< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

القواعد الفقهية

42/07/01

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: القواعد الفقهية /مقدمات عامّة في القواعد الفقهية/ المقدمة الثانية: الفارق المنطقي والضابط الماهوي بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية؟ (المحاولة الرابعة):

 

-هناك مجموعة من المقدمات التي يجب البحث فيها قبل الشروع في البحث عن القواعد الفقهية، وهي:

 

المقدمة الأولى: ما المقصود من القاعدة؟

 

المقدمة الثانية: ما الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية؟

 

المقدمة الثالثة: في تقسيم القواعد الفقهية وترتيبها بشكلٍ منطقي وهندسي بحيث تتناسب مع البحث في الأبواب الفقهية دون تداخل بينها.

لازال الكلام في البحث التمهيدي في المقدمة الثانية: ما هو الفارق المنطقي والضابط الماهوي بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية؟

 

-المقدمة الثانية: ما هو الفارق المنطقي والضابط الماهوي بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية؟

 

يوجد مجموعتين:

 

المجموعة الأولى: تفضّل بها علماء الطائفة.

 

المجموعة الثانية: أهمّ ما توصلت إليه مدرسة الخلافة.

 

-المجموعة الأولى: ما تفضل به علماء الطائفة:

 

-المحاولة الثالثة: ما ذكره الإمام الخميني (قده)، على ما جاء في تقريرات درسه (تهذيب الأصول) حيث قال: بأنّ القواعد الأصولية آليةٌ بينما القواعد الفقهية استقلاليةٌ.

ويمكن استفادة كلامه هذا من كتابه مناهج الوصول إلى علم الأصول، حيث ذكر أنّ علم الأصول هو القواعد الآلية التي يمكن أن تقع كبرى لاستنتاج الاحكام الكلّية الإلهية أو الوظيفة العملية.

ثمّ قال في توضيح المراد من الآلية: " فالمراد بالآليّة ما لا ينظر بها فقط، و لا يكون لها شأن إلاّ ذلك، فتخرج بها القواعد الفقهيّة، فإنّها منظور فيها؛ لأنّ قاعدة «ما يضمن» و عكسها- بناءً على ثبوتها- ممّا ينظر فيها، و تكون حكماً كلّيّاً إلهيّاً، مع أنّها من جزئيّات قاعدة اليد، و لا يثبت بها حكم كُلّيّ"[1] ... و كذا قاعدة الضرر والحرج والغرر فإنّها مقيّدات للأحكام ولو بنحو الحكومة فلا تكون آليةٌ بل استقلالية.

ثمّ التفت إلى أنّه بهذا القيد سيخرج بعض الأصول العملية، فقال: نعم يخرج بهذا القيد بعض الأصول العملية، كأصل البراءة الشرعية المستفاد من حديث الرفع وغيره، ولا غرو فيه؛ لأنّه حكمٌ شرعي ظاهري كأصل الحلّ والطّهارة"[2] .

وأوضح تلميذه الشيخ الإشتهاردي (د.ظ) في تقرير درس الإمام (قده) هذا المعنى من الآلية والاستقلالية، فقال: " وقولنا (آلية) – أي توصيف القواعد الأصولية بالآلية- يَخرج به القواعدُ الفقهيّة، كقاعدة الطهارة، و أصالة الحِلّيّة و نحوهما، فإنّ العلم بها ليس آلة لاكتساب علمٍ آخر، بخلاف البحث عن حُجيّة خبر الواحد، فإنّها ليست مطلوبةً بالذات، بل ليُتوسّل بها إلى إثبات حكمٍ شرعيٍ هو المطلوب بنفسه"[3] .

وعلى هذا فالقاعدة الأصولية آلية، بمعنى تدرس لأجل غيرها، بينما القاعدة الفقهية استقلالية، بمعنى أنّها تدرس لنفسها.

ونفس هذا الكلام قرّره عنه تلميذه السيد محمد حسن المرتضوي اللنگرودي في كتاب (جواهر الأصول)[4] .

فمعنى أنّ القواعد الأصولية آليةٌ ينظر من خلالها للتوصل للحكم الشرعي، الغرض ليس أن تعرفها هي، مثل قواعد علم النحو، فالغرض ليس معرفة متى يجب كسر الكلمة ومتى يجب فتح الكلمة، وإنّما الغرض منه أن نعرف أن نطبق على الكلام، وكذلك الحال بالنسبة إلى قوانين علم المنطق، فالغرض هو تطبيقها على الموضوعات الخارجية.

-هذا البيان للإمام (قده) يرد عليه إشكالان:

 

-أولاً: وهو الإشكال السيّال الذي ذكرناه على الشيخ الأعظم (ره) والمحقق الخوئي (قده)، فنحن يا أخي نسعى للتمييز بين القاعدتين لمعرفة المائز الماهوي والحقيقي، و هذا ليس هو المائز الماهوي بين القاعدتين، فحتى لو كان الأمر كما يقول، فمع ذلك لم نفهم وجه التفريق الذاتي القائم على أساس الأجناس أو الفصول، وإنّما عرفنا فقط سبب دراسة كلّ قاعدة، ولكن معرفة علّة دراستها لا تظهر ما هي في ذاتها، وما الفرق الماهوي بينها وبين غيرها.

-ثانياً: أنّ ما ذكره ليس بفارق مطرد في جميع المسائل والقواعد، فهناك قواعد أصولية تدرس لأجل ذاتها، كقاعدة حجّية الظهور؛ فإنّ المراد إثبات لزوم العمل بالظاهر، وبعد ثبوتها إنّما تطبّق هذه القاعدة على مصاديقها، كظهور صيغة (افعل) في الوجوب والنهي في التحريم وبعض الأدوات في المفهوم وهكذا، وهكذا قاعدة (ظهور صيغة (افعل) في الوجوب) تدرس لأجل نفسها، وإنّما تطبّق خارجاً على مصاديقها، وهكذا غيرهما، بل هناك قواعد فقهية آلية، وتدرس لأجل غيرها، وإن كانت من جهةٍ أخرى تدرس لنفسها، كقاعدة مشروعية عبادة الصبي، فإنّها وإن كانت تدرس لإثبات صحتها، ولكن تدرس لمعرفة جواز استئجاره عليها أيضاً، فتصبح من هذه الجهة آلية.

وقاعدة مشروعية عبادات الصبي، هي من القواعد الفقهية العريقة، فهناك بحثٌ بين العلماء، هل عبادات الصبي تمرينية أو تشريعية؟

فمثلاً بلغ الصبي وهو يصلي صلاة الظهر، بناءً على القول بالتمرينية، فيجب عليه الإعادة، وبناءً على القول بأنّها شرعية، صلاته صحيحة، وكذلك الحال ما إذا كان الصبي يؤدي مناسك الحجّ، فإذا بلغ أثناء قيامه بالمناسك فبناءً على التمرينية يعيد، أمّا على القول بأنّها شرعية فتسقط بها حجّة الإسلام.

كما أنّ هناك قواعد أصولية تدرس لنفسها، مثل (قاعدة حجّية الظهور)، فهي تدرس لإثبات أنّ الظاهر هو المراد للمولى، أي يصبح منجزٌ علينا إذا صدر من المولى.

أمّا تطبيقه على صيغة (افعل) في الوجوب، و (لا تفعل) في النهي، و (أدوات العموم) فهذه كلّها تطبيقات، فمثلاً: ظهور صيغة (افعل) في الوجوب، هي لإثبات صيغة الأمر في الوجوب، أي أنّ المائز ليس مطرداً.

إن قلت: ما من قاعدة إلاّ ولها استثناءات وشواذ؟

قلنا: لا يراد من جهة انطباق الضابطة عليها، وإنّما المراد هو الاستثناء من حيث الحكم، أي دخلت موضوعاً وخرجت من حيث الحكم.

-المحاولة الرابعة: ما ذكره المحقق الخوئي (قده)، وقد ذكره مقرر بحثه في كتاب (محاضرات في علم الأصول)، يقول: " من أنّ استفادة الأحكام الشرعية من المسألة الأصولية على نحو الاستنباط، بخلاف الاستفادة من القواعد الفقهية فإنّه يكون على نحو تطبيق الكلّي على الجزئي"[5] .

-وتوضيح ذلك: إنّ هناك فرقٌ بين مصطلح (الاستنباط) و مصطلح (التطبيق)، فإنّ المصطلح الأول (الاستنباط) يقتضي التغاير الذاتي بين المستنّبط و المستنّبط منه، أي مغايرة القاعدة المستنبط منها للشيء المستنبط.

-مثلاً: قاعدة حجّية الظهور، ماذا يُستنبط منها؟ قد يستنبط منها دلالة الصيغة على الوجوب، و الشرط على المفهوم، و الإطلاق على الشمول، وهذه الفوائد مغايرة من حيث الحقيقة للقاعدة (حجّية الظهور) ذاتاً، فيصدق بالتالي مصطلح (الاستنباط).

بينما في القاعدة الفقهية لا تغاير بين القاعدة و ما يستفاد منها، فمصطلح (التطبيق)، لا يوجد مغايرة، فما نستنتجه من القاعدة هو عين القاعدة، إلاّ أنّ الفرق بينها كالفرق بين الكلّي والفرد.

-مثلاً: قاعدة (ما يضمن و ما لا يضمن) يُستفاد منها عند تطبيقها الضمان في البيع الفاسد، و الإجارة الفاسدة، و النكاح الفاسد، و القرض الفاسد، وهذه في الحقيقة مصاديق و جزئيات للكلّي، و ليست متغايرة معه ذاتاً و ماهيةً، فهي تطبيق الكلّي على الفرد، فأي فرقٍ بينهما، طبعاً لا يوجد فرقٌ إلاّ الفرق بين الإنسان و زيد.

-وقد أورد عليه المحقق الصدر (قده) كما نقل عنه مقرر بحثه السيد محمود الهاشمي الشهرودي (قده) عدم تماميته، وذلك:

-أولاً: "لعدم اختصاص القواعد الفقهية بالقواعد التطبيقية بل منها ما يستنبط به الحكم بنحو التوسيط"[6] ، فأنّ هناك بعض القواعد الفقهية استنباطية، وليست فقهية فقط.

-وأشكل عليه شيخنا الفاضل اللنكراني (قده): بأنّه (قده) لم يذكر له مثالاً[7] ، مع العلم أنّ المحقق الصدر (قده) أردف بالقول، وكتب هكذا: " كما سيأتي قريبا"[8] ، ثمّ بعد صفحة ونصف من تقريرات السيد الشهرودي (قده): ذكر المحقق الصدر (قده) تقسيماً للقواعد الفقهية في خمسة أقسام: أحدها، و هو القسم الخامس أطلق عليه (القواعد الفقهية الاستدلالية) مثالاً للقواعد الفقهية الاستنباطية و التوسيطية؛ كقاعدة ظهور الأمر بالغسل من شيءٍ في الإرشادٌ إلى النجاسة، فإنّه بتوسط ظهور الأمر بالغسل نثبت الإرشادية.

فهل القاعدة نفس المستنتج منها، القاعدة تقول: (وجوب غسل هذا الشيء) نستفيد منها (النجاسة) وهي شيءٌ آخر.

و طبعاً الشيخ الفاضل اللنكراني (قده) لم يتابع ما كتبه الشهيد الصدر (ره).

-وهذا الإشكال الذي ذكره المحقق الصدر (قده) على المحقق الخوئي (قده) صحيح 100%.

-ثانياً: أنّ التمييز بين المسألة الأصولية و القاعدة الفقهية على أساس التطبيق و الاستنباط، ينتج أنّ كثيراً ما يكون الأمر مرتبطاً بكيفية صياغة القاعدة، فيمكن أن تكون قاعدة واحدة بصيغةٍ أصولية؛ لأنّها تستبطن الاستنباط، وبصيغةٍ أخرى فقهية؛ لأنّها تستبطن التطبيق، بناءً على هذه التفرقة، فبإمكاننا في مسألة واحدة أن نعتبرها أصولية بصياغة، و فقهية بصياغةٍ أخرى.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo