< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

44/03/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: احکام الحد و التعزیر فی الافطار التعمدی/ کتاب الصوم/

بيان الروایات الدالة علی ان حد المرتد القتل

كان الكلام في حد المرتد فذكرنا انه لااشكال في ان المرتد الفطري غير القاصر العامد أو المقصر حده القتل و لاينبغي التشكيك في ذلك. فقد وردت روايات كثيرة‌ في ذلك و جمعها الكليني في باب حد المرتد.

مثل صحيحة‌ محمد بن مسلم: من رغب عن السلام و كفر بما انزل الله علی محمد صلی الله عليه و آله بعد اسلامه فلاتوبة له و قد وجب قتله و بانت منه امرأته و يقسم ما ترك علی ولده.

و هكذا معتبرة الفضيل بن يسار عن ابي‌عبدالله عليه السلام ان رجلا من المسلمين تنصّر فأتي به اميرالمؤمنين عليه السلام فاستتابه (يحمل علی المرتد الملي بقرينة سائر الروايات) فأبی عليه (قال لا ابد ان ارجع الی الاسلام) فقبض علی شعره ثم قال طئوا يا عبادالله فوطئ (يعني الناس باقدامهم و ارجلهم) حتی مات.

و صحيحة ابن محبوب عن غير واحد من اصحابنا عن ابي‌جعفر و ابي‌عبدالله عليهما السلام في المرتد يستتاب فان تاب و الا قتل و المرأة اذا ارتدت عن الاسلام استتيبت فان تابت و رجعت و الا خلدت في السجن و ضيق عليها في حبسها. يحمل علی المرتد الملي الذي كان كثيرا في ذلك الزمان لان الاسلام دين حديث فكثير من الناس كانوا يسلمون بعد ان ولدوا علی الكفر و كانوا اذا ارتدوا كانوا مرتدين مليين لامرتدين فطريين.

و في صحيحة مسمع عن ابي‌عبدالله عليه السلام ان اميرالمؤمنين عليه السلام أتي بزنديق فضرب علاوته أي فضرب عنقه.

و في صحيحة هشام عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال اتی‌ قوما اميرالمؤمنين فقالوا السلام عليك يا ربنا فاستتابهم (يحمل علی المرتد الملي) فلم‌يتوبوا فحفر لهم حفيرا و اوقد فيها نارا و حفر حفيرة اخري الی جانبها و افضی ما بينهما (يعني فتح بينهما بابا، غريقا)‌ فلما لم‌يتوبوا القاهم في الحفيرة و اوقد في الحفيرة الاخری حتی ماتوا.

و في صحيحة ابن ابي‌يعفور قلت لابي‌عبدالله عليه السلام ان بزيعا يزعم انه نبي (يعني مرتد) فقال ان سمعته يقول ذلك فاقتله فجلست له غير مرة فلم يمكنّي ذلك،‌ ما قدرتُ ان اقتله.

و في رواية السكوني عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلی الله عليه و آله ساحر المسلمين يقتل و ساحر الكفار لايقتل قيل يا رسول الله و لمَ ‌لايقتل ساحر الكفار قال لان الكفر اعظم من السحر و لان السحر و الشرك مقرونان. الكافر كافر بعدُ فصار الكافر ساحرا لايقتل بسبب ذلك لكن الساحر من المسلمين يقتل و الكفر اعظم من السحر فالساحر الذي كان مسلما يقتل بسبب السحر فيقتل بسبب الكفر بالاولوية.

اقامة الحدود في عصر الغيبة

هذا بحسب حد المرتد. اما انه هل في عصر الغيبة تقام الحدود بشكل عام؟

المشهور علی ان الحدود تقام في عصر الغيبة.

و نسب الی ابن زهرة في الغنية و ابن ادريس في السرائر انهما انكرا صلاحية الحاكم الشرعي في عصر الغيبة لاقامة الحدود.

انا راجعت كتاب الغنية و كتاب السرائر فلم اجد فيهما تصريحا بذلك. فان صاحب الغنية هكذا يقول، صفحة 425،‌ يتولی الامام أو من يأذن له في الجلد اذا ثبت موجبه بعلمه أو باقراره و ان كان ثبوته بالبينة تولاه الشهود. الظاهر من هذا التعبير ان الحدود لاتقام في عصر الغيبة؟ يتولی الامام أو من يأذن له،‌ قد يكون الاذن خاصا و قد يكون الاذن عاما. فيدعی ان الامام عليه السلام اذن اذنا عاما للفقيه العادل ان يقيم الحدود في عصر الغيبة. و هكذا في السرائر الجزء 4 صفحة 433: اذا شاهد الامام من يزني أو يشرب الخمر كان عليه ان يقيم الحد عليه و لاينتظر قيام البينة و لا الاقرار و كذلك النائب من قبله. النائب من قبله نائب عام و خاص، لم‌يذكره. اذا كان يريد انكار اقامة الحدود في عصر الغيبة كان ينبغي ان يقول و كذلك النائب الخاص من قبله.

و نسب الی المحقق الحلي انه توقف في ذلك و هكذا العلامة في بعض كتبه.

راجعنا الی الصفحة التي اشير اليها فلم نجد لا في كتاب الشرائع و لا في غيره تصريحا بتوقف صلاحية الحاكم الشرعي لاقامة الحدود في عصر الغيبة.

نعم بين المعاصرين المرحوم السيد الخوانساري صاحب جامع المدارك كان يستشكل في اقامة الحدود في عصر الغيبة و كذلك ميرزا كاظم التريزي. و هكذا نقل عن السيد الحكيم صاحب مصباح المنهاج. و لكن لم‌نجد في كتبه الاستدلالية ما يشير الی ذلك.

السيد الخوانساري في كتاب جامع المدارك نقل كلاما للسيد الخوئي بكامله حيث دافع السيد الخوئي عن اقامة الحدود في عصر الغيبة. نقل هذه الكلمات في كتاب جامع المدارك ثم ناقش فيه.

كلام السيد الخوئي في جواز اقامة الحدود في عصر الغیبة

و حاصل كلام السيد الخوئي الذي ناقش فيه السيد الخوانساري انه يجب اقامة الحدود في عصر الغيبة مع التمكن لوجهين. راجعوا مباني تكملة المنهاج صفحة 274. يقول: يدل علی ما ذكرناه امران:

الاول: ان اقامة الحدود انما شرّعت للمصلحة العامة و دفعا للفساد و انتشار الفجور و الطغيان بين الناس و هذا ينافي اختصاصه بزمان دون زمان و ليس لحضور الامام عليه السلام دخل في ذلك قطعا فالحكمة المقتضية لتشريع الحدود تقضي باقامتها في زمان الغيبة كما تقضي بها في زمان الحضور.

الامر الثاني: ان ادلة الحدود كتابا و سنة، مطلقة و غير مقيدة بزمان دون زمان. كقوله سبحانه الزانية و الزاني فاجلدوا كلا منهما مأة جلدة السارق و السارقة فاقطعوا ايديهما. و هذه الادلة تدل علی انه لابد من اقامة الحدود و لكنها لاتدل علی ان المتصدي لاقامتها من هو؟

و من الضروري ان ذلك لم‌يشرع لكل فرد من افراد المسلمين فانه يوجب اختلال النظام و لايثبت حجر علی حجر بل يستفاد من عدة روايات انه لايجوز اقامة الحد لكل احد منها صحيحة داود بن فرقد قال سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول ان اصحاب رسول الله صلی الله عليه و آله قالوا لسعد بن عبادة أرأيت لو وجدت علی بطن امرأتك رجلا ما كنت صانعا به قال كنت اضربه بالسيف فخرج رسول الله صلی الله عليه و آله قال ماذا يا سعد فقال سعد قالوا لو وجدت علی بطن أمرأتك ما كنت صانعا به فقلت اضربه بالسيف فقال يا سعد فكيف باربعة شهود فقال يا رسول الله رأی عيني و علم الله انه قد فعل فقال صلی الله عليه و آله اي والله بعد رأی عينك و علم الله انه قد فعل ان الله قد جعل لكل شيء حدا و جعل لمن تعدی ذلك الحد حدا. يعني حد الزنا واضح و لكن انت تريد ان تتجاوز هذا الحد لان حد الزنا ينفذ من قبل الحاكم الشرعي و انت لست صالحا لاقامة الحد حتی علی زوجتك ان الله قد جعل لكل شيء حدا و جعل لمن تعدی ذلك الحد حدا.

فيقول السيد الخوئي فاذا لابد من الاخذ بالقدرالمتيقن و المتيقن هو من اليه الامر و هو الحاكم الشرعي. و تؤيد ذلك عدة روايات منها رواية اسحاق بن يعقوب: اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الی روات حديثنا، الموجبات للحدود من الحوادث الواقعة فلابد من الرجوع فيها الی الفقهاء. و في رواية حفص بن غياث قال سألت اباعبدالله عليه السلام من يقيم الحدود السلطان أو القاضي؟ قال اقامة الحدود الی من اليه الحكم. فانها بضميمة ما دل علی ان من اليه الحكم في زمان الغيبة هم الفقهاء تدل علی ان اقامة الحدود اليهم و وظيفتهم.

ثم يقول السيد الخوئي: و اما الاستدلال علی عدم جواز اقامة الحدود في عصر الغيبة بما في دعائم الاسلام و الاشعثيات عن الصادق عليه السلام عن آباءه عن عليه عليه السلام: لايصلح الحكم و لا الحدود و لا الجمعة الا بامام، فجوابه: انما في دعائم الاسلام لم‌يثبت اعتباره لارساله و اما الاشعثيات المعبر عنها بالجعفريات فهي ايضا لم‌تثبت لان هذا الكتاب لم‌يصل الينا بطريق معتبر.

مضافا الی ان هذه الرواية مشتملة علی ما هو مقطوع البطلان لان الرواية تقول: لايصلح الحكم و لا الجمعة الا بامام يعني لاتشرع الجمعة في عصر الغيبة؟ هذا خلاف المشهور. لا حكم يعني لا قضاء الا مع وجود الامام المعصوم يعني في عصر الغيبة يعطل القضاء؟ يصير حرج في المجتمع. فلو صحت الرواية لزم ‌التصرف في مدلولها و حمله علی الوظيفة الاولية و لاينافي ذلك ترخيص الامام لغيره في اقامة الحدود باذن خاص أو باذن عام.

هذا كلام السيد الخوئي.

مناقشة السيد الخوانساري

السيد الخوانساري وصل اليه كتاب تكملة مباني تكملة المنهاج للسيد الخوئي و قرأه فنقله في كتاب جامع المدارك و قام بالايراد عليه. قال اما الوجه الاول من ان حكمة التشريع للحدود تقتضي استمرارها في عصر الغيبة فجوابه (بتوضيح منا): انه لااشكال في وجود مصلحة في اقامة الحدود لكن هل هذه المصلحة ليست مبتلاة بمفسدة اقامة الحدود في عصر الغيبة بسبب غير المعصوم؟ من اين ذلك؟ لعل تفويض امر اقامة الحدود الی غير المعصوم في عصر الغيبة كان سببا لامور لايرضی بها الشارع. باسم اقامة الحدود لعله كان يرتكب الجرائم و يوجب تنفر الناس من الدين، إما للتوسع في موجبات الحد كما رأينا من جماعة قالوا ان من يذيع و ينشر دعايات في المجتمع توجب الغلق في نفوس الناس هذا سبب القتل و الاعدام. لماذا؟ لان الله يقول لئن لم‌ينته المنافقون و المرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لايجاورونك فيها الا قليلا ملعونين اينما ثقفوا اخذوا و قتلوا تقتيلا. من المرجف في المدينة؟ الذي ينشر الاخبار الكاذبة أو الصادقة توجب الغلق في المجتمع، ترجف الناس بسبب سماع هذه الاخبار أو قد يطبق عنوان مفسد في الارض علی مثل الشيخ فضل الله النوري. الذي قتل شيخ فضل الله النوري كان معمما شيخ ابراهيم الزنجاني اعدمه باتهام انه مفسد في الارض. هذا توسع في الاحكام يعني يوسع في دائرة‌ المفسد في الارض و يطبق هذا العنوان علی كل من يشتهي و كل من يريد و يعدمه. أو في الموضوع قد يوسعون. يحملون كل شيء علی انه انكار للضروري أو تكذيب للنبي و يعدمون الناس أو ما شابه ذلك. فيقول السيد الخوانساري احرزنا المصلحة في اقامة الحدود اما هذه المصلحة بلامزاحم؟ من اين ذلك؟ ليس زمانا احسن من زمان اوائل البعثة لماذا النبي صلی الله عليه و آله لم‌يقم الحدود في اوائل البعثة؟ لعدم كون مصلحة اقامة الحدود خالية عن المزاحمات.

فالمهم هو الامر الثاني و هو التمسك بالاطلاقات. السيد الخوانساري لم‌يدخل في البحث حول هذه الاطلاقات. راجعوا جامع المدارك الجزء 7 صفحة تقريبا 75. و انما شكّك في المصلحة العامة بلامزاحم في اقامة الحدود في عصر الغيبة. ثم ناقش في التحويل و تفويض امر الحكم الی الفقيه في عصر الغيبة. السيد الخوئي ما قال؟ الزانيه و الزاني فاجلدوا كل واحد منهما السارق و السارق فاقطعوا ايديهما و لكنه ليس مخولا الی المجتمع و انما مخول الی الحاكم و الحاكم يعيّن بطريق آخر، يعين بطريق التمسك بمثل رواية اسحاق بن يعقوب. يقول السيد الخوانساري رواية اسحاق بن يعقوب ضعيفة سندا و دلالة لان اللام في قوله و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الی روات حديثنا لعله للعهد فسأل اسحاق بن يعقوب عن مسائل اشكلت عليه و المسائل التي تضمنت ذكر الحوادث وقعت في ذلك الزمان، الامام يقول له اما الحوادث الواقعة عن تلكم الحوادث التي وقعت بينكم فارجعوا فيها الی روات حديثنا يعني فارجعوا فيها الی روات حديثنا حتی يبينوا لكم حكمها. خصوصا ان روات الحديث لاتساوق الفقهاء من الشيعة أ ليس السكوني من روات حديثنا؟ كم من عامي أو شيعي غير اثني‌عشري كابن الفضال صار من روات حديثهم عليهم السلام و لكن لايصلح للولاية العامة.

و اما رواية حفص، يقول السيد الخوانساري اما رواية حفص (اقامة الحدود الی من اليه الحكم) فهذه الرواية ايضا ضعيفة سندا و دلالة. لان من اليه الحكم هو الامام عليه السلام، اقامة الحدود الی من اليه الحكم، من اليه الحكم؟ ليس الا المعصوم. اما الفقيه فله الحكم في المرافعات لا مطلقا بقول مطلق. من اين احرزتم ان الفقيه في عصر الغيبة اليه الحكم و بيده الحكم؟ بيده الحكم في المرافعات لحسم النزاع بين المترافعين و ليس بقول مطلق من اليه الحكم. فمن اليه الحكم بقول مطلق هو الامام و الامام لاينطبق الا علی المعصوم كما اقر به السيد الخوئي في كتاب الصوم.

ثم يقول السيد الخوانساري و اما رواية الاشعثيات (لايصلح الحكم و لا الحدود و لا الجمعة الا بامام)، النقاش في سندها غير تام لان الجعفريات صاحب هذا الكتاب من احفاد الامام الصادق عليه السلام موثق. يبقی ان كتابه يقولون بانه لم‌يصل الينا بطريق معتبر"، هذا خلاف بناء العقلاء، وصل الينا هذا الكتاب كما وصل الينا بقية الكتب، لماذا لاتناقشون في بقية الكتب بس ركزتم علی هذا الكتاب ناقشتم فيه.

و اما ما ذكرتم من ان الرواية تشتمل علی ما هو مقطوع البطلان فجوابه ان المحتمل كون المراد من نفي الحكم الا بامام أو نفي الجمعة الا بامام انه لا حكم و لا جمعة الا باذن الامام. نظير ما ورد في بعض الروايات ان هذا مجلس، قال علی عليه السلام لشريح ان مجلس القضاء مجلس لايجلسه الا نبي أو وصي أو شقي،‌ يعني من يجلس في مجلس القضاء إما نبي أو وصي أو ماذون من قبل الوصي و الا يكون شقيا. لا حكم و لا جمعة و لا الحدود الا بامام يعني باذن الامام. و الاصل عدم اذن الامام للفقيه في عصر الغيبة باقامة الحدود.

هذا محصل كلام السيد الخوانساري. فكانّ السيد الخوانساري ناقش في اطلاق الادلة لاقامة الحدود كقوله تعالی الزانية و الزاني فاجلدوا كل واحد منهما مأة جلدة بما ذكره السيد الخوئي من انه ليس مطلقا بحيث يجوز لكل احد ان يقيم الحد و انما يسمح لبعض الناس و هو الفقيه العادل. السيد الخوانساري يقول الفقيه العادل لابد ان يحرز انه حاكم في عصر الغيبة و ولي امر في عصر الغيبة حتی نقول بانه يجوز له اقامة الحدود و نحن لانحرز جعل الولاية للفقيه في عصر الغيبة. فرجع البحث الی انكار ولاية الفقيه.

فتاملوا في كلام السيد الخوانساري هل هذا الكلام صحيح و هل السيد الخوئي تمسك بالروايات التي ليست معتبرة بنظره ايضا لاثبات جواز اقامة الحدود للفقيه أو تمسك بالقدر المتيقن الذي لايحتاج الی دليل خاص. تاملوا في ذلك الی الليلة‌ القادمة ان‌شاءالله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo