< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

43/06/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مبحث الطهارة/ تتمة المسألة 3 (البدار)/ احکام التیمم

كان الكلام في البدار الی التيمم في اول الوقت. فقلنا بان الصور ثلاثة:

الصورة الاولی ان يعلم بارتفاع العذر في اثناء الوقت و حينئذ لااشكال في عدم جواز البدار فلابد ان ينتظر حتی يرتفع العذر و يتوضأ أو يغتسل.

الصورة الثانية للبدار (احتمال استمرار العذر)

الصورة‌ الثانية: ان يحتمل استمرار العذر الی آخر الوقت. فتارة يقع الكلام في مقتضی القاعدة و اخری في مقتضی النصوص الخاصة.

مقتضی القاعدة: عدم جواز البدار

اما مقتضی القاعدة فالظاهر عدم جواز البدار واقعا في ما اذا كان في علم الله سوف يرتفع عذره في اثناء الوقت. فانه كما ذكر السيد الخوئي الدليل المشتمل علی الامر الاضطراري موضوعه عرفا هو العجز عن صرف الوجود الواجب الاختياري لان الواجب الاختياري وجب في حق القادر علی صرف الوجود،‌ فبمناسبة الحكم و الموضوع للامر الاضطراري متوجه الی العاجز عن صرف الوجود في تمام الوقت. فما ذكره السيد السيستاني في ابحاثه الاستدلالية من عدم وجه لهذا الانصراف غايته ان الخطاب ينصرف عن العالم بارتفاع العذر في اثنا الوقت،‌ فالظاهر عدم تماميته و هو بنفسه في تعليقة العروة خص جواز البدار بفرض اليأس عن زوال العذر في اثناء الوقت. فاذاً لو بادر شخص الی التيمم لانه مريض فعلا و يحتمل بقاء مرضه الی آخر الوقت و لكنه في اثناء الوقت برء من مرضه فيجب عليه اعادة الصلاة بوضوء أو غسل.

مقتضی الاستصحاب الاستقبالي: جواز البدار

لكن قد يقال بان مقتضی الاستصحاب جواز البدار في حقه جوازا ظاهريا. يعني ماذا‌؟ يعني يمكنه ان يستصحب بقاء مرضه الی آخر الوقت و بذلك يثبت شرعا انه مامور بالتيمم فيتيمم و يصلي و يذهب الی فراشه و ينام. نعم لو اتفق انه علم بزوال عذره فيعيد الصلاة و لكن اذا لم‌يعلم بذلك فيكتفي بهذه الحجة الاستصحابية. بينما ان من لايقبل جريان الاستصحاب يقول لابد ان ينتظر و يری هل يزول عذره ام لا.

حسب ما سمعت من نجلی السيد هو يقبل الاستصحاب الاستقبالي كالسيد الخوئي و لكن في ملحق مناسك الحج كتب عنه فتوی علی خلاف ذلك. في من ذهب الی الجمرات فرأ الازدحام الشديد في الجمرات و احتمل انه يبقی‌ هذا الازدحام و لايتمكن من مباشرة رمي الجمرة فسأل هل يجوز له الاستنابة؟ فقال يجب عليه الانتظار. بينما ان السيد الخوئي يری جواز الاستنابة‌ ظاهرا بمقتضی الاستصحاب الاستقبالي فيستنيب لرمي الجمرة‌ و يرجع الی المخيم و ينام و لايسأل احدا، لايسأل القادمين عن الجمرات هل خف الزحام ام لا؟ لايجب عليه الفحص.

المناقشة الاولی فی الاستصحاب الاستقبالی و الجواب عنها

قد يناقش في جريان الاستصحاب الاستقبالي تارة بقصور مقام الاثبات عن افادة هذا الاستصحاب. حيث يقال ان الاستصحاب منصرف الی اليقين السابق و الشك اللاحق أو فقل وجود المتيقن السابق و المشكوك الفعلي. كان علی يقين من وضوءه اول الصبح و شك في بقاء وضوءه في اول الظهر، انك كنت علی يقين من طهارتك فشككت و ليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا. و نقل ذلك عن صاحب الجواهر.

و لكن هذا لاوجه له لان عموم قوله عليه السلام لاتنقض اليقين بالشك ابدا يشمل اليقين الفعلي و الشك الاستقبالي. انا الان علی يقين من شيء و اشك في بقاءه الی وقت لاحق، لماذا لايشمله قوله عليه السلام لاينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا اذا كان يترتب علی بقاء هذا المتيقن في المستقبل اثر فعلي، لماذا لاارتب هذا الاثر الفعلي؟ فاذاً الاشكال الاثباتي غير تام.

المناقشة‌ الثانیة: شبهة المثبتیة

يبقی اشكال آخر و هو اشكال ثبوتي فيقال بانه تارة يراد اجراء الاستصحاب الاستقبالي في مثل امرأة كانت طاهرة في اول الصبح و تشك هل تبقی طاهرة الی غروب الشمس في شهر رمضان ام لا،‌ تستصحب بقاء طهارتها من الحيض فيجب عليه الصوم، الاستصحاب الاستقبالي يجري. و لكن في الاستصحاب الاستقبالي المثبت للامر الاضطراري، توجد شبهة المثبتية. فان عجز هذا المكلف عن صرف وجود الواجب الاختياري غير معلوم، لاحدوثا و لابقاءا. اذا اردتم ان اوضح ذلك اذكر لكم مثالا: اذا قال المولی لكم يجب علی من يقدر ان يشتري الخبز غدا و من لايقدر عليه يجب ان يشتري الحليب غدا، انتم في اثناء الليل و المخابز كلها معزّلة هل يمكنكم ان تقولوا انا الان عاجز عن شراء‌ الخبز فاستصحب بقاء عجزي عن شراء الخبز الی غد و احرز بذلك فعلية الامر بشراء الحليب. اروح اشتري الحليب و المحل الذي يبيعون الحليب لايعزّل‌ اشتري الحليب و اجيء الی البيت و انام غدا الی الظهر، تمسكا باستصحاب بقاء العجز عن شراء الخبز. فالعرف ألايعترض عليكم ألايقول لكم المولی ماذا قال؟ القادر يجب عليه ان يشتري الخبز غدا يعني القادر علی شراء الخبز غدا يجب عليه ذلك. لو كنت في علم الله تتمكن هذا اليوم من شراء‌ الخبز فانت من الليل يصدق في حقك انك قادر علی شراء الخبز في غد، شراء الخبز مقدور بالنسبة اليك ام لا؟ ماذا تجيب؟ تجيب بل مقدور حتی في منتصف الليل يمكنك ان تقول نعم، ‌شراء الخبز في الغد مقدور، ‌شراء الخبز الان ليس بمقدور. فاذا اردت ان تستصحب بقاء عجزك عن شراء الخبز لاثبات موضوع الامر بشراء الحليب يكون من الاصل المثبت.

كذلك في الواجبات الاضطرارية، الشارع قال:‌ يجب صرف وجود الصلاة بين الطلوعين مع الوضوء و من لايقدر عليه فيجب عليه الصلاة مع التيمم، فانت لو في علم الله قبيل طلوع الشمس تجدا ماءا و لكن اول الاذان اول الصبح ليس عندك ماء، هل يصح ان تقول انا عاجز عن الاتيان بالصلاة مع الوضوء ما بين طلوع الفجر الی طلوع الشمس؟ قطعا لست عاجزا عن ذلك اذا في علم الله قبل طلوع الشمس تظفر بماء و تتمكن ان تتوضأ منه و تصلي صلاة الصبح. من انتبه من النوم و وجد نفسه جنبا لكن يحتاج ينتظر حتی ينفتح الحمام أو حتی يصير الماء حارا، الان لايقدر علی الغسل، كيف يغتسل؟ بمار بارد؟‌ يتمرض، الحمام مو مفتوح، في البيت؟ يحتاج الی نصف ساعة حتی يصير الماء‌ حارا، الان ليس بقادر علی الغسل، لكنه يصح ان يقول لست قادرا علی صلاة الصبح بين الطلوعين مع الغسل؟ كيف لست قادرا علی ذلك؟ و بعد نصف ساعة يمكنك ان تغتسل و تصلي و لم‌تطلع الشمس بعد.

فاذاً توجد لدينا شبهة مثبتية هذا الاستصحاب الاستقبالي و ان كان جمع من الاعلام كالسيد الخوئي و السيد السيستاني ذهبا الی جريان هذا الاستصحاب، بل المحقق العراقي نفسه في تعليقة العروة و في ابحاث الاصولية عدل الی جريان الاستصحاب الاستقبالي، بعد ما كان يمنع في ذلك في كتاب الفروع العلم الاجمالي.

الصورة الثانیة للبدار (صورة الیأس): مقتضی القاعدة جواز البدار ما لم‌یعلم بارتفاع عذره

اما الصورة الثالثة و هي صورة اليأس السيد السيستاني في حد نفسه مقتضی القاعدة يقول يشملها دليل الاضطراري. دليل الاضطراري يشمل فرض اليأس عن زوال العذر في اثناء‌ الوقت. يشمله كحكم واقعي، يعني لو كنت مأيوسا عن زوال العذر فاتيت بصلاة اضطرارية حتی لو انكشف بعد ذلك زوال العذر صلاتك تكون صحيحة و لايجب عليك اعادتها. و لكن هنا كما ذكر المحقق العراقي و السيد البروجردي و السيد الخوئي يأتي نفس نكتة الانصراف الخطاب الامر الاضطراري الی العجز المستمر الی تمام الوقت.

البدار الی التیمم علی ضوء النصوص الخاصة

هذا كله وفق القاعدة، اما علی مقتضی النصوص الخاصة، فقد استدل بعدة روايات علی جواز البدار الی التيمم لمن لايعلم بزوال عذره في اثناء الوقت، سواء كان عذره فقد الماء أو عذره المرض و العجز عن استعمال الماء. توجد روايات صحيحة‌ تدل علی ان المكلف اذا صلی مع التيمم ثم وجد الماء في اثناء الوقت لاتجب عليه اعادة الصلاة. اذا صلی المكلف بتيمم ثم ارتفع عذره في اثناء الوقت، توجد روايات صحيحة تقول لاتجب عليه اعادة الصلاة. فلو كان موضوع التيمم العذر المستمر الی آخر الوقت فانكشف ان هذا ليس معذورا بعذر مستمر الی آخر الوقت فلماذا لاتجب عليه اعادة الصلاة؟

الطائفة المجوزة

نقرأ جملة من هذه الروايات ثم نقرأ ما يكون معارضا لها. ففي معتبرة ابي‌بصير قال سألت اباعبدالله عليه السلام عن رجل تيمم و صلی‌ ثم بلغ الماء‌ قبل ان يخرج الوقت يعني وصل الی الماء‌ قبل ان يخرج الوقت،‌فقال ليس عليه اعادة الصلاة.

و في صحيحة محمد بن مسلم رجل اجنب فتيمم بالصعيد و صلی ثم وجد الماء قال لايعيد ان رب الماء رب الصعيد فقد فعل احد الطهورين.

و في صحيحة زرارة‌ قلت لابي‌جعفر عليه السلام ان اصاب الماء و قد دخل في الصلاة قال فلينصرف فليتوضأ ما لم‌يركع فان كان قد ركع فليمض في صلاته فان التيمم احد الطهورين. يعني لايحتاج الی ان يكون وجدانه للماء بعد فراغه من الصلاة حتی لو وجد الماء بعد ركوعه فلايجب عليه اعادة الصلاة‌، فليمض في صلاته فان التيمم احد الطهورين.

الطائفة المانعة

لكن هناك روايات قد تكون معارضة لهذه الروايات التي فهمنا منها ان التيمم في اول الوقت و الصلاة بعده مشروع حتی لو وجد الماء في اثناء الوقت فان لم‌يكن ذلك مشروعا فلماذا لم‌يامر الامام باعادة الصلاة حينما وجد الماء في اثناء الوقت؟ لكن هذه الروايات مبتلاة بالمعارض، اقرأ الرواية الاولی من الطائفة المعارضة:

صحيحة يعقوب بن يقطين: قال سألت ابالحسن عليه السلام عن رجل تيمم فصلی فاصاب بعد صلاته ماءا أيتوضأ و يعيد الصلاة ام تجوز صلاته؟‌ فقال عليه السلام اذا وجد الماء‌ قبل ان يمضي الوقت توضأ و اعاد فان مضي الوقت فلااعادة عليه. فهذه الصحيحة تعارض الروايات الصحاح السابقة النافية لوجوب اعادة الصلاة اذا وجد ماءا في اثناء الوقت، هذه الصحيحة تقول توضأ و اعاد.

و الرواية الثانية صحيحة منصور بن حازم عن ابي‌عبدالله عليه السلام في رجل تيمم فصلی ثم اصاب الماء فقال اما انا فكنت فاعلا اني كنت اتوضأ و اعيد. الامام يقول لو انا كنت اصلي مع التيمم ثم اجد الماء في اثناء الوقت لكنت اعيد صلاتي.

و الرواية‌ الثالثة من الطائفة المعارضة صحيحة زرارة،‌المسافر يطلب الماء‌ مادام في الوقت فاذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم و ليصل في آخر الوقت. يعني لايصلي مع التيمم في اول الوقت،‌ لايبادر الی التيمم للصلاة في اول الوقت،‌ فليتيمم و ليصل في آخر الوقت.

و الرواية الرابعة اقرأها اذكر تفاصيل البحث لهذه الروايات في ليلة اخری، صحيحة عبدالله بن سنان عن الرجل تصيبه الجنابة‌ في ليلة باردة و يخاف علی نفسه ان اغتسل قال يتيمم و يصلي فاذا امن البرد اغتسل و اعاد الصلاة.

تاملوا في هذه الروايات الی الليلة القادمة ان‌شاءالله.

و الحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo