< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

بحث الأصول

41/03/14

بسم الله الرحمن الرحيم


ال

موضوع:
التعارض/ مباحث الحكومة / أقسام الحكومة.

 

أقسام الحكومة : لا ريب في أنّ هناك مورداً يعتبر قدراً متيقناً من أقسام الحكومة ، كما هناك موارد أخرى اُختلف فيها ، وإليك التفصيل :

المورد الأول : أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي شارحاً ومفسراً للمراد من الدليل الآخر ، سواء كان مصدّراً بكلمة مفسرة ، مثل (أي) و(أعني) ، أم لم يكن مصدّراً ، ولكن كان لسانه شارحاً بحيث لو لم يكن الدليل المحكوم موجوداً لكان الدليل الحاكم لغواً .

وعليه فهاهنا صورتان لكون الدليل الحاكم مفسّراً للدليل المحكوم :

الصورة الأولى : أن يكون التفسير بأداة وضعت لغةً للشرح والتفسير وبيان المراد ممّا تقدمها :

ومثاله :

ما رواه عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله (ع) ، قال : "سألته عن رجلٍ لم يدرِ ركعتين صلى أم ثلاثاً ، قال : يعيد ، قلت : أليس يقال : لا يعيد الصلاة فقيه ؟ فقال : إنّما ذلك في الثلاث والأربع "[1] .

فإنّه من الواضح جداً أنّ قوله (ع) : " إنّما ذلك في الثلاث والأربع " حاكم على ما صدر عنهم (ع) : " لا يعيد الصلاة فقيه " وشارحاً ومبيناً للمراد منه .

وأيضاً ما رواه علي بن المغيرة ، " قلت لأبي عبد الله (ع) : جعلت فداك الميتة ينتفع منها بشيءٍ ؟ فقال : لا ، قلت : بلغنا أنّ رسول الله (ص) مرّ بشاةٍ ميتة فقال : ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها (بجلدها) ، قال : تلك شاةٌ لسودة بنت زمعة زوجة النبي (ص) ، وكانت شاةً مهزولة لا ينتفع بلحمها فتركوها حتى ماتت ، فقال رسول الله (ص) : ما كان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها ، أي : تذكى "[2] .

فإنّ تفسير الإمام (ع) إطلاق كلام النبي (ص) الانتفاع بجلدها المقتضي لجواز الانتفاع بالميتة ؛ بأنّ مراده من الانتفاع بتذكيتها قبل أن تموت حاكم شارح ومفسر لمقصوده (ص) .

الصورة الثانية : أن لا يكون التفسير بالإداة ، ولكن لولا الدليل المحكوم لغى الدليل الحاكم ، فيكون ذلك قرينة على أنّ الثاني مفسراً وشارحاً للمراد من الأول ، ومثاله :

قوله (ع) : " وليس بين الوالد وولده ربا "[3] فإنّه ناظر وشارح ومفسر للمراد من قوله تعالى : ﴿وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾[4] فيكون رافعاً للحكم بلسان رفع موضوع ، للعلم بتحقق الموضوع وهو الربا إذا تعاملا مع الزيادة ، فالمقصود نفي حرمة الربا بينهما بلسان نفي الموضوع .

وكذا قوله (ع) : " ليس على الامام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه "[5] بالنسبة إلى قوله (ع) : " إذا سهوت فابن على الأكثر "[6] .

وهذا النوع يطلق عليه الحكومة التفسيرية ، أو يمكن أن يصطلح عليها حكومة بيانية .وهذا هو المورد المتيقن من الحكومة ، وكان موضعاً لقبول الجميع .

المورد الثاني : " أن يكون أحد الدليلين رافعاً لموضوع الحكم في الدليل الآخر وإن لم يكن بمدلوله اللفظي شارحاً له ، كحكومة الأمارات على الأصول الشرعية ؛ من البراءة والاستصحاب وقاعدة الفراغ وغيرها من الأصول الجارية في الشبهات الحكمية أو الموضوعية ، فإنّ أدلّة الأمارات لا تكون ناظرة إلى أدلّة الأصول ولا شارحة لها ؛ بحيث لو لم تكن الأصول مجعولة لكان جعل الأمارات لغواً ، فإنّ الخبر مثلاً حجة ، سواء كان الاستصحاب حجة أم لا ، ولا يلزم كون حجية الخبر لغواً على تقدير عدم حجية الاستصحاب ، إلاّ أنّ الأمارات موجبة لارتفاع موضوع الأصول العملية بالتعبّد الشرعي ، ولا تنافي بينهما ليدخل في التعارض"[7] .

وذلك لأنّ موضوع الأصول هو الشكّ في الحكم الشرعي ، والأمارة ترفع الشكّ بالتعبّد الشرعي وتجعل للمكلف علماً تعبّدياً وإن كان شاكاً وجدانياً ، فلا يبقى موضوع للأصول العملية ، وبالتالي لا يكون هناك منافاة بينهما .وقد اختار المحقق الخوئي (قدّه) دخوله في الحكومة وجعله من ضمن أقسامها ، وظاهر المحقق الصدر (ره) قبوله على مناقشةٍ فنيةٍ للمحقق الخوئي (قدّه) حاصلها : أنّ المحقق الصدر (قدّه) يعتبر الناظرية هي ملاك الحكومة بين الدليلين ، ولأجل ذلك قال المحقق الخوئي :" أنّ الحكومة لا تكون إلاّ بملاك النظر والقرينية الشخصية ، وفرضها تارةً بملاك النظر وأخرى بملاك رفع الموضوع غير صحيح ، وإنّما الاختلاف في وسائل إثبات الناظرية وأساليبها ، وما أفاده في حكومة دليل الأمارة على دليل الأصل بملاك رفع الحكم لو أُريد منه ملاك مسّتقل للحكومة غير الناظرية فيرد عليه :أنّه إن فرضت الغاية في الأصل كقوله (ص) : " رفع ما لا يعلمون " مطلق ما يعتبره الشارع علماً سواء وجدانياً أو تعبّدياً فالدليل الذي جعل الأمارة علماً يكون وارداً على دليل الأصل لا حاكماً عليه ؛ لأنّه يرفع الموضوع وهو ( عدم العلم ) حقيقةً ؛ إذ غاية الأصل مطلق عدم العلم الشامل للوجداني والتعبّدي .

وأمّا إن فرضت غاية الأصل العلم الوجداني الذي هو المعنى الحقيقي للعلم "[8] .

فنأتي إلى دليل جعل الأمارة علماً ونتسائل بشأنه ؛ لما يريد ذلك الدليل أن يجعل الأمارة علماً ؟ فهنا يوجد احتمالان :

الاحتمال الأول : أن يكون ذلك لأجل ترتيب آثار العلم عليه فهنا أصبح دليل الأمارة ناظراً إلى مفاد دليل الأصل ، فيكون حاكماً عليه بملاك الناظرية لا بملاك رفع الحكم ، فيثبت أنّه لا ملاك لحكومة دليلٍ على دليلٍ إلاّ بملاك الناظرية .

الاحتمال الثاني : أن يكون دليل جعل الأمارة علماً يريد فقط أن يجعل عدم العلم ( وهو الأمارة) علماً دون النظر إلى ترتيب آثاره عليها ، بل فقط لمجرد اعتبار غير العلم علماً فهذا لا أثر له ولا يُثبت آثار العلم لا بالدليل المحكوم لأنّ غايته العلم الحقيقي ، والأمارة – على الفرض – علم اعتباري ، ولا بالدليل الحاكم لأنّه لم يدلّ على ترتيب أثر شرعي على افتراض الأمارة علماً .

أقول :

لا ريب عند الجميع في دخول المورد الثاني في أحكام الحكومة ، سواء فسرناه بالناظرية أو بالرفع لحكمه ، وتبقى المسألة مجرد مناقشة في الاصطلاح ، ولا مشاحة فيه بعد جريان أحكامها عليه .
تنبيه : لا إشكال بينهم في خروج العام والخاص والظاهر والأظهر عن الحكومة ؛ وذلك لأنّ الخاص لم يُسق لتفسير المراد من العام ، ولا نظر للأظهر على الظاهر ، بل تقديم الخاص والأظهر على العام والظاهر لمحض بناء العرف على ذلك تبعاً لمرتكزاتهم المعمول عليها في فهم مراد المتكلم من كلامه والعمل عليه .إذاً فتنحصر الحكومة في القسمين الأولين فقط .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo