< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

44/06/15

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: الأكل و الشرب/ المفطرات/ کتاب الصوم

 

كان الكلام في اكل ما لايتعارف اكله لا لاجل كونه فوق رغبة الراغبين مما لاتصل اليه ايدي عامة الناس، لا، لايتعارف اكله لتنفر الطباع عنه أو لعدم رغبة الطباع اليه، لانمثل باكل الثلج فانه قد يكون متعارفا حين نزول الثلج، لا، اكل التراب مثلا، اكل النخامة التي خرجت الی خارج الفم أو الی خارج الانف، هل هذا يبطل الصوم ام لا؟

السيد الزنجاني ناقش فيه و قال ما عندنا دليل واضح علی كون اكل ما لايتعارف اكله لتنفر الطباع عنه مبطلا للصوم و كذا شرب ما لايتعارف شربه لتنفر الطباع عنه. و قد يستدل لما ذكره بعدة وجوه: ذكرنا اهمها:

الوجه الاول ما ورد في رواية صحيحة في دخول الذباب في الحلق حيث علل الامام عليه السلام بانه لايبطل الصوم بذلك لانه ليس بطعام. كما يستدل بما دل علی ان الاكتحال لايبطل الصوم لانه ليس بطعام و لا شراب بل يقال بان صحيحة محمد بن مسلم الدالة علی انه لايضر الصائم ما صنع اذا اجتنب ثلاث خصال الطعام و الشراب و النساء و الارتماس في الماء، جعل الطعام و الشراب واحدا،‌ فصار الثاني النساء و الثالث الارتماس في الماء. فقيل بان التراب ليس بطعام و لا شراب، فلايضر اكل التراب أو شرب ما لايتعارف شربه.

نقاش المحقق الخوئي فی الادلة علی عدم مبطلية الأکل و الشرب غير المتعارفين

السيد الخوئي اجاب عن هذه الادلة، فقال: اما صحيحة محمد بن مسلم فمن المحتمل ان يراد من الطعام و الشراب فيها الطعم و الشرب، ‌لايضر الصائم ما صنع اذا اجتنب ثلاث الطعام أي الطعم،‌ الاكل، و الشراب أي الشرب. فاحتمال هذا المعنی كاف لعدم امكان الاستدلال بهذه الصحيحة علی عدم مفطرية اكل ما لايتعارف اكله.

هكذا يقول السيد الخوئي:‌ لم‌يظهر من الصحيحة ان المراد من الطعام الشيء الذي يطعم و المراد من الشراب الشيء الذي يشرب اذ من الجائز استعمالها في المعنی المصدري اي نفس الاكل و الشرب للمطعوم و المشروب لتدل علی الاختصاص و عليه فتكون حال هذه الصحيحة حال سائر الادلة المتضمنة للمنع من الاكل و الشرب الشامل لمطلق المأكول و المشروب حسب ما عرفت فاذا كانت الصحيحة محتملة‌ لكل من المعنيين فتصبح مجملة‌ و مثلها لايصلح لتقييد المطلقات.

الجواب عن المناقشة

نقول:‌ يا سيدنا الخوئي! اولا هذا المعنی خلاف الظاهر، حمل الطعام علی الطعم أي الاكل خلاف الظاهر، خصوصا بقرينة عطف النساء عليهما، الطعام و الشراب و النساء فهل تحتملون ان المراد من النساء هو الجماع؟ نعم الارتماس في الماء واضح انه لانه اذا قال الماء، الناس كانوا يفهمون منه النهي عن شرب الماء فكان مضطرا الی ان يصرح بعنوان الارتماس في الماء،‌ لكن حينما يقول لايضر الصائم ما صنع اذا اجتنب ثلاث خصال الطعام و الشراب و النساء، ظاهر الطعام هو ما يطعم لا نفس الطعم.

و ثانيا: يا سيدنا الخوئي! افرض ان هذه الصحيحة مجملة لاحتمال ان المراد من الطعام فيها هو الطعم لكن ليس من البعيد ان ينصرف الطعم الی طعم ما يكون طعاما و المدعی ان أكل التراب ليس طعام للطعام.

لايكون في البين اطلاقات تدل علی حرمة الأكل علی الصائم

و ثالثا: انت يا سيدنا الخوئي! ترجّعنا الی المطلقات، ما هي المطلقات؟ بيّن لنا اطلاقات تدل علی حرمة الأكل علی الصائم. انا فحصت مقدارا في الروايات فلم‌أجد رواية مطلقة تدل علی ان الأكل مبطل للصوم.

نعم، في رسالة المحكم و المتشابه نقلا عن تفسير النعماني باسناده الآتي الضعيف عن علی عليه السلام و اما حدود الصوم فاربعة حدود اولها اجتناب الاكل و الشرب. لكن هذه رواية ضعيفة لا اعتبار بها.

نعم، توجد رواية اخری في من ظن انه دخل الليل فأكل ثم تبين عدم دخول الليل فقال عليه قضاءه لانه أكل متعمدا. صار الجو مظلما، ظن انه دخل الليل فأكل ثم تبين عدم دخول الليل و انه افطر في نهار شهر رمضان، فقال عليه قضاءه لانه أكل متعمدا. من الواضح انه ليس في مقام البيان من ناحية انه أكل كل شيء و لو لم‌يكن ينبغي أكله. بل المفروض فيه انه أكل ما يكون أكله مبطلا للصوم و انما الذي يمكن ان يصحح امره انه أكل في وقت يتخيل انه دخل الليل.

جواب السيد الزنجاني عن مناقشة المحقق الخوئي

السيد الزنجاني ذكر اشكالا رابعا فقال:‌ حتی لو كان هناك خطاب مطلق يدل علی ان الأكل مبطل للصوم، الشرب مبطل للصوم، ليس من البعيد ان ينصرف الی الأكل المتعارف من حيث المأكول فأكل ما يتنفر الطباع عنه فيه شبهة الانصراف. و استشهد علی ذلك بنفس كلام للسيد الخوئي.

السيد الخوئي في قضية بلع بعض بقايا الطعام في الاسنان‌ قال هذا مبطل للصوم، ثم قال ان هناك رواية في ارجاع ما رجع الی فضاء فمه، الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشيء من الطعام أيفطر ذلك قال لا فقلت فان ازدرده، اي ارجعه الی بطنه بعد ان صار علی لسانه قال لايفطر ذلك، قال هذا ليس بمفطر. فيقول السيد الخوئي قد يستدل بهذه الصحيحة علی ان بلع بقايا الطعام لايفطر لانه رجع من حلقه الی فضاء فمه بعض الطعام فازدرده، الامام يقول لايفطر ذلك مع ان هذا أكل. هناك يقول السيد الخوئي هو تقيء أو تجشّأ، رجع من معدته بعض الطعام، الطبع البشري لايرغب في ابتلاع ما يخرج من جوفه بل يشمئز منه غالبا فكيف يقع السؤال عنه؟ فينصرف هذا السؤال الی فرض رجوعه الی جوفه بغير اختياره،‌ ان ازدرده يعني رجع الی جوفه من دون اختياره و الا فهل يوجد انسان سالم غير شاذ يأكل باختياره ما تجشأه؟

يقول السيد الخوئي يجوز ان يكون السؤال ناظرا الی الازدراد أي الابتلاع القهري و غير الاختياري كما لعله الظاهر و الا فالابتلاع العمدي الاختياري بعيد جدا فان الطبع البشري لايرغب في ابتلاع ما يخرج من جوفه بل يشمئز منه غالبا فكيف يقع السؤال عنه فيكون ذلك قرينة علی اختصاص مورد السؤال بالابتلاع القهري. و علی الجملة بما ان الانسان حتی غير الصائم فضلا عن الصائم المتلفت يتنفر بحسب طبعه عن ابتلاع ما في فمه الخارج من جوفه فلاجله يكون منصرف الرواية السؤال عن الابتلاع القهري و لااقل من احتمال ذلك فلايكون لها ظهور في الازدراد الاختياري. فيرتفع الاشكال من اصله.

يقول السيد الزجاني: اذا انتم في هذه الصحيحة ادعيتم الانصراف عما يشمئز الطبع منه فكيف لاتقبلون انصراف ما دل علی لزوم الاجتناب عن الأكل عن أكل ما يشمئز الطبع منه؟ اذا تقولون نلغي الخصوصية، أكل ما لايشمئز الطبع منه مبطل للصوم فأكل ما يشمئز الطبع منه ايضا بالغاء الخصوصية مبطل للصوم فيقول السيد الزنجاني من أين احرزتم عدم الخصوصية فلعل الشارع في حال الصوم منع من امور ترغب اليها النفوس، اما ما لاترغب فيه النفوس مو مهم، خل يرتكبه بعض الشواذ. مثل ما ذكره في بحث الحج من ان الشارع حرّم مثلا علی المحرمين الملاعبة مع الزوجة، و قال اذا لاعب محرم مع زوجته فانزل فعليه الكفارة، لو لاعب محرم مع اجنبي فانزل، قد لاتكون هذه الملاعبة محرمة بعنوان المحرمات الاحرام. الرواية وردت في الملاعبة مع الزوجة في باب الاحرام، انتم تريدون تلغون الخصوصية، من اين احرزتم الغيتم الخصوصية؟ لعل الشارع في الحج جعل الموانع لما قد يرتكبه المحرم عادة و المحرم عادة بعد ان كان مؤمنا جاء الی الحج قد توسوسه نفسه فيتلاعب مع زوجته اما انه يروح يدور وراء الاجنبيات؟ يروح يرتكب الاعمال الشنيعة؟ هذا امر غير متعارف و لعل الشارع لم‌يجعل لذلك مانعا و حاجزا الا الحواجز الدائمية.

انا اقرأ لكم عبارة السيد الزنجاني في هذا البحث لان هذا البحث مهم و قلنا لكم بان من سوّی عملية جراحية في اسنانه، عادة يكون به نزيف دم الی فترة، السيد الزنجاني يقول مي خالف هذا النزيف حتی لو يبلعه ما يوجب بطلان صومه و لعله لانصراف الادلة‌ عنه.

السيد الزنجاني يقول انا استشكل علی السيد الخوئي بالنسبة الی ما ذكره في ارجاع ما الطعام الذي تجشأه، اقول هذا ليس خلاف المتعارف، الطباع لاتشمئز من ارجاع ما أكله ثم رجع الی فضاء حلقه، قد يرجعه،‌ هذا امر لاتشمئز منه الطباع. انا ما اقبل صغری كلام السيد الخوئي في هذا البحث و لكن أستشهد بكبری‌ كلامه علی انصراف دليل عما تشمئز منه الطباع.

كلام السماحة السيد الزنجاني في مبطلية مطلق ما يرفع الجوع و العطش و لو لم‌يكن متعارفا

و في ختام البحث يقول الی هنا لم‌نجد دليلا عاما و لا دليلا خاصا علی بطلان الصوم بارتكاب امر غير متعارف يتنفر منه الطبع. فبلع الحصاة لايوجب بطلان الصوم. نعم، ارتكاب ما تشمئز منه الطباع و لكن يرفع الجوع و العطش، انا استدل بالحكمة علی كونه مبطلا للصوم، و لاجل ذلك يقول لاجل هذه الحكمة انا قلت المغذي مبطل للصوم و ان كان من طريق الوريد لكنه ما يخلي الانسان يجوع أو يعطش، و حكمة الاجتناب عن الطعام و الشراب تقتضي التعميم.

يقول كان استاذنا السيد الداماد يخالف المشهور حيث كانوا يقولون بان الحكمة لاتعمم و كان يقول الحكمة تعمم كالعلة. لماذا تقولون الحكمة لاتعمم؟ مثلا: ورد في الروايات ان الله سبحانه و تعالی حرم الميتة لفساد الابدان. يا ابه! استخدام الهرويين مو موجب لفساد الابدان؟ هل معقول الشارع يحرم اكل الميتة‌ لكونه موجبا لفساد البدن مع انه حكمة و حرمة‌ اكل الميتة‌ لاتدور مدار كون اكل الميتة‌ موجبا لفساد البدن و لكن هل يعقل عرفا ان لايحرم الشارع ما يتساوی مع أكل الميتة أو يكون اسوء منه في كونه موجبا لفساد الابدان؟ هذا امر غير عرفي.

و ما ذكره صحيح، نحن قبلنا هذا الكلام سابقا.

فيقول السيد الزنجاني انا لاجل ان الحكمة تعمم اقول بانه كل ما يقوم مقام أكل الطعام و شرب الشراب مما يوجب رفع الجوع و العطش فهذا مبطل للصوم. و لاجل هذا لو أكل ذبابا كثيرا حتی يشبع، لا، هذا يبطل صومه لشمول حكمة لزوم الاجتناب عن لاطعام و الشراب بالنسبة اليه.

تاملوا في هذا المطلب الی الليلة ‌القادمة ان‌شاءالله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo