< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

44/03/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: احکام النیة/ کتاب الصوم/

 

كان الكلام فيما ذكره صاحب العروة من انه في غير صوم شهر رمضان يلزم القصد الی نوع الصوم. اذا يريد يصوم صوم الكفارة لابد ان ينوي ذلك، اذا يريد يصوم صوم القضاء يجب ان ينوي ذلك، اذا يصوم صوم النذر يجب ان ينوي ذلك.

السيد الحكيم قبل ذلك. في مثل صوم الكفارة قال: الوجه في ذلك ان عنوان المأموربه هو عنوان التكفير و كل عنوان تعلق به الامر يعني ان ارادة المولی تعلقت به و ارادة العبد في التعبديات لابد ان تتبع ارادة المولی فتتعلق بنفس العنوان و تكون ارادة المولی لايجاد هذا العنوان هي السبب التشريعي لارادة العبد له و هذا يعني لزوم قصد العنوان المتعلق به الامر في العبادات.

لايكون الظاهر من العناوين في العبادات كونها قصديا

السيد الخوئي اشكل عليه، فقال: لادليل علی هذا الكلام باطلاقه. لايعتبر في العبادة الا ايجاد ذات العمل مع قصد القربة الا اذا قام دليل من الخارج علی ان عنوان العمل عنوان قصدي.

و هذا كلام متين جدا، لكن السيد الخوئي وسّع في مجال التطبيق. قال كمثال للعنوان القصدي، قال: هذا كما في ظهرين، الظهر و العصر عنوانان قصديان و يستفاد ذلك من قوله عليه السلام الا ان هذه قبل هذه و ظاهره ان نفس صلاة الظهر قبل صلاة العصر لا ان وقت صلاة الظهر قبل وقت صلاة‌ العصر، و لايتعقل ذلك الا اذا قصد ان صلاة‌ الاولی صلاة ظهر و الصلاة‌ الثانية صلاة عصر، حتی تكون صلاة الظهر قبل صلاة العصر. و هكذا ما ورد من انه اذا نسي المكلف صلاة الظهر فصلی العصر ثم تذكر في الاثناء أو بعد الصلاة يعدل الی صلاة الظهر يقول هذه صلاة ظهر و اصلي العصر بعد ذلك. و هكذا الحال في الادائي و القضاء لانه ورد في الروايات ثبوت احكام القضاء و الاداء. و هكذا في القضاء عن النفس أو الغير. لايتحقق القضاء عن النفس الا بقصد ذلك،‌ لايتحقق القضاء عن الغير الا بقصد ذلك. فلو صلی‌ أو صام من غير قصد الفريضة أو النافلة أو بلاقصد الاداء و القضاء أو قصد القضاء لكن لا عن نفسه و لا عن غيره لم‌يقع مصداقا لشيء من ذلك يعني لو صام و لم‌ينو انه عن نفسه أو عن ابيه بطل صومه.

ما هو الدليل علی ذلك؟ مجرد الاختلاف بين القضاء عن النفس أو القضاء عن الغير لايكشف عن كون كليهما عنوانين قصديين. فلعل الصوم عن الغير عنوان قصدي، و اما لو صام و لم‌ينو كونه عن نفسه أو عن غيره فيكون صوما عن نفسه،‌ ما هو دليلكم علی ان من صام و لم‌ينو انه عن نفسه أو عن غيره لم‌يصح صومه؟ مجرد التمايز بين الصوم عن النفس و الصوم عن الغير لايقتضي ذلك.

نعم، يمكن الاستشهاد علی ما ذكره السيد الخوئي انه لو صام شخص و تردد قال ما ادري هذا الصوم يكون عن نفسي أو عن ابي، اصوم، بعد ذلك في المستقبل ان‌شاءالله اعيّن، العرف لايقول هذا صام عن نفسه لانه قال انا متردد. نعم، لو لم‌يقل انا متردد ينصرف الی الصوم عن نفسه حسب الارتكاز و الا لو قال انا متردد و سوف في المستقبل اعيّن ان صومي في هذا اليوم يكون عن نفسي أو عن ابي، العرف يقول هذا لايصدق عليه انه صام عن نفسه أو صام عن ابيه. هذا هو الذي كان ينبغي ان يستدل به لا مجرد التمايز بين الصوم القضاء عن النفس أو الصوم القضاء عن الغير لان التمايز يكفي فيه قصدية احدهما.

ثم بعد ذلك ذكر السيد الخوئي ان صوم الكفارة و النذر مختلفان بالقصد. فلو صام نذرا لايقع عن الكفارة و لو صام كفارة لايقع عن النذر، و لو صام بلا قصد النذر و لا قصد الكفارة لايقع عن شيء منهما.

ثم قال بعد ذلك: و هكذا لو كان الاختلاف من حيث التقييد بالزمان، كصوم ايام البيض، فلو صام من غير قصد لجهل أو نحوه في ايام البيض فصومه صحيح لكن لايكون صوم ايام البيض أو صلی في مكان و لم‌يدر انه مسجد فطبعا لم‌يقصد الامر بالصلاة في المسجد فهذه الخصوصية لم‌تقع. ففي الجملة في جميع هذه الموارد نستكشف اختلاف الحقائق من اختلاف الآثار و الاحكام و ان اتحدت في الصورة فلابد من قصد تلك العناوين رعاية لتحقق الذات الماموربها. فكل خصوصية ملحوظة في الماموربه لامناص من تعلق القصد بها.

مجرد اختلاف الآثار لايدل علی قصدية العناوين

هذا الكلام من السيد الخوئي ايضا غير تام. مجرد اختلاف الآثار لايدل علی قصدية العناوين بحيث لو لم‌يقصد العنوان الخاص لبطل العمل. انا علیّ قضاء صوم هذه السنة و قضاء صوم السنة السابقة فصمت قضاءا بلاتعيين انه صوم هذه السنة أو صوم السنة السابقة يبطل صومي؟ هذا ما لايقول به نفس السيد الخوئي، ‌مع اختلاف الآثار، لان اثر قضاء صوم هذه السنة عدم وجوب كفارة التاخير. و لو نذرتُ ان اقضي صوم السنة السابقة فاثر قضاء الصوم السنة السابقة الوفاء بالنذر و سقوط وجوب الوفاء بالنذر و لكن هذا لايكشف عن دخل قصد العنوان في صحة العمل. صوم ايام البيض و الصلاة في المسجد عنوان قهري، اذا تقصد بذلك انه لايثاب عليه مي خالف، حتی من نوی الصلاة في المسجد لا لاجل امتثال الامر بل لاجل انه يوجد في المسجد مكيف محترم و كهربا مجان،‌ بعد الصلاة يجيبون غداة، دواعي الهية، لايثاب علی صلاته في المسجد لكنه لاينطبق عليه انه صلی في المسجد. لماذا لاينطبق عليه؟ صوم الكفارة، لو ان شخصا افطر يوما متعمدا و لم‌يكن ملتفتا الی لزوم الكفارة عليه فنوی الصوم المستحب، قام يصوم شهرين متتابعين من دون ان ينوي كفارة عن ذلك اليوم الذي افطر فيه، لماذا لايقع كفارة؟ من افطر في نهار شهر رمضان متعمدا فليصم ستين يوما، هذا صام ستين يوما.

ما يقوله السيد السيستاني من "ان المأخوذ في الكفارة خصوصية قصدية و هي المقابلة مع الذنب"، ان كان المقصود انه أخذ في وجوب كفارة الافطار العمدي ان يصوم تكفيرا عن ذنبه بحيث صار التكفير عن ذنبه مأخوذا في متعلق الامر كداع للمكلف،‌ نعم، وجب قصد ذلك، كما يقول المولی لعبده اضرب ولدي تأديبا، يعني اضربه لغاية التأديب فلو ضربه لا لغاية التأديب لم‌يمتثل امر المولی. اذا كان الواجب هنا صوم ستين يوما تكفيرا عن الذنب تم كلام السيد السيستاني، اما اذا كان التكفير عن الذنب و العقوبة علی الذنب حيثية تعليلية لامر المولی، المولی‌ يريد ان يعاقبه علی ذنبه و يكفر ذنبه فامره ان يصوم ستين يوما و هو صام ستين يوما و لو لم‌يقصد التكفير لماذا لايصح صوم الكفارة هنا في هذا الفرض؟ نحن راجعنا الادلة، لم‌نر في دليل التعبير بانه فليكفر، ان كان التعبير الوارد فليكفر لكان لدعوی ان المستفاد منه وجوب صوم ستين يوما لغرض التكفير مجالا و لكن اقرأ لكم الروايات لاحظوا!

صحيحة عبدالله بن سنان: رجل افطر في شهر رمضان متعمدا قال يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا. ما قال فليكفر، قال يصوم شهرين متتابعين، ‌هذا صام شهرين متتابعين. و لو لم‌يكن ملتفتا الی ان الواجب عليه ذلك بل تخيل انه مستحب فقال تركت صوما واجبا و ان‌شاءالله مكانه اقضي ذلك الصوم و اصوم شهرين صوما مستحبا، خب صام شهرين متتابعين بعدُ.

جواب سؤال: هو لم‌ينو القضاء. صام شهرين متتابعين. اذا نوی القضاء لم‌يكن عليه الا قضاء يوم واحد، نوی قضاءه اول ذلك، ثم قام يصوم شهرين متتابعين بتخيل انه مستحب. ... ما هو الدليل علی انه يجب ان ينوي صوم كفارة؟

و اما صوم النذر: السيد الخوئي هنا قبل انه لايحتاج الی القصد بينما انه ذكر قبيل ذلك انه يحتاج الی ذلك. اقرأ لكم عبارة السيد الخوئي لاحظوها اك تهافت فيه ام لا، اولا قال: و هكذا الحال في موارد صوم الكفارة و النذر فان المعتبر تعلق القصد بكل من العنوانين فلو صام بلا قصد للنذر و لا الكفارة لايقع عن شيء منهما. ان كان المقصود توضيح كلام صاحب العروة فهذا خلاف المستفاد من عبارة السيد الخوئي لان السيد الخوئي قام يعترض علی صاحب العروة. كيف نجمع بين هذا الكلام و بين ما يذكره بعد ذلك يقول و اما نذر صوم يوم إما مطلقا أو مقيدا فلايبعد المصير الی انه لاحاجة الی قصد الوفاء بالنذر.

السيد الحكيم: الوفاء بالنذر يحتاج الی القصد بخلاف الوفاء باليمين و الوفاء بالعهد

السيد الحكيم مصرّ علی ان الوفاء بالنذر يحتاج الی القصد بخلاف الوفاء باليمين و الوفاء بالعهد. بينما ان السيد الخوئي ينكر حتی في الوفاء بالنذر لزوم قصده و ما ذكره السيد الخوئي هو الصحيح. توضيح ذلك: ان السيد الحكيم يری‌ ان النذر حيث كان بصيغة لله علیّ ان اصوم فيملّك الصوم منه تعالی كانه قال: يا رب انت تملك في ذمتي الصوم يوما ما، فيصير مدينا لله تعالی، و يعتبر في اداء الدين قصد المدين لاداء الدين بلااشكال، و النذر دين لانه يشتمل علی صيغة لله علیّ ان اصوم. كما تكرر من السيد الحكيم ذلك في بحث الشرط، في بحث الشرط قال يجب علی المشروط‌عليه ان يقصد الوفاء بالشرط فلو اشترطت زوجة زيد عليه ان يعطيها الف ريال فيقول السيد الحكيم اذا اعطی هذا الزوج الف ريال الی زوجته ذاهلا عن الوفاء بالشرط فتأخذ الزوجة الف ريال و تصرفه بعد ذلك تقول لزوجها ليش ما تف بشرطك؟ المؤمنون عند شروطهم، انت مؤمن أو يهودي!!‌ المؤمن اذا شرط علی نفسه شرطا يفي بشرطه، تأخذ منه الف ريال ثانيا. ليش؟ لان الشرط يتضمن "لكِ علیّ أو لكَ علیّ الف درهم" هذا صار دينا و يعتبر في الدين قصد الاداء. بينما ان اليمين لايشتمل علی تمليك شيء، والله اصوم غدا، هذا لايعني انه ملّك الصوم غدا منه تعالی، عاهدت الله ان اصوم غدا ليس معناه ان ملّك الصوم لله تعالی فلايشترط فيه قصد الوفاء باليمين و لا الوفاء بالعهد لان الوفاء بالعهد لا موضوعية له ظاهر في الارشاد الی اتيان ما تعلق به اليمين أو الارشاد الی وجوب الاتيان بما تعلق به العهد. و لا موضوعية لعنوان الوفاء حتی يقصد هذا العنوان.

المناقشة

انصافا ما ذكره السيد الحكيم غير متجه. من اين نستكشفتم ان الشرط أو النذر يتضمن التمليك؟ اللام في لله علیّ لام الالتزام و ليس لام التمليك. لله علیّ يعني التزم لله لا اني املّك هذا العمل لله، هذا لام الالتزام و ليس لام التمليك.

جواب سؤال: التمليك الاعتباري لله تعالی لماذا لايتصور و لكن لا دليل عليه في هذه المجالات.

و اما في الشرط، فلاينحصر الشرط في التعبير بـ لك علیّ كذا، يمكن ان يقول: و التزم ان ادفع اليك كذا،‌ هذا شرط و ليس متضمنا لله. فلادليل علی لزوم القصد في الوفاء بالنذر كما ذكره السيد الخوئي.

و الشاهد علی ذلك نذر الترك. شخص قال لله علیّ ان لاادخّن في يوم من هذا الاسبوع، ما اقدر ان ادخن الاسبوع بكامله، انا بداية ان اريد ترك التدخين، فلله علیّ ان اترك التدخين في يوم من ايام هذا الاسبوع، فكان غافلا، فيوم واحد ترك التدخين لا بعنوان الوفاء بالنذر، لم‌يوفق لذلك، أو نذر ان يترك التدخين في هذا اليوم المعين فغفل و ترك التدخين في ذلك اليوم، غفل انه نذر ذلك، ألايصدق انه وفی بنذره؟ هو وفی‌ بنذره بعد. نذر ان يترك التدخين في يوم الخميس فترك التدخين و لو لم‌يكن ملتفتا الی انه نذر ذلك و لم‌يقصد الوفاء به.

فالانصاف انه لا دليل علی قصدية صوم الكفارة و لاقصدية صوم النذر.

لزوم قصد البدلية في القضاء

نعم، في خصوص صوم القضاء قد يقال كما ذكر السيد السيستاني ان القضاء يتقوم بقصد البدلية عما فات، فاذا لم‌يقصد البدلية فلايقال انه قضی ما فاته، فلو ان شخصا كان يصلي صلاة الفجر اول الاذان الرسمي ثم قالوا له هذا الاذان قبل طلوع الفجر لااقل بعشر دقائق، بعضهم هکذا قبل الاذان في ايام رمضان شافهين يشربون الماء يأكلون الفواكه، رأسا من ان يقول المؤذن يقومون صلاة الفجر، بهذا التدقيق، فقالوا له هذا الاذان قبل طلوع الفجر لااقل بعشر دقائق ان لم‌يكن قبل طلوع الفجر بقريب عشرين دقيقة، لااقل عشر دقائق، ‌هذا مضبوط، يقول انا في شهر رمضان برأس الاذان اصلي صلاة الفجر بسرعة و انام، المشهور يقولون يكون تقضي كل هذه الصلوات.

كان المرحوم الاستاذ الشيخ التبريزي يقول يقضي يوما واحد. ليش؟ لان اليوم الاول كان صلاته قبل الاذان، في اليوم الثاني وجب عليه قضاء صلاة ذلك اليوم فصلی ركعتين قبل طلوع الفجر لكن يقع قضاءا عن اليوم السابق و هكذا. فبقي عليه قضاء صلاة اليوم الاخير.

و لكنكم ترون هذا مو صحيح لان القضاء يحتاج الی قصد البدلية هذا لم‌يقصد البدلية بل قصد الاداء، ‌فالصحيح ان القضاء يتقوم بالقصد بخلاف الاداء و بخلاف صوم الكفارة و النذر.

و بقية الكلام في ليلة الاحد ان‌شاءالله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo