< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشیرازي

34/05/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 كلمة بمناسبة ولادة السيدة زينب (عليها السلام)
 اليوم يصادف ولادة السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) على طبق بعض الروايات.
 لقد كانت السيدة زينب (عليها السلام) شخصية اعترف الصديق والعدو، الشيعة والسنة بعظمة مقامها وشموخها. كتبت (بنت الشاطئ) وهي من الشخصيات السنية المهمة عنها كتاباً بعنوان (زينب بطلة كربلاء) وقد ترجم هذا الكتاب إلى اللغة الفارسية. ذكرت الكاتبة في هذا الكتاب إن السيدة زينب (عليها السلام) غيرت مجرى التاريخ الإسلامي، لقد ساهمت كلمتها (سلام الله عليها) خطبها وصمودها أمام التحديات في أداء هذه المهمة العظيمة إن الذي جرى في كربلاء أمرين عظيمين هما الأسر والشهادة، ولقد كان دور الأسر مكمل لدور الشهادة، بحيث لو لم يكن الأسر لأصبح دور الشهادة في الهجر والنسيان.
 * * *
 موضوع البحث الفقهي: الفورية في أداء صلاة الطواف
 البحث في الفرع الثاني من المسألة الأولى من مسائل صلاة الطواف التي ترجع إلى الفورية في أداء صلاة الطواف.
 قلنا أنه وردت طائفتان من الروايات في هذا الشأن، الطائفة الأولى تذكر عدم وجوب الاعتناء بالأوقات المكروهة، ويجب أداء صلاة الطواف دون أي تأخير، والطائفة الثانية تذكر إن الأفضل هو رعاية الأوقات المكروهة وبالتالي جواز تأخير صلاة الطواف.
 من هنا نجد التعارض بين هذه الروايات والروايات الدالة على وجوب الفورية، وقد ذكرنا بعض روايات هذه الطائفة ونستعرض الآن الروايات المتبقية:
 عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ قَالَ سَأَلْتُ الرِّضَا (عليه السلام) عَنْ صَلَاةِ طَوَافِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ لَا فَذَكَرْتُ لَهُ قَوْلَ بَعْضِ آبَائِهِ أَنَّ النَّاسَ لَمْ يَأْخُذُوا عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ (عليهما السلام) إِلَّا الصَّلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ بِمَكَّةَ فَقَالَ نَعَمْ وَلَكِنْ إِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ يُقْبِلُونَ عَلَى شَيْ‌ءٍ فَاجْتَنِبْهُ فَقُلْتُ إِنَّ هَؤُلَاءِ يَفْعَلُونَ فَقَالَ لَسْتُمْ مِثْلَهُمْ [1] .
 يمكن أن يكون قصد الإمام الرضا (عليه السلام) إن الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) إنما فعلوا ذلك بداعي التقية لأن أهل السنة كانوا يصرون على صلاة الطواف بعد صلاة العصر دون أي تأخير.
 والإمام الرضا (عليه السلام) يقول: أنتم لستم مثلهم، ولا يجب أداء صلاة الطواف في الوقت نفسه، بل يفضل الانتظار وأداءها بعد الوقت المكروه.
 الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ عَنْ أَخِيهِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (عليه السلام) (موسی بن جعفر علیه السلام) عَنِ الَّذِي يَطُوفُ بَعْدَ الْغَدَاةِ وَ بَعْدَ الْعَصْرِ وَ هُوَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ أيُصَلِّي رَكَعَاتِ الطَّوَافِ نَافِلَةً كَانَتْ أَوْ فَرِيضَةً قَالَ لَا [2] .
 قَالَ الشَّيْخُ وَ قَدْ رُوِيَ كَرَاهَةُ ذَلِكَ يَعْنِي صَلَاةَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ عِنْدَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ وَ عِنْدَ طُلُوعِهَا [3] .
 والرواية مرسلة الشيخ الطوسي.
 طرق الجمع:
 الطريق الأول: نحمل الروايات المانعة على التقية، والروايات المجوزة على الوجوب، وعلى هذا تجب صلاة الطواف فوراً، وهذا الطريق من أفضل طرق الجمع.
 الطريق الثاني: نحمل الروايات المانعة على الكراهة، والروايات الآمرة على الجواز. يمكن أن يجتمع الجواز مع الكراهة لأن الروايات الناهية لا تدل على الحرمة وإلا بطل الجمع، والمحصلة، يمكن أداء صلاة الطواف فوراً، ويمكن تأخيرها في الأوقات المكروهة.
 نقول: لا تساعد بعض الروايات التي ذكرناها على هذا الجمع، ففي الرواية الثالثة وهي رواية صحيحة ونصها:
 وَهَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ هُمَا الْفَرِيضَةُ لَيْسَ يُكْرَهُ لَكَ أَنْ تُصَلِّيَهُمَا فِي أَيِّ السَّاعَاتِ شِئْتَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ عِنْدَ غُرُوبِهَا وَلَا تُؤَخِّرَهَا سَاعَةَ تَطُوفُ وَ تَفْرُغُ فَصَلِّهِمَا [4] .
 فالرواية صرحت بأن لا كراهة بأداء الصلاة فوراً.
 الطريق الثالث: نحمل الروايات المانعة على صلاة الطواف المستحب والتي صلاته مستحبة كذلك لذا يمكن تأخير هذه الصلاة، ونحمل الروايات المجوزة والآمرة على صلاة الطواف الواجبة والتي يجب أداؤها فوراً.
 نقول: لا يناسب هذا الجمع الحديث الحادي عشر حديث علي بن يقطين، لأن الإمام (عليه السلام) يذكر في هذا الحديث أنه لا فرق بين النافلة والفريضة، والخلاصة أنه في صلاة الطواف الواجب والمستحب لا يجب مراعاة الأوقات المكروهة، ويجب أداء صلاة الطواف فوراً، خصوصاً إن الشيعة لا ترى إن الأوقات المكروهة تختص بالصلاة الواجبة، ولا أنها تختص بالنوافل مطلقاً، وإنما تختص بالنوافل الابتدائية، ولا علاقة للنوافل اليومية بها.
 الفرع الثالث: صلاة الطواف تؤدى كصلاة الصبح، ولا تختلف عنها إلاّ بالنية، ولا يجب مراعاة الجهر والاخفات.
 ولم ترد رواية في كيفية أداء صلاة الطواف، لذا فنحن نتمسك بإطلاق المقامي ونقول: إن هذه الصلاة يجب أداؤها كالصلاة اليومية.
 الإطلاق على قسمين:
 الإطلاق اللفظي: قد يرد لفظ مطلق في الكتاب أو السنة، وتجري عليه مقدمات الحكمة: مثلاً إذا قال المولى: اعتق رقبة، والرقبة لفظ مطلق لا فرق فيه بين المؤمن والكافر وغيرهما، فمقدمات الحكمة تقول: إن المولى كان في مقام البيان، ولم يكن قدر متيقن في البين، ولا يوجد قرينة على خلاف الظاهر، لذا فإن كلام المولى مطلق.
 الإطلاق المقامي: قد لا يكون هناك لفظ، ولكن المقام مقام أن لو أراد المولى شيئاً لذكره، ومثال ذلك أن يقول المولى: يجب أداء صلاة الطواف، ففي هذه الحالة لو كانت صلاة الطواف تختلف عن بقية الصلوات لكان عليه أن يبينها، وإلا لكان على الناس أن يصلوها كبقية الصلوات.
 وعندما نرى من خلال الروايات المتواترة أنه لا يوجد أي إشارة لكيفية صلاة الطواف، نعرف انه لم يلحظ إن خصوصية معينة في ذلك.
 والإطلاق المقامي يطبق في كل أبواب الفقه، مثلاً كأن يقول الشارع: توضأ ثم يبين كيفية الوضوء في حالة الصلاة، ثم يقول: توضأ ولكنه لا يبين كيفية خاصة للوضوء فهذا دليل على أنه يريد وضوء كوضوء الصلاة.
 نعم لا يجب رعاية الجهر والاخفات في صلاة الطواف، لأن الجهر والاخفات يتعلق بالصلوات اليومية المؤقتة، ويمكن أداء جميع الصلوات التي تؤدى ليلاً جهراً، والصلوات التي تؤدى نهاراً اخفاتاً.
 وقد ذكرت بعض الروايات فلسفة ذلك، ومن جملة ما ورد إن الصلوات التي كانت تصلى ليلاً في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)، كان الظلام يخيم على المسجد، لأنه لم تكن هنا مصابيح في المسجد، لذا كانوا يصلون بصوتٍ عالٍ ليلتفت الآخرون أن الصلاة قائمة فيلتحقوا بهم، وصلاة الطواف لا وقت لها، ولا يجب رعاية الجهر والاخفات فيها، يضاف إلى ذلك أن يرى المسلمين قد قامت على عدم رعاية الجهر والاخفات في النوافل اليومية.


[1] وسائل الشیعة، ج 9، باب 76 من أبواب الطواف، حدیث 10.
[2] وسائل الشیعة، ج 9، باب 76 من أبواب الطواف، حدیث 11.
[3] وسائل الشیعة، ج 9، باب 76 من أبواب الطواف، حدیث 12.
[4] وسائل الشیعة، ج 9، باب 76 من أبواب الطواف، حدیث 3.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo