< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/10/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الواجب المؤقّت / إشکال المحقّق العراقيّ علی دعوي الآخوند/

 

ذكرنا في الجلسات السابقة دعوى المحقّق الخراسانيّ من إمكان التمسّك بإطلاق دليل الواجب فيما كان دليل التوقيت منفصلاً وفاقداً للإطلاق.

غير أنّ المحقّق العراقيّ أشكل على هذه الدعوی قائلاً: إنّ وجود الإطلاق في دليل الواجب وعدمه في دليل التوقيت المنفصل، مجرّد فرض لا واقع له؛ فأوّلاً: دليل التوقيت ظاهر في وحدة المطلوب ويبيّن أنّ التقييد إنّما يكون لأصل المطلوبيّة لا مراتبها، وثانياً: إذا فرض عدم ظهور دليل التوقيت فيه، فدليل العبادة في هذه الواجبات لا إطلاق له حتّى يتمسّك به في مقام الشك إثباتاً للوجوب خارجَ الوقت؛ لأنّ هذه الأدلّة لم ترد إلا لبيان أصل التشريع وليست في مقام بيان مثل هذه الجهات.[1]

وإشكاله الأوّل وإن كان وارداً وراجعاً إلى ما تقدّم منّا، ولكن ليس لإشكاله الثاني معنىً محصّل؛ لأنّ دليل الواجب في مقام بيان المطلوبيّة قطعاً ولا يمكن نفي هذه الجهة منه.

أمّا الميرزا النائيني فقال: إذا دلّ دليل على وجوب القضاء بعد الوقت، فيمكن السؤال هل يكشف وجود مثل هذا الدليل عن أنّ الأمر الأوّل باقٍ بعد الوقت ـ إمّا لدخل الوقت في الواجب بنحو تعدّد المطلوب أو لانحصار مدخليّة الوقت في الواجب في حالة الاختيار ـ أو أنّ الأمر بالقضاء أمر جديد حدث بعد فوات الأمر الأوّل؟

ثمّ أجاب عن السؤال: الوجه الأوّل وإن أمكن ثبوتاً من کلا الحيثين، ولكنّ الظاهر في المقام هو أنّ القضاء إنّما كان بأمر جديد؛ لأنّ کلمة «القضاء» ظاهرة في تدارك ما فات وقته، بينما لا معنى للتدارك على الوجه الأوّل؛ إذ عليه يكون المأتيّ به خارجَ الوقت متعلّقاً بنفسه للأمر الأوّل.

ويؤيّده أنّ القضاء ثابت في الحجّ والصوم المنذور أيضاً، مع أنّ الوجوب في النذر يتبع قصد الناذر وعلى فرض تعلّقه بالفعل المقيّد بزمان خاصّ، فيستحيل بقاؤه بعد الوقت. كما أنّه على الوجه الأوّل، فإنّ الأمر بالقضاء يجب أن يتّصل بالأمر الأوّل من حيث الزمان، بينما زمان القضاء غالباً ما يكون منفصلاً عن زمان الأداء؛ فمثلاً إذا لم يبق من الوقت إلا قدر ركعة واحدة، فيسقط الأمر بالأداء ولن يكون لقضاء الصلاة أمر بعدُ، بل يجب إتيان القضاء بعد خروج الوقت، فتحدث فجوة بين وقت الأداء والقضاء بمقدار أقلّ من ركعة واحدة.[2]

والسيّد الروحانيّ أشكل على الفرض الذي ورد في كلام المحقّق النائيني من أنّه قد يشكّ بعد ورود الأمر بالقضاء في أنّ تقيّد الواجب بالوقت مختصّ بصورة الاختيار، فقال: هذا الفرض غير ممكن، إذ يلزم منه أن يتخيّر المكلّف في أداء الواجب بعد الوقت؛ اذ المكلّف في هذه الصورة في حالتين: 1 ـ أن يكون قادراً على إتيان الواجب في الوقت، فيجب أن يأتي به في وقته.

2 ـ أن لا يكون قادراً على إتيانه في الوقت، حيث يجب عليه الصلاة بعد الوقت.

فيجب أن يتخيّر المکلّف بينهما کما هو مخيّر بالنسبة إلى صلاة القصر والتمام بين أن يسافر فيقصّر صلاته أو يحضر فيتمّ؛ بينما لا معنى لمثل ذلك في الواجب المؤقت.[3]

والجواب على هذا الإشكال هو أنّه في موارد القصر والتمام، فالمقيّد بالسفر أو الحضر هو موضوع التكليف، وليس القيد من القيود الواجب تحصيلها على المكلّف، فالمكلّف مختار في اختيار موضوع أيّ تكليف. بينما يکون التمكّن من إتيان الواجب في الوقت فيما نحن فيه قيد الوجوب لا الواجب، ومن تمكّن من إتيانه في الوقت تنجّز في حقّه إتيانه في الوقت، فلا يمكنه تعجيز نفسه، كما لا يجوز له أن يعجّز نفسه عن أداء الواجب قبل الوقت.

فإن قيل: إنّ هذه الدعوى إنّما تصحّ في مورد القدرة التي تكون شرطاً عقليّاً للتكليف، ولا تتمّ في مورد القدرة المأخوذة شرعاً في الوجوب؛ لأنّ المكلّف في هذه الصورة يستطيع منع توجّه الأمر الشرعيّ إليه بتعجيز نفسه قبل زمان الواجب، کما في مثل اشتراط الاستطاعة في وجوب الحجّ.

فالجواب: أنّ الزمان ظرف الواجب في الواجب المؤقّت لا قيد الوجوب، والوجوب متوجّه إلى المكلّف حتّى قبل زمان الواجب؛ ولذلك إذا قدر المكلّف على الإتيان في الوقت قبل أن يحين وقت الواجب، فلا يمكنه أن يزيل قدرته اختياراً، كما لا يحقّ لمن استطاع قبل أشهر الحجّ أن يزيل استطاعته.

فالتكليف بإتيان الواجب بعد الوقت لا يتوجّه إلا إلى من لم يقدر على الإتيان في الوقت، أو من زالت قدرته على الإتيان في الوقت من دون اختياره.

نعم، إذا لم يكن المكلّف قادراً قبل الوقت على إتيان الواجب في الوقت، فيجوز له ـ بناءً على الفرض المذكور في كلمات المحقّق النائينيّ ـ أن لا يجتهد في سبيل تحصيل القدرة بل أن يمانع من حصولها له، كمن مرض قبل شهر رمضان وكان العلاج له غير محرج ولا شاقّ، ففي هذه الصورة لا يجب عليه أن يعالج نفسه ليصوم شهر رمضان، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به.

والجواب: أنّه كلّما لم يمكن الالتزام بما تقدّم، ينتفي احتمال تقيّد مدخليّة الوقت في الواجب بحال التمكّن أيضاً، ولكن لا دليل على عدم امكان الالتزام في کلّ الموارد، فلا وجه لنفي الفرض بشكل عامّ.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo