< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

43/06/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مبحث الطهارة/ المسألة 1/ احکام التیمم

كان الكلام فيما افتی به المشهور من عدم جواز التيمم للصلاة‌ قبل دخول وقتها، فذكر السيد الخوئي في وجه ذلك انه قوله تعالی اذا قمتم الی الصلاة‌ الی ان يقول فلم تجدوا ماء فتيمموا أُمر فيه بالتيمم لفاقد الماء‌ أي لمن لايتمكن من الوضوء أو الغسل عند قيامه الی الصلاة، اي بعد دخول وقتها، فلايوجد دليل علی مشروعية التيمم لصلاة لم‌يدخل وقتها.

ان قلت: هذه الآية الكريمة لاتختص بالتيمم. اذا قمتم الی الصلاة فاغسلوا وجوهكم و ايديكم و ان كنتم جنبا فاطهروا أي اغتسلوا، فاذا هل تلتزمون بان عدم مشروعية غسل الجنابة‌ و الوضوء للصلاة قبل دخول وقتها؟

السيد الخوئي اجاب عن هذا الاشكال، فقال:‌ نعم، لو كنا نحن و الآية‌ الكريمة‌ نلتزم بذلك، لكن لااشكال و لاخلاف في ان غسل الجنابة مشروع و مستحب مطلقا من دون ان يختص بما بعد دخول وقت الصلاة أو بما اذا أتي به لغاية راجحة. اجنب،‌ بعد ما اجنب يذهب الی الحمام و يغتسل من الجنابة، هذا من المسلمات. و اما الوضوء، فان قلنا بان الوضوء ايضا مستحب نفسي كما هو المختار، أي لايختص استحبابه بما اذا اتي به لغاية راجحة فيكون كالغسل. و اما اذا لم‌نقل بذلك فلابد ان نشتبث بالسيرة المتشرعية القائمة علی انهم يتوضأون قبل الوقت ثم يذهبون الی اشغالهم و عند الاذان يذهبون الی المسجد و يقيمون الصلاة في اول الوقت. لكن هذه السيرة لم‌تقم في التيمم. و لاجل ذلك نلتزم بعدم مشروعية التيمم للصلاة قبل دخول وقتها.

ان قلت: التيمم ايضا مستحب نفسي و الا لو لم‌يكن التيمم مستحبا نفسيا فكيف نتيمم بقصد القربة؟ غير ان التيمم عبادة؟ فنأتي بالعبادة لله. و الا فمن اين نشأت عبادية التيمم؟ نشأت عباديته من كونه شرطا للصلاة؟ خب شرط الصلاة لايختص بالشرط التعبدي،‌ الستر ايضا شرط الصلاة فلماذا لم‌يكن عبادة. فاذاً التيمم بعد ان كانت عبادة فيثبت بذلك انه مستحب نفسي فيكون كالوضوء و الغسل و يمكن ان يؤتی‌ بالتيمم في اي وقت لفاقد الماء، فاقد الماء يأتي بالتيمم في كل وقت لانه مستحب نفسي.

يقول السيد الخوئي في الجواب: لااشكال لدينا في استحباب النفسي للتيمم و لكن الكلام في ظرف استحبابه النفسي، هل هو مستحب نفسي في كل وقت؟‌ أو مستحب نفسي بعد دخول وقت الصلاة؟ هذا هو المهم و لادليل لدينا علی انه مستحب نفسي قبل دخول وقت الصلاة الا اذا اتي به لغاية راجحة فعلية.

هذا الكلام للسيد الخوئي قابل للنقاش. لو لم‌يثبت اجماع علی اختصاص مشروعية‌ التيمم للصلاة بما بعد دخول وقت الصلاة، لو لم‌يكن هناك اجماع، فانه ادعي عليه الاجماع في كلمات صادرة من جمع من الفقهاء و لكن لو لم‌يثبت اجماع من هذا القبيل أو قلنا بان هذا الاجماع مدركي أو محتمل المدرك لامكن الدفاع عن مشروعية التيمم مطلقا و لو قبل دخول وقت الصلاة. و ذلك لان الآية الكريمة و ان لم‌تدل علی مشروعية التيمم الا عند القيام الی الصلاة‌ لكن لايظهر من الآية تقييد الاطلاقات، بيان عرفي للشرطية. اذا اردت ان تطبخ ماء اللحم فأت بالماء و صبّه في الظرف، هذا قبل ان يعزم علی طبخ ماء اللحم قبل ساعات، أتی بالماء و صبه في الاناء ثم بعد ساعات عزم علی ان يطبخ ماء‌ اللحم،‌ لايظهر من قوله اذا اردت ان تطبخ ماء اللحم فإئت بالماء، هذا ظاهر في الارشاد الی الشرطية. نعم، لااطلاق لهذه الآية الكريمة‌ الا ان المهم انا ليست ظاهرة في تقييد سائر المطلقات، فان كان هناك خطابات مطلقة تدل علی مشروعية التيمم مطلقا فيمكننا الرجوع اليها. و هناك خطابات مطلقة. اذكر جملة منها:

صحيحة‌ محمد بن مسلم قال: سألت اباجعفر عليه السلام عن الرجل تكون به القرح و الجراحة يجنب قال لابأس بان لايغتسل يتيمم. ما قال الامام يتيمم بعد دخول وقت الصلاة،‌ بل قال يتيمم مطلق.

[السؤال ... الجواب:] الظاهر انه في مقام البيان.

و هكذا صحيحة ابي نصر و صحيحة داود بن سرحان عن ابي‌عبدالله عليه السلام في الرجل تصيبه الجنابة‌ و به جروح أو قروح أو يخاف علی نفسه من البرد فقال لايغتسل و يتيمم.

نعم، في خصوص من لايجد الماء ورد في صحيحة زرارة اذا لم‌يجد المسافر الماء فليطلب مادام في الوقت فاذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم و ليصل في آخر الوقت. لكنه خاص بالمسافر الذي يرجو الظفر بالماء و لايشمل المريض الذي يضر به الماء الی آخر الوقت أو الفاقد للماء اذا يطمئن بانه لايجد الماء الی آخر الوقت.

فلماذا لانتمسك بهذه المطلقات؟ و ترون ان صحيحة حلبي تقول: سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول اذا لم‌يجد الرجل طهورا و كان جنبا فليتمسح من الارض و ليصل. صحيحه عبدالله بن سنان انه سأل اباعبدالله عليه السلام عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة و يخاف علی نفسه التلف ان اغتسل فقال يتيمم و يصلي. متي يتيمم؟‌ لم‌يقيدها الامام بما بعد دخول الوقت.

هذا اولا. و ثانيا: نفس الآية الكريمة تدل علی مشروعية التيمم اذا صدق القيام الی الصلاة و لو لم‌يدخل وقتها. انا اريد ان اصلي اول الوقت بلاتأخير غير ان اتيمم قبل دخول الوقت حتی احضّر نفسي علی ان اصلي في اول الوقت؟ لماذا لاتشملني الآية الكريمة؟ اذا قمتم، ما قال اذا دخل الوقت و قمتم الی الصلاة، يصدق اني قمت الی الصلاة‌،‌ قياما عرفيا. الله يرحم المحقق النائيني ينقل عنه انه كان قبل الاذان يجلس في سجادته و يفكر. ما ادري يفكر بالاصول يفكر بالفقه يفكر بالله. حتی يدخل الوقت و يقوم للصلاة، يصدق انه قام الی الصلاة و لو بان جاء و جلس علی سجادته دقائق.

السيد الخميني قدس سره ذكر: "انه لولا الاجماع لكنا نقول بان التيمم قبل الوقت مشروع". و له بيان لابأس بذكره. يقول: بناءا علی وجوب مقدمة الواجب لايختص وجوبها بما بعد دخول وقت الواجب. حتی لو قلنا بان الصلاة من الواجب المشروط بدخول الوقت لكن لو قلنا بوجوب المقدمة شرعا ذات التيمم أو ذات الوضوء و لو قبل الوقت مقدمةٌ، فتجب. و ما ورد في صحيحة زرارة اذا دخل الوقت وجبت الصلاة و الطهور فيجب ان يرفع اليد عن مفهومها و يتصرف في منطوقها لعدم تعقل الفرق في وجوب المقدمة بين وقت الواجب و قبل وقت الواجب.

هذا اولا. من يری وجوب المقدمة لايختص وجوبها بما بعد دخول الوقت و التيمم مقدمة للصلاة. و ثانيا:‌ المستفاد من الخطابات انه وجوب الصلاة من نحو الواجب المعلق لا الواجب المشروط بدخول الوقت. اقم الصلاة‌ لدلوك الشمس الی غسق الليل،‌ ان الصلاة كانت علی المؤمنين كتابا موقوتا، اقم الصلاة طرفي النهار و زلفا من الليل. الوجوب ليس مشروطا بشيء،‌ الواجب ظرفه بعد دخول الوقت،‌ فهذا هو الواجب المعلق. فمن الان يجب علينا صلاة الفجر في غد، من الان، بل من اول زمان البلوغ اذا كان الانسان يعيش بعد بلوغه خمسين سنة، فالصلاة خمسين سنه تصير فعلية في حقه من اول زمان بلوغه. يشعر بالتكاليف صعبا عليه، ماذا هذه الحال؟ حمّل عليه وجوب صلاة اليوم وجوب صلاة الغد وجوب صلاة‌ السنة الثانية الی خمسين سنة. هذا هو الظاهر من خطابات الواردة في وجوب الصلاة. فاذا كان خطاب وجوب الصلاة كواجب معلق فالوجوب لذي المقدمة فعلي و لامانع حينئذ عند الكل في وجوب مقدمته لهذا الوجه و التيمم مقدمة له.

و ثالثا: حتی لم‌نقل بوجوب المقدمة شرعا فالمهم ان ذات التيمم مقدمة و يؤتی به. و لم‌تقيد مقدمية التيمم بقصد غاية معينة لان من جملة تلك الغايات الكون علی الطهارة و هذه غاية قهرية، تترتب قهرا. الكون علی الطهارة غاية قهرية تترتب علی التيمم و لاحاجة الی قصدها و لم‌يقل المشهور بلزوم قصد الكون علی الطهارة حينما تتوضأ أو حينما تتيمم.

هذا الكلام للسيد الخميني قابل للنقاش. الاشكال كل الاشكال في ان مقدمة الصلاة هل هو ذات التيمم لابشرط أو التيمم بشرط شيء؟ غير انه تجيبون: اطلاقات تدل علی ان ذات التيمم شرط الصلاة؟ أو ان ذات التيمم يترتب عليه اثر الطهارة و الطهارة شرط الصلاة؟ هذا هو المهم ان ذات التيمم شرط الصلاة أو ان ذات التيمم سبب لتحقق الطهارة التي هي شرط الصلاة. الذي يستشكل كالسيد الخوئي يستشكل في ذلك يقول ما هو الدليل علی ان التيمم مطلقا شرط الصلاة.

نعم، كان بالامكان ان يناقش السيد الخوئي بمناقشة و هي ان يقال يا سيدنا الخوئي! اذا كانت الطهارة شرطا في الصلاة فتشك في ان هذا التيمم قبل دخول الوقت الذي لم‌يقصد به غاية راجحة اخری سبب للطهارة‌ فيكون من الشك في المحصل فتحتاج الی اطلاق يدل علی ان التيمم مطلقا محقق للطهارة. اما انت تری ان التيمم بنفسه شرط الصلاة فلاتحتاج الی اطلاق، بل لو لم‌يكن هناك دليل علی لزوم كون التيمم بقصد غاية راجحة فعلية فيمكنك اجراء البراءة عن تقيد التيمم بقصد غاية راجحة.

و لكن المهم وجود الاطلاقات فلانحتاج الی الرجوع الی الاصل العملي. فلولا الاجماع المنقول لكان من الواضح كفاية التيمم قبل دخول الوقت لمن يعلم باستمرار عذره.

و حيث ان هذا الاجماع المتردد في الكلمات لايورث الوثوق برأي المعصوم عليه السلام بعد احتمال استناده الی وجوه عقلية أو شبه نقلية كقوله تعالی اذا قمتم الی الصلاة حيث استفيد من هذه الآية لزوم كون التيمم حين القيام الی الصلاة،‌ أو وجوه عقلية كقولهم ان الوجوب الغيري ترشح من الوجوب النفسي و مادام لم‌يثبت الوجوب النفسي للصلاة قبل دخول الوقت فيمتنع ان يترشح منه الوجوب الغيري نحو مقدمته، و هذا وجه عقلي اجيب عنه في الاصول، فاننا لانحتاج الی ان التيمم بقصد وجوب غيره و لانری وجوبا غيرا بالمقدمة، نتيمم حتی نحقق الشرط الواجب الذي سيصير فعليا بعد دخول وقته.

و لاجل ذلك الاقرب بنظرنا ما ذكره السيد السيستاني. فالاحوط استحبابا ان يكون التيمم بعد دخول وقت الصلاة أو يكون بقصد غاية راجحة فعلية و ان كان الاقرب عدم اشتراط ذلك.

و الحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo