< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

بحث الفقه

41/03/19

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الاجتهاد و التقليد/المسألة الأولى في الاجتهاد و التقليد /الرواية الثانية التي أُستدلّ بها على تحقق البلوغ عند الذكر بخمسة عشر سنة.

 

ثمّ أنّه ها هنا روايات أخرى اُستدلّ بها على تحقق البلوغ عند الذكر بخمسة عشر ، وإليك الكلام فيها في الدرس الآتي .

الرواية الثانية :

ما رواه الكليني ، عن محمد بن يحيى العطّار ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن يزيد الكنّاسي ، عن أبي جعفر (ع) ، قال : " الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم و زوّجت وأقيمت عليها الحدود التامّة عليها ولها ، قال : قلت : الغلام إذا زوّجه أبوه ودخل بأهله ، وهو غير مدركٍ أتقام عليه الحدود وهو على تلك الحال ؟ قال : فقال : أمّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا ، ولكن يجلد في الحدود كلّها على مبلغ سنّه ، فيؤخذ بذلك ما بينه وبين خمس عشرة سنة ، ولا تبطل حدود الله في خلقه ولا تبطل حقوق المسلمين بينهم"[1] .

أخرجه الشيخ (ره) في التهذيب عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب .

وظاهر الرواية تفيد أمرين :

الأمر الأول : أنّ الصبي قبل أن يدرك يجلد في الحدود كلّها دون الحدّ الكامل ، بل بما يراه الحاكم وبما يتناسب مع عمره .

الأمر الثاني : أنّه إذا بلغ خمس عشرة سنة أصبح بالغاً مبلغ الرجال فيؤخذ بالحدود كاملة ؛ لأنّ ظاهر قوله (ع) – بعد نفيه الحدّ الكامل عن غير المدرك ، وبعد الحكم بجلده في الحدود على مبلغ سنّه – ما بينه وبين خمس عشرة سنة أنّ توزيع الجلد على مبلغ سنّه إنّما يستمر إلى أن يبلغ خمس عشرة سنة ، وأمّا بعدها ، أعني بعد أن بلغ خمسة عشرة سنة فلا يوزّع الجلدُ على حسب عمره ، وإنّما يجلد الحدّ التام ، وهذا يعني أنّه تجري عليه حدود الرجال الكاملة ، وهو معنى البلوغ .

ولا يقال : بأنّ هذا مختصٌ بالحدود ، ولعلّه لا يجري في مطلق التكاليف الأخرى .

لأنّه يقال : لا قائل بالفصل ، بل يحدّد البلوغ فقهياً لكلّ الأحكام سواء ما يتعلّق بالحدود أو بالأموال أو التكاليف الأخرى .

نعم قد يناقش بها في عدم إفادتها لرأي المشهور ، فإنّ المشهور يذهب إلى أنّ البلوغ يتحقق بعد إكمال الخمسة عشر ، فيكون في اليوم الأول من السنة السادسة عشر مكلفاً بكامل الأحكام ، بينما يظهر من قوله : " ما بينه وبين خمس عشرة سنة " كفاية الدخول فيها وإن لم يكملها ، إذ لا دال عليه ، خصوصاً بالنظر إلى ما تعارف عند الناس بإطلاق الخمسة عشرة سنة لمن يدخل فيها وإن لم يكملها ، وهذا بخلافه في الرواية المتقدمة التي جاء فيها : " أو بلغ خمس عشرة " ، فإنّه لقائلٍ أن يدّعي أنّ البلوغ في قوله ( أو بلغ ) ناظرٌ إلى الإكمال ؛ لأنّ معنى البلوغ لغةً الوصول إلى الشيء والانتهاء منه ، قال ابن منظور في لسان العرب : " بلغ الشيء يبلغ بلوغاً وبلاغاً : وصل وانتهى".

وإن كان هذا محط النظر أيضاً ؛ لاحتمال إرادة الوصول فقط منه وإن لم ينتهي .

وكيف كان فهنا لم يعبّر بالبلوغ ، بل قال ما بينه وبين خمس عشرة سنة وهي تحتمل إرادة وصوله إليها دون إكمالها ، ولا أقل من إجمالها .

وأمّا من حيث السند :

فقد وقع الكلام في وثاقة يزيد الكنّاسي ، وهو المكنى بأبي خالد الكنّاسي ، ذكره الشيخ وعدّه من أصحاب الباقر والصادق (ع) ، ولم يرد في حقّه توثيقٌ ولا تجريح ، ولكن حُكي عن المجلسي (قده) في مرآة العقول أنّه ممدوح ، وعلّق على روايةٍ له بأنّها حسنٌ كالصحيح ، وعلّق على رواية له بأنّها صحيح .

يقول المحقق الخوئي (قده) معلّقاً على كلام المجلسي (ره) : " الحكم بصحة الرواية مبنيٌ على اتحاد يزيد الكنّاسي مع يزيد أبي خالد القمّاط – الذي وثّقه النجاشي – إذ لم يرد التوثيق في يزيد الكنّاسي بعنوانه ، وإنّما ورد في يزيد أبي خالد القمّاط .

ثمّ قال : وهذا أمرٌ غير بعيد ، ثمّ ذكر وجه عدم الاستبعاد بما يرجع إلى أمور :

الأمر الأول : أنّ النجاشي ذكر أنّ يزيد أبا خالد القمّاط له كتاب ، ومع ذلك لم يذكر الشيخ في رجاله إلاّ يزيد أبا خالد الكنّاسي ، فلو لم يكن الكنّاسي متحداً مع القمّاط لم يكن لترك ذكره وجه .

الأمر الثاني : وذكره مؤيداً للاتحاد – أنّ يزيد أبا خالد القمّاط كوفي على ما صرّح به النجاشي ، والكنّاسة محلّة من محلات الكوفة ، فيزيد أبو خالد قمّاط كوفي كنّاسي .

ثمّ قال (رحمه الله) : " هذا ولكن ذكر البرقي أبا خالد الكنّاسي ويزيد أبا خالد القمّاط كلاً من العنوانين في أصحاب الصادق (ع) يشعر بالتعدد، والله العالم "[2] .

وفي كلامه مواقع للنظر :

أولاً : أنّ ما ذكره من عدم ذكر الشيخ الطوسي (قده) ليزيد القمّاط المكنى بأبي خالد لا في الفهرست ولا في الرجال غير مؤكد ، بل المظنون قوياً خلافه ، فقد ذكر الشيخ في كتاب الرجال في عداد أصحاب الصادق (ع) رجلاً باسم (خالد بن يزيد يكنى أبا خالد القمّاط ) ولم يستبعد المحقق التستري في قاموسه أن يكون قد وقع هذا الاسم بشكلٍ محرّف ؛ لأنّ خالد بن يزيد المذكور في كتب الرجال يكنى أبا يزيد العكلي كما ذكره النجاشي ، ومن غير المتعارف عليه أن يسمّي الشخص ولده باسمه ثمّ يكنّى به ، حيث أنّ اسمه خالد ويكنّى بأبي خالد ، فلا يبعد أن يكون في العبارة قلب ، وصحيحها (يزيد بن خالد ويكنّى أبا خالد القمّاط ) أو أن يكون فيها سقط وصحيحه ( خالد بن يزيد يكنّى أبا يزيد العكلي) ، أضف إلى ذلك اتفاق النجاشي والبرقي والكشّي على أنّ اسم أبي خالد القمّاط هو يزيد وليس خالد ، فما ورد عن الشيخ إمّا من سهو القلم أو أنّ المصدر الذي اعتمده في تأليف كتاب الرجال فيه الخطأ والسهو .

وعليه فمن المحتمل أنّ ما ذكره الشيخ بعنوان (خالد بن يزيد) هو (يزيد بن خالد) وبالتالي يكون قد ذكره .

ثانياً : حتى ولو أنّ يزيد القمّاط لم يُذكر في رجال الشيخ في أصحاب الصادق (ع) فلا يستلزم اتحاده مع يزيد الكنّاسي ؛ لاحتمال غفلة الشيخ وسهوه عنه ، وكم من الرجال ذكرهم النجاشي في رجاله ولم يذكرهم الشيخ ، خصوصاً إذا أخذنا بمقالة السيد البروجردي (قده) من أنّ كتاب الرجال للشيخ ليس على مستوى عالٍ من الضبط والإتقان ، ومن هنا فقد ذهب جمعٌ من المحقيقين بالأخذ بقول النجاشي وتقديمه على قول الشيخ عند التعارض والتنافي بحجة أنّ النجاشي كان أضبط في الرجال منه .

ثالثاً : إنّ اختلاف القمّاط عن الكنّاسي في الطبقة أمارة التغاير بين العنوانين ، فقد عُدّ الكنّاسي من أصحاب الإمام الباقر (ع) و الصادق (ع)، وله روايات عنهما ، فهو من الطبقة الرابعة من أصحاب الأئمة (ع) ، والرواة عنه كلّهم من الطبقة الخامسة ، كهشام بن سالم ، وأبي أيوب الخزاز، وعلي بن رئاب ، وجميل بن صالح ، وأمثالهم ، بينما القمّاط فقد عُدّ من أصحاب الإمام الصادق (ع) فقط ، كما نقله النجاشي والبرقي في رجالهما ، وكأنّه كان من كبار الطبقة الخامسة ، والرواة عنه بين من هو من الطبقة الخامسة ، كمحمد بن أبي حمزة ، ودرست بن أبي منصور ، وإبراهيم بن عمر اليماني ، وخالد بن نافع ، وما بين من هو من الطبقة السادسة ، كصفوان بن يحيى راوي كتابه ، ومحمد بن سنان ، ويحيى الحلبي ، وغيرهم ، ومع الاختلاف في الطبقة لا يبقى مجال لدعوى الاتحاد .

وبعد هذا كلّه فما ذكره (قده) من أنّ الكنّاسة محلة من محال الكوفة ، وهذا يؤيد كون المراد من يزيد الكنّاسي يزيد القمّاط ، واضح الضعف ؛ لأنّ مجرد ذلك لا يكفي شاهداً ولا مؤيداً للاتحاد ؛ خصوصاً بالالتفات إلى عادة الرجاليين من نسبة الراوي إلى الكوفة إن كان من أهل مدينتها ، ولا ينسبونه إليها إذا كان من أهل محلّة من محلّاتها .

وعليه فلا يمكن الاعتقاد باتحادهما .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo