< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

بحث الأصول

40/06/20

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: التعارض/أسباب التعارض / السبب الأول : العامل الذاتي للفقيه

لا ريب في أنّ للتعارض أسبابٌ ومناشئ ؛ لأنّه ظاهرةٌ غير طبيعية تفرض نفسها على الأحكام والعقائد والتفسير والتي هي منسجمةٌ تمام الانسجام فيما بينها لصدورها من الحكيم العليم الذي لا تخفى عليه خافية .

كما أنّه لا ريب في أنّه من المستحيل نشؤوه من الأئمة المعصومين (ع) لا من آحادهم ولا من جماعتهم ؛ لثبوت عصمتهم المطلقة فضلاً عنها في بيان الأحكام والشرائع ، وعصمتهم تعني تنزّه ساحتهم ( صلوات الله وسلامه عليهم ) عن الجهل والغفلة والسهو والنسيان والإسهاء ، وأنّ كلّ بياناتهم صادرةٌ عن النبي (ص) كلمةً بكلمة وحرفاً بحرف ، لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم تنزيل العزيز الحكيم ، بطرقهم الخاصّة ، كالإلهام والجوامع والمواريث النبوية ، فلا يمكن صدور بيانين متنافيين على وجهٍ كلّي ؛ لأنّ هذا نسبة الجهل أو النسيان إليهم (ع) ، فلا بدّ وأن يكون المنشأ غيرهم من الأسباب الأخرى الآتية .

السبب الأول : العامل الذاتي للفقيه :

ويراد به أنّ التعارض بين الدليلين مثلاً قد تكون مبرراته هو نفس الذهنية والعقلية الخاصّة للفقيه ، وذلك لأنّ الفقيه عند ممارسته لعملية الاستنباط قد يتراءى له التناقض بينهما بسبب الإطار الذهني الذي يعيشه ويتأثر به في مجال فهم النصّ فيخطئ في تشخيص معنى النصّ ، والسبب في خطئه أحد الأمور التالية :

    1. جهله باللغة وعدم اطلاعه على دقائقها .

    2. غفلته عن وجود بعض القرائن ، أو غفلته عن قرينية الموجود منها .

    3. عدم معرفته بطروّ تغيير في بعض الأوضاع اللغوية ، فهو يفهم النصّ في ضوء ما يراه معنى له بالفعل ، ثمّ يفترض أنّه كان معنى اللفظ في زمان صدور النصّ أيضاً ، ولو لبنائه على أصالة عدم النقل والثبات العقلائية.

فكلّ واحدٍ من هذه العوامل قد تكون السبب وراء وقوع التعارض فيما بين النصوص لدى الفقيه الممارس لعملية الاستنباط ، ولكنه تعارضٌ ذاتي وليس تعارضاً موضوعياً ثابتاً في واقع الأمر.[1]

ولكن الظاهر : أنّ عدّ هذا سبباً من أسباب نشوء التعارض بعيد جداً ، بل يمكن منعه البتة ، وذلك لأنّ التعارض بين الأدلّة ظاهرة ثقافية عامّة لا تقف عند حدود فقيهٍ أو فقيهين أو جماعة من الفقهاء ، بل هي ممتدة بامتداد التطور العلمي للفقه ، ولقد كُتب كتبٌ ومصنفات عديدة لدراسة هذه الظاهرة المحيرة ، واقترحت اقترحاتٌ متنوعة لعلاج هذه الظاهرة ، وبالتالي فلو كان منشأ التعارض هذه الأسباب الشخصية للفقيه لما أمكن تعديتها إلى سائر الفقهاء ، ولكن من الطبيعي جداً أن يلتفت الفقيه الثاني أو الثالث للخطأ في فهم الفقيه الأول ، إذ من البعيد أن يتفق وقوع هذه الأسباب التوليدية للتعارض عند جميع الفقهاء ولا يلتفت إليها أحد .

وبالجملة : فهذا السبب ممكن نظرياً ولكنّه فرضٌ غير واقع أو بعيد الوقوع عملياً .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo