< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

44/03/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: احکام الحد و التعزیر فی الافطار التعمدی/ کتاب الصوم/

 

قبل الورود في مسائل النية في الصوم ينبغي ذكر مطالب بقيت من الابحاث السابقة في كتاب الصوم.

المطلب الاول: ذكر صاحب العروة ان افطر المكلف لا عن عذر في نهار شهر رمضان يعذره الحاكم مرتين فان عاد في الثالثة قتل.

مناقشة السيد السيستاني في الروايات الدالة علی قتل المفطر للصوم في المرة الثالثة

السيد السيستاني ذكر في تعليقة العروة‌ ان في هذا الحكم تامل بل منع.

ذكرنا ان وجه هذه التعليقة ليس معلوما عندنا و لكن سألنا فراجعوا الی تقريرات ابحاث السيد دام ظله و تبين منشأ الاشكال.

المشهور استدلوا بعدة روايات اهمها موثقة سماعة سألته عن رجل وجد في شهر رمضان و قد افطر ثلاث مرات و قد رفع الی الامام ثلاث مرات قال يقتل في الثالثة. السيد السيستاني قال: الشيخ المفيد في كتاب المقنعة صفحة 348 يقول هكذا: و روي عن ابي‌عبدالله عليه السلام انه سئل عن رجل اخذ زانيا في نهار شهر رمضان فقال قد افطر فقيل له فان رفع الی الوالي ثلاث مرات قال يقتل في الثالثة. فيقول السيد السيستاني بعد وجود هذه الزيادة في هذه الرواية ‌المرسلة‌ التي تشابه موثقة سماعة انا لااثق بنقل سماعة. سماعة ثقة و لكن انا لااعترف بحجية خبر الثقة و انما اری حجية الخبر المفيد للوثوق و الاطمينان الشخصي للفقيه و انا بعد نقل الشيخ المفيد لهذه الرواية بشكل آخر عن رجل اخذ زانيا في شهر رمضان لايحصل لي الوثوق بنقل سماعة حيث نقل عن رجل وجد في شهر رمضان و قد افطر ثلاث مرات،‌ لعل الصادر عن الامام عليه السلام مختص بمن وجد زانيا في شهر رمضان. و الزاني لااشكال في انه يجری عليه الحد مرتين فاذا عاد في الثالثة قتل كما ورد في روايات معتبرة أخری.

الرواية الثانية ما رواه الكليني في الكافي في باب حد المرتد باسناده عن علی بن ابراهيم عن محمد بن عيسی عن يونس عن ابي‌بصير عن ابي‌عبدالله عليه السلام من اخذ في شهر رمضان و قد افطر فرفع الی الامام يقتل في الثالثة. هذه الرواية لم‌يرد فيها الزنا.

السيد السيستاني يقول: حسب مبنی الذي اخترته لو درجت رواية في كتب الروائية تحت عنوان خاص فنحتمل ان الراوي لهذه الرواية و هو الكليني مثلا، وجد في هذه الرواية قرينة توجب اختصاص الرواية بذلك العنوان للباب لكنه لم‌يذكر تلك القرينة اعتمادا علی عنوان الباب و عنوان الباب في هذه الرواية باب حد المرتد.

هذا نظير ما ذكره السيد السيستاني في بحث رواية عمد الصبي و خطأه واحد، حيث جری الكلام و الحديث في انه هل هذه الرواية مطلقة؟ كل ما صدر من الصبي من عمد فهو منزل منزلة الخطأ، هل نلتزم باطلاقها؟ السيد الخوئي وجّهها بتوجيه مذكور في محله، نحن وجّهنا بتوجيه آخر. السيد السيستاني يقول: لاحاجة الی هذه التوجيهات، هذه الرواية واردة في باب مختص بجناية الصبي علی النفس و طرف الشخص الآخر،‌ قتله عمدا أو جرحه عمدا،‌ في ذيل ذلك الباب اورده هذه الرواية عمد الصبي و خطأه واحد و نحتمل ان الفقهاء قطعوا هذه الرواية عن القرائن المتصلة بها لانهم لم‌يحسوا بان هذا موجب لاغراء الآخرين في الجهل حيث اعتمدوا علی ادراج هذه الرواية في باب خاص.

و الامر هنا كذلك، باب حد المرتد ادرج فيه هذه الرواية فلعل الكليني رأی ان هذه الرواية مقترنة بقرينة توجب اختصاصها بالمرتد. من اخذ في شهر رمضان و قد افطر مستحلا،‌ اذا كان مستحلا يقتل.

ان قلت: المستحل للصوم يقتل في المرة الاولی لانه مرتد فطري كما ورد في صحيحة بريد: رجل افطر في شهر رمضان فيسأل هل عليك في افطارك اثم فان قال لا فعلي الامام ان يقتله لانه ينكر وجوب الصوم. يقول السيد السيستاني نحمل هذه الرواية علی المرتد الملي، المرتد الملي اذا افطر مستحلا للصوم فلايقتل بل يستتاب، فان تاب، بعد ذلك افطر في يوم آخر مستحلا، هَم يستتاب، فان تاب لايقتل،‌ في المرة الثالثة لايستتاب بل يقتل في الثالثة.

الجواب

انصافا هذه الاحتمالات مما يطمئن بعدمها. موثقة سماعة مع صحيحة ابي‌بصير اجتماعهما من دون ورود قيد فيهما يوجب اختصاصهما بالزاني أو المستحل للصوم، ألايوجب الاطمئنان بخلوهما عن هذه القرائن الزائدة؟ ما هو الداعي لحذف القرينة اذا رأی الكليني في هذه الرواية أو في موثقة سماعة فيحذفها. هذا امر بعيد جدا. و لذا نحن خب نری حجية خبر الثقة و لكن لو بني علی حجية الخبر المفيد للوثوق لايبعد الوثوق من هاتين الروايتين المؤيدتين برواية صحيحة يونس: اصحاب الكبائر اذا اقيم عليهم الحد مرتين يقتلون في الثالثة. و ان كنا نناقش في هذه الصحيحة فنقول الحد لايعلم شموله للتعذير،‌ اصحاب الكبائر اذا اقيم عليهم الحد، كالزاني و شارب الخمر،‌ اقيم عليهم الحد، اما المفطر للصوم يعذر و لايقام عليه الحد و الغاء الخصوصية من الحد الی التعذير كما ورد في كلام السيد الخوئي غير معلوم.

جواب سؤال: باب حد المرتد. هذا مبنی السيد السيستاني ان اختصاص الباب بعنوان يوجب اجمال الرواية المذكورة في ذلك الباب و عدم امكان التمسك بتلك الرواية للازيد من عنوان الباب. هذا مبنی السيد السيستاني.

التحقيق في صحيحة بريد الدالة علی عدم جواز تعذير الابتدائي للمفطر لا عن عذر

هذا هو المطلب الاول. المطلب الثاني: ورد في صحيحة بريد سئل ابوجعفر عليه السلام عن رجل شهد عليه الشهود انه افطر من شهر رمضان ثلاثة ايام فقال يسأل هل عليك في افطارك اثم؟ فان قال لا فان علی الامام ان يقتله و ان قال نعم فان علی الامام ان ينهكه ضربا. يستفاد من هذه الصحيحة ان من افطر في شهر رمضان و ان علم بعدم كونه معذورا و لكن لايعذر مباشرة بل يسأل فان قال افطرت مستحلا يقتل. اذا وجد الحاكم الشرعي شخصا افطر في شهر رمضان فان احتمل كونه معذورا فهو بحث آخر سيأتي، اما اذا علم بعدم كونه معذورا، شاب صحيح علم بعدم كونه معذورا، وفق هذه الرواية يسأل هل انت مستحل للصوم يعني لاتری وجوب الصوم، منكر لوجوب الصوم،‌ فان قال نعم انا لااری وجوب الصوم فان علی الامام ان يقتله، فهل نستفيد من هذه الرواية انه لايجوز تعذيره بمجرد انه يری مفطرا للصوم؟ غير معذور و انما يفتّش و يبحث عن وجه افطاره فان كان وجه افطاره انه منكر للاسلام لانه منكر لوجوب الصوم و انكاره لوجوب الصوم راجع لانكاره للاسلام و تكذيبه النبي فهنا يجب علی الامام ان يقتله. فمعنی ذلك ان الحاكم الشرعي لايجوز له ان يعذره ابتداءا و ان علم بعدم كونه معذورا.

لكن الانصاف ان الجزم بذلك مشكل؛ فلعل منشأ السؤال ما ذكره السيد الخوئي من ان الحاكم الشرعي يسأل ذلك حتی يتبين له ان هذا معذور أو ليس بمعذور. فان بقي احتمال كونه معذورا و لم‌يعلم الحاكم الشرعي من جواب هذا المكلف انه ليس بمعذور، لايعذره و لايقتله لانه بقي الحاكم الشرعي شاكا في كونه معذورا، يسأل الحاكم الشرعي حتی اذا بقي شكه في كونه معذورا لايقتله و لايعذره. اما اذا علم بانه غير معذور يريد ان يعذره يقول له لاتعذره اسأله حتی تشوف هو ينكر وجوب الصوم فيصير مرتدا كي تقتله،‌ هذا بعيد جدا و خلاف مذاق الشارع.

المطلب الثالث: حكم المرتد واضح، المرتد الفطري اذا كان رجلا يقتل و المرتد الملي اذا كان رجلا يستتاب فان تاب و الا يقتل. و المرتد سواء كان مليا أو فطريا اذا لم‌يكن رجلا كما لو ارتد امرأة فلاتقتل اصلا و انما تحبس و يضيق عليها في المأكل و المشرب و تعذر عند اوقات الصلاة حتی تتوب الی الله فان لم‌تتب يستمرون في حبسها و التضييق عليها في المأكل و المشرب الی ان تموت.

طبعا هذا اذا لم‌يترتب عنوان ثانوي أو مفسدة مهمة علی تنفيذ هذه الاحكام و الا طبعا اذا احرز عنوان ثانوي و مفسدة مهمة علی تنفيذ هذه الاحكام طبعا يستكشف عدم مشروعية تنفيذ هذه الاحكام.

الروايات الواردة في قتل المرتد كثيرة، راجعوا هذا الباب الذي نقلناه عن الكافي باب حد المرتد،‌ اكثر من عشرين رواية مذكورة في هذا الباب.

انما الكلام في انه هل يقتل المرتد في عصر غيبة الامام المعصوم عليه السلام أو لا،‌ في عصر غيبة الامام المعصوم عليه السلام يعطل هذا الحد كما عليه السيد الحكيم قدس سره، صاحب مصباح المنهاج. انتم ترون ان البحث عن اجراء الحدود في عصر الغيبة بحث مهم.

جواز قتل المرتد لمن سمعه من دون حاجة الی تنفيذ الامام عليه السلام

انا قبل ان اذكر هذا البحث و اطرح كلمات الاعلام،‌ اشير الی مطلب و هو انه ورد في الروايات جواز قتل المرتد لمن سمعه من دون حاجة الی تنفيذ الامام عليه السلام هذا الحكم. افرض شخصا رأی ان صديقه تكلم بكلام اخرجه عن الاسلام ورد في رواية معتبرة انه يجوز له ان يقتله. اقرأ هذه الرواية، موثقة عمار: الحديث الحادي‌عشر من ذلك الباب المذكور في الكافي،‌ باب حد المرتد، كل مسلم بين مسلمين (المرتد الفطري) ارتد عن الاسلام و جحد محمدا صلی الله عليه و آله نبوته و كذّبه فان دمه مباح لكل من سمع ذلك منه و علی الامام ان يقتله. الامام يجب عليه ان يقتل المرتد الفطري و لكن يجوز لكل من سمع ذلك منه ان يقتله. اذا لم‌يخف علی نفسه لانه يقتل ذلك المرتد ثم تأخذه الشرطة‌ و يقول لماذا قتلت صاحبك؟ هو يدعي انه ارتد عن الاسلام، لابد ان يثبت ذلك، و اني له باثبات ذلك، فيقال ما هو الدليل علی ان صاحبك ارتد قبل ان تقتله؟ ما عندك دليل علی ذلك،‌ فنحن نقتلك قصاصا بطلب اولياء دم ذلك المقتول. و لكن اذا لم‌يخف علی نفسه لان عنده تذكرة و يشرد من ذلك المكان،‌ هذه الرواية تدل علی جواز قتل المرتد.

و افتی بذلك العلامة الحلي في كتاب القواعد، الجزء 3 صفحه 574: المرتد ان كان عن فطرة و كان ذكرا بالغا عاقلا وجب قتله و يتولی قتله الامام و يحل لكل سامع قتله. و هكذا شيخ الاستاذ الشيخ التبريزي في كتاب أسس القضاء و الشهادة صفحه 329: قدر ورد في بعض الحدود الترخيص في الكل في اجراءها مع كونها من حدود الله سبحانه كالحد في سب النبي صلی‌ الله عليه و آله و سائر المعصومين عليهم السلام و كذا في حد ارتداد الرجل عن فطرة.

الرواية الدالة علی جواز قتل ساب النبي لكل من سمعه رواية اخری مذكورة‌ في نفس ذلك الباب. الرواية الحادية و العشرون من هذا الباب. صحيحة هشام عن ابي‌عبدالله عليه السلام انه سأل عمن شتم رسول الله صلی الله عليه و آله فقال يقتله الادنی‌ فالادنی قبل ان يرفعه الی الامام.

و قد يقال بوجوب ذلك لان يقتله الادنی فالادنی قبل ان يرفعه الی الامام. و لكن في استظهار الوجوب من هذه الرواية تامل لانه وارد في مقام توهم الحظر فقد لايستفاد من هذا التعبير اكثر من مشروعية قتل ساب النبي لكل من سمعه. و المفروض في هذه الرواية وجود امام مبسوط اليد، يقتله الادنی فالادنی قبل ان يرفعه الی الامام يعني يمكن ان يرفع امره الی الامام و يقتله الامام،‌ الامام الذي يقتل ساب النبي مبسوط اليد،‌ حاكم بالفعل،‌ و لكن الرواية تقول يقتله الادنی فالادنی قبل ان يرفعه الی الامام. طبعا هذا بحسب العنوان الاولي كما اشرنا اليه.

فمن ينكر صلاحية الحاكم الشرعي في عصر الغيبة‌ لاجراء‌ الحدود كالسيد الحكيم فقد يورد عليه بان اجراء حد الارتداد لايشترط فيه اذن الحاكم الشرعي فحتي لو لم‌يكن الحاكم الشرعي صالحا لاجراء الحدود فهذا الاشكال يختص بالحدود التي يعتبر في اجراءها و تنفيذها اذن الحاكم الشرعي و اما في حد المرتد فقد ورد النص بانه لايحتاج الی اذن الحاكم الشرعي. هذا اشكال لابد ان نتامل فيه.

كلام السيد الخوانساري في اجراء الحدود في عصر الغيبة

و اما المطلب المهم هذا البحث: هل الحاكم الشرعي في عصر غيبة الامام المعصوم عليه السلام كزماننا هذا له صلاحية في اجراء الحدود ام لا؟ جمع من الاعلام انكروا صلاحية الحاكم الشرعي لاجراء الحدود في عصر الغيبة كالسيد الخوانساري قدس سره في كتاب جامع المدارك الجزء 7 صفحة 75 فقال: اقامة الحاكم حدود الله في عصر الغيبة محل كلام و قد يستدل علی جوازها بل لزومها بامرين ذكر هذين الامرين ثم ناقش فيهما.

الامر الاول:‌ ما يقال من ان الحدود شرّعت لمصلحة العامة‌ و دفع الفساد و المنع من انتشار الفجور و الطغيان بين الناس و هذه الحكمة تقتضي بقاء الحدود في عصر الغيبة و الا لو تركنا اقامة الحدود في عصر الغيبة انتشر الفساد في المجتمع و هذا خلاف حكمة تشريع الحدود.

اجاب عنه السيد الخوانساري فقال: ماذا تقولون في اوائل بعثة‌ النبي صلی الله عليه و آله؟ النبي لم‌ينفذ الحدود في اوائل عصر البعثة و لم‌ينصب احدا لاقامة الحدود لعدم توفر الشرائط لاقامة الحدود. هذا ليس خلاف حكمة تشريع الحدود. فلعل فقد الامام المعصوم يمنع من استيفاء هذه المصلحة العامة. كم من مفسدة ترتبت علی غيبة الامام الحجة عليه السلام، و كم من مصلحة انتفت بغيبة الامام الحجة عليه السلام. و لعل هذا من جملة تلك المصالح التي انتفت لاجل غيبة الامام المعصوم عليه السلام. لعل في اقامة الحدود بسبب غير المعصوم أو نائبه الخاص مفسدة تمنع من استيفاء المصلحة العامة لاقامة الحدود لان غير المعصوم يشتبه كثيرا،‌ خصوصا اذا يوكل الامر الی جماعة لايعلم نزاهتهم و لا مكانتهم العلمية. قد يعملون باسم الحدود اعمالا شنيعا و لعل هذا خلاف المصلحة العامة.

فهذا محصل كلام السيد الخوانساري. يقول: لعله في عصر الغيبة لم‌يتوفر شرائط اقامة الحدود فلايمكن استيفاء المصلحة العامة في اقامة الحدود.

تاملوا في هذا الامر الاول و اشكال السيد الخوانساري فيه، و سنتكلم عن الامر الثاني في الليلة القادمة ان‌شاءالله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo