ضمن ماء معتدبه فاستهلك فيه، عنوان ماء البئر ينسلب عنه، الوصف ينسلب عنه،‌ فيقال هذا ماء راكد ليس ماء بئر و ان كان ذات تلك القطرة من ماء البئر لاتزال موجودة فيه، و الامر هنا كذلك.

الشيخ الاستاد الشيخ التبريزي كان يقول الاستهلاك ابد مو عرفي،‌ في اي مجال، لا في الجامدات و لا في المايعات. و كان يقول اذا كان الاستهلاك صحيحا بنظركم انا من اول الصبح اخلي الظرف من الدم، افرض دما طاهرا، دم السمک طاهر، يجمّع دم سمك عديدة أو الدم المتخلف في الذبيحة يجمّعه و صار مقدارا معتدبه، انا اذكر مثال الدم الطاهر حتی يكون المثال اسهل، هذا دم طاهر و لكن لايجوز اكله، حرمت عليكم الدم، فاخلي الظرف اصب فيه ماءا و اصب فيه قطرة من هذا الدم و امزجه، فيستهلك فيه الدم ثم اشرب ذلك الماء الی الليل، فذاك الظرف من الدم ما يبقی فيه من الدم، فحينما يأتي شخص يقول‌ هل يصح لي ان اقول ابدا ما انا ما أكل الدم، انا شربت الماء،‌ يقول فمن الذي اكل ذاك الدم، انا اكلت؟ و انت أكلت خب.

كلام المحقق التبریزي

الشيخ التبريزي كان يقول الاستهلاك علی خلاف القاعدة و يحتاج الی تعبد خاص، و انما دل الدليل علی هذا التعبد في ماء الكر الذي يبال فيه كذا الدليل قال لابأس به و الا لو كنا و مقتضی القاعدة لقلنا بحرمة شربه لان من يشرب هذا الماء يشرب ذاك البول الموجود فيه فأين صار البول،‌ هذا البول موجود فيه.

تاملوا في كلام الشيخ الاستاذ الشيخ التبريزي رحمة الله عليه و ندعو لنا ان تحل المشكلة ان‌شاءالله في ليلة‌ الاحد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo