< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

43/02/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مسوغات التیمم/احکام التیمم/

 

مسألة 26: إذا كان واجداً للماء و أخر الصلاة عمداً إلى أن ضاق الوقت عصى و لكن يجب عليه التيمّم و الصلاة و لا يلزم القضاء و إن كان الأحوط احتياطاً شديدا.

فالصلاة مع الوضوء كان واجبا تعيينيا في حقه ولايجوز عصيانه، ولكن لو عصي فيجب عليه الصلاة مع التيمم.

قد نسب الى المحقق الحلي وكاشف اللثام وجامع المقاصد والمدارك انه يجب القضاء في هذه الصورة ولايجتزء بالصلاة مع التيمم، ووجهه هو ان المكلف كان واجدا للماء ومتمكنا من طبيعي الصلاة وقد عجّز نفسه عن الوضوء باختياره فلايشرع في حقه الصلاة مع التيمم، وهذا كما في عدم مشروعية التيمم في اول الوقت لمن سيصير واجدا للماء في آخر الوقت.

السيد الخوئي وافقهم في ذلك وقال لولا ما ثبت بالنسبة الى خصوص الصلاة من انها لاتسقط بحال لكنّا نقول بمثل قولهم، فان قولهم موافق للمرتكز العرفي، فإذا أمر المولى عبده بطبخ الطعام مع الماء، و على تقدير عدم التمكن منه أو العجز عنه أمره بشراء الخبز مثلًا، ثم العبد أراق الماء باختياره ليندرج في موضوع وجوب شراء الخبز فان الفهم العرفي يقتضي عدم كفاية هذا العجز و الفقدان في وجوب شراء الخبز في حقه، ولكن نلتزم لاجل صحيحة زرارة من ان الصلاة لاتسقط بحال بوجوب الصلاة عليه مع التيمم، ولاجل ذلك يستشكل في صحة الصوم مع التيمم اذا ضاق الوقت عن الغسل بلاعذر، ولكنه في فتواه التزم بصحة صومه.

ويرد عليه انه لايبعد ان يقال بان اطلاق الآية في آخر الوقت يشمل هذا المكلف اذا قمتم الى الصلاة ولم تجدوا ماءا اي لم تتمكنوا من الوضوء فيجب عليكم الصلاة مع التيمم، فيستفاد من الآية حكمان الحكم الاول انه في اول الوقت تجب الصلاة مع الوضوء وفي آخر الوقت يجب الصلاة مع التيمم لمن كان فاقدا للماء.

واما صحيحة زرارة فقد مر منا مرارا وقبله السيد السيستاني انها ليست الا في مقام النصيحة والتاكيد ان ثقل وظيفة المستحاضة لايجعلها تترك وظيفتها تغتسل وتحتشي وتصلي ولاتدع الصلاة بحال، فان النبي صلى الله عليه وآله قال الصلاة عماد دينكم ولايستفاد من هذه الصحيحة الاوامر الثانوية الاضطرارية بحث كلما عجّز المكلف نفسه عن الصلاة الاختيارية في اول الوقت يعوّض الله تعالي التكاليف الاختيارية بالتكاليف الاضطرارية، ولاجل ذلك نلتزم بصحة صوم المكلف الذي اخر الغسل الى ان ضاق الوقت، فصام مع التيمم.

مسألة 27: إذا شك في ضيق الوقت و سعته بنى على البقاء و توضأ أو اغتسل، و أمّا إذا علم ضيقه و شك في كفايته لتحصيل الطهارة و الصلاة و عدمها و خاف الفوت إذا حصلها فلا يبعد الانتقال إلى التيمّم.

ففي الصورة الاولى الاستصحاب يقول الوقت باق، ويرتفع خوف ضيق الوقت بالتعبد الاستصحابي، وفي الصورة الثانية لايجري استصحاب بقاء الوقت لان الوقت ينتهي في الاجل المعلوم فيحصل خوف ضيق الوقت، ولكن السيد الخوئي والسيد السيستاني قالوا بوجوب التيمم في كلتا الصورتين، فان الاستصحاب وان كان جاريا في الصورتين، حيث يشك في بقاء النهار الى آخر الصلاة فيستصحب بقاء النهار الى آخر الصلاة، ولكن المشكل ان الاستصحاب لايرفع خوف فوت الوقت، لان ظاهر ما ورد في صحيحة زرارة من قوله عليه السلام اذا لم يجد المسافر الماء فليطلب او فليمسك ما دام في الوقت فاذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم وليصلي، فان ظاهرها ان موضوع وجوب التيمم ولو ظاهرا هو خوف فوت الوقت، وظاهر الوقت هو الوقت الواقعي، واستصحاب بقاء الوقت لايرفع خوف فوت الوقت، كما في خوف وقوع الضرر البليغ عليه او ايقاعه على آخرين فهو موضوع لوجوب التحرز والاستصحاب لاينفي هذا الموضوع.

ذكر السيد الخوئي هنا رواية وعبر عنها بصحيحة الحلبي مع وجود محمد بن سنان في سنده، «سألته عن رجل نسي الأُولى و العصر جميعاً ثم ذكر ذلك عند غروب الشمس فقال: إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصل الظهر ثم يصلِّي العصر، و إن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر و لا يؤخرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعاً، و لكن يصلِّي العصر فيما قد بقي من وقتها ثم ليصل الاولى بعد ذلك على أثرها"

وهذه الرواية ضعيفة سندا مضافا الى انها واردة في وجوب المبادرة الى صلاة العصر ولاربط له بالمقام حيث يخاف في المقام من خوف فوت الوقت من اجل الوضوء، ولعل الشارع يامره بالوضوء لاجل الاستصحاب، ولكن في خوف وقت صلاة العصر يأمر باداءها ولايجري الاستصحاب.

انا لااقول ان خوف فوت الوقت موضوع لوجوب التيمم، بل حتى لو كان طريقا شرعيا كفى في وجود امر ظاهري بالتيمم.

ان قلت لو قامت بينة على بقاء الوقت فهل تلتزمون بانه لايكفي ذلك في جواز الوضوء، نقول اذا زال الخوف العقلائي بسبب شهادة البينة نلتزم بانه يجب الوضوء لزوال الخوف ولكن لولم يزل الخوف العقلائي في نفس المكلف نلتزم بانه يجب عليه التيمم لان البينة لم تزل الخوف الناشئ عن المناشئ العقلائية.

ذكر السيد السيستاني مطلبين المطلب الاول: خوف فوت الواجب موضوع عقلائي لوجوب المبادرة الى الواجب، كحكم عقلائي لاتعبد شرعي، مثلا امرأة خافت اذا اخرت الصلاة عن وقتها ان تحيض فهنا حكم عقلائي بان خوف فوت الواجب موضوع لوجوب المبادرة عقلاءا، السيد الخوئي يلتزم بذلك من باب قاعدة الاشتغال، وان استصحاب الطهر في حقها لايمكن ان يثبت تحقق الامتثال الا بنحو الاصل المثبت، ولاجل ذلك تجري قاعدة الاشتغال كحكم عقلي، او استصحاب عدم اتيانها بالصلاة كاستصحاب استقبالي.

ولايجري السيد السيستاني استصحاب بقاء الوقت لانه يرى ان الاستصحاب هو البناء العقلائي على بقاء الحالة السابقة ويعبر عنه باليقين الاحساسي، ووجوب المبادرة حكم عقلائي مقدم على الاستصحاب ولايجرون الاستصحاب ولايوجد في دليل الاستصحاب اكثر مما جرى عليه العقلاء في الاستصحاب.

ولكن هذا بحث مبنائي، ولانقبل ان الاستصحاب مما جرى عليه العقلاء ولانرى انه لااطلاق للاستصحاب التعبدي ازيد من بناء العقلاء بل نرى اطلاق دليله.

المطلب الثاني قال السيد السيستاني قال الله تعالى ﴿حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى﴾، وورد في الروايات ان المراد به هو المحافظة على وقت الصلاة والمحافظة هوالتوثيق والتاكد، وجوب المحافظة على الامانة هو حصول التوثيق انه لايسرقها احد فلايكتفي بالاستصحاب، وهكذا المحافظة على وقت الصلاة هو عدم الاكتفاء بالاستصحاب، وهنا واجب آخر وهو الوضوء للصلاة وجوب المحافظة على الصلاة مقدم على وجوب الوضوء لان وجوب الوضوء من الواجبات التي ترتفع بمجرد اي تكليف آخر، فوجوب المحافظة يتزاحم مع وجوب الوضوء فيتقدم عليه.

ولكن نحن لانقبل هذا المطلب ايضا لانه لا نرى التزاحم في الواجبات الضمنية وفاقا للسيد الخوئي خلافا للمحقق النائيني والسيد السيستاني.

فالمهم ان صحيحة زرارة دلت على وجوب التيمم عند خوف فوت الوقت، وظاهر الوقت هو الوقت الواقعي لاالاعم منه والوقت الظاهري، فاستصحاب بقاء الوقت لايرفع عنوان خوف فوت الوقت.

واما ما ذكره السيد الخوئي والسيد السيستاني من جريان الاستصحاب في الصورة الثانية اي ما لم يعلم ان الوضوء هل يبلغ الحد ام لا، فيجريان الاستصحاب لافي عمود الزمان بل في استصحاب الوقت الى نهاية الصلاة، نقول يتعارض هذا الاستصحاب مع استصحاب عدم الانتهاء من الصلاة الى ان يخرج الوقت، انت لاتزال على صلاتك حتى يخرج الوقت، وهذه المعارضة مستقرة بنظر السيد السيستاني فلماذا يجري استصحاب بقاء الوقت الى آخر الوقت ولم يتعرض للاستصحاب المعارض؟!.

نعم يوجد مبرر للسيد الخوئي في انه لم يتعرض للمعارضة وهو ان السيد الخوئي يجري الاستصحاب في الجهة التي تثبت موضوع الحكم او متعلق الحكم ولايجري الاستصحاب في الجهة المعاكسة، مثلا امرأة طلقت طلاقا رجعيا وتحقق امران خروجها من عدتها ورجوع زوجها اليها ولايدرى هل رجع الزوج اولا ثم خرجت المراة عن عدتها حتى ينفذ الرجوع عن الطلاق الرجعي او خرجت عن عدتها ثم رجع الزوج كي لاينفذ رجوع الزوج، يقول السيد الخوئي يستصحب بقاءها في عدتها الى زمان الرجوع، سواء كان زمان الرجوع والخروج عن العدة مجهولي التاريخ او معلومي التاريخ او كان احدهما معلوما والآخر مجهولا، ففي جميع هذه الصور يجري الاستصحاب المثبت لصحة الرجوع ولايقبل جريان استصحاب عدم رجوعه عن الطلاق الى زمان خروجها عن عدتها، ولايعارض باستصحاب عدم رجوعه الى زمان خروجها عن العدة لان هذا الاستصحاب ينفي موضوع الحكم، فانه لو كان هذا الاستصحاب النافي جاريا لكان يجري في نفس صحيحة زرارة في دليل الاستصحاب، حيث يجري استصحاب عدم الاتيان بالصلاة في زمان الوضوء، معارضا لاستصحاب بقاء الوضوء.

ونحن اجبنا عن هذا الاشكال في الاصول مفصلا ولانعيده.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo