< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

43/06/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مبحث الطهارة/ المسألة 2 و 3/ احکام التیمم

المسألة 2: التيمم الواحد لكل صلوات

المسألة الثانية: اذا تيمم بعد دخول وقت فريضة أو نافلة يجوز اتيان الصلوات التي لم‌يدخل وقتها بعد دخوله ما لم‌يحدث أو يجد ماءا فلو تيمم لصلاة الصبح يجوز ان يصلي به الظهر و كذا اذا تيمم لغاية اخری غير الصلاة.

لااشكال في المسألة. فان المكلف بعد ما صار متطهرا بتيمم مشروع في حقه،‌ فلايشمله خطاب الامر بتحصيل الطهارة بتيمم أو بوضوء أو بغسل، فان الآية تقول اذا قمتم الی الصلاة فاغسلوا وجوهكم و ايديكم و ان كنتم جنبا فاطهروا الی ان قال فلم تجدوا ماءا فتيمموا و قد ورد في موثقة ابن بكير يعني اذا قمتم من النوم يعني المخاطب بهذه الآية هو المحدث الاصغر أو المحدث الاكبر. و ان كنتم جنبا فاطهروا.

و تدل علی ذلك روايات كصحيحة‌ زرارة: قلت لابي‌جعفر عليه السلام: يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل و النهار كلها، فقال: نعم ما لم‌يحدث أو يصب ماءا. و احسن من هذه الصحيحة صحيحة حماد: قال سألت اباعبدالله عليه السلام عن الرجل لايجد الماء يتيمم لكل صلاة‌؟ فقال: لا هو بمنزلة الماء. هذه الصحيحة تدل علی مشروعية ايقاع كل صلاة بتيمم واحد، بينما ان صحيحة زرارة دلت علی جواز ايقاع الصلاة الليل و النها بتيمم واحد و لكن لامفهوم لها لورود هذا القيد في سؤال السائل.

و بازاء هاتين الصحيحتين توجد صحيحة و هي صحيحة ابي‌همام عن الرضا عليه السلام: قال يتيمم لكل صلاة حتی يوجد الماء. فقد يقال بان ظاهر هذه الصحيحة وجوب التيمم لكل صلاة. كما ورد في المستحاضة غير الكثيرة، المستحاضة القليلة مثلا انها تتوضأ لكل صلاة. و لاجل ذلك افتی‌ الفقهاء‌ بلزوم ان تتوضأ المستحاضة لكل صلاة‌ فاذا ارادت ان تصلي صلاة الليل فتتوضأ لكل ركعتين من صلاة الليل، هنا ايضا ورد في الصحيحة يتيمم لكل صلاة حتی يوجد الماء.

و لكن الانصاف ان هذه الصحيحة لم‌يفرض فيها بقاء ذلك التيمم السابق بل تريد تبين طريق الحل لفاقد الماء، هو يحتاج الی ان يتوضأ و لكن لايجد الماء، الامام عليه السلام يقول يتيمم لكل صلاة. ما عندي ما اتوضأ للصلاة فيقال له تيمم لكل صلاة. و لااقل من ان هذا مقتضی الجمع العرفي بين هذه الصحيحة و الصحيحتين السابقتين.

نعم، روی محمد بن سعيد بن غزوان عن السكوني عن جعفر بن محمد عن ابيه عن آباءه عليهم السلام قال: لايتمتع بالتيمم الا صلاة واحدة و نافلتها.

لكن هذه الرواية ضعيفة‌ سندا لجهالة محمد بن سعيد بن غزوان مضافا الی انها حتی لو تمت سندا تصلح للحمل علی الاستحباب، استحباب تجديد التيمم.

المسألة 3: البدار

المسألة الثالثة: الاقوی جواز التيمم في سعة الوقت و ان احتمل ارتفاع العذر في آخره نعم مع العلم بالارتفاع يجب الصبر.

صاحب العروة في بحث التيمم اختار ان من كان لايعلم ببقاء عذره الی آخر الوقت، يجوز له ان يبادر الی التيمم و انما لايجوز ان يبادر الی التيمم من يعلم بارتفاع عذره في اثناء‌ الوقت،‌ اما من يحتمل بقاء عذره الی آخر الوقت فيجوز له ان يتيمم فضلا عمن اطمئن ببقاء عذره و لو تيمم فصلي فصلاته صحيحة لكنه في سائر الاعذار كالمريض الذي لايقدر ان يصلي قائما قال انما يجوز له ان يبادر الی الصلاة جالسا اذا كان مأيوسا من ارتفاع عذره اما اذا كان يرجو ان يزيل عذره في اثناء‌ الوقت و يتمكن من الصلاة قائما في آخر الوقت لايجوز له البدار. يعني جعل قضية العجز عن القيام للصلاة اصعب من قضية العجز عن الوضوء للصلاة. بينما ان جماعة من الفقهاء كالسيد السيستاني عكسوا، فقالوا في مسألة التيمم لمن يرجو زوال عذره و تمكنه في آخر الوقت من الوضوء بلزوم الصبر و عدم جواز البدار، و لكن في سائر الاعذار كمرض الذي يمنعه من الصلاة قائما في اول الوقت اجازوا له بان يصلي جالسا و لو كان يحتمل زوال عذره و انما قالوا بان ادلة ان المريض يصلي جالسا منصرفة عمن يعلم بانه يزول عذره في اثناء الوقت. هكذا دكر السيد السيستاني في ابحاثه. نعم لو كان الدليل الدال علی جواز ترك الصلاة الاختيارية مختصا بمثل قوله عليه السلام ما من شيء محرم الا و قد احله الله لمن اضطر اليه هذا التعبير منصرف الی العاجز في تمام الوقت لان المحرم ترك الصلاة في تمام الوقت فلايصح ان يقول انا مضطر الی ترك الصلاة الاختيارية‌ اذا كان مضطرا الی ذلك في اول الوقت اما مثل قوله المريض يصلي جالسا فليس منصرفا عنه.

التحقيق في المسألة نقول:‌ صور المسألة‌ ثلاثة: الصورة‌ الاولی ان يعلم المكلف بتمكنه في آخر الوقت من الوضوء و ان كان عاجزا عن الوضوء في اول الوقت. الصورة الثانية ما اذا احتمال بقاء عذره الی آخر الوقت. الصورة الثالثة ما اذا علم ببقاء عذره الی آخر الوقت.

اما الصورة‌ الاولی‌ و هي فرض العلم بارتفاع عذره في اثناء الوقت. فالمشهور انه يجب الصبر. هذا الفرض قبله صاحب العروة.

ان قلت:‌ الآية الكريمة تقول اذا قمتم الی الصلاة فلم تجدوا ماءا فتيمموا،‌ انا قمت الی الصلاة‌ اول الاذان و لم‌اجد ماءا، الآية الكريمة تقول فتيمموا،‌ انتم تمنعونني من التيمم.

نقول في الجواب: اولا:‌ ظاهر هذا التعبير و امثاله هو بيان العذر عن امتثال الواجب الاختياري و هو الصلاة مع الوضوء لان الواجب الاختياري هو صرف وجود الصلاة مع الوضوء و ظاهر الامر ببدله الاضطراري هو من لايتمكن من الواجب الاختياري و هو صرف الوجود للصلاة مع الوضوء، فينصرف الی العاجز عن الوضوء الی آخر الوقت.

و ثانيا: حتی لو تم اطلاق الآية فيوجد مقيد لها و هو صحيحة زرارة: المسافر يطلب الماء مادام في الوقت، فاذا خاف الوقت فليتيمم و ليصلي. نعم، هذه الصحيحة تختص بفاقد الماء لا المريض العاجز عن استعمال الماء الموجود لديه.

س: فاذا خاف الوقت فليتمم. علی اي حال هذه الصحيحة تدل علی لزوم الانتظار، اذا يعلم بوجود الماء و لو في مكان بعيد يجب عليه الصبر.

نعم، اذا لايعلم بوجود الماء في اكثر من مسافة غلوة أو غلوتين هنا اجازوا له بالفحص في هذه الدائرة.

الصورة الثانية ما اذا احتمل بقاء عذره الی آخر الوقت، اول الوقت ليس له ماء يحتمل انه ليس له ماء الی آخر الوقت،‌ اول الوقت مريض لايتمكن من الوضوء يحتمل انه الی آخر الوقت مريض، هنا ايضا المشهور عدم جواز البدار. كما عليه المحقق العراقي و السيد البروجردي.

تارة نتكلم عن مقتضی القاعدة و اخری عن النص الخاص. اما مقتضی القاعدة فالصحيح كما اختاره السيد البروجردي و المحقق العراقي و السيد الخوئي انصراف دليل الامر الاضطراري بالتيمم الی من يعجز في تمام الوقت عن الواجب الاختياري. فالعرف يفهم من الامر بالصلاة الاضطرارية لمن لايقدر علی الصلاة الاختيارية ان الواجب في الصلاة الاختيارية حيث كان، صرف وجود الصلاة الاختيارية فالعاجز عنه يعني العاجز عن صرف الوجود في تمام الوقت.

و لكن السيد السيستاني لم‌يعترف بذلك قال لاوجه للانصراف. المريض يصلي جالسا، ليس منصرفا عن المريض في الوقت و الذي لايعلم بزوال عذره. و هكذا فاقد الماء يتيمم لولا النص الخاص لكنا نلتزم بجواز التيمم له. و لكن لايمكننا ان نوافق السيد السيستاني في هذا الرأي.

هذا هو بلحاظ الحكم الواقعي. اما الحكم الظاهري فمقتضی القاعدة لولا النص الخاص هل هو امكان اجراء استصحاب بقاء العذر الی آخر الوقت فيجوز لهذا المكلف ان يأتي بالصلاة الاضطرارية في اول الوقت قضاءا لحق الاستصحاب. انا الان فاقد للماء، استصحب كوني فاقد الماء الی آخر الوقت فيثبت في حقي الامر بالتيمم، لولا النص الخاص الدال علی ان المسافر يطلب الماء مادام في الوقت فيقال بجريان هذا الاستصحاب. ثم بعد ذلك انام و لاافحص. و هكذا في سائر المجالات. و هذا ما يسمی‌ بالاستصحاب الاستقبالي. في الحج الحاج يذهب الی الجمرات اول الصبح فيشوف الجمرات مزدحمة و لايقدر هذا الحاج لكبر سنه أو لضعفه ان يعبر الناس و يتقدم و يرمي الجمرة، و لكنه يحتمل انه لو انتظر أو رجع الی المخيّم بعد ساعات يخف الزحام و يتمكن من رمي الجمرة مباشرة بلا اي حرج، هل يجب عليه الانتظار؟ ظاهر الملحق انه يجب عليه الانتظار، خلافا لمباني السيد السيستاني. فانه جوّز الاتيان بالفرد الاضطراري و هو الاستنابة أو اي فرد اضطراري اخذا باطلاق المريض يرمی عنه،‌ لافرق بينه و بين التعبير بان المريض يصلي جالسا. مضافا الی ان السيد السيستاني يقبل الاستصحاب الاستقبالي.

و لاجل ذلك السيد الخوئي قال: نعم، انا اعتقد ان جواز الاستنابة موضوعه العاجز عن مباشرة رمي الجمرة الی غروب الشمس لكن حیث ان هذا المكلف يحتمل بقاء عذره فانا اجري في حقه الاستصحاب الاستقبالي. اقول له انت الان لاتتمكن من مباشرة الرمي فاستصحب بقاء عجزك عن مباشرة الرمي الی غروب الشمس و بهذا تحرز جواز الاستنابة في حقك، استنب فالواحد يرمي عنك و ارجع الی المخيم، ابد لاتسئل عن قادمين من الجمرات بعد الظهر لاتسئلهم الجمرات كانت مزدحمة أو لا؟ ذاك الاستصحاب اغناك عن كل شيء، لماذا تفحص حتی يظهر لك خلاف ذلك الاستصحاب فتضطر الی ان تمشي الی الجمرات و ترمي الجمرات. لا، لاتسئل احدا، استريح و أجرِ الاستصحاب الی غروب الشمس.

ما هو الاستصحاب الاستقبالي؟ الاستصحاب الاستقبالي هو ان يكون المتيقن فعليا و المشكوك استقباليا. فيقول هؤلاء الاعلام بان عموم لاتنقض اليقين بالشك ابدا يشمل الاستصحاب الاستقبالي. و نحن لانناقشهم في ذلك، نقبل ان عموم دليل الاستصحاب يشمل الاستصحاب الاستقبالي، خلافا لما نقل عن الجواهر و خلافا لما عليه بعض المعاصرين في ابحاث الاصولية. و لاجل ذلك من كانت طاهرة‌ اول الصبح في شهر رمضان بمقتضي استصحاب بقاء طهارتها الی غروب الشمس يجب عليها الصوم، بمقتضی هذا الاستصحاب الاستقبالي.

لكن توجد شبهة‌ في المقام في جريان الاستصحاب الاستقبالي. و هذه الشبهة طرحها المحقق العراقي في كتاب فروع العلم الاجمالي و هو المنقول عن الفقيه الكبير السيد عبدالهادي الشيرازي قدس سره و هي شبهة ان موضوع الامر الاضطراري العاجز عن صرف وجود الطبيعة و من يشك في تمكنه من فرد من افراد الطبيعة في آخر الوقت فمن الان لايتمكن ان يقول انا قطعا عاجز عن صرف وجود الطبيعة، من اين احرزت انك عاجز عن صرف وجود الطبيعة؟ انت عاجز عن الفرد في اول الوقت و تشك في انك عاجز عن صرف وجود الطبيعة، فتشك في موضوع الامر الاضطراري و هو العجز عن صرف وجود الطبيعة و لاجل ذلك السيد البروجردي و الشيخ عبدالكريم الحائري هنا اشكلا و لعله في غير هذا المقام ايضا اشكلا علی جواز البدار.

تتاملوا في هذه الشبهة الی ليلة الاحد ان‌شاءالله.

و الحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo