< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیة الله مکارم الشيرازي

32/11/19

بسم الله الرحمن الرحیم

  عنوان البحث: تروك الإحرام- الطيب- إستثناء الخلوق
  قلنا أن الخلوق يستثنى من حرمة الطيب على المحرم و قد أدعي الإجماع على ذلك، كما دلت الروايات أيضا فلا إشكال من ناحية الحكم و إنما الإشكال من ناحية الموضوع لأن معنى الخلوق مجهول لنا.
  قد تحدثت المصادر الفقهية و اللغوية عن الخلوق و مكوناته فهي تكشف عن أنه كان مركبا من أنواع مختلفة من الطيب. كما أن الروايات بدورها تحدثت عن الإستعمالات المختلفة للخلوق و منها إستحباب طلي رأس الوليد به بدلا عن دم العقيقة، و قد كان يستعمل أيضا من قبل الرجال و النساء إلا أن إستعمال النساء له كان أكثر بكثير، و عليه أن معنى الخلوق كان واضحا أنذاك و لكن بعد مرور قرون متمادية إكتنف معناه غموضا فلم نعلم على وجه التحديد ما تعنيه كلمة الخلوق. و من هنا نقول أن الشبهة مفهومية لا مصداقية.
  تحديد الموقف:
  في تحديد الموقف من هذه المشكلة طريقان:
  الأول: أن نقول إن إستثناء الخلوق من الطيب ليس للتعبد بل لأجل ما يعترض المحرم من عسر و حرج و ذلك لو قلنا بالحرمة، كما أنه قد يعد إمساك الأنف أسائة للكعبة المشرقة و لذلك نقول أن كل طيب يصح أن يستعمل في تعطير الكعبة، فلا خصوصية للخلوق و هو بالتحديد مثل سوق العطارين الذي كان على جانبي المسعى يومئذ و كان يشم الحجاج الأرياح التي كانت تفوح منه دونما حرج! ففي سوق العطارين أيضا قالوا لا يجب الإمساك بالأنف لمنع شم رائحة الطيب لما يتضمنه ذلك من عسر و حرج، و نحن نتبنى هذا الموقف.
  الثاني: أن نقول إن الإستثناء من باب التعبد، و هذا يقتضي أن نعرف الخلوق بدقة حتى نعرف الذي خرج بالتخصيص، في حين أنه مجهول لنا فيكون من قبيل تخصيص العام بالمخصص المجمل.
  و لكي نتذكر القاعدة الأصولية نبحثها بالتفصيل على ما يلي:
  و لنبدأ بهذا السؤال: ما هو حكم الإستثناء من العام بالمخصص المجمل؟
  إن المخصص على أربعة أقسام:
  الأول: المخصص المتصل، كما لو قيل: لا يجوز الطيب للمحرم إلا خلوق الكعبة! ففي هذه الحال النسبة إما أن تكون من قبيل الأقل و الأكثر و إما من قبيل المتباينين، فمثال الأول كقوله: إكرم العلماء إلا الفساق منهم، أو قال بعد فترة لا تكرم الفساق العلماء، و دار أمر الفاسق بين أن يكون مرتكب الكبيرة و ما يعم المصرّ على الصغيرة أيضا.
  الثاني (أي المخصص المنفصل): مثاله ما لو قال المولى: "أكرم العلماء إلا زيدا" أو بعد فترة قال: "لا تكرم زيدا" و لكن لا نعلم أن زيدا هو إبن الحسن أو إبن الحسين. علما بأن خطاب المولى المخصص في كل منهما يمكن أن يكون متصلا أو منفصلا كما مثّلنا.
  و ينبغي الإلتفات إلى أن الشبهة مفهومية كما أشرنا أنفا و ليست بمصداقية، و نعني بذلك أن الغموض يكتنف المخصص في كلام المولى نفسه فلا علم لنا بالفرد الذي قصده! في حين أن منشأ الشبهة المصداقية ليس ما أطلقه المولى من خطاب بل المنشأ هو ما كان في الخارج من دون أن يكون شك في ما نطق به المولى! و ذلك كما لو قال: "أكرم زيدا بن الحسن" و لكن لا نعلم أين يسكن و لا نعلم أنه ملبس بلباس رجال الدين مثلا أو لا؟ و هل أنه موظف عند الدولة أم لا؟ فهذه الأسباب الخارجية تحول دون التعرف عليه! و بذا يتضح الفرق بين الشبهتين المفهومية و المصداقية.
  إذن المخصص هنا إما متصل أو منفصل و النسبة بين أطرافه إما هي الأقل و الأكثر أو التباين! فعلى فرض أن المخصص متصل يسري الإجمال إلى العموم بحسب ما تقتضيه سيرة العقلاء لأن العقلاء يشكون في الرسالة التي تصلهم إذا كانت بعض فقراتها مجملة لأن ظهور العام لا ينعقد إذا كان المخصص مجملا.
  و أما إذا كان المخصص منفصلا فإذا كانت النسبة من قبيل الأقل و الأكثر، فينعقد الظهور للعام لأن المخصص منفصل فينعقد الظهور للعام و لا يسري الإجمال إليه فيحصل العلم بأن الأكثر خارج فيكون العام حجة في ما تبقى منه و هو مرتكب الكبيرة و أما الأكثر من ذلك و هو المصر على الصغيرة فلا دليل عليه فنجري فيه البرائة. توضيح ذلك، لو قال المولى: "أكرم العلماء" فبقوله هذه ينعقد الظهور ثم بعد فترة قال: "لا تكرم الفساق من العلماء" فإن مرتكب الكبيرة باق تحت المخصص و أما المصرّ على الصغيرة الذي يتحقق به معنى الأكثر خارج فنجري البرائة فيه و بذلك يكون العام حجة فيه. و قد ذهب كثير من الأصولين إلى ذلك في الأقسام الثلاثة.
  و أما إذا كان المخصص منفصلا و النسبة بين أطرافه هي التباين فعند ذاك ينعقد الظهور للعام و لكن إجمال المخصص يسري إليه العام لأننا لا نعلم أن المراد هو زيد بن الحسن أو زيد بن الحسين! فتسقط حجية العام بالنسبة لكل منهما فلا نستطيع أن نستخرج حكما من العام و هو قوله: "أكرم العلماء"
  فإذا لم نتمكن من الأخذ بعموم العام فعلينا أن نلجأ إلى الأصول العملية و الأصل في دوران الأمر بين المتباينين هو الإحتياط كما هو الحال في الإنائين حيث لا نعلم أي الإنائين نجس! و في دوران الأمر بين المحظورين و ذلك كما لو قال المولى اكرم العلماء ثم قال لا تكرم زيدا و نعلم أن المولى يوجب الإكرام إذا كان زيد بن الحسن و يحرمه إذا كان إبن الحسين فعندئذ تجري أصالة التخيير بأن نكرم أحد الزيدين لا على التعيين، و إذا كنا من أهل القرعة فنعمل بحسبها.
  بعد إيضاح القاعدة فلنأخذ بتطبيقها على المقام:
  فهناك عام و هو حرمة الطيب، ثم ورد مخصص منفصل هو لا يجب الإجتناب عن خلوق الكعبة فالنسبة بين طرفي الخلوق هو التباين بمعنى أننا لا نعلم أن الخلوق هو التركيب الأول أو الثاني أو الثالث مثلا و لذلك يصبح العام مجملا فلا نتمكن من الأخذ بالعام في واحد من تراكيب الخلوق فيلزم أن نأخذ بالأصول العملية فنعمل بالإحتياط كما ذهب إليه السيد الماتن. و لذلك لا نستطيع أن نجري البرائة في واحد من مصاديق الخلوق كما هو الحال في الإنائين المشتبهين.
  هذا ما يقتضيه القول بالتعبد و أما على ما ذهبنا إليه لا يجب إمساك الأنف من ريح الخلوق و من أي طيب أخر طليت به الكعبة المشرفة و ذلك لا يخص المحرم طائفا بل تعم من جاء للدعاء تحت الميزاب أبضا و هذا الحكم لا يشمل ما لو كان الشخص عامدا لإستشمام ريح الخلوق مثلا فإن في ذلك إشكال.
  و أما المسألة 11 و هي عن الفواكه ذات الرائحة الطيبة فلا إشكال في أكلها و في إستشمام رائحتها ففي هذا المقام ينبغي أن ندرس أن حكم الفواكه هو نفس حكم الرياحين أم لها حكم أخر؟ البعض قد الحق الفواكه بالرياحين المأكولة كالإذخر و سيأتي الحديث عن ذلك مفصلا إن شاء الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo