< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه - کتاب الحج

آیت الله مکارم الشیرازي

32/06/10

بسم الله الرحمن الرحیم

عنوان البحث: حرمة النظر إلى المرأة بشهوة

  كان البحث في الفرع الثاني من فروع المسألة الثالثة من مسائل تروك الإحرام و هو النظر إلى المرأة، و قد ذكرنا الأقوال في الفرع الثاني و قد قلنا أن رأي السيد الماتن موافق لما ذهب إليه المشهور و هو أنه لو نظر إلى أهله بشهوة فأمنى فعليه كفارة، و لو أمنى من غير شهوة فليس عليه شيء بحسب ظاهر كلامه قدس سره-، و لو نظر إلى غير أهله فأمنى بشهوة أو غير شهوة فعليه كفارة فإن كان موسرا فبدنة و إن كان فقيرا فشاة و إن كان متوسطا بينهما فبقرة و إن لم يمن فليس عليه شيء.

  و قد فرق صاحب الجواهر بين النظر بلذة جنيسة و بغير لذة، فالنظر إلى المرأة بغير لذة جنسية مثل ما لو نظر إلى غصن ورد، و لكن نحن نرى أن ذلك من تسويلات الشيطان و من الغريب أن الصوفية يقولون بأنّ من طرق السلوك إلى الله هو النظر إلى الوجه الحسن فيقولون: إن الله جميل و يحب الجمال!

أدلة هذا الفرع:

  روايات النظر إلى غير الأهل و ردت في الباب السادس عشر من أبواب كفارات الإستمتاع كما يلي:

  "مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ مُحْرِمٍ نَظَرَ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَأَنْزَلَ قَالَ عَلَيْهِ جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَشَاةٌ". [1]

  ظاهر هذه الرواية و هي صحيحة سندا- هو أن الجزور للغني و البقرة لمتوسط الحال و الشاة للفقير.

  و لتقييم هذه الرواية يلزم التمعن في قوله عليه السلام : "نظر إلى غير أهله فأنزل" فهل تفيد الإطلاق لتعم ما لو كان بشهوة و من غير شهوة أم لا؟ يبدو من عبارة المشهور أنها تفيد الإطلاق، و لكن الإنصاف أنها منصرفة إلى النظر بشهوة لأنه لا إنزال من دون شهوة إلا ما ندر في من لم يتمتع بحالة إعتيادية.

  "وَ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبَلَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام رَجُلٌ مُحْرِمٌ نَظَرَ إِلَى سَاقِ امْرَأَةٍ فَأَمْنَى فَقَالَ إِنْ كَانَ مُوسِراً فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَ إِنْ كَانَ وَسَطاً فَعَلَيْهِ بَقَرَةٌ وَ إِنْ كَانَ فَقِيراً فَعَلَيْهِ شَاةٌ ثُمَّ قَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ أَجْعَلْ عَلَيْهِ هَذَا -لِأَنَّهُ أَمْنَى إِنَّمَا جَعَلْتُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نَظَرَ- إِلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ". [2]

  يقول الإمام في ذيل الرواية و هي أيضا صحيحة سندا- إني لم أجعل الكفارة للإمناء، إنما جعلتها لأنه نظر إلى ما يحرم عليه و هو يشعر أن الكفارة ليست للإمناء بل للنظر إلى ما لا يحل عليه، إلا أن القوم حملوا العبارة على كون الإمام في مقام بيان أن الإمناء وحده لا يوجب الكفارة و الذي يوجبها هو النظر و الإمناء معا.

  إذا إقتنعنا بهذا الحمل فالمشكلة تزول، و إلا فإن ظاهرها مخالف للمشهور و لم يعمل بها أحد من الفقهاء.

  "وَ رَوَاهُ أَيْضاً فِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ عَنْ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ عَنْ خَالِدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ مُحْرِمٍ نَظَرَ إِلَى سَاقِ امْرَأَةٍ أَوْ إِلَى فَرْجِهَا حَتَّى أَمْنَى قَالَ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ أَمَا إِنِّي لَمْ أَجْعَلْهَا عَلَيْهِ إِلَّا لِنَظَرِهِ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهِ". [3]

  إن قوله: "نظر إلى ساق إمراة أو إلى فرجها حتى أمنى" يشعر أن النظر كان بشهوة و أما سندا فالرواية مرسلة.

  "وَ فِي نُسْخَةٍ قَالَ إِنْ كَانَ مُوسِراً فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَ إِنْ كَانَ مُتَوَسِّطاً فَعَلَيْهِ بَقَرَةٌ وَ إِنْ كَانَ فَقِيراً فَشَاةٌ أَمَا إِنِّي لَمْ أَجْعَلْهَا عَلَيْهِ وَ ذَكَرَ مِثْلَهُ". [4]

  هذا الحديث هو الحديث السابق مع إضافة، و في الواقع أن الأحاديث الثاني و الثالث و الرابع كلها حديث واحد و لكن بعبارات شتى و في الجميع قرائن تدل على ان النظر كان بشهوة.

  "مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ فِي مُحْرِمٍ نَظَرَ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَأَنْزَلَ قَالَ عَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى غَيْرِ مَا يَحِلُّ لَهُ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَنْزَلَ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَ لَا يَعُدْ وَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ‌ءٌ". [5]

  الرواية صحيحة سندا و يبدو أن معاوية بن عمار قد نقلها عن الإمام عليه السلام لأن له روايات كثيرة عن الأئمة عليهم السلام و هناك قرائن أخرى تدل على ذلك هذا من ناحية السند.

  و أما الدلالة فإنها تفترق عن الروايات الأخرى في أنها جُعلت الكفارة فيها دما فقال: "عليه دم" مع أن الروايات السابقة كانت تفترض للكفارة مراتب، فهذه الرواية مطلقة و الروايات السابقة خاصة فهي تخصص هذا الإطلاق.

  و بذا تمكنا من أن نبرهن على ما ذهب إليه المشهور، و مع ذلك نحاول أن نفترق عنه في من نظر إلى غير أهله من دون شهوة فأمنى، فعلى المشهور تلزمه كفارة، و لكن نحن نرى أنه لا كفارة عليه لإنصراف الروايات عن ذلك فتجري أصالة البرائة، مع أن الروايات الآتية بالمفهوم تشترط الشهوة في لزوم الكفارة و من هنا قال السيد الماتن بالإحتياط في عبارته: "و لو نظر إلى غير أهله فأمنى فالأحوط أن يكفر...".

و أما القسم الثاني: و هو ما لو نظر إلى أهله ...

  في هذا القسم ثلاث روايات من الباب السابع عشر من أبواب كفارات الإستمتاع.

  "مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ مُحْرِمٍ نَظَرَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَأَمْنَى أَوْ أَمْذَى وَ هُوَ مُحْرِمٌ قَالَ لَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ وَ لَكِنْ لِيَغْتَسِلْ وَ يَسْتَغْفِرُ رَبَّهُ وَ إِنْ حَمَلَهَا مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ فَأَمْنَى أَوْ أَمْذَى وَ هُوَ مُحْرِمٌ فَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ وَ إِنْ حَمَلَهَا أَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى أَوْ أَمْذَى فَعَلَيْهِ دَمٌ وَ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَتِهِ أَوْ يُنْزِلُهَا بِشَهْوَةٍ حَتَّى يُنْزِلَ قَالَ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ". [6]

  الرواية صحيحة سندا و صدرها مطلق يعم ما لو كان النظر بشهوة أو بغير شهوة و لكن ذيلها يفيد ما إذا كان النظر بشهوة فكفارة و ما لم يكن بشهوة فلا كفارة، و هو موافق لما عليه المشهور في أنه لو كان النظر بشهوة فأمنى فتلزمه كفارة و إن كان من دون إمناء فلا كفارة عليه.

  "وَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ جَمِيعاً عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ عَنْ مِسْمَعٍ أَبِي سَيَّارٍ قَالَ قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَا أَبَا سَيَّارٍ إِنَّ حَالَ الْمُحْرِمِ ضَيِّقَةٌ إِلَى أَنْ قَالَ وَ مَنْ مَسَّ امْرَأَتَهُ بِيَدِهِ وَ هُوَ مُحْرِمٌ عَلَى شَهْوَةٍ فَعَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ وَ مَنْ نَظَرَ إِلَى امْرَأَتِهِ نَظَرَ شَهْوَةٍ فَأَمْنَى فَعَلَيْهِ جَزُورٌ وَ مَنْ مَسَّ امْرَأَتَهُ أَوْ لَازَمَهَا عَنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ فَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ". [7]

  إن الرواية صحيحة و إن دار الحديث عن وثاقة مسمع إلا أننا نوثقه لتوفر القرائن.

  و أما دلالة فالرواية جعلت الكفارة للنظر بشهوة إذا تبعها الإمناء.

  "وَ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَوْ لِجَارِيَتِهِ بَعْدَ مَا حَلَقَ وَ لَمْ يَطُفْ وَ لَمْ يَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ اطْرَحِي ثَوْبَكِ وَ نَظَرَ إِلَى فَرْجِهَا قَالَ لَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُ النَّظَرِ". [8]

  هذه الرواية و هي صحيحة علي بن يقطين عن الإمام الكاظم عليه السلام تقول: "إذا لم يكن غير النظر" فهي بالمفهوم تدل على أنه لو كان شيء آخر مثل الإمناء فعليه أن يكفر.

رواية إسحاق بن عمار المعارضة:

  وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنِ الْحُسَيْنِ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي مُحْرِمٍ نَظَرَ إِلَى امْرَأَتِهِ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ‌ءٌ". [9]

  الرواية موثقة لأن إسحاق بن عمار و إن كان فطحيا لكنه ثقة، في هذه الرواية ورد قيدي الشهوة و الإمناء و مع ذلك قال الإمام عليه السلام : "ليس عليه شيء" فالرواية معارضة لسابقاتها، فما السبيل لحل التعارض؟ لحل ذلك طرق:

الأول لصاحب الجواهر فيقول: إن هذه الرواية لا تقوى على معارضة الراويات السابقة من وجوه.

  و لكنه -قدس سره- لا يشير إلى هذه الوجوه! لعل أحدها هو إعراض المشهور، و ينبغي التنبيه على أن المرجع عند التعارض هو الشهرة الفتوائية لا الروائية و هنا إلى جانب كثرة العدد في الروايات السابقة موافقة المشهور، و من جانب آخر لا يوجد إلا رواية واحدة و لكن كثرة العدد ليست من المرجحات. و هذا سبيل للترجيح لا للجمع.

الطريق الثاني و قد قاله الشيخ الطوسي:

  و هو كما نقل صاحب الوسائل- أن هذه الرواية تتحدث عن حالة السهو كما لو نسي أنه محرم، و الروايات السابقة لها تتحدث عن العمد.

و يرد عليه: أنّ هذا الجمع تبرعي و ليس بعرفي لأنه لا شاهد عليه.

الطريق الثالث و هو للمحق النراقي في المستند حيث يقول:

  إن قوله عليه السلام : "ليس عليه شيء" عام و الروايات السابقة خاصة، فمؤدى العبارة: ليس عليه شيء إلا بدنة.

و يرد عليه: أن قوله عليه السلام : "ليس عليه شيء" يأبى التخصيص، فهذا الجمع بعيد. و لذلك نقول أن أفضل الطرق لحل التعارض هو أن الرواية قد أعرض عنها الأصحاب.

[1] الوسائل/ ج 13 (ط الحديثة). أبواب كفارات الإستمتاع. باب 16. ح 1.

[2] المصدر/ ح 2.

[3] المصدر/ ح 3.

[4] المصدر/ ح 4.

[5] المصدر/ ح 5.

[6] المصدر/ باب 15. ح 1.

[7] المصدر/ ح 3.

[8] المصدر/ ح 4.

[9] المصدر/ ح 7.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo