< قائمة الدروس

درس خارج فقه استاد سیدعلی موسوی‌اردبیلی

45/11/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: القسم والنشوز والشقاق / القسم / مقدار الواجب من المبيت لدى الثيّب

 

الملاحظة الثانية: لا خلاف بين الأصحاب في كون المقدار الواجب من المبيت لدى الثيّب ثلاثاً، والأخبار متّفقة عليه أيضاً، إلا خبر ابن عبّاس المتقدّم في مبيت رسول الله(ص) بعد الزواج من زينب بنت جحش سبع ليال عندها وهي ثيّب، غير أنّ الرواية تفتقر إلى السند ولا تنهض لمعارضة الأخبار المعتبرة، ولو فرض اعتبار سندها فهي إخبار عن واقعة خارجيّة لا يُعلم خصائصها حيث قد يكون الرسول(ص) قد بات عندها بإذن زوجاته، على أنّه سبق بأنّ المشهور لا يرى لزوجات النبيّ الأكرم(ص) حقّ القسم.

غير أنّ الشيخ يقول في الخلاف في ذلك: «من كانت عنده زوجتان أو ثلاثة فتزوّج بأُخرى، فإن كانت بكراً فإنّه يخصّها بسبعة أيّام ويقدّمها، فلها حقّ التقديم والتخصيص. وإن كانت ثيّباً فلها حقّ التقديم والتخصيص بثلاثة أيّام، أو سبعة أيّام ويقضيها في حقّ الباقيات، وهي بالخيار بين أن تختار ثلاثة أيّام خاصّة لها أو سبعة أيّام يقضيها في حقّ البواقي...

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.

وروى أنس بن مالك: أنّ النبيّ(ص) قال: «للبكر سبع وللثيّب ثلاث»[1] ، فأضاف إليها بلام التمليك.

وروت أُمّ سلمة: أنّ النبيّ(ص) قال لها لمّا تزوّجها: «ما بك على أهلك من هوان، إن شئت سبّعت عندك وسبّعت عندهنّ، وإن شئت ثلّثت عندك ودرت»[2] [3]

لكنّها روايات عاميّة لا يمكن الركون إليها، على أنّه مع إذعان الشيخ بعدم وجوب حقّ القسم على النبيّ الأكرم (ص) في الخلاف حيث قال: «النبيّ(ص) إذا بنى بواحدة من نسائه لم يكن يجب عليه القسمة للباقيات؛ وبه قال أبو سعيد الإصطخري، وقال باقي أصحاب الشافعي: أنّه كان يلزمه. دليلنا: قوله تعالى: ﴿تُرْجِی مَنْ‌ تَشٰاءُ‌ مِنْهُنَّ‌ وَتُؤْوِی إِلَيْكَ‌ مَنْ‌ تَشٰاءُ﴾[4] ، وذلك عامّ في جميع الأحوال.»[5]

فلا وجه للتمسّك بسيرته في هذا الخصوص، لأنّ الخيار كان بيد النبيّ(ص) وقوله(ص) لأُمّ سلمة: «إن شئت سبّعت عندك وسبّعت عندهنّ» فهو من باب مراعاة العدل الذي كان يراعيه(ص) في أعلى مراتبه ولو في حدود لم تكن واجبة عليه، لا أن يكون من باب حقّ القسم لزوجاته.

وأمّا اختلاف الأخبار في مقدار المبيت عند البكر فقد سبّب اختلافاً في آراء الأصحاب في هذا الخصوص، فالشيخ بعد أن نقل في تهذيبه حسنة محمد بن مسلم التي ورد فيها أنّ المبيت لدى الثيّب ثلاث والبكر سبع، قال في مقام دفع تعارضها مع الأخبار الدالة على كون المبيت لدى البكر ثلاثاً أيضاً بأنّه «لا ينافي هذا الخبر ما تقدّم من الأخبار، لأنّ الأخبار الأوّلة نحملها على أنّ المراد بها أنّ له أن يفضّل البكر بثلاثة أيّام ـ وهو أفضل ـ ثمّ‌ يرجع إلى التسوية. والخبر الأخير نحمله على الجواز دون التخيير، فإنّ من فعل ذلك لم يكن مأثوماً وإن كان قد ترك الأفضل.»[6]

كما قال في نهايته: «إذا عقد على امرأة بكر، جاز له تفضيلها بثلاث ليال إلى سبع ليال، ثمّ‌ يرجع بعد ذلك الى التسوية.»[7]

وظاهر كلام ابن إدريس أيضاً هو أنّ خيار المبيت سبعاً لدى البكر بيد الزوج، حيث قال: «إذا عقد على امرأة بكر، جاز له تفضيلها بسبع ليال ويعود إلى التسوية ولا يقضي ما فضّلها به، فإن كانت ثيّباً فضّلها بثلاث ليال.»[8]

ولكنّ قال الشهيد الثاني: «قال ابن الجنيد: إذا دخل ببكر وعنده ثيّب واحدة، فله أن يقيم عند البكر أوّل ما يدخل بها سبعاً ثمّ‌ يقسم. وإن كانت عنده ثلاث ثيّب أقام عند البكر ثلاثاً حقّ‌ الدخول، فإن شاء أن يسلفها من يوم إلى أربعة تتمّة سبعة ويقيم عند كلّ‌ واحدة من نسائه مثل ذلك ثمّ‌ يقسم لهنّ‌، جاز. والثيّب إذا تزوّجها فله أن يقيم عندها ثلاثاً حقّ‌ الدخول ثمّ‌ يقسم لها ولمن عنده، واحدة كانت أو ثلاثاً قسمة متساوية.»[9]

والظاهر أنّ تفصيل ابن جنيد مستفاد من روايات ورد فيها أنّ الرجل إذا تزوّج ببكر وعنده زوجة، فعليه أن يبيت لدى البكر سبعاً، وقد حملها على ما إذا كانت له زوجة واحدة حين العقد على البكر، وحمل الأخبار الدالّة على وجوب المبيت عندها ثلاثاً على ما إذا كانت له أكثر من واحدة حين النكاح بالبكر، والحال أنّ في الأخبار الدالّة على اختصاص حقّ البكر بثلاث أخباراً ظاهرها أنّ الزوج لم يكن له أكثر من زوجة حين الزواج من البكر.

غير أنّ صاحب الجواهر عند بيان وجه قوّة القول بوجوب المبيت سبعاً لدى البكر علاوة على ذكر دعوى إجماع الشيخ في الخلاف، قال: «لمعلوميّة رجحان نصوص السبع في البكر بالشهرة العظيمة بل عدم الخلاف كما قيل، بل الإجماع المحكيّ عن جماعة على وجه لا يقاومها خبرا الثلاث المحمولان على أنّها إنّما تستحقّها دون التكملة سبعاً، وإنّما له تقديمها ويقضيها للباقيات كما سمعته من الإسكافي في الجملة، أو على إرادة استمرار تفضيلها بالثلاثة التي له ولها من الأربع، بل لعلّه ظاهر الأوّل منهما[10] بقرينة ما قبله وما بعده، فيراد حينئذٍ من حين الدخول بها وحدثان العرس الأيّام القريبة منه أو غير ذلك.»[11]

ولكنّ الإجماع الذي ادّعاه الشيخ مدركيّ خالفه هو نفسه في التهذيب والخلاف، هذا أوّلاً.

وثانياً: فإنّ الأخبار الدالّة على ثبوت حقّ البكر في ثلاث ليال غير منحصرة في خبر الحسن بن زياد ومضمرة سماعة، بل وصحيحة الحلبيّ أيضاً تدلّ عليه، ولكنّه لم ينقلها في جواهره.

وثالثاً: فالشهرة الفتوائيّة عندنا لا تسبّب ترجيح خبر على آخر.

ورابعاً: إنّ الحمل الذي تبنّاه في الأخبار الدالّة على ثلاث ليال من عدم وجود حقّ للزوجة البكر بعد الثلاث، يخالف مبناه الذي بنى عليه من وجوب المبيت سبعاً لدى الزوجة البكر.

وخامساً: لا شاهد من الأخبار على حلمه الأخير للأخبار المذكورة خلافاً لما ذهب إليه.

إذن ينبغي بيان وجه الجمع بين الأخبار بنحو آخر ممّا سنتطرّق إليه في الجلسة القادمة إن شاء الله.


[10] ـ مراده من الخبر الأوّل، هو خبر الحسن بن زياد ومن الخبر الثاني، مضمرة سماعة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo