< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

44/03/25

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: مفهوم الحصر و العدد

كان الكلام في مفهوم الاستثناء و قبلنا المفهوم المطلق للجملة الاستثنائية وفاقا للمشهور و منهم صاحب البحوث و ان عدل عن ذلك الى القول بعدم ثبوت مفهوم الاستثناء في الحلقة الثالثة، و قال لا يظهر من الجملة الاستثنائية اكثر من انه مثلا يجب اكرام العالم الا الفاسق يدل علی وجوب اکرام العالم وجوبا مستثنا منه الفاسق و هذا لا ینفي ثبوت وجوب اکرام عالم بنحو آخر، کما لو کان وجوب اکرام العالم مشروطا بزیارته، اذا زرت عالما فاکرمه او اذا زارک عالم فاکرمه، فوجوب اكرام عالم متصف بكونه مستثنا منه العالم الفاسق لا يدل على انتفاء سنخ وجوب اكرام العالم بنحو لا يستثنى منه الفاسق كما لو ورد في خطاب آخر اذا جاءك عالم فاكرمه، هذا وجوب آخر لإكرام العالم وجوب مشروط بمجيئه و هذا لا يستثني منه الفاسق، اثبات وجوب اكرام عالم متصف هذا الوجوب بكونه مستثنى منه الفاسق لا يدل على انتفاء فرد آخر لوجوب اكرام العالم لا يستثنى منه الفاسق. كما ورد اذا جاءك عالم فاكرمه.

و لكن الانصاف ان ما ذكره خلاف الظاهر جدا فان الظاهر من قوله يجب اكرام العالم الا الفاسق ان الفاسق مستثنى عن وجوب اكرام العالم مطلقا كان وجوب اكرام العالم او مقيدا بقيد كمجيئه.

ثم انه قد يستدل على ثبوت مفهوم الاستثناء بقوله "لا اله الا الله" كلمة التوحيد، فيقال لو لم يثبت مفهوم الاستثناء لم يدل هذا الكلام على الاعتراف بالله تعالى، و انما ينفي وجود اله غير الله و هذا لا يكفي في الاسلام.

و لكن هذا غير تام فانه يكفي في الاسلام ان يكون الاستثناء دالا على المفهوم في الجملة، المفهوم في الجملة للاستثناء يكفي في الاعتراف بالإسلام لان المستثنى جزئي و هو الله و ليس مفهوما كليا، "لا اله الا الله" يدل على الاعتراف بوجوده تعالى و هذا مفهومه في الجملة عين مفهومه بالجملة، كما في كل جزئي وقع مورد الاستثناء. مضافا الى ان "لا اله الا الله" كلمة نفي الشريك لله تعالى، المشركون كانوا يعترفون بوجوده تعالى و انه خالقهم و خالق السماوات و الأرض، فقد قال تعالى ﴿وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه﴾ ﴿وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ و كانوا يقولون ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ، اي ما نعبد الاوثان، إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ فليس معنى "لا اله الا الله" الاعتراف بوجوده تعالى و انما معناه نفي الشريك في العبادة لله تعالى فكان يكفي هذا الكلام في الخروج عن الشرك، لا معبود الا الله في قبال قول المشركين ان المعبود لا يختص به تعالى.

و لإجل ذلك نجيب عن اشكال مذكور على جملة "لا اله الا الله" حيث يقال: ما هو الخبر المقدر في هذه الجملة؟ فان الخبر المقدر انما ممكن او موجود فان كان المقدر ممكن يكون معناه "لا اله ممكن الا الله" فيعني ان الله ممكن لا انه موجود، الله ممكن هذا ليس اعترافا بوجوده تعالى. و ان كان المقدر كلمة موجود "لا اله موجود الا الله" هذا لا يعني امتناع شريك الباري مع ان المعتبر في الاسلام الاعتقاد بامتناع شريك الباري لا مجرد انكار وجود شريك الباري.

فإنا اجبنا عن هذا الاشكال بان المقصود من هذه الجملة نفي معبود غير الله في قبال المشركين و لكن مع الغمض عما ذكرناه يمكننا ان نجيب عن هذا الاشكال فنقول لا مانع من تقدير كلمة موجود و يكفي في الاسلام نفي وجود شريك الباري، من الذي يقول بان الاسلام يتوقف على القول بامتناع شريك الباري، لا، يكفي في الاسلام نفي وجود شريك الباري.

هذا تمام الكلام في مفهوم الاستثناء.

مفهوم الحصر

يقع الكلام في مفهوم الحصر. يذكر مفهوم الحصر في عدة مجالات: المجال الاول لفظ "إنما" فيقال بان هذا اللفظ من اداة الحصر و لكن حكي عن الشيخ الانصاري في التقريرات انه ناقش في افادته للحصر فقال الانصاف انه لا سبيل لنا الى ذلك و لا نعلم المرادف لها في عرفنا حتى نستكشف منها ما هو المتبادر من لفظ "إنما" .و هكذا ذكر السيد الخميني قدس سره ان "انما" لا تدل على الحصر بل لا تفيد الا التأكيد .و هكذا الشيخ المرتضى الحائري في كتاب مباني الاحكام.

و لكن الانصاف ان الظاهر الاولي المنسبق الى الذهن العرفي من كلمة "انما" هو الحصر و يظهر من القاموس و مغني اللبيب المفروغية عن ذلك، فقد ذكر في الكتاب المغني اللبيب ان قوله ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ﴾ يعني ما اعظكم الا بواحدة، نعم الفخر الرازي لما وصل الى آية ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ اظهر عناده مع الحق، و حيث رأى ان "انما" في هذه الآية تدل على حصر الولاية بالله تعالى و رسوله و امير المؤمنين انكر دلالة "انما" على الحصر مع انه اعترف بان مورد نزول هذه الآية قضية امير المؤمنين عليه السلام و اعطاء الصدقة اثناء ركوعه بينما انه في آية ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَ الْمَسَاكِين﴾ صرح بان كلمة "انما" تفيد الحصر.

نحن احصينا موارد استعمال كلمة "انما" فوجدنا ان اغلبها تدل على الحصر كقوله تعالى ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ﴾ " لا تنقض اليقين بالشك و انما تنقضه بيقين آخر" و الى غير ذلك.

نعم بعض الاستعمالات توجد فيها قرينة على ان المراد الحصر الإضافي ﴿انما المؤمنون اخوة﴾ حصر إضافي، ﴿انما المؤمنون اخوة﴾ اما بان يقول المؤمنون اخوة فقط و الا فغير المؤمنين لا اخوة بينهم، كل منهم يدوّرون مصالحهم، او حصر المؤمنين في الاخوة بمعنى ان المؤمنين ليسوا الا اخوة، هذا هم لا بأس به، المؤمنون ليسوا الا اخوة أي ليسوا خصماء.

و من الغريب ما ذكره الفخر الرازي و هكذا الشيخ الحائري من النقض على افادة كلمة "انما" للحصر بمثل "انما الحياة الدنيا لعب و لعو" مع انه ورد في القرآن الكريم ﴿وَ مَا الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا إِلّٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ﴾ ﴿ما هذه الحياة الدنيا الا لعب و لهو﴾ فالمراد بالحصر في هذه الآيات الحصر الادعائي من باب المبالغة.

السيد الخوئي قبِل افادة "إنما" للحصر و لكنه قال "أنما" لا تدل على الحصر و لكنه لا وجه له أيضا فالعرف لا يفرق بين قوله تعالى ﴿انما الحياة الدنيا لهو و لعب﴾ و بين قوله تعالى ﴿و اعلموا انما الحياة الدنيا لعب و لهو﴾، و قد ذكر في القاموس ان "أنما" تدل على الحصر مثل "إنما".

المورد الثاني لإفادة الحصر ما ذكره مشهور الادباء من ان تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر كقوله تعالى ﴿اياك نعبد و اياك نستعين﴾ و لكنه كما ذكر سيبويه في الكتاب و ابن ابي الحديد في الفلك الدائر لا يفيد تقديم ما حقه التأخير الحصر، فترى ان قوله تعالى ﴿أَ رَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ﴾ لا يدل على الحصر او ﴿أَ أَنْتَ فَعَلْتَ هٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ﴾ يعني يسئلون إبراهيم انحصر كسر الأصنام بك؟ يعني لو كان إبراهيم شارك غيره في كسر الاصنام ما كان يعاتب عليه؟ أ أنت فعلت هذا؟ يعني أنت وحدك فعلت هذا بآلهتنا؟ لا ، أ أنت فعلت هذا بآلهتنا لا يسئل عن الحصر و انما يسئل انه هو فعل ذلك ام لا و ان كان شاركه غيره في ذلك.

فمجرد تقديم ما حقه التأخير لا يدل على الحصر.

المورد الثالث تقديم المحمول على الموضوع مثلا اذا قيل امير المؤمنين عادل هذا لا يدل على الحصر، و لكن اذا قيل العادل امير المؤمنين هذا يدل على الحصر.و هذا تام جدا لان الموضوع في القضية الهلية المركبة ظاهر في الانحلال العالم نافع للبشرية يعني كل عالم نافع للبشرية بينما ان المحمول لا يدل على الانحلال العالم نافع لا يعني انه نافع بكل نفع مادي و معنوي، لا، العادل يعني كل ما انطبق عليه عنوان العادل فهو امير المؤمنين يعني لا يوجد عادل غيره، العادل يعني موصوف بانه امير المؤمنين كما يقول العالم موصوف بانه نافع فلو وجد عالم لم يكن نافعا كان هذا التعبير كاذبا.

اما دخول اللام على المحمول هذا لا يظهر منه الحصر، امير المؤمنين العادل لا يدل على الحصر الا اذا كان هناك قرينة على ارادة الحصر.

هذا بلحاظ افادة بعض الاستعمالات للحصر و بذلك تم البحث عن مفهوم الحصر.

مفهوم العدد

يقع الكلام في مفهوم العدد. قد يقال بثبوت مفهوم العدد، ذهبت الى الحج مرتين يقال بانه يعني انه لم يذهب الى الحج اكثر من مرتين، و لكن الصحيح ان العدد لا مفهوم له و نعني انه لا مفهوم مطلق له و الا فذكر العدد ظاهر في المفهوم في الجملة، المهم انه لا مفهوم مطلق له فاذا امر المولى بصوم ثلاثين يوما فلا يفهم منه عدم وجوب الصوم اكثر من ذلك في بقية أيام السنة بل يظهر منه عدم وجوب الصوم فی بعض ایام السنة غير ثلاثين ليلة و اما ما يرى من ظهور قوله ذهبت الى الحج مرتين في عدم ذهابه الى الحج اكثر من ذلك فهو لإجل انه لو ذهب الى الحج اكثر من ذلك و كان يتذكر ذلك لكان ذكر عدد الاثنين لغوا. فهذا لا يعني ان مفهوم العدد ثابت بنحو مطلق في كل كلام مشتمل على العدد.

نعم اذا ذكر العدد كتحديد لشيء كتحديد الكر لأنه ست مئة رطل كما ورد في بعض الروايات نعم، لا يمكن ان يكون للشيء حدان فاذا حدد بست مئة رطل لا يمكن ان يكون حده الآخر الف و مئتا رطل بل يعتبران متعارضين.

يبقى مفهوم آخر لم يذكر في الأصول و هو مفهوم التعليل لا يؤكل الرمان لأنه حامض فقد يقال بان مفهومه ان الرمان الذي ليس بحامض لا يحرم اكلهو هذا هو المشهور نتكلم عن ذلك في الليلة القادمة انشاء الله و ندخل في بحث العام و الخاص.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo