< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

43/04/17

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: ما یصح التیمم به/ احکام التیمم/

 

تتمة المسألة الثامنة

كان الكلام في انه هل يجب ان يكون علي ما يتيمم به غبار يعلق باليد أو انه مستحب و هل يجب نفض اليدين بعد ضربهما علي الارض أو يستحب.

الاقوال فی المسأله

المشهور علي انه كلا الامرين غير واجبين. و لكن ذهب جماعة كصاحب الحدائق و الشيخ البهائي و والده الي وجوب الامرين و اختاره السيد السيستاني و هكذا السيد الخوئي و ان كان السيد الخوئي في مقام الافتاء لم‌يفت و انما احتاط وجوبا. بل ذهب جمع من الاعلام كالسيد الشبيري في انه لابد ان يكون ما يتيمم به ما يمكن بقاء جزء منه في الكف فلايكفي التيمم علي الحجر و ان كان عليه غبار بل لابد من سحق الحجر حتي يكون الحجر مدقوقا،‌ يصير بودرة الحجر.

ادلة المسأله

و عمدة الوجه في ذلك عدة نصوص:

الاول: الآية الكريمة‌: فامسحوا بوجوهكم و ايديكم منه. فقد ذكر الزمخشري في الكشاف انه لايفهم احد من العرب من قول القائل مسحت برأسي من الدهن، مسحت برأسي من التراب، الا معني التبعيض، أي اخذت جزءا منه و مسحت به رأسي. فكل ما اشتمل علي كلمة "من" في الروايات ايضا يمكن الاستدلال بها كما ورد في عدة روايات صحاح: فليمسح من الارض. و في صحيحة زرارة: قال تعالي: فامسحوا بوجوهكم و ايديكم منه لانه علم ان ذلك اجمع لم‌يجر علي الوجه لانه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف و لايعلق ببعضها يعني لايبقي تمام التراب في الكف بل يبقي جزء منه.

و الجواب عن ذلک، ان ما تدل هذه النصوص عليه هو لزوم بقاء جزء من التراب حين مسح اليدين علی الجبهة و ظاهر اليدين و هذا قطعا ليس بواجب لما ورد في الروايات من الامر بنفض اليدين بعد ضربهما علي الارض و النفض يوجب زوال التراب. نعم يبقی التراب و لكن الغبار عرفا ليس جزءا من الصعيد. فلابد من ان نرفع اليد عن ظهور هذه النصوص في لزوم ان يكون المسح ببعض الصعيد، ولو بان يحمل ظاهر الكتاب علي الاستحباب.

ان قلت: الامر بالنفض إما وجوبي أو استحبابي‌؛ و علي اي حال ينافي استحباب مسح الوجه و ظاهر اليدين ببعض الصعيد.

قلت: يوجد جمع آخر و هو حمل "من" علی النشوية، فیکون المعنی فامسحوا بوجوهكم و ايديكم ابتداءا من الارض يعني ابتدئوا فاضربوا ايديكم علی الارض ثم انتهوا الی المسح علي جبهتكم و علی ظاهر ايديكم.

الثانی: الروایات الآمره بالنفض بعد الضرب حیث تدل بالالتزام علی علوق شیء من التراب علی الید حتی یمکن نفضه.

کموثقة ابن بكير عن زرارة انه سأل اباجعفر عليه السلام عن التيمم فضرب بيده الارض ثم رفعهما ثم نفضهما. يعني ضرب احدی يديه بالاخری كي يزول بذلك التراب الموجود في الكفين.

و کرواية صفوان عن عمرو بن ابي المقدام عن ابي عبدالله عليه السلام انه وصف التيمم فضرب بيديه علي الارض ثم رفعهما فنفضهما.

اشكل علی الاستدلال علي هذه الروايات بان الامر بالنفض ظاهر في الموجبة المحصلة كقضية شرطية: ان وجد تراب في الكفين فينفضهما، اما انه يجب ان يوجد تراب في الكفين بعد ضربهما علی‌ الارض ؟ فلا. دلالة فیها

لکن قد يجاب عنه بان الروايات لم‌تشتمل علی قضية شرطية. بل يدل بالالتزام علی انه لابد ان يوجد شيء من التراب في الكفين حتی يمتثل الامر بنفض اليدين. فانه اذا قال يجب نفضهما فهذا ليس لغوا.

لكن هذا الجواب الذي ذكره جمع من الاعلام كالسيد الخوئي يمكن النقاش فيه بان الامام عليه السلام لو كان يقول اضرب بيديك الارض ثم ارفعهما فانفضهما، تم الجواب، اما انه سئل الامام عليه السلام عن كيفية التيمم فتيمم الامام عليه السلام بما يبقی اثره في كفيه الشريفتين فنفضهما، لايستفاد من ذلك وجوب النفض مطلقا بل لعل الامام عليه السلام رأي ان التراب الذي تيمم به بقي جزء منه في كفيه فنفضهما. خصوصا مع ان الراوي لم‌يركز في علوق شيء في كفّي الامام عليه السلام فضرب بيديه الارض ثم رفعهما فنفضهما؛ ركز علي النفض. ففرق بين الامر بالنفض و بين بيان ان الامام نفض يديه بعد ما ضرب بيديه الارض.

فاذاً هذه الروايات و ان قلنا بانها تدل علی لزوم النفض لکن لاتدل بالالتزام علی وجوب علوق شيء في الكفين كي يكون مقدمة للامتثال للامر بالنفض.

نعم ورد فی رواية القاسم بن عروة عن ابن بکیر عن زراره عن ابی جعفر علیه السلام في التيمم قال تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك. فقد امر بالنفض بناءا تمامية سند هذه الرواية، فان السيد الخوئي لايری وثاقته و لكن نحن من باب انه من مشايخ ابن ابي عمير و البزنطي نراه ثقة.

لکن السيد البروجردي في مثل هذه الروايات كان يقول لانثق بتعدد الروايتين. فانه یعني سأل زراره الامام الباقر عليه السلام عن التيمم مرتين.فمرة علمه الامام كيفية التيمم بفعله و مرة أخری قال له تضرب بكفيك الارض ثم تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك. كان السيد البروجردي في مثل هذه الروايات انه لايوثق بتعدد الروايتين بعد انه كان ظاهرة النقل بالمعنی منتشرة بين الروات. و لعل السيد السيستاني حيث يری الوثوق بالصدور لايری حجية خبر الثقة اذا لم‌يفد الوثوق بالصدور يصير علی نهج السيد البروجردي فی هذا المجال.

و اما نحن فقد قلنا بحجية خبر الثقة مطلقا استنادا الی اطلاق صحيحة الحميري، سواء افاد خبرهما الوثوق الشخصي أم لا. فبناءا علی تعدد الروايتين يمكننا الاخذ بهذه الرواية الثانية فانه أمر بالنفض و نحن نعترف بانه اذا امر الامام بالنفض فمدلوله الالتزامي لزوم ان يعلق شيء من التراب في الكفين و لاجل ذلك حذرا من مخالفة المشهور لانفتي بالوجوب نحتاط في كلا الامرين في العلوق و النفض.

اما انه لايوجد الامر بالنفض في بعض الروايات كصحيحة زرارة قال ابوجعفر عليه السلام قال رسول الله صلي الله عليه و آله ذات يوم لعمار في سفر له يا عمار بلغنا انك اجنبت فكيف صنعت؟ قال تمرغّت يا رسول الله في التراب فقال له كذلك يتمرغ الحمار ‌أفلاصنعت كذا ثم اهوی بيديه الي الارض فوضعهما علی الصعيد ثم مسح جبينه باصابعه و كفيه احديهما بالاخری ثم لم‌يعد ذلك . فهنا لم‌يبين الامام انه نفضهما. لكن نقل ابن ادريس في السرائر من كتاب نوادر البزنطي عن عبدالله بن بكير عن زرارة عن ابي جعفر عليه السلام قال: اتی عمار بن ياسر رسول الله صلي الله عليه و آله فقال يا رسول الله اني اجنبت الليلة فلم يكن معي ماء. في تلك الرواية النبي سأله بلغنا انك اجنبت فكيف صنعت، هذه الرواية تقول عمار نفسه قال يا رسول الله اني اجنبت الليلة فلم يكن معي ماء قال كيف صنعت قال طرحت ثوبي و قمت علی الصعيد فتمعّکت فيه. فقال هكذا يصنع الحمار انما قال الله عز و جل فتيمموا صعيدا طيبا فضرب بيده علی الارض ثم ضرب احديهما علي الاخری. ففي هذه الرواية ذكر في قضية عمار ان النبي نفض يديه بعنوان انه ضرب يديه علی الاخری.

و لكن مع ذلك ورد في رواية حماد بن عثمان عن زرارة قال سمعت اباجعفر عليه السلام يقول و ذكر التيمم و ما صنع عمار فوضع ابوجعفر عليه السلام كفيه علی الارض ثم مسح وجهه و كفيه و لم‌يمسح الذراعين بالشيء. فهذه الرواية لم‌يذكر فيها النفض. و لكن لعلها ناظرة الی انه لم‌يمسح الذراعين بشيء، و كان الراوي بصدد ان الامام لم یمسح ذراعيه. لان بعض الفقهاء كالصدوق و والده يقولون بانه يجب ان يكون التيمم مثل الوضوء،‌

و فی رواية علي بن حكم عن داود بن نعمان قال سألت اباعبدالله عليه السلام عن التيمم قال ان عمار اصابته جنابة فتمعّکت كما تتمعّك الدابة فقال له رسول الله صلی الله عليه و آله و هو يهزأ به فقال يا عمار تمعكت کما تتمعك الدابة فقلنا له (يعني نحن قلنا للامام ابي عبدالله عليه السلام) فكيف التيمم فوضع يده علی الارض ثم رفعهما فمسح بها وجهه و يديه فوق الكف قليلا. و هذا لايدل علی انه لم‌ينفضهما لانه كان بصدد بيان انه لم‌يمسح اكثر من كفيه و جبهته. فالراوي كان بصدد بيان نفي توهم انه يجب في التيمم مسح الجميع من المرفق.

فلا یدل عدم ذکر النفض فی هذه الروایات علی عدم وجوبه.

و كذا يستشكل علي هذه الروايات باشكال آخر. فيقال بان الاعلام و الفقهاء العظام اعرضوا عن ظاهر هذه الروايات و لم‌يفتوا بلزوم النفض، و حملوها علی الاستحباب. فالشهرة علی عدم الوجوب بل ذكر صاحب المدارك انه لايعرف خلافا بين الاصحاب في ذلك.

و يضاف الی ذلك ايضا، فيقال بانه بعد ان كانت كيفية التيمم من المسائل المبتلی بها فلو كان النفض واجبا أو كان علوق شيء في الكفين واجبا لبان و انتشر و لم‌تنعقد الشهرة علی الاستحباب.

نقول في الجواب: الشهرة بين المتاخرين علی عدم الوجوب معلومة و لكن المهم الشهرة القدمائية. و ما رأيناه في كلمات القدماء، الا ابن حمزه حیث صرح‌ في الوسيلة باستحباب النفض. فقال اما كيفية التيمم فيشتمل علی واجب و ندب، الی ان قال: و الندب ثلاثة اشياء: تفريج الاصابع اذا ضرب يديه علی الارض و النفض بعده. و اما بقية الاعلام فنری ان الحلبي في اشارة السبق صرح بالوجوب، حیث قال و يجب فيه ضرب كفيه جميعا علی ما يتيمم به و نفضهما. و سائر الفقهاء المتقدمين ظاهر كلامهم الوجوب. كالصدوق في المقنع و الهداية و الشيخ المفيد في المقنعة و الشيخ الطوسي في التهذيب و في المبسوط و النهاية و سلار في المراسم و ابن زهرة في الغنية. مثلا قال فی المبسوط: اذا اراد التيمم وضع يديه معا علي الارض مفرجا اصابعه و ينفضهما.

فالمتحصل انه یجب کل من العلوق و النفض احتیاطا

 

کیفیة النفض

ورد في موثقة زرارة كيفية النفض و هو ان النبي صلي الله عليه و آله ضرب بيديه علی الارض ثم ضرب احدهما علي الاخری. لکن هذا لیس بلازم فان‌ مقتضي الاطلاق كفاية مطلق النفض. فان هذا الفعل ،‌ كيفية‌ من كيفيات النفض، اما ان هذه الكيفية واجبة؟ لادليل علي وجوبها.

فصل فی كيفية التيمم

قال السید ره: و يجب فيه امور: الاول: ضرب باطن اليدين دفعتا علی الارض فلايكفي الوضع بدون الضرب و لا الضرب باحديهما و لا بهما علی التعاقب و لا الضرب بظاهرهما حال الاختيار نعم حال الاضطرار يكفي الوضع و مع تعذر ضرب احديهما يضعها و يضرب بالاخری و مع تعذر الباطن فيهما أو فيهما ينتقل الي الظاهر فيهما أو في احديهما و نجاسة الباطن لاتعد عذرا فلاينتقل معها الي الظاهر.

فهنا عدة مطالب:

المطلب الاول انه هل یشترط الضرب ام یکفی الوضع بل مطلق المماسه؟

قال السید ره بوجوب الضرب. و قد علق الشيخ الجواهري علی هذه العبارة فقال‌ الظاهر كفاية الوضع. كما علق السيد الخميني قدس سره: فلايكفي الوضع علی الاحوط و الكفاية لاتخلو من وجه.

ادلة المسئلة

ان الروايات علی‌ قسمين: ورد في بعض الروايات مجرد الوضع.و لكن ورد في عدة روايات ورد عنوان الضرب.

و العلاج المشهور هو حمل المطلق علی المقيد، فيحمل الامر بالوضع علی كونه بنحو الضرب. الوضع علي نوعين: وضع ضربي و وضع غير ضربي، فنقيد الوضع بكونه ضربيا.

و لكن قد يناقش في هذا الجمع كجمع عرفي فيقال (كما يقول السيد السيستاني في عدة مجالات) انه اذا كانت الروايات المطلقة في مقام الافتاء و ورد الامر بالقيد في روايات منفصلة أخری حيث ان حمل المطلقات علی المقيد يوجب القاء الناس في مفسدة مخالفة الواقع يلزم منه تاخير البيان عن وقت الحاجة، فالعرف يحمل الامر بالمقيد في الروايات الطائفة الثانية علی الاستحباب .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo