< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

44/04/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: احکام النیة/ الصوم/

 

كان الكلام فيما ذكره المشهور و ادعي عليه الاجماع من انه لو كان المكلف في شهر رمضان جاهلا بدخول شهر رمضان أو ناسيا بذلك فلم‌ينو الصوم من طلوع الفجر و لكن بعد ان التفت نوی الصوم قبل زوال الشمس فذكر المشهور انه يصح صومه. و وافق عليه السيد السيستاني.

كلام السيد الخوئي في وجه بطلان صوم الجاهل بدخول شهر رمضان

و لكن السيد الخوئي انكر ذلك بشدة، قال: لا دليل معتبر علی الخروج عن مقتضی القاعدة و مقتضی القاعدة عدم تحقق الصوم ما لم‌ينو ذلك من الليل. لماذا؟ لانك حينما طلعت عليك الشمس كنت مترددا في ان تمسك عن المفطرات ام لا، بل قد كنت بانيا علی ارتكاب المفطرات و لكنك لم‌ترتكبها الی ان اخبروك بانه دخل شهر رمضان و هذا اول يوم من رمضان، هذه الساعات التي مضت عليك و انت لم‌تنو الامساك عن المفطرات، لا احد من العرف يقول بانك كنت صائما، اشلون كنت صائما و قد ارسلت ابنك حتی يشتري الخبز فلما تهيأت لاكل المرق اتصل عليك الواحد قال اعلن المكتب السيد السيستاني ان شهر رمضان دخل و اليوم اول يوم من شهر رمضان،‌ كيف يصدق عليك انت كنت صائما من طلوع الفجر؟ لم‌تكن صائما. فاذا لم‌تكن صائما فما هو الدليل علی ان نية الصوم قبل الزوال تجزئ عن الصوم من طلوع الفجر، هذا يحتاج الی الدليل و لم‌يقم عليه دليل.

هذا الذي ذكره السيد الخوئي متين جدا و لاادري ما هو مستند السيد السيستاني في فتواه وفق المشهور باجزاء هذا الصوم. و لعله يقول الدليل علی لزوم قصد عنوان الصوم من طلوع الفجر دليل لبي، الدليل علی لزوم قصد القربة من طلوع الفجر دليل لبي و لايشمل المقام. لعله هكذا يدعي. و لكن هذا غير تام بنظرنا، فان الدليل علی لزوم قصد الصوم من طلوع الفجر هو الاطلاقات الاولية. فكلوا و اشربوا حتی يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم اتموا الصيام الی الليل يعني صوموا من طلوع الفجر الی الليل،‌ هذا لم‌يصم، هذا الی ساعة التسعة ما كان صائما. لم‌يفطر و لكنه لم‌يكن صائما لان الصائم هو الناوي للامساك عن المفطرات.

نعم، قد يتمسك لتصحيح هذا الصوم بحديث الرفع. فيقال بان قوله عليه السلام رفع عن امتي ما لايعلمون و النسيان يرفع مانعية عدم قصد الصوم في هذه الساعات الاولية أو فقل يرفع شرطية نية الصوم في هذه الساعات الاولية و يحكم باجزاء هذا الصوم الناقص. و هذا ما ذكره صاحب الكفاية في مجال آخر، في بحث الكفاية قال يثبت الاجزاء بحديث لاتعاد في باب الصلاة و حديث الرفع مطلقا.

مناقشة السيد الخوئي في الاستدلال بحديث الرفع لتصحيح صوم الجاهل

السيد الخوئي اشكل عليه فقال اما رفع ما لايعلمون فهو رفع ظاهري، فالرفع فيه ليس رفعا واقعيا و الا فالحكم المشكوك باق واقعا و انما لايجب الاحتياط بالنسبة اليه. الرفع الظاهري يعني رفع وجوب الاحتياط في قبال الوضع الظاهري، الوضع الظاهري للتكليف المشكوك هو ايجاب الاحتياط بالنسبة اليه و رفعه الظاهري هو عدم ايجاب الاحتياط بالنسبة اليه. فجريان حديث الرفع في موارد الجهل لايغير الحكم الواقعي ابدا.

و اما رفع النسيان: يقول السيد الخوئي نحن نقبل ان رفع الحكم في موارد النسيان واقعي فاذا نسي المكلف الصوم فلايجب عليه الصوم واقعا. و لكن حديث الرفع رافع للتكليف و ليس مصححا للعمل الناقص، رفع النسيان يعني وجوب الصوم من طلوع الفجر الی غروب الشمس حيث كان منسيا فهو مرفوع واقعا و لكن هل قام وجوب الصوم في بعض النهار مقام وجوب الصوم في تمام النهار عند نسيان هذا الوجوب للصوم التام؟ من اين نثبت ذلك؟ حديث الرفع لايدل علی وضع التكليف بالعمل الفاقد للجزء المنسي.

هذا محصل ما ذكره السيد الخوئي.

جواب سؤال: السيد الخوئي دائما هذا شعاره. ... في الاقل و الاكثر الارتباطيين اذا شككنا في وجوب الاكثر نرفع وجوب الاكثر رفعا ظاهريا فلايجب الاحتياط، و هذا لايصحح الاتيان بالاقل واقعا، انا معذور في الاكتفاء بالاقل، و اما اذا تبين لي انه كان يجب علی الاكثر فاكتفائي بالاقل لايجزئ الا اذا جری في حقي حديث لاتعاد و الا لايكون مجزئا. مثلا لو انا اكتفيت في الوضوء بالوضوء الناقص، اجريت البراءة عن وجوب المسح الی المفصل، قلت القدر المتيقن وجوب المسح في الرجلين الی قبة القدم،‌ اجريت البراءة عن مسح الزائد، فاكتفيت مدة بالوضوء هكذا، ثم تبين لي ان المراد من قوله تعالی و امسحوا برؤوسكم و ارجلكم الی الكعبين المراد من الكعبين المفصل كما كان السيد السيستاني يفتي بذلك فترة‌ ثم رجع الی الاحتياط الوجوبي و لعله لمصلحة التسهيل علی الناس،‌ السيد الخوئي يقول كل اعمالك باطلة، كل ما صليت فاعد صلات. السيد الخوئي يقول تلك البراءة أمّنت من العقاب فانت لاتعاقب علی ترك الصلاة الواجبة مع الوضوء التام و لكن الان بعد علمك يجب عليك قضاء تلك الصلوات كلها.

الاشكال علی كلام السيد الخوئي

بالنسبة الی ما ذكره السيد الخوئي من ان حديث رفع ما لايعلمون مفاده الرفع الظاهري قد يناقش فيه، فيقال ما هو قرينة علی ان الرفع في رفع ما لايعلمون رفع ظاهري؟ القرينة هو امتناع اخذ العلم بالحكم في موضوع الحكم؟‌ هذه قرينة عقلية علی انه حيث يمتنع تقييد الحكم بالعلم به فانه مستلزم للدور، فهذا يوجب رفع اليد عن ظهور الرفع في كونه رفعا واقعيا فنلتزم بانه رفع ظاهري. فيقال بان هذا لايتم الا في الشبهات الحكمية اما في الشبهات الموضوعية لايوجد اي دور. اذا اخذ العلم بالموضوع التكويني في ثبوت الحكم، اذا علمت بدخول شهر رمضان فيجب عليك الصوم فيه،‌ انا الی ساعة التسعة لم‌اكن اعلم بدخول شهر رمضان. اخذ العلم بالموضوع التكويني و حصر الحكم علی الموضوع المعلوم ليس دوريا. هذا ما ذكره السيد الزنجاني في ابحاثه.

الجواب عن الاشكال

انا اقول: لاينحصر دليل السيد الخوئي في استحالة اخذ العلم بالحكم في موضوع الحكم، كأن يقول بان هذا الدليل يختص باخذ العلم بالحكم و لايجري في اخذ العلم بموضوع الحكم في الحكم، بل يستظهر من قوله عليه السلام رفع ما لايعلمون ان هناك واقع لايعلم به. فحينما يقال رفع عنك ذاك الواقع الذي لايعلم به ففرض ان هناك واقع لاتعلم به. رفع عن امتي ما لايعلمون، رفع عن امتي الواقع المجهول عندهم يعني هناك واقع يجهلون به،‌ فرفع ذلك الواقع بعد فرض وجوده لايكون ظاهرا في الرفع الواقعي، رفع عن امتي ذلك الواقع المجهول، يعني الواقع المجهول فرفع عنهم، فرض انه له واقع، ثم يقول رفع عنهم يعني رفع عنهم رفعا ادعائيا في مقام التنجيز.

جواب سؤال: رفع ما اضطروا اليه... هنا لم‌يكن ما لايعملون بل ما اضطروا اليه بعدُ حتی لو رفعت حرمة فعل المضطر اليه يبقی ذلك الفعل فعلا مضطرا اليه. و لكن اذا رفع حكم الواقعي المجهول ماكو شيئا في الواقع لايعلم به. اما فيما اضطروا اليه يبقی شرب النجس المضطر اليه ما اضطروا اليه حتی لو رفعت حرمته، اما لو رفع ما لايعلمون رفعا واقعيا بعد يعني ماكو واقع، صقع الواقع خلأ عما لايعلمون، ماكو شيء لايعلم به. رفع عن امتي ما لايعلمون يعني رفع عن امتي الحكم الواقعي الذي يجهلون به، هذا لايظهر منه الا رفعا واقعا.

و هكذا قوله عليه السلام كل شيء حلال حتی تعلم انه حرام، يعني اذا علمت لاتحدث حرمته، تعلم بانه في الواقع كان حراما و العلم طريق لاحرازه، و هذا يعني ان الحلية الظاهرية لاترفع الحرمة الواقعية و الا لكان ينبغي ان يقول كل شيء حلال الی ان تعلم بانه نجس فيصير حراما، و لايصح ان يقول حتی تعرف انه حرام، حتی تعلم انه حرام، ظاهره انه حينما تعلم انه حرام العلم متاخر عن كونه حراما واقعا لا انه سبب لصيرورته حراما و في الرفع الواقعي العلم سبب لكون الفعل حراما، و هذا خلاف الظاهر.

كلام الاعلام الذين تمسكوا بحديث الرفع لاثبات الاجزاء

المهم اننا نلحظ كلام الاعلام الذين تمسكوا بحديث الرفع لاثبات الاجزاء فانه لايختص هذا المبنی بصاحب الكفاية فقد وافقه في ذلك جمع من الاعلام كالسيد الخميني فنلحظ انه ما هو دليله علی ذلك؟ ترون ان السيد الخميني في كتاب الخلل في الصلاة لايتمسك بحديث لاتعاد لتصحيح عمل تارك جزء أو شرط في حال الجهل، ابد ما تمسك به، و انما تمسك بحديث رفع ما لايعلمون.

و بعضهم تمسك بصحيحة عبدالصمد بن بشير: ايما رجل ركب امرا بجهالة فلاشيء عليه،‌ فقالوا بان من مثلا ارتكب احد المفطرات أو ارتكب احد الموانع في الصلاة يصدق انه ارتكب امرا بجهالة فلاشيء عليه يعني لاقضاء عليه،‌ لاشيء عليه لاقضاء عليه، و هكذا لو ترك شرطا في حال الجهل فلاشيء عليه لاقضاء عليه. و هذا ما كان يميل اليه بل يفتي به السيد الهاشمي. و اما التمسك بحديث رفع ما لايعلمون فهذا ما تمناه صاحب الكفاية و السيد الخميني بدعوی ان ظاهر رفع ما لايعلمون رفع الجزئية المجهولة‌، و الرفع الواقعي و ان لم‌يمكن أو كان خلاف الظاهر لكن اذا ثبت وجوب القضاء في موارد ترك الجزء‌ عن جهل فلايصح بقول مطلق ان نقول رفع تلك الجزئية المجهولة. و انما يصدق ذلك اذا لم‌يترتب علی تلك الجزئية المجهولة اي اثر فعلي، تبقی تلك الجزئية في عالم الانشاء.‌ فهذه الجزئية في حال الجهل ليست فعلية بحيث يترتب علی الاخلال بها وجوب الاعادة أو القضاء.

فهنا يقال بان هذا الذي لم‌ينو الصوم اول طلوع الفجر انما لم‌ينو الصوم عن نسيان أو جهل، فهذه الجزئية لقصد الصوم لان قصد الصوم صار مركبا ارتباطيا من اول طلوع الفجر الی غروب الليل،‌ فكل آن من آنات النهار قصد الصوم فيه جزء من الصوم الواجب، فجزئية قصد الصوم في حال الجهل أو النسيان مرفوعة في عالم فعلية الحكم و ان لم‌تكن مرفوعة في عالم الحكم الانشائي فلايصح ان نقول رفع جزئية قصد الصوم في الساعة الاولی بعد طلوع الفجر لانك كنت جاهلا بها أو ناسيا لها الا اذا لم‌يترتب علی الاخلال بها كلفة كوجوب الاعادة و القضاء فيمكن التمسك بعموم حديث الرفع حتی لو كان الرفع رفعا ظاهريا، رفعا عن عالم الفعلية و ان كانت الجزئية باقية في عالم الحكم الانشائي، لايصح هذا التعبير الا اذا لم‌يترتب اي اثر فعلي و اي كلفة زائدة علی الاخلال بهذا الجزء. فالاخلال بقصد الجزء في ساعات الجهل و النسيان لايضر فيكون هذا الصوم بعد ما التفت و نوی الصوم بمقتضی حديث الرفع صحيحا.

و هذا ما ينسب الی جماعة كدليل علی قول المشهور. و قد نسب السيد الزنجاني التمسك بحديث الرفع الی السيد الداماد. و لكن انا رأيت في كتاب الصوم للسيد الداماد انه يری كالسيد الخوئي انه لا دليل علی صحة صوم هذا الذي لم‌ينو صوم رمضان جهلا أو نسيانا من طلوع الفجر. و لعل السيد الزنجاني اعتمد علی المبنی العام للسيد الداماد في حديث الرفع بشكل عام.

فتاملوا هل يصح هذا الكلام اننا نتمسك بحديث الرفع، لا لاثبات الرفع الواقعي، لا، لاثبات آثار عدم الجزئية للجزء المجهول أو المنسي في عالم الحكم الفعلي كما يراه صاحب الكفاية يقول مرفوع عنه فعلا أو نتمسك بصحيحة عبدالصمد بن بشير ايما رجل ركب امرا بجهالة فلاشيء عليه، اطلاق نفي الشيء عليه يقتضي نفي وجوب الاعادة أو القضاء عمن ارتكب امرا بجهالة. هذا ارتكب امرا يعني لم‌ينو الصوم لا لاستخفافه باحكام الله و انما لجهله للموضوع أو نسيانه للموضوع و ايما رجل ركب امرا بجهالة‌ فلاشيء عليه.

تاملوا في هذا المطلب الی الليلة ‌القادمة ان‌شاءالله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo