< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

بحث الفقه

41/01/17

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الاجتهاد و التقليد/مسائل في الاجتهاد و التقليد /الأقوال في نوع الوجوب المتعلق بالبدائل الثلاثة

 

ذكرنا في الدرس السابق أنّ الوجوب المحتمل تعلقه ثبوتاً بأحد هذه البدائل الثلاثة ( الاجتهاد والتقليد والاحتياط ) لا يخرج عن واحدٍ من هذه الاحتمالات الأربعة (الشرعي والعقلي والفطري ، قيل والعقلائي ) ، وبدأنا بالقول الأول وهو للمشهور فقد ذهبوا إلى أنّ الوجوب المتعلّق بأحد هذه البدائل عقلي ، وذكروا لملاكه نظريات ، منها :

النظرية الأولى : أنّ ملاك الوجوب العقلي المتعلق بإحدى هذه البدائل وجوب شكر المنعم ، ذكره الحكيم الأول في مستمسكه[1] وغيره .

وأورد عليه إشكالان :

الإشكال الأول : لا ريب في حسن شكر المنعم ، ولكن لم يثبت عقلاً وجوب شكر كلّ منعم على أي نعمةٍ أنعمها ، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، فلو قدم شخص لأخر في محضر الضيافة عنباً فلا ريب في استقلال العقل بحسن شكره ، وأنّه مستحق للمدح والثناء ، ولكن هل يدرك العقل وجوب شكره ، بحيث لو لم يشكر لا يستحق العقاب والمذمة .

ويرد عليه :

أنّ المنعم في محل كلامنا هو الله تعالى الذي أفاض نعمه على الإنسان بما لا يُعدّ ويحصى ، ولا ريب أنّ العقل يستقل هنا بوجوب شكره ، واستحقاق العقاب على عدمه .

الإشكال الثاني : ما ذكره التقي القمّي (قدّه) في مباني منهاج الصالحين ، وحاصله :

أنّ الوجوب العقلي بهذا التقريب لا نفهمه ؛ إذ على تقدير وجوب الشكر فلو فرض تركه هل يستحق العقاب عليه أم لا ؟

فإن أجبتم بأنّه يستحق العقاب على تركه فلازمه دخوله في لزوم دفع الضرر المحتمل ، وهو ملاك الوجوب الفطري ، ولا يصحّ تبريره وتعليله بوجوب شكر المنعم ، وإن أجبتم بأنّه لا يلزم في نظر العقل الإتيان بمصداق الشكر وإن كان حسناً[2] .

ويردّ عليه :

أولاً : أنّ هناك فرق بين كون شيء ملاكاً لشيء، وبين كونه موجوداً تبعاً لوجود ملاكه ، بمعنى أنّ تحقق شيء ووجوده في موضوع معين أو في محله لا يستلزم بالضرورة أن يكون ملاكاً للحكم الصادر على ذلك الموضوع ، فقد يترتب على الموضوع صفات كثيرة ، ولكن لا تكون ملاكاً للحكم العارض على ذلك الموضوع ، وفي محل كلامنا الأمر كذلك ، فلو ترك العبد شكر المنعم استحق العقاب ، وترتب على ذلك دفع الضرر ، ولكن لا يعني ذلك كون الملاك لوجوب الامتثال وجوب دفع الضرر المحتمل وإن كان ملازماً له وجوداً .

ولا بأس بعرض مثال يوضح هذه الفكرة ، إذ لا ريب في وجوب الإحسان إلى الوالدين ، ولا ريب في ملاك هذا الوجوب هو لزوم البرّ بهما ، ولكن لو ترك الولد الإحسان إليهما فيما يؤدي إلى أذيتهما وإدخال النقص عليهما ، فلا ريب في استحقاقه للعقاب فيستقل العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل ، وعليه فهل يصبح ملاك وجوب الإحسان إليهما لزوم دفع الضرر المحتمل ؟

لا ريب في أنّ الجواب هو النفي وأنّ ملاك وجوب الإحسان هو لزوم البرّ وإن كان عند عدم الإحسان بما يؤدي إلى أذيتهما يتلازم مع الضرر اللازم بحكم العقل دفعه ، ولكنّه ليس ملاكاً للوجوب .

وثانياً : لا ملازمة بين وجوب شكر المنعم ولزوم دفع الضرر المحتمل في حال عدمه ، فحتى لو قلنا لا يترتب على عدم أداء حقّ شكره العقاب ، لا يعني ذلك عدم وجوب شكره من باب التعظيم والاحترام والتقدير والشعور بالامتنان في جنبه ، ونحو ذلك من العناوين الملزمة عقلاً حتى ولو لم يترتب عليه العقاب ، فلو اطلع العبد على أنّ سيده لن يعاقبه لو أخلّ بأغراضه ومقدساته ، فهل يسقط وجوب طاعته بنظر العقلاء ، أم أنّهم يرون لزوم طاعته قائمة ؛ لعدم تقيدّها بلزوم دفع الضرر المحتمل ؛ لأجل التعظيم والتقدير والاحترام ونحوها .

والنتيجة :

صلاحية جعل شكر المنعم بنفسه ملاكاً للوجوب العقلي المتعلّق بأحد هذه البدائل ، ولكن مع تقييده بكون المنعم هو الله تعالى ، كما هو كذلك فيما نحن فيه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo