< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

بحث الأصول

40/05/20

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: التعارض/تعارض الأدلّة /توضيح مقاصد المحقق الخرساني (قده) في تعريف التعارض

النقطة الثانية : توضيح تعريف صاحب الكفاية (قده) :

ذكرنا في الدرس السابق أنّ المحقق الخرساني اختار تعريفاً آخر غير ما عليه المشهور، وهو: تنافي الدليلين أو الأدلّة بحسب الدلالة ومقام الإثبات على وجه التناقض أو التضاد حقيقةً أو عرضاً بأن عُلم كذب أحدهما إجمالاً مع عدم امتناع اجتماعهما أصلاً[1] .

وفي هذا التعريف جملةٌ من القيود التي تحتاج إلى توضيح وهي:

    1. (التنافي بين الدليلين أو الأدلّة): في هذا القيد يوجد خصوصيتان :

الخصوصية الأولى: أنّ التنافي بين الأدلّة لا بين مدلولاتها كما ذهب إليه المشهور.

الخصوصية الثانية: أنّ التنافي في باب التعارض لا ينحصر في خصوص الدليلين، بل يمكن أن يكون بين الأكثر منهما، كما لو كان بين ثلاثة أدلة أو أكثر.

ولتوضيح مقصوده نقول: جعل المشهور التنافي وصفاً لمدلول الدليلين ، بينما وصف المحقق الخرساني به المدلولين، والسّرّ في ذلك أنّ المشهور لاحظ ملاك التنافي بين الدليلين، وهو مدلوليهماالأولي، وإنّما اتصفت الأدلّة بالتنافي لأجل التنافي بين مدلوليهما، مثل قولنا (الماء حار)، فإنّ الحرارة صفة للنار، وإنّما اتصف الماء بالحرارة بواسطة النار، وهذا ما يطلق عليه الاتصاف بواسطة تعليلية، بمعنى أنّ علة عروض الحرارة على الماء هي النار، وهذا أيضاّ كذلك، فإنّ اتصاف الدليلين أو الألة بالتنافي بواسطة تعليلية، وهي المداليل، فلو لم تكن المداليل متنافية فلا وجه للتنافي بين الأدلّة ، ولأجل ذلك حمل المشهور التنافي على المداليل.

وأمّا المحقق الخرساني(قده) فقد لاحظ أموراً ثلاثة جعلته يحمل التنافي على الأدلّة دون مدلولاتها، وهي:

أولاً: أنّ اتصاف المداليل بالتنافي لمقام قيام الحجية وهي الأدلّة، فلولا أنّ الطريقين لم يتصفا بالحجية والدليلية لما كان هناك تنافي بين المداليل.

ثانياً: ظاهر أخبار التعارض جعل التنافي وصفاً للدليلين لا المدلولين، كقول الراوي للإمام (ع): " إذا ورد عنكم الخبران المتعارضان" ، وهكذا غيره.

ثالثاً: يلزم من جعل التعارض تنافي المدلولين دخول الورود والحكومة والتخصيص في تعريف التعارض مع الاتفاق القطعي على عدم دخولها فيه، والسبب في دخولها فيه أنّ في مثل هذه الموارد لا ريب في وجود التنافي بين مدلوليهما، فالدليل الوارد منافٍ من حيث المدلول لمدلول الدليل المورود عليه، وكذا الدليل الحاكم منافٍ مدلولاً لمدلول الدليل المحكوم، وهكذا الحال في التخصيص، وإن كان من حيث النتيجة يرفع التنافي بالعلاج بينهما بالجمع العرفي والتوفيق الدلالي، ولكن هذا العلاج لمكان التنافي بين الدليلين، فلو عرفنا التعارض بالتنافي المدلولي لدخلت هذه الموارد فيه مع أنّها مغايرة حقيقةً لحقيقة التعارض، بينما لا يوجد تنافي بين أدلتها لإمكان تصديق الحجتين معاً، والعمل بهما، ولهذا فحتى تخرج هذه الموارد نجمل التنافي على الأدلّة لا المداليل فيرتفع الإشكال.

وأمّا بشأن الخصوصية الثانية فلا ريب في أنّ التنافي المفترض في التعارض لا انحصار له في خصوص التنافي بين الدليلين، بل هناك تنافي بين الأكثر أيضاً، كمافي روايات تحديد مقدار الكرّ بالرطل العراقي والمدني والمكّي ، أو روايات الحبوة، أو روايات ولاية البكر الرشيدة، فإنّ مورد التنافي أكثر من دليلين بلا ريب، فتخصيص التعارض بالتنافي بين الدليلين يستوجب خروج التنافي بين الأكثرمنهما، وهو خلاف المراد جداً.

    2. (بحسب الدلالة وعالم الإثبات): وهذا قيدٌ آخر ذكره الأخوند الخرساني ولم يذكره المشهور، ومحصله:

أنّ الدلالة هنا تقع على معنيين، الأول الكشف والحكاية، فيكون المقصود من التعارض هو التنافي بين الدليلين، ولكن باعتبار كاشفيتها و ظهورهما، والآخر بمعنى الحجية والإثبات ، فيصبح المعنى على هذا أنّ التعارض هو التنافي بين الدليلين بحسب حجيتهما، وأنّ الحجية الثابتة في كلّ من الدليلين ينافي الحجية الثابتة في الدليل الآخر.

وقد استظهر بعض المحشين على الكفاية إرادة المعنى الثاني؛ لعدم اعتبار المصنف(قده) موارد الجمع العرفي والتوفيق الدلالي بين العام والخاص مثلاً من التعارض؛ لأنّه لا تنافي بين حجيتهما، وإنّما التنافي بين ظهوريهما، فلو كان مقصوده من الدلالة الكشف والظهور للزم الحكم عليهما بالتعارض.

    3. (على وجه التناقض أو التضاد): وهذا القيد ينظر تقييد المشهور بذلك وقد تقدم المعنى والمقصود منه عند شرح تعريف المشهور فلا نعيد.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo